وجوب إقامة الحدود وبيان أنها أمان للمجتمعات

عبد الرحمن بن علي النهابي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ الإسلام دين العدل 2/ سيادة الأمن في المجتمع الذي يقيم الشريعة 3/ الحكمة من تشريع الحدود 4/ العدالة في تطبيقها 5/ حملة السفهاء عليها 6/ وجوب حمد الله على نعمة تطبيقها في هذه البلاد.

اقتباس

ولكن لما كان هذا الوازع لا يكفي في إصلاح بعض النفوس الشريرة، الموغلة في الباطل والشر، وكبح جماحها، والتخفيف من حدتها، فرض رب العالمين برحمته وحكمته عقوبات دنيوية، وحدوداً متنوعة بحسب الجرائم؛ لتردع المعتدي، وتصلح الفاسد، وتقوم الأعوج، وتطهر الملة، وتستقيم الأمة، وتكفر جريمة المجرم، فلا تجتمع له ..

 

 

 

الحمد لله الذي فاوَتَ بين عباده في الأخلاق والفضائل والأجور، وجعل منهم البَرَّ والفاجِرَ، ومنهم الشاكر ومنهم الكَفور، ومَنَّ على خيارهم، وجعَلَهُم مفاتيح للخير، مغاليق للشُّرُور، شرح لعباده ما تصلح به الأحوال، وتستقيم به الأمور، وجعل إقامة الحدود أمانٌ من الفتن والشرور. 

وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغَفُورُ الشكُورُ، وأشهد أن محمَّداً عبدُه ورسولُه المبعوث بالحقِّ والهدى والنور، صلى الله عليه وآله وأصحابه أولي الفضائل والأجور، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان ما بقيت الأيام والدهور، وسلم تسليماً.

أما بعد: أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى، وقوموا بما أوجب الله عليكم، واعلموا أنكم في ظل شرع حكيم، ودين قويم، تنهجونه في حياتكم، وتسعدون به في دنياكم، وتكون العاقبة لكم به على أعدائكم، وتأمنون به في مجتمعاتكم؛ بل هو صمام الأمان في دنياكم، إنكم في ظل هذا الدين الإسلامي العظيم تصلون إلى مبتغاكم في الدنيا والآخرة.

عباد الله: إن دين الإسلام دين العدل والإنصاف، تقوم آكامه على هذا المقتضى، فلا جور فيه ولا ظلم، ولا حيف ولا هضم؛ بل ولا اعتداء فيه ولا بغي، ولا تجاوز فيه، ألا وإن هذا الدين تقوم أسسُه على أخلاقيات متينة، ومثاليات عالية رصينة، وآداب فريدة، وسلوكيات سليمة، تنعم بها الأفراد والجماعات، وتطيب بها مناحي الحياة، وتسلم بها من الاهتزاز والنوبات، الناس فيه سواسية، لا فروقات، فلا فضل لأبيض على أسود، ولا لعربي على عمي إلا بالتقوى، لا عنصرية فيه ولا عصبية، ولا قومية ولا عرقية؛ بل أخوة إيمانية إسلامية.

أيها المسلمون: إنَّ المجتمع في ظل تطبيق أحكام الشريعة يكون آمِناً هادئاً مُسْتَقِرَّاً؛ بل متماسكاً مُتَّحِدَاً، لا اضطراب فيه ولا غوغاء، ولا تناحر فيه ولا شحناء، فإذا ما تم ذلك في المجتمعات الإسلامية بقيت حياتها في سعادة واطمئنان، وخير وأمان؛ وإذا ما انْحَرَفَتْ عن تطبيق أحكام الإسلام، وهوت في مزالق الهوى والشيطان، واتخذت من قوانين البشر الشِّرْعَةَ والأحكام، وقعت تحت وطأة الخوف والاضطراب، والفوضى والعذاب، وأصبحت حياتها تعيسة، وأمورها بئيسة.

 

عباد الله: إن من سعادة المجتمع الإسلامي أن تقام فيه حدود الله وتنفذ، فقد قال -سبحانه-: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:179]، فشرع الله القصاص لتكون المجتمعات في أمن واستقرار، ولتحيا حياة هناء واطمئنان، ألا وإن المجتمع لا يخلو منه نزعات شر وباطل، فتلك طبيعة البشر؛ كما قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ...) [التغابن:2].

ولما كانت النزعات إلى الباطل والشر تستدعي ضرورة إلى ما يكبح جماحها، ويخفف من حدتها من وازع إيماني، أو رادع سلطاني، جاءت النصوص الكثيرة بالتحذير من الباطل والشر، والترغيب في الحق والخير، وبيان ما يترتب على الباطل والشر من مفاسد في الدنيا، وعقوبة في الآخرة.

ولكن لما كان هذا الوازع لا يكفي في إصلاح بعض النفوس الشريرة، الموغلة في الباطل والشر، وكبح جماحها، والتخفيف من حدتها، فرض رب العالمين برحمته وحكمته عقوبات دنيوية، وحدوداً متنوعة بحسب الجرائم؛ لتردع المعتدي، وتصلح الفاسد، وتقوم الأعوج، وتطهر الملة، وتستقيم الأمة، وتكفر جريمة المجرم، فلا تجتمع له عقوبة الآخرة مع عقوبة الدنيا.

لذا فرض الله القصاص والحدود، وأوجب على ولاة الأمور إقامتها على الشريف والوضيع، والغني والفقير، والذكر والأنثى، والقريب والبعيد، ففي الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم".

ولقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأسامة بن زيد -رضي الله عنه- حين شفع إليه في امرأة من بني مخزوم؛ كانت تستعير الشيء فتجحده، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقطع يدها، فشفع فيها أسامة -رضي الله عنه- فأنكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: " أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟!"، ثم قام فخطب وقال: "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله! -أي: أحلف بالله- لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها" متفق عليه.

الله أكبر! ما أعظم الحق! أشرف النساء نسباً فاطمة بنت محمد، سيدة نساء أهل الجنة، ويقسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وهو الصادق البار، أنها لو سرقت لقطع يدها. أين الثرى من الثريا؟ أين هذا القول وما كان عليه الناس اليوم من المماطلات في إقامة الحدود؟ وفيه الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن حالت شفاعتُه دون حد من حدود الله فقد ضادَّ الله في أمره".

عباد الله: إن نزعات الشر وبؤر الإجرام في المجتمعات إذا لم تواجَهْ بالحزم والضرب عليها دون هوادة عاثت في الأرض فساداً، وتجرَّأت على الآمنين تخويفاً وإفساداً، لقد أصبحت الكثير من المجتمعات التي جنحت عن تطبيق حدود الله مسارح للجريمة، وأعمال اللصوصية، والقتل، والاختطاف، وأعمال العنف والسطو، والإسفاف؛ بل إن الكثير من المسافرين والسائحين في تلك المجتمعات في خوفٍ ووَجَلٍ، لا يأمنون على أموالهم ولا أعراضهم، الخوف يساورهم، والرعب يراودهم.

إن الكثير من المجتمعات في العالم تعيش حالة من الفوضى والاضطراب، وتكتنفها حالة من التعاسة واليأس.

إن تلك المجتمعات قد غلبت على أمرها، واغترت بما تمليه القوانين البشرية، وانطلت عليها الأكاذيب والأباطيل المفتعلة من دعوى عدم إقامة القصاص على الجاني شفقة ورحمة، وتعاطفاً معه، ولأجل أن لا يبقى في المجتمع عاطلين، فالدافع الإنساني يقتضي الرحمة بهؤلاء المجرمين! تلك مقولة ينعق بها الغرب والمستشرقون، وأعداء الإسلام قديماً وحديثاً، وما زالت صيحات حقوق الإنسان تنعق بها، وتطالب بعدم تطبيق حدود الله وإقامة القصاص على المجرمين العابثين بأمن البلاد والعباد، وفي كل يوم يظهر المدعون بحقوق الإنسان صوراً يعتبون فيها على إقامة الحدود في دولة الإسلام.

ألا يرى هؤلاء أن حقوق الإنسان قد انتهكت في شعوب مستضعفة، قد تسلطت عليها قوى الشر والطغيان؟ ألا ينظر هؤلاء إلى ما يجري في ساحة العالم من انتهاكات وإبادات لكثير من الأقليات المسلمة في العالم؟.

عباد الله: إن تطبيق حدود الله هو صمام الأمان للمجتمعات الإسلامية، فلقد وقعت المجتمعات التي عدلت عن إقامة الحدود بدعوى الشفقة على الجناة تحت وطأة الخوف والاضطراب، وأصبحت تعيش فوضى أخلاقية واجتماعية؛ بل وسياسية.

عباد الله: إن واجبنا أن نشكر الله -سبحانه- في هذه البلاد أنْ جعَلَنَا تحت حكومة قائمة على أمر الله، تطبق شرعه، وتنفذ أحكامه في المجرمين، والمفسدين العابثين بأمن البلاد والعباد، وإننا نسأل الله -سبحانه- أن يديم علينا الأمن والأمان، والخير والاستقرار، وأن يحفظ ولاة الأمر من كل سوء، وأن يجعلهم على حكم الله قائمين، وعلى شرعه متعاونين.

ثم نسأله -سبحانه- أن يحمينا وأمتنا من مساوئ الأخلاق، وأن يسلك بنا سبيل الحق والرشاد.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

المرفقات

إقامة الحدود وبيان أنها أمان للمجتمعات

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات