وصايا لإصلاح دين ودنيا المسلمين

الشيخ محمد سرندح

2024-06-21 - 1445/12/15 2024-06-23 - 1445/12/17
التصنيفات الفرعية: الأحداث العامة
عناصر الخطبة
1/وصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بحب المساكين 2/الأمر النبوي بنظر المسلم إلى من هو دونه 3/المسلم عزيز النفس 4/الوصية بالإكثار من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله 5/الفرحة بعودة حجاج فلسطين 6/الأمل في الله أن يفرج كرب إخواننا في غزة

اقتباس

المقدَّساتُ رَحِمُ الأمةِ، والمسجدُ الأقصى رحمٌ بين المسلمين، وأهلُ غزة رحمٌ بين الأمة الإسلاميَّة، ومن الرحم اهتمام حُكَّام المسلمينَ بالمسجد الأقصى، وبأهل فلسطين وأهل غزة...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله القائم على كل نفس بما كسبت، ثم تُوفَّى كلُّ نفسٍ ما كسبَتْ وهم لا يُظلَمون، الحمد لله الرقيب على كل جارحة بما اجترحت؛ (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ)[التَّكْويرِ: 14]، الحمد لله الحسيب على خواطر عباده إذا اختلجت، لا يعزب عنه مثقال ذرة، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، يجيب المضطرين، ويغيث الملهوفين، ويجيب المقهورين.

 

اللهُمَّ أنت أحقُّ مَنْ ذُكِرَ، وأحقُّ مَنْ عُبِدَ، وأكرمُ مَنِ ابتُغي، وأرأفُ مَنْ مَلَكَ، وأجودُ مَنْ سئل، وأوسعُ مَنْ أعطى، أنتَ الملكُ لا شريكَ له، والفردُ لا نِدَّ لكَ، الخلقُ خلقُكَ، والعباد في غزة عبيدُكَ، الخَلْقُ خلقُكَ، والعبادُ في فلسطينَ عبيدُكَ، وأنتَ اللهُ الرؤوفُ الرحيمُ، نسألكَ أن تحفظ أقصانا، وتجعله في عنايتك يا ربَّ العالمينَ.

 

وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، الرسول المصطفى، المختار المجتبى، جعله الله قدوة للسالكين، وإمامًا للعابدين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.

 

عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بسبع: -نعم؛ كلما انحرف المسار عن طريق الحق لا بد وأن ترجع الأمور إلى نصابها، لا بأهواء المضلين، بل بوصايا سيد المرسلين- أمرني خليلي بسبع وصايا، وهي وصايا للأمة لنهضتها ورقيها، أمرني بحب المساكين، والدنو منهم، وأمرني أن انظر إلى من هو دوني، ولا انظر إلى من هو فوقي، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرني ألا أسأل أحدًا شيئًا، وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مرا، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنهن من كنز تحت العرش".

 

أمرني خليلي بحب المساكين، ومراعاة احتياجاتهم؛ فأعلى مراتب المتابعة هي الحب، فإن لم تكن -أيها المسؤول- مُحِبًّا للمساكين، كن مُتابِعًا لاحتياجاتهم، بل وعليك الدنو منهم، متحسِّسًا مطالبَهم، شاعرًا بآلامهم وجراحهم، مستنشِقًا هواهم، شاربًا معهم، ماشيًا على أرضهم، فعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شملت مسؤوليته عن دابة عَثَرَتْ، فكيف قصاص هذه الأمة لتخاذلها عن مليونَيْ محاصَر من المساكين المستضعَفين، دون دواء وغذاء وإيواء؛ لذلك كانت الوصية للأمة وللأمراء والحكام، حب المساكين والدنو منهم، ومن أوجاعهم.

 

وعندما غفلت الأمة عن حب المساكين جاء التنبيه الثاني: وأمرني خليلي -صلى الله عليه وسلم- أن أنظر مَنْ هو دوني، ولا انظر إلى مَنْ هو فوقي، فقد انزلقت الأمة وانحدرت، ووقعت في شباك الغرب الحاقد؛ حيث وجه أنظار الشعوب نحو الرفاهية، والتنافس الماليّ، وصرف أنظارهم عن أهل الثبات والإيمان، وكل ذلك بخطط إعلاميَّة مسمومة، تنفق مئات المليارات سنويًّا، لإنتاج الأفلام، وإقامة المهرجانات المضللة، هذا مما ضيع الأمة الإسلاميَّة وأذلها.

 

إنَّ قارون جمَع المالَ، ولم يؤدِّ حقَّ الله فيه، وحذَّرَه اللهُ؛ (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ في الْأَرْضِ)[الْقَصَصِ: 77]، وتَبِعَ قارونَ قومٌ مضلَّلونَ قالوا: (يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ)[الْقَصَصِ: 79]، (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ)[الْقَصَصِ: 81]، وأمَّا المصلِحون الصالحون فقالوا: (وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ)[الْقَصَصِ: 80].

 

وأمرني خليلي -صلى الله عليه وسلم- أن أصل الرحم وإن أدبرَتْ؛ فالمقدَّساتُ رَحِمُ الأمةِ، والمسجدُ الأقصى رحمٌ بين المسلمين، وأهلُ غزة رحمٌ بين الأمة الإسلاميَّة، ومن الرحم اهتمام حُكَّام المسلمينَ بالمسجد الأقصى، وبأهل فلسطين وأهل غزة؛ ولذلك وجدنا أن السلطان صلاح الدين الأيوبي صعد المنبر أثناءَ حُكمِه لمصر الكنانة، ووُضعت على منبره ورقةٌ كُتِبَ فيها عبارة سالت دموعه منها، فقرأها على الملأ:

يا أيها الملك الذي لمعالم الصلبان نَكَّسْ *** جاءت إليك ظلامة تسعى من البيت المُقدَّسْ

كل المساجد طُهِّرَتْ وأنا على شرفي أُدَنَّسْ

 

فانهمرت دموعه وقدم بَيْت الْمَقدسِ فاتحًا مطهِّرًا؛ فحبل الله موصول للأمة، إن هي وصلت رحمها؛ فالرحم معلقة تحت العرش: "مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ".

 

وأمرني خليلي -صلى الله عليه وسلم- ألا أسأل أحدًا شيئًا؛ فالترفع وعزة النفس لدى أهل الرباط تفوق رغيف الذل، وأي دعم مالي مقابل التنازل عن المبادئ ترفضه النفوس الأبية، وترفضه الأيادي المتوضئة، وترفضه الهِمَم العالية؛ (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ)[التَّوْبَةِ: 28]، ما سادت الخلافة الراشدة وعلا شأنها إلا بالعفاف؛ "عَفَفْتَ فَعَفُّوا، وَلَوْ رَتَعْتَ لَرَتَعُوا".

 

أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بسبع؛ بحب المساكين، والدنو منهم، أن انظر إلى مَنْ هو دوني، ولا انظر إلى مَنْ هو فوقي، أن أصل الرحم وإن أدبرت، ألا أسأل أحدًا شيئًا، وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مُرًّا، ولا أخاف في الله لومة لائم، فمن هانت عليه نفسه وقبل بالإغراء الماليّ، ورضي بالحياة الدنيا من الآخرة، وتثاقلت نفسه إلى الأرض ووقع بالفساد، فلن يستطيع أن يقول الحق.

 

ومن الذين نطقوا بالحق، من الذين تخرجوا من جامعة العلوم والحكم المُحمديَّة، الذي قرأ كتابًا اسمه: "محمد -صلى الله عليه وسلم-"، لقد قرأ قرآنًا يمشي على الأرض، ولم يخف في الله لومة لائم؛ إنه سيد الأنصار، سعد بن معاذ، دخَل مكةَ قبل الفتح وقال لأبي جهل وسط مكة، معلِنًا ولاءه لله، وبراءته ممَّا سِوَاهُ: "يا أبا جهل، إن منعتَني الطوافَ بمكة، منعتُ قومَكَ التجارةَ للمدينة"، نعم؛ إنه سعد بن معاذ، لا يخاف في الله لومة لائم، حكم سعد بن معاذ على كل مَنْ خان المسلمين في الأحزاب، حكم الله من فوق سبع سماوات، وسُلِبَتْ أموالُ الخائنين، ووُزِّعَتْ على المسلمين، ولو كان هناك سعد في هذا الزمان ترى ما هو حكمه على من خان وتخاذل عن نصرة المسلمين في غزة، لله دركم يا أهل الرباط! لله دركم أيها المستضعَفون! لقد تركتم وحدكم، وأنتم لا تخافون في الله لومة لائم، لقد تُركتم وحدَكم أيها المستضعَفون، وانشغل المسلمون عنكم وقطعوا رحمهم، وبقيتُم على الحق لا يضركم مَنْ خالفكم، ولا مَنْ خذلكم، ثابتينَ مرابطينَ صابرينَ، ومن الحق أن يقول الإنسان لنفسه: "كفاكَ ظلمًا وتجبُّرًا"؛ (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 34].

 

وخُتِمَتْ وصيةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر وللأمة: وأمرني خليلي -صلى الله عليه وسلم- أن أكثر من قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنَّها كنز من تحت العرش"، سوف تجدون أثرها في حياتكم، فقد برئنا من قوتنا وحولنا، والتجأنا إلى حول الله وقوته، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فلا ناصر ولا معين ولا ملجأ لنا إلا الله، قال عليه الصلاة والسلام: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي تواضَع كلُّ شيء لعظمته، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)[الْحَجِّ: 34]، وتبقى أرض الإسراء والمعراج الأرض الصلبة التي تتحدَّى كلَّ الصعاب، فرغم الألم والجراح، استقبلت أرض فلسطين حجاج بيت الله الحرام، استقبلت أفئدةُ المرابطينَ وفدَ الرحمن، من تلك الرحاب الطاهرة، بعد أن أدَّوْا مناسكَهم، وقَضَوْا تفثَهم، واطَّوَّفوا بالبيت العتيق، لقد رجَع الحُجَّاجُ وما زالوا يتوافدون، وقد ازدادت مسؤوليتُهم وثقلت أمانتُهم، فقد رجعوا كيوم ولدتهم أمهاتهم، بحج مبرور، وذنب مغفور، وسعي مشكور، محافظينَ على نقائهم من الزلات، متحملينَ المشقةَ، وكما كانت بَيْتُ الْمَقدسِ وفلسطين على قدر المسؤوليَّة، فهم كما عهدتهم الأرض الزكية، محافظين على مشاعر أهلهم، محافظين على مشاعر إخوانهم في غزة وفلسطين، يستقبلون حجاجهم بكل مسؤوليَّة واحترام للمشاعر، ولا تنسوا عند زيارتكم للحجاج أن تطلبوا منهم الدعاء والاستغفار لكم، دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم، اللهمَّ اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج، فنداء إبراهيم -عليه السلام-: (وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)[الْحَجِّ: 27]، فلبى الحجيج، ونداء صاحب الإسراء لبيت المقدس: "ائتوه فصلُّوا فيه"، فلبَّى المرابطون، فنذكركم الله بالأقصى، فهو أمانة في أعناقنا، قال نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ خرج من بيته متطهِّرًا إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج الْمُحْرِمِ، ومَنْ خرَج إلى تسبيح الضُّحَى لا ينصبه إلا إيَّاه، فأجره كأجر المعتمر"، كما نسأله -تعالى- أن يُلهِم أبناءنا الطلبة الخير ويرزقهم السداد في امتحانات الثانويَّة العامَّة، فبيت المقدس وفلسطين أرض العلم والعلماء، وستبقى راية العلم خفاقة في أرض الإسراء والمعراج.

 

اللهُمَّ رُدَّنا إليك ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا.

 

اللهمَّ كن مع أهلنا المستضعَفين في غزة، اللهُمَّ كن لهم عونًا وظهيرًا، وسندًا وظهيرًا، ومؤنسا ومُجِيرًا، اللهمَّ أطعم جائعهم، اللهمَّ آو مشرديهم، اللهمَّ ارحم شهداءنا، وشاف جرحانا، يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ فرِّجِ الكربَ عن إخواننا الأسرى والمعتقَلينَ، اللهُمَّ اجعَلْ ديارَنا ديارَ أمنٍ وأمانٍ، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهمَّ ارفع عَنَّا الحرب وأوزارَها، اللهمَّ اجزِ عَنَّا سيدَنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خيرَ الجزاء، اللهمَّ اجز عَنَّا علماءنا ومشايخنا ووالدينا خير الجزاء، اللهُمَّ اجعل للأقصى فرجًا ومخرجًا، اللهُمَّ يا مَنْ جعلتَ الصلاةَ على النبي من القُرُبات، نتقرب إليك بكل صلاة صليت عليه، من أول النشأة إلى ما لا نهاية للكمالات؛ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182]، وأَقِمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات

وصايا لإصلاح دين ودنيا المسلمين.doc

وصايا لإصلاح دين ودنيا المسلمين.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات