وداع الحجاج وبعض أحكام عرفة والأضاحي

الشيخ خالد القرعاوي

2021-07-09 - 1442/11/29 2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات الفرعية: الأضحى
عناصر الخطبة
1/توديع الحجيج ووصايا لهم 2/فضائل يوم عرفة 3/أعمال صالحة يوم عرفة 4/أحكام الأضاحي وحِكَمها وآدابها 5/آداب صلاة العيد.

اقتباس

وَمَا أَجَلَّهُ مِن يَومٍ يُبَاهِي اللهُ فِيهِ، وَيَستَجِيبُ فِيهِ!، فَمَا رُئِيَ إِبلِيسُ في يَومٍ أَحقَرَ وَلا أَغيَظَ مِنهُ فِي يَومِ عَرَفَةَ؛ وَذَلِكَ لِمَا يَرَى مِن تَنَزُّلِ الرَّحماتِ، عَن عَائِشَةَ -رضي اللهُ عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِن يَومٍ أَكثَرُ مِن أَن يُعتِقَ اللهُ فِيهِ عَبدًا مِنَ النَّارِ مِن يَومِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدنُو ثُمَّ يُبَاهِي بهم الملائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ"....

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ أتمَّ علينا النِّعمَةَ وأَكملَ لنا الدِّينَ، أَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ رَبُّ العالَمِينَ، وَأَشهَدُ أنَّ مُحمَّدَا عبدُ الله وَرَسُولُهُ الأَمِينُ صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ وأَتبَاعِهِ بِإحْسَانٍ إلى يوم الدِّينِ.

 

أَمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حَقَّ التَّقوى واستَمسِكُوا بالعُروة الوُثقُى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة:197].

 

عِبَادَ اللهِ: اليومَ نُودِّعُ حُجَّاجَنَا, فَنَقُولُ لَهُمْ: زوَّدكمُ اللهُ التَّقوى, وَنَستَودِعُ الله دِينَكم وأَمَانَاتِكُمْ وَخَوَاتِيمَ أَعمَالِكم, وإنَّا مَعاشِرَ الحُجَّاجِ لَنَغْبِطُكُمْ أَنِ اصْطَفَاكُمُ اللهُ لِحَجِّ هَذَا العَامِ فَقَدْ جَاهَدتُمْ وَبَادَرْتُمْ بِالحَجْزِ رَغْمَ كُلِّ الظُّرُوفِ الصِّحِيَّةِ والتَّكَالِيفِ المَالِيَّةِ العَالِيَةِ فَكُنْتُمْ سَبَّاقِينَ لِلخَيرِ, وَقِلَّةٌ اصْطَفَاهُمْ رَبُّهمْ لِبَيتِهِ العَتِيقِ, حَقًّا: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الحشر:9]؛ كَمَا نُبَشِّرُكُم بِقَولِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ- لَكُمْ: "الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ".

 

فاحْرِصْ أيُّها الحاجُّ: أنْ تَبتَغِيَ بِحَجِّكَ وَجْهَ اللهِ -تَعَالى-، وَتَعلَّموا أَحكَامَ الحَجِّ حتى تَعبُدُوا اللهَ على عِلمٍ، وابْتَعِدُوا عَن الآثَامِ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ، وَتَحَلَّوا بِالصَّبرِ الجَمِيلِ، وَأَحسِنُوا إلى عِبَادِ اللهِ بِكُلِّ مَا تَسْتَطِيعُونَ.

 

أَيُها المُسلِمُونَ: وَلَئِنْ مَضَى الحُجَّاجُ لِلأَجْرِ فَفَضْلُ اللهِ وَاسِعٌ، فقد شَرَعَ لَنَا صَيَامَ يَومِ عَرَفَةَ، وَجَعَلَهُ مُكَفِّراً لِذُنُوبِ سَنَتَينِ كَامِلَتَينِ، كَمَا قَالَهُ رَسُولُنا -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ يَومُ إكْمَالِ الدِّينِ، وَإتْمَامِ النِّعمةِ، فَمَا أَعْظَمَهُ مِنْ يَومٍ أَقْسَمَ اللهُ فِيهِ إذْ قَالَ: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)[البروج: 3]، قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "الشَّاهِدُ يَومُ الجُمُعَةِ، وَاليَومُ المَشهُودُ يَومُ عَرَفَةَ"(رَواهُ التَّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الألبَانِيُّ).

 

وَمَا أَجَلَّهُ مِن يَومٍ يُبَاهِي اللهُ فِيهِ، وَيَستَجِيبُ فِيهِ!، فَمَا رُئِيَ إِبلِيسُ في يَومٍ أَحقَرَ وَلا أَغيَظَ مِنهُ فِي يَومِ عَرَفَةَ؛ وَذَلِكَ لِمَا يَرَى مِن تَنَزُّلِ الرَّحماتِ، عَن عَائِشَةَ -رضي اللهُ عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِن يَومٍ أَكثَرُ مِن أَن يُعتِقَ اللهُ فِيهِ عَبدًا مِنَ النَّارِ مِن يَومِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدنُو ثُمَّ يُبَاهِي بهم الملائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)؛ قَالَ ابنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "العِتْقُ مِنَ النَّارِ عَامٌّ لِجَمِيعِ المُسلِمِينَ بِحمْدِ اللهِ -تَعَالى-".

 

فَأَكْثِرُوا يَا رَعَاكُمُ اللهُ: فِيهِ مِنَ الدُّعَاءِ فَقَدْ قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "خَيرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَةَ، وَخَيرُ مَا قُلتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِن قَبلِي: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ"(رَواهُ التَّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الألبَانِيُّ).

 

وَمِنْ أَحكَامِ صِيامِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ صِيَامُهُ وَلَو كَانَ عَليكَ قَضَاءٌ مِن رَمَضَانَ، قَالَ شَيخُنَا ابْنُ العُثَيمِينَ -رَحِمَهُ اللهُ-: "مَنْ صَامَ يَومَ عَرَفَةَ، وَعَليهِ قَضَاءٌ مِن رَمَضَانَ فَصِيامُهُ صَحِيحٌ، وَلَو نَوَى أَنْ يَصُومَ هَذَا اليَومَ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ حَصَلَ لَهُ الأَجْرَانِ: أَجْرُ يَومِ عَرَفَةَ، وَأَجْرُ القَضَاءِ".

 

عِبَادَ اللهِ: عظِّمُوا يَومَ عَرَفَةَ وَصُومُوهُ لِلهِ -تَعَالى- وَحُثُّوا أَولادَكُم وَأَهلِيكُم عَلى ذَلِكَ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ واللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ.

 

أقولُ ما تَسْمَعُونَ وأستغفرُ الله لي ولكم فاستغفروه إنَّه هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ وحدَهُ، أَشهدُ ألا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ سُبحانَهُ وبِحمدِهِ، وأَشهدُ أنَّ مُحمدَاً عبدُ اللهِ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ وسلَّم وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصَحبِهِ.

 

أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ يا مُؤمنونَ، واشْكُرُوهُ أَنْ شَرَعَ لَنَا ذَبْحَ الأَضَاحي فَهِيَ مِن أَعْظَمِ شَعَائِرِ الدِّينِ. وَهِيَ سُنَّةُ أَبِينَا إبراهيمَ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام:162].

 

وَمِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وأَحبِّها إلى اللهِ -تَعَالى- القَائِل: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الكوثر:2]. وَقَدْ قَالَ بِوُجُوبِها عَدَدٌ من العُلَمَاءِ؛ لقولِ الرَّسولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا"(رَوَاهُ ابنُ مَاجَةَ وَحَسَّنَهُ الألبَانِيُّ).

 

قَالَ الشَّيخُ ابنُ العُثَيمِينَ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَالقَولُ بِالوُجُوبِ أَظهَرُ بِشَرْطِ القُدرَةِ، أَمَّا الْمَدِينُ فإنَّه لا تَلزَمُهُ الأُضحِيَةُ بل إنْ كانَ عَليهِ دَينٌ فَينبَغي أَنْ يَبدَأَ بالدَّين قبلَ الأُضْحِيَةِ".

 

عِبَادَ اللهِ: وإنَّ لِلأضاحِي أَحْكَامًا وَحِكَمًا؛ فَمِنْ أَحْكَامِهَا أنَّ الأَصلَ أنَّهَا تكونُ عَن الأَحْيَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يُشرِكَ مَعَهُ فِي الأَجْرِ مَنْ أَرَادَ أَحْيَاءً وَمَيِّتِينَ، وَأَنْصَحُكُمْ أَنْ تُشرِكُوا والِدِيِكُم في كُلِّ عملٍ صالِحٍ؛ فَفَضلُ اللهِ واسِعٌ.

 

وَيُشتَرَطُ في الأَضاحي أنْ تَكُونَ من بَهيمةِ الأَنعامِ وهي الإبلُ والبَقَرُ وَالغَنَمُ، وَأَنْ تَبلُغَ السِّنَّ المُعتَبَرَ شَرعًا، وَأَنْ تَكُونَ سَالِمَةً مِن العُيوبِ؛ فَقَد سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: مَاذَا يُتَّقَى مِن الأَضاحِي فَأَشَارَ بِيدِه فَقَالَ: "أَرْبَعًا؛ الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنْقِي"(صَحَّحَهُ الألبَانِيُّ).

 

وَيُشْتَرطُ فِي الأُضْحِيَةِ أَنْ تَكُونَ مِلْكاً لِلمُضحي أو مَأذُوناً لَهُ فيها. وَأَنْ يَكُونَ الذَّبحُ في الوَقتِ الْمُحدَّدِ شَرعاً مِنْ بعدِ صلاةِ العيدِ إلى آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ.

 

عبادَ اللهِ: طِيبُوا بِالأُضْحِيَةِ نَفْساً واستَسمِنُوها وأَخْلِصُوا بِهَا للهِ -تَعَالى- فـ"إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلاَّ طَيِّباً"؛ تَقَبَّلَ اللهُ منَّا ومنكم صالِحَ القولِ والعمَلِ.

 

أيُّها المؤمنون: عيدُ الأَضحى شِعَارُنا، فحضورُهُ عبادَةٌ، والتَّخَلُّفُ عنهُ خَسَارَةٌ، وَقَد أَمَرَنَا رَسُولُنَا بِحُضُورِهِ، وَأمَرَ العَواتِقَ وهُنَّ البَنَاتُ البَالِغَاتُ، وَذَوَاتَ الخُدُورِ وهنَّ الصَّغيراتُ، حَتَّى الحُيَّضَ أَمَرَهُنَّ أَنْ يَخْرُجنَ لِصَلاةِ العِيدِ وَأَنْ يَشْهَدْنَ الخَيرَ ودَعْوَةَ المُؤمِنِينَ، فَكيفَ بِالشَّبَابِ وَالرِّجالِ الأَقْوِيَاءِ؟!

 

وَيُسَنُّ لَنَا مَعاشِرَ الرِّجَالِ الاغتِسَالُ والتَّطيُّبُ ولُبسُ أَحْسَنِ مَا نَجِدُ، أَمَّا النِّساءُ فَيَخرُجنَ مُحتَشِمَاتٍ غيرَ مُتَطَيِّبَاتٍ، والسُّنةُ أن نَذْهَبَ مَشْياً على الأَقدَامِ، ولا نَأْكُلَ شَيئَاً قَبلَ الصَلاة حتى نَأكُلَ من الأُضحيةِ وأنْ نَذهبَ من طَريقٍ ونَعودَ من آخرَ.          

 

أيُّها الكرامُ: وَسَتُقامُ صَلاةُ العِيدِ فِي هَذا الجَامِعِ بِإذْنِ اللهِ -تَعَالى- مَعَ عَدَدٍ مِن الجَوامِعِ والمُصَلَّيَاتِ في تَمَامِ السَّاعةِ الخَامِسَةِ وَثَمانٍ وثَلاثِينَ دَقِيقَةً.

 

عبادَ اللهِ: أَكْثِرُوا مِن ذِكرِ اللهِ -تَعَالى- فَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ. وَارْفَعُوا أَصْوَاتَكُم بِذلِكَ خاصَّةً عند الخُروجِ لصلاةِ العيدِ، فقد كان رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَخرَجُ في العيدِ رَافِعَا صوتَهُ.

 

فاللهم آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وَزكِّها أنت خيرُ من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم أعنا على ذِكْرك وشُكْرك وحُسْن عبادتك.

 

اللهم اجعلنا ممن يستمعُ القولَ فيتبعُ أحسنَه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا والمسلمين أجمعينَ.

 

اللهم سهِّل على الحُجَّاجِ حَجَّهم، وَيَسِّر لهم أمورَهم، وَوَفِّقْ وُلاتَنا لِما تُحبُّ وترضى، وأعنهم على البر والتقوى.

 

اللهم مَن أرادنا وَدِيننا وَأمننا يسوء فأشغلهُ في نفسه، اللهم انصر جُنُودَنا واحفظ حُدُودَنا والمسلمين أجمعينَ.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

عِبَادَ اللهِ: اذْكُروا اللهَ يَذْكُركُمْ، وَاشْكرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُم وَلَذِكرُ اللهِ أَكبَرُ، واللهُ يعلَمُ مَا تَصنَعونَ.        

 

المرفقات

وداع الحجاج وبعض أحكام عرفة والأضاحي-.doc

وداع الحجاج وبعض أحكام عرفة والأضاحي.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات