وصايا للمرابطين والمرابطات بحسن الصبر والثبات

الشيخ د محمد أحمد حسين

2023-02-03 - 1444/07/12 2023-02-05 - 1444/07/14
عناصر الخطبة
1/تحية إكبار للأسيرات والأسرى الصامدين 2/بشرى للصابرين المحتسبين 3/الهجمة الشرسة على البلاد والعباد في الديار المقدَّسة 4/الوصية بالصبر والاحتساب

اقتباس

إنَّ المحنَ لا تزيد الشعوب الصابرة المرابطة إلا إيمانًا وتصميمًا على الحق، وإن المصائب هي التي تمتحن قوة الصابرين المؤمنين المرابطين، فعلينا -أيها الأحبابُ- أن نُوطِّن أنفسَنا على إيماننا بالله، وعلى ثقتنا بنصره وعزته، وإن يوم الفرج قريب قريب بإذن الله...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، ناصر المؤمنين، ومُذِلّ المنافقينَ والكافرينَ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وقدوتَنا وشفيعَنا، محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغُرّ الميامين، ومَنْ سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واتَّبَع سُنَّتَهم إلى يوم الدين.

 

والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والجرحى والمأسورين، وعلى المرابطين الثابتين الساجدين الراكعين، في المسجد الأقصى المبارَك وفي ديار فلسطين، لا، بل في جميع أرض المسلمين، وتحية طيبة مباركة نهديها لأسيراتنا الماجدات، اللواتي يتعرضنَ لصنوف العذاب، هناك في السجون الإسرائيليَّة، وكذلك لأسرانا البواسل الذين يتهددهم أولئك الذين لا يعرفون للقِيَم الإنسانيَّة مكانًا، لكننا على يقين بأنكم -أيها الأحرارُ الأبطالُ- أهلٌ للثبات، وأهلٌ للتحدي، وأهلٌ لتحقيق الحرية -بإذن الله تعالى-.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، أيها المرابطون في المسجد الأقصى وأكناف المسجد الأقصى، أيها المترددون لإعمار المسجد الأقصى في جميع الأحوال والأوقات: لا تخافون في الله لومة لائم، ولا ترهبون كل الوسائل التي من شأنها أن تفت في عضدكم، أو توهن من عزيمتكم؛ فأنتم كما بشركم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزالون ظاهرينَ على الحق إلى أن يأتي أمر الله وأنتم كذلك"، ومَنْ كان كذلك فإن الله -سبحانه وتعالى- سينصره، وسيؤيده، وسيشُدّ على قلبه وعلى نفسه.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: يُمتحَن الناسُ في أموالهم، وفي أنفسهم، وفي أولادهم، وفي ممتلكاتهم، وكل ذلك من أنواع البلاء ومن أنواع الامتحان والاختبار؛ فمن نجح في هذه الامتحانات والابتلاءات كان -بعون الله وتوفيق الله- من المحقِّقينَ لوعد الله وموعوده، ومن الفائزينَ في الدنيا والآخرة -بإذن الله-؛ ولذلك قال الله لنا في ذلك: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[الْبَقَرَةِ: 155-157].

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ)[التَّوْبَةِ: 16]، أم حسبتم أن تتركوا في هذه الدنيا سدى دون امتحان أو اختبار لإيمانكم ولمواقفكم ولتمسككم بمقدساتكم وحقوقكم؟

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار أرض الإسراء والمعراج: لقد مرت الأمم السابقة ومر سلفنا الصالح من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين مروا في ظروف قاسية، وحياة صعبة، ولكنهم صبروا، وبعد صبرهم كافأهم الله -سبحانه وتعالى- بالعزة والنصر، ولا أدل على ذلك من قول حبيبنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ‌إِنَّ ‌أَمْرَهُ ‌كُلَّهُ ‌خَيْرٌ، ‌إِنْ ‌أَصَابَتْهُ ‌سَرَّاءُ شَكَرَ، وَإِنَّ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، وَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلَاّ لِلْمُؤْمِنِ"؛ فالمؤمن على كل حال هو في خير مع الله -تعالى-، إن في السراء أو في الضراء، والعاقبة للمتقين.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ولذلك ساق الله لنا -سبحانه وتعالى- آيات كثيرة، ودلائل واضحة على أن المؤمنين لا بدَّ أن يُمحَصَّ إيمانُهم، ولا بد أن يُمتحَن ثباتُهم، فإذا ما مُحِّصُوا وثبَتُوا على الحق المبين كان النصر حليفهم، وهذا مُشاهَد في كتب السيرة والتاريخ؛ إذ كان الإسلام في بدايات دعوته يتعرض أتباعه لكل أصناف الأذى، ولكنهم هاجروا وصبروا واحتسبوا، فانتصروا وفتحوا البلاد على أوسع أبوابها، فعادوا إلى مكة كما تعلمون، وأقاموا عزة الإسلام ودولة الإسلام وكان شأن الإسلام والمسلمين عظيمًا كبيرًا منتشرًا في هذا العالَم.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إنَّ أمورًا كثيرةً يواجهها أبناء شعبنا في هذه الأيام، فالهجمة على المقدَّسات واضحة للعيان، للقريب والبعيد والغريب وغيرهم، والأزمة كذلك على الأرض وعلى أرض المواطنين حتى الخاصة، واضحة كذلك؛ فإنكم تتعرضون في هذه الأيام للأذى في النفس وفي الأهل وفي المال وفي الأرض وفي المقدسات وفي كل مقدرات هذا الشعب الكبير، هذا الشعب العظيم، هذا الشعب الصامد، هذا الشعب المرابط، هذا الشعب الذي أبى على نفسه إلا أن يكون سادنًا للمقدسات، وحارسا لهذه الأرض المبارَكة الطيبة، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا؛ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)[الْبَقَرَةِ: 214].

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إنَّ المحنَ لا تزيد الشعوب الصابرة المرابطة إلا إيمانًا وتصميمًا على الحق، وإن المصائب هي التي تمتحن قوة الصابرين المؤمنين المرابطين، فعلينا -أيها الأحبابُ- أن نُوطِّن أنفسَنا على إيماننا بالله، وعلى ثقتنا بنصره وعزته، وإن يوم الفرج قريب قريب -بإذن الله-؛ (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشَّرْحِ: 6]؛ نعم أيها المسلمون ما غلب عسر يسرين، وسيكون -بإذن الله- موعدكم يوم العزة، ويوم النصر، ويوم التوفيق، ويوم التأييد، ويوم يظهر فيه الحق على أيديكم واضحًا براقا لكل ذي قلب ولكل ذي بصر؛ لأنكم صفوة من أمة الإسلام اختارها الله -سبحانه وتعالى- لهذا الرباط، ولهذا العطاء، ولهذا الصبر، ولكل هذه المهمات العظيمة والجليلة والكبيرة التي يراها الله في ميزان حقه ثقيلة إن شاء الله لأعمالكم ومواقفكم، جاء في الحديث الشريف، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كلُّ ‌أُمَّتِي ‌يَدْخُلُونَ ‌الْجَنَّةَ ‌إِلَّا ‌مَنْ ‌أَبَى. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجنة، ومن عصاني فقد أبى". أو كما قال، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعينَ، ومَنِ اقتدى واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

 

وبعدُ أيها المسلمون: لا يغرنكم تقلُّب الذين كفروا في البلاد، ولا تغرنكم تلك المواقفُ المتخاذلةُ، التي تطبع من هنا أو هناك، وتحاول أن تتقرب بما يسمُّونه (السلام)، وأيُّ سلامٍ هذا؟ إنَّه الذلة، إنَّه المهانة، نعم إنَّه النكوص عن الحق وعن طرق الخير، التي بيَّنَها اللهُ -سبحانه وتعالى-، ولذلك نقول للمؤمنين الصادقين الصابرين، القابضين على إيمانهم كقبضهم على الجمر: "لا تغرنكم كل هذه المظاهر المتخاذلة، فكلها إلى فناء وإلى بلاء، وكلها تغاير الحق والحقيقة التي أرادها الله للمسلمين.

 

نعم أيها المسلمون: تمسكوا بإيمانكم، تسمكوا بحقوقكم، وكونوا كما أرادكم ربُّ العزة -سبحانه وتعالى-؛ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)[الْأَنْعَامِ: 153]، هذا من جانب.

 

ومن جانب آخَر: فإنَّنا في المسجد الأقصى المبارَك لا نعترف بأي زائر لهذا المسجد إلا أن يكون قد أتى بطريق الحق، وبطريق الخير، وأن يكون قد أتى للمسجد الأقصى المبارك، يتعامل مع أهل المسجد الأقصى المبارك، يتكلم معهم، ويسلم عليهم، ويكون معهم في جميع حركاته وسكناته، فلا تغرنكم أيها المسلمون أية تحرُّكات مشبوهة، لا تتجه إلى بوصلة الخير والحق، بوصلة القدس وبوصلة المسجد الأقصى المبارك، كونوا حريصين كما عهدناكم وكما كنتم دائمًا على الحق، وعلى الحفاظ على المسجد الأقصى المبارك، وعلى المقدسات، وعلى كافَّة الحقوق الفلسطينية والإسلاميَّة في هذه الديار المباركة، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا؛ (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الْحَجِّ: 40].

 

اللهم رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويجمع شملَنا، وينتصر لنا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالَنا بالصالحات.

 

وأنتم يا مقيمَ الصلاةِ أقمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات

وصايا للمرابطين والمرابطات بحسن الصبر والثبات.pdf

وصايا للمرابطين والمرابطات بحسن الصبر والثبات.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات