وداع رمضان

عبد الله حماد الرسي

2022-10-08 - 1444/03/12
عناصر الخطبة
1/سرعة مرور الأيام 2/التحذير من المعاصي بعد رمضان 3/الحث على اغتنام الأعمار بالأعمال الصالحة 4/بعض العبادات المشروعة في نهاية رمضان

اقتباس

عباد الله: إنكم تودعون شهر رمضان وقد قارب الارتحال، فهذه آخر جمعة من شهركم الكريم، وهو شاهد عليكم غداً بما أودعتموه وبما أضعتم، فيا ليت شعري هل يرحل حامداً فعلكم، أو ذاماً تضييعكم، فبادروا إلى اغتنام...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ومن فضله شرع لنا ما يقرب إليه من صالح الأعمال ويسرها، وجعل ثواب من فعل ذلك تكفير الذنوب والسيئات، أحمده سبحانه على الدوام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المعروف بالفضل والإحسان على الدوام.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل من صلى وصام، وتهجد وقام، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن على نهجهم استقام، وسلِّم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل-، وفكروا ماذا عملتم في شهر رمضان الذي قارب وأوشك على الارتحال، وسيكون شاهداً لكم أو عليكم بما أودعتموه من الأعمال، لقد كانت أيام هذا الشهر الكريم، معمورة بالصيام والقيام والذكر وقراءة القرآن.

 

فيا أسفاً على تلك الليالي والأيام! لقد مضت سراعاً كساعة من نهار، وأخذ المجتهدون منها بوافر الحظ والنصيب.

 

أما المفرط المحروم، فقد أضاعها وذهبت عليه هباء، يتمنى لو عاد الشهر من أوله ليتلافى ما فرط وأضاع، وهيهات هيهات! فكم وعظهم الواعظون، ونصحهم الناصحون، ولكنهم كحمر مستنفرة يفرون ويتهربون، وعن الخيرات يبتعدون، قد ران على قلوبهم الران، وخدعهم والله طول الأمل، وغرهم بالله الغرور.

 

فتمادوا في المعاصي في مختلف ألوانها وأشكالها، فلو رأيتهم وهم يأخذون الأُهبة والاستعداد للسفر لبلاد الكفر والفساد، ليجدوا جواً مهيأ لهم في فعل المنكرات، من شرب المسكرات، وفعل الزنا واللواط، والجلوس في أماكن تدفعهم إلى ارتكاب أقبح الجرائم والذنوب، من أفلام سينمائية قذرة، تصور الإثم وتدعو إلى الفساد والتحلل عن الأخلاق الفاضلات، ومع الأغاني الخليعة وغيرها من التمثيليات الأثيمة التي تفسد الأخلاق، وتصور الميوعة والانحلال التي يدعو إليها الشيطان وأعوانه من المفسدين في الأرض، ليصدوا بها العباد عن طاعة الله.

 

عباد الله: يا من صمتم شهر رمضان! وترجون من الله القبول: احذروا المعاصي، فإنها برهان واضح على الغفلة، احذروا المعاصي، فإنها نكران للجميل، احذروها، فإنها كفران لنعمة المنعم العظيم، فمن حق المنعم جل وعلا: أن يُشكر ولا يُكفر، وأن يطاع ولا يعصى، ويُحمد ويُعبد، ولا يعصى طرفة عين.

 

عباد الله: إنكم تودعون شهر رمضان وقد قارب الارتحال، فهذه آخر جمعة من شهركم الكريم، وهو شاهد عليكم غداً بما أودعتموه وبما أضعتم، فيا ليت شعري هل يرحل حامداً فعلكم، أو ذاماً تضييعكم.

 

فبادروا -عباد الله- بادروا إلى اغتنام الأعمال الصالحة قبل الارتحال إلى القبور، وانهضوا إلى فعل الأسباب الموصلة إلى رحمة الله -عز وجل- قبل طي الكتاب، وبادروا بالتوبة والاستغفار ما دمتم في زمن الإمكان، قبل إغلاق الباب وإسبال الحجاب، وقبل أن يختم على كل عمل بما فيه من حسن أو قبح.

 

فهذه أيام الخيرات والبركات، أيام إعتاق الرقاب الموبقات، أيام رمضان ولياليه قد تصرمت وأوشكت على الانتهاء، لقد كانت مواسم لمضاعفة الأجور والغفران.

 

عباد الله: إن الله شرع لكم في ختام شهركم، شرع لكم التكبير عند إكمال العدة من غروب الشمس ليلة العيد إلى وقت صلاة العيد.

 

وصفة التكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

واجهروا بهذا التكبير في المساجد، والبيوت والأسواق، إعلاناً بتعظيم الله، وإظهاراً لعبادته، وشكراً له على تمام الصيام.

 

أمة الإسلام: ما أجمل حال المسلمين! وهم يكبرون الله تعظيماً وإجلالاً في كل مكان، عند انتهاء شهر الصوم، ما أجملهم وهم يملؤون الآفاق تكبيراً وتحميداً وتهليلاً! يرجون رحمة الله، ويخافون عذابه.

 

كما شرع لكم صلاة العيد، ويسن الخروج إليها ماشياً إذا لم يشق عليه المشي، ويلبس أحسن الثياب، مع الحذر من المحرم مثل الحرير والذهب، فإنهما حرام على الذكور من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويؤدي الصلاة بخشوع وحضور قلب، ويكثر من ذكر الله، ومن دعائه، ويتذكر بذلك الاجتماع اجتماع الناس على صعيد واحد يوم القيامة، في ذلك الموقف العظيم بين يدي الله -عز وجل-.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)[الكهف: 28].

 

اللهم بارك لنا بالقرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول قولي هذا، وأسأل الله -عز وجل- أن يتقبل منا الصيام والقيام والدعاء، وأن يرزقنا التوبة النصوح، إنه على كل شيء قدير، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله ربي ورب كل شيء ومليكه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل خلق الله على الإطلاق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن والاه، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: لقد شرع لنا ربنا الكريم في ختام هذا الشهر عبادات جليلة، نزداد بها إيماننا، وتكمل بها عباداتنا، وتتم بها علينا النعمة، شرع لنا ربنا في ختام هذا الشهر: زكاة الفطر، والتكبير، وصلاة العيد، فأما زكاة الفطر فهو صاع من طعام، صاع من البر أو التمر، أو الزبيب أو الأقط، أو الرز، أو غيرها، من قوت البلد.

 

قال أبو سعيد -رضي الله عنه-: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعاً من طعام".

 

وكلما كان من هذه الأصناف أطيب وأنفع للفقراء؛ فهو أفضل وأعظم أجراً، تطيب بها نفساً، وأخرجوها من أفضل ما تجدون: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)[آل عمران: 92].

 

وهي ولله الحمد قدر بسيط لا يجب في السنة إلا مرة واحدة، فكيف لا يحرص الإنسان على اختيار الأطيب، مع أنه أفضل عند الله وأكثر أجراً، ويجوز أن يوزع الإنسان فطرته على عدة فقراء، وأن يعطي الفقير الواحد فطرتين فأكثر، وزكاة الفطر فرض على جميع المسلمين الصغير والكبير، الذكر والأنثى، الملك والمملوك، فأخرجوها عن أنفسكم، وعمن تنفقون عليه من الزوجات والأقارب، ولا يجب إخراجها عن الحمل الذي في بطن أمه، وإن أخرج عنه فهو خير وأفضل.

 

والأفضل في وقت إخراجها: يوم العيد قبل صلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين فقط، ولا تجزئ بعد صلاة العيد، بل تكون بعد صلاة العيد صدقة من الصدقات، ويأثم بتأخيرها، وتدفع إلى الفقراء، ولا يجوز لغني أخذها، ويجوز للفقير أن يوكل شخصاً في قبض ما يدفع إليه من زكاة، فإذا وصلت الزكاة إلى يد الوكيل، فإنها وصلت إلى يد موكله.

 

واعلموا -يا عباد الله- إنه لم يرد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أخرج قيمتها، ولا أخرجها أحد من الخلفاء الراشدين، فمن أخرج القيمة فإنه يكون مخالفاً لهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومخالفاً لهدي خلفائه الراشدين الذين قال فيهم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين".

 

وصلوا -يا عباد الله- على خير خلق الله محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلك ربكم، فقال قولاً كريما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].

 

ويقول صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً".

 

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد البشير النذير، والسراج المنير، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم واحم حوزة الدين، اللهم ودمر اليهود وأعوانهم، والمبشرين والشيوعيين، اللهم ألف بين قلوب المسلمين، ووحد صفوفهم، وأصلح قادتهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر: 10].

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا، اللهم اجعلنا وإياهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يا رب العالمين.

 

وآتنا اللهم ربنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا)[النحل: 90- 91].

 

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].

المرفقات

وداع رمضان

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات