وجوب اتباع الكتاب والسنة والنهي عن الابتداع في شعبان وغيره

صالح بن فوزان الفوزان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/أهمية وفضل التمسك بالكتاب والسنة 2/بعض الآيات الآمرة بطاعة وطاعة رسوله 3/فضل طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعقوبة مخالفته 4/بعض النصوص الحاذرة من البدع 5/المقصود بالبدعة 6/بعض مفاسد البدع 7/كثرة البدع في هذا الزمن وبدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان وتخصيصها ببعض العبادات 8/بعض اعتقادات العوام في ليلة النصف من شعبان والرد عليها 9/الاستمرار على العبادات المعتادة في شعبان

اقتباس

البدع، تصد عن دين الله، وتبعد عن الله، وتوجب العقوبة العاجلة والآجلة؛ لأنها من دين الشيطان، لا من دين الرحمن. والمبتدع، متبع لهواه: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ) [القصص: 50]. والمبتدع، يقول على الله بلا علم، والقول على الله بلا علم قرين الـ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ربّ العالمين، أمرنا باتباع الكتاب والسنّة، ونهانا عن الابتداع والفتنة.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مَن يُطِعْ الله ورسوله فقد رشد، ومَن يعصِ الله ورسوله فقد غوى ولا يضرّ إلا نفسه ولا يضرّ إلا نفسه ولا يضرّ الله شيئاً.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ترك أمته على البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على نهجه، وتمسكوا بسنّته، ومَن تبعهم بإحسان، وسلّم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وتمسكوا بكتابه وسنة نبيه، ففيهما الكفاية والهدى والنور، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلال وغرور، قال تعالى: (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء) [الأعراف: 3].

 

وقال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طـه: 123].

 

فقد وعد الله من تمسك بكتابه وعمل به أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، وتوعد مَن أعرض عن كتابه، فقال: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طـه: 124].

 

أي: من خالف أمري، وما أنزلته على رسولي، فأعرض عنه وتناساه، وأخذ من غيره هداه: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) أي: ضنكا في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، فإن قلبه في قلق وحيرة وشك.

 

وقيل: إن المعيشة الضنك أن يضيّق عليه في قبره، حتى تختلف أضلاعه: (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طـه: 124].

 

أي: أعمى البصر والبصيرة، كما قال تعالى: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ) [طـه: 124].

 

وقد أمر الله بطاعته وطاعة رسوله في كثير من الآيات.

 

وطاعة الله تكون باتباع كتابه، وطاعة الرسول تكون باتباع سنته، قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [النساء: 13 - 14].

 

وهذا من مقتضى "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمّداً رسول الله".

 

فمن "شهد أن لا إله إلا الله" وجب عليه أن يطيعه، ويتبع كتابه.

 

ومن "شهد أن محمّداً رسول الله" وجب عليه أن يطيعه، ويتبع سنّته.

 

وقد أخبر الله -سبحانه- أن من يطع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فذلك دليل على محبته لله، ومحبة الله له، ومن لم يطع الرسول، فإن ذلك دليل على كفره، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 31 - 32].

 

وأخبر الله -سبحانه- أن مَن أطاع الرسول، فقد أطاع الله؛ لأن طاعة الرسول طاعة لمن أرسله، قال تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) [النساء: 80].

 

وأخبر سبحانه: أن من أطاع الرسول -صلى الله عليه وسلم- حصلت له الهداية التامة، قال تعالى: (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النــور: 54].

 

وأخبر أن طاعة الرسول سبب للرحمة، قال تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران: 132].

 

وأخبر أن من عصى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو ضال متبع لهواه، قال تعالى: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ) [القصص: 50].

 

وتوعد من خالف أمر الرسول بالعقوبة العاجلة والآجلة، فقال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النــور: 63].

 

قال ابن كثير -رحمه الله-: أي: فليحذر وليخش من خالف الرسول -صلى الله عليه وسلم- باطناً وظاهراً: (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَة) أي: في قلوبهم من كفر أو نفاق أبو بدعة: (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي في الدنيا بقتل أو حدّ أو حبس، أو نحو ذلك.

 

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحذّر من مخالفة الكتاب والسنّة، ويبين أن ما خالف الكتاب والسنّة، فهو بدعة وضلالة، فكان يقول في خطبه: "إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".

 

ويقول: "مَن يعشْ منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة".

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [رواه البخاري ومسلم].

 

وفي رواية لمسلم: "مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ".

 

أي: مردود على مُحْدثه وعامله لا يقبل؛ لأنه بدعة مخالفة لما شرع الله لعباده.

 

ففي هذه النصوص وأمثالها: التحذير من البدع والمخالفات.

 

والبدعة، هي الطريقة المخترعة في الدين التي ليس لها دليل من الكتاب والسنّة، يقصد فاعلها ومخترعها التقرب بها إلى الله -عزّ وجلّ- كإحداث عبادة لم يشرعها الله ولا رسوله، أو تخصيص وقت للعبادة لم يخصّصه الله ولا رسوله لها، أو فعل العبادة على صفة لم يشرعها الله ورسوله.

 

فالبدعة، قد تكون بإحداث عبادة ليس لها أصل في الشرع، مثل بدعة الاحتفال بمناسبة مولد النبي -صلى الله عليه وسلم-، والاحتفال بمناسبة الإسراء والمعراج، أو بمناسبة الهجرة النبوية.

 

أو تخصيص وقت من الأوقات للعبادة ليس له خصوصية في الشرع، كتخصيص شهر رجب، أو ليلة النصف من شعبان بصلاة أو ذكر أو دعاء، وتخصيص يوم النصف من شهر شعبان بصيام.

 

وقد تكون البدعة، بإحداث صفة للعبادة غير مشروعة، كالدعاء الجماعي بعد الصلوات المفروضة، والأذكار الجماعية، وما أشبه ذلك.

 

والبدع، تصد عن دين الله، وتبعد عن الله، وتوجب العقوبة العاجلة والآجلة؛ لأنها من دين الشيطان، لا من دين الرحمن.

 

والمبتدع، متبع لهواه: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ) [القصص: 50].

 

والمبتدع، يقول على الله بلا علم، والقول على الله بلا علم قرين الشرك، قال تعالى محذرا من ذلك: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].

 

قال الإمام ابن القيم: والقول على الله بلا علم والشرك متلازمان، ولما كانت هذه البدع المضلة جهلا بصفات الله، وتكذيبا بما أخبر به عن نفسه، وأخبر به عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- كانت من أكبر الكبائر إن قصرت عن الكفر، وكانت أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها، وقال إبليس لعنه الله: أهلكت بني آدم بالذنوب، وأهلكوني بـ "لا إله إلا الله" وبالاستغفار، فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء، فهم يذنبون ولا يتوبون، لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

 

ومعلوم أن المذنب إنما ضرره على نفسه، وأما المبتدع، فضرره على الناس، وفتنة المبتدع في أصل الدين، وفتنة المذنب في الشهوة.

 

والمبتدع، يتهم ربه بأنه لم يكمل الدين قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو مكذب لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة: 3] أو يتهم الرسول بعدم البلاغ.

 

والمبتدع، يريد أن يفرق جماعة المسلمين، لأن اجتماع المسلمين إنما يتحقق باتباع ما شرع الله، كما قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران: 103].

 

وقال: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153].

 

فالمبتدع، يريد أن يفرق المسلمين عن صراط الله، وعن سبيله، المتّحد إلى سبل البدع المختلفة؛ لأن البدع لا تقف عند حد، ولا تنتهي إلى غاية، فكل مبتدع له طريقة خاصة غير طريقة المبتدع الآخر، كما صوّر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك حينما خط بيده خطاً، وقال: "هذا سبيل الله مستقيما، وخطّ خطوطاً عن يمينه وشماله ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153] [رواه أحمد والحاكم، وقال: "صحيح، ولم يخرّجاه"].

 

وهو دليل واضح على أن البدع تفرّق المسلمين.

 

عباد الله: إننا في زمان كثرت فيه البدع، ونشط فيه المبتدعة، فصاروا يروّجون البدع بين الناس، ويدعون إليها في كل مناسبة.

 

وهذا بسبب غربة الدين، وقلة العلماء المصلحين.

 

ومن هذه البدع ما يروج كل عام، ويغترّ به الجّهال والعوّام، من الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وتخصيصها بأنواع من الذكر والصلاة؛ لأنهم يزعمون أنها تقدّر فيها الآجال، والأرزاق وما يجري في العام، ويظنون أنها هي المعنية بقوله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان: 4].

 

ويخصّون اليوم الخامس عشر من شهر شعبان بالصيام، ويستدلون بحديث روي في هذا.

 

وهذا كله من البدع المحدثة؛ لأنه لم يثبت تخصيص ليلة النصف من شعبان بذكر ولا قيام.

 

ولا تخصيص يومها بالصيام، ولم يثبت في ذلك حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وما لم يثبت فيه دليل فهو بدعة في الدين، ومخالف لعمل المسلمين المتمسكين بالسنّة، التاركين للبدعة.

 

وإليكم ما قاله العلماء المحقِّقون في هذه الليلة، قال أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي في كتاب "الحوادث والبدع": وروى ابن وضّاح عن زيد بن أسلم قال: "وما أدركنا أحداً من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولا يَروْن لها فضلاً على سواها".

 

وقال ابن رجب في كتابه "لطائف المعارف": وأنكر ذلك -يعني تخصيص ليلة النصف من شعبان- أكثر علماء الحجاز، منهم عطاء، وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة.

 

وقال أيضاً: قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيه شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه.

 

وقال الحافظ العراقي: حديث صلاة ليلة النصف من شعبان باطل.

 

وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات.

 

وأما صيام يوم النصف من شعبان، فلم يثبت بخصوصه حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

والحديث الوارد فيه ضعيف، كما قاله ابن رجب وغيره.

 

والضعيف لا تقوم به حجة.

 

وأما زعمهم: أن هذه الليلة تقدّر فيها أعمال السنة، وأنها المعنية، بقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)[الدخان: 3 - 4].

 

فهو زعم باطل؛ لأن المراد بتلك الليلة ليلة القدر، كما قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر: 1].

 

وهي في رمضان لا في شعبان؛ لأن الله -سبحانه- قال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185].

 

فالقرآن، أُنزل في ليلة القدر، وليلة القدر في رمضان بلا خلاف، بدليل قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185].

 

قال الإمام ابن كثير: يقول الله -تعالى- مخبراً عن القران العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة، وهي ليلة القدر، كما قال عزّ وجلّ: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)[القدر: 1].

 

وكان ذلك في شهر رمضان، كما قال تبارك وتعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185].

 

قال: ومَن قال: إنها ليلة النصف من شعبان، كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة، فإن نص القران أنها في رمضان.

 

ثم قال عن الحديث المروي في ليلة النصف من شعبان، وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى أن الرجل لينكح ويولد له، وقد أخرج اسمه في الموتى" قال: "هو حديث مرسل، مثله لا يعارض النصوص".

 

فاتقوا الله -عباد الله-، وتمسكوا بكتاب ربكم، وسنّة نبيّكم، وما كان عليه السلف الصالح، واحذروا من البدع ومروجيها، كما حذّركم النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، أمرنا باتباع صراطه المستقيم، ونهانا عن اتباع سبل أصحاب الجحيم. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك البرّ الرحيم. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ البلاغ المبين. وقال: "عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين" صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تلقوا عنه الدين، وبلغوه للمسلمين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى-، والزموا السير على الطريق الصحيح الذي يوصلكم إلى دار السلام، واحذروا الطرق المنحرفة التي توردكم المهالك والآثام.

 

واعلموا أنه ليس لليلة النصف من شعبان ولا ليومها خصوصية على غيرها من الليالي والأيام، فمن كان معتادا لقيام الليل في سائر السنة، فليقم في تلك الليلة كغيرها من الليال، ومن كان معتاد الصيام أيام البيض من كل شهر، فليصم تلك الأيام من شعبان كعادته في شهور العام.

 

وكذلك من كان يصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، وصادف ذلك يوم النصف من شعبان، فليصمه على عادته تابعاً لغيره.

 

وهكذا من كان عادته أن يصوم غالب شهر شعبان، كما روى مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ولم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه في شعبان".

 

وفي رواية: "كان يصوم شعبان إلا قليلاً".

 

فمَن اقتدى بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وصام غالب شعبان، ومرّ النصف أثناء صيامه، فلا بأس؛ لأنه في هذه الحال صار تابعاً.

 

وإنما الممنوع تخصيصه دون غيره.

 

واعلموا -عباد الله-: أن فيما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من نوافل الصلوات والصيام غنيمة للمسلم، وخير كثير، فلا يجوز للمسلم أن يلتفت لما سوى ذلك من الشذوذات والمبتدعات والمرويات التي لم تثبت، فإن هذا سبيل أهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه، ويتركون المحكم، ويحيون البدع، ويميتون السنن.

 

وإنك لتعجب حين ترى حرص بعض الناس على تتبع الشواذ، وترك الثوابت من العبادات.

 

فاتقوا الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، فتمسكوا به. وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فاقتدوا به، وشرّ الأمور محدثاتها، فاجتنبوها، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ... إلخ.

 

 

 

المرفقات

وجوب اتباع الكتاب والسنة والنهي عن الابتداع في شعبان وغيره.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات