وجاء دور الخرافيين (3) – التشويه

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: الفكر والثقافة
عناصر الخطبة
1/ مفهوم التشويه 2/ أنواعٌ منه 3/ لفظ (وهابية) أنموذجاً 4/ أهداف مؤتمر بروزني 5/ انحرافاتٌ لغُلاةِ المتصوفة

اقتباس

فأسلوب التشويه قديم ومعهود، وعادة ما يستخدم في حرب ما يؤثر في تشكيل العقائد والأفكار، سواء من الناس أو من المناهج. والكذب والافتراء حيلة الضعيف؛ لأنه لا يستطيع المواجهة، ولا مقارعة الحجة بالحجة، فينزوي بعيدا، ويكيد كيده الإعلامي الشرس، وهنا نصل إلى مبتغانا، وهو مصطلح "وهابية"، الذي أصبح وسيلة ذم وتشويه لكل ما ينتمي إلى منهج السلف الصالح.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

إكمالا لموضوع الخطبة الماضية، فإن من وسائل الحرب المعروفة التشويه، والتشويه هو التقديح وإيجاد الرفض النفسي في الإنسان تجاه المشوَّه، والتشويه يكون بالباطل وبالحق، فتشويه الحق في حقيقته ليس تشويها، وإنما هو إظهار الحقيقة الغائبة بالشيء السيئ، فمجرد إظهارها فيه إظهار بسوء ذلك الشيء.

 

وأما التشويه بالباطل فهو استخدام الكذب والزور لتقديح الشيء، وهو أنواع، أحيانا يكون بالمسمى، وأحيانا يكون بالبهتان، فالمسمى يقوم فيه المشوه بانتقاء اسم آخر لمن يريد أن يشوهه، ثم يشتغل في إلصاق التهم والصفات السيئة فيه زورا وبهتانا.

 

ومثال ذلك: سمى كفار قريش نبينا -صلى الله عليه وسلم- "مذمما"، أي خلاف المدح، ووصفوه بعد ذلك بالسحر والكهانة والكذب، وغير ذلك من قبيح الصفات، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَلا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ، يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ"، صلى الله عليه وسلم.

 

فأسلوب التشويه قديم ومعهود، وعادة ما يستخدم في حرب ما يؤثر في تشكيل العقائد والأفكار، سواء من الناس أو من المناهج.

 

والكذب والافتراء حيلة الضعيف؛ لأنه لا يستطيع المواجهة، ولا مقارعة الحجة بالحجة، فينزوي بعيدا، ويكيد كيده الإعلامي الشرس، وهنا نصل إلى مبتغانا، وهو مصطلح "وهابية"، الذي أصبح وسيلة ذم وتشويه لكل ما ينتمي إلى منهج السلف الصالح.

 

أيها الإخوة: الوهابية في أصلها الحقيقي فرقة انتشرت في الشمال الإفريقي في القرن الثاني الهجري على يدي رجل اسمه عبد الوهّاب بن رستم؛ ولذلك نسبت إليه، وتسمى أيضا الرّستمية، نسبة إلى أبيه رستم، وهي فرقة مفترقة عن الفرقة الوهبية الخارجية، من فرق الإباضية، يطلق عليها الوهبية، نسبة إلى مؤسسها عبد الله بن وهب الراسبي.

 

ولما كان أهل المغرب من أهل السنة والجماعة، فمن الطبيعي أن يعادوا تلك الفرقة الوهابية الرستمية؛ لأنها تخالف معتقد أهل السنة والجماعة، بل وتكفر المسلمين.

 

وقد أفتى علماء الأندلس والمالكية بالمغرب بكفر تلك الفرقة، وأولئك العلماء الذين كفروا هذه الفرقة توفوا قبل أن يولد الشيخ محمد بن عبد الوهّاب بمئات السنين.

 

فلما أظهر الشيخ محمد بن عبد الوهّاب معتقد أهل السنة والجماعة على حين غربة من هذا المنهج والمعتقد ليقوم بدعوته الإصلاحية على ضوء الكتاب والسنة، لم يرق ذلك لعباد القبور وأرباب البدع وأصحاب المطامع والأغراض والأهواء، فسحبوا تلك النسبة التي هي الوهابية على سبيل المكر والخبث وأسقطوها على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وعلى أنصارها، وألبسوهم إياها، وأطلقوا عليهم هذا المسمى؛ لتنفير الناس عن تلك الدعوة، وصدهم عنها، وإيهامهم أن دعوة التوحيد مبتدعة، وأنها منهج الخوارج.

 

واليوم يقولون عنها (دواعش)، وأنها تعادي النبي -صلى الله عليه وسلم- وتكرهه، وأنها تكره صحابته، وتكره الأولياء.

 

ومع الأسف، فإن الساسة العثمانيين النقشبنديين لما خافوا على دولتهم من دعوة التوحيد وأن ينفلت الأمر من قبضتهم، لا سيما بعد دخول الحرمين الشريفين تحت ولاية أنصار الدعوة، ولما توافق اسم عبد الوهاب والد الشيخ محمد مع هذا المسمى عند من لا يدري الحقيقة، قام هؤلاء الساسة بنشر هذا المسمى، وأطلقوه على دعوة الشيخ محمد، ثم تلقفه الناس بواسطة البوذيين والصوفية والمبتدعة والجهلة وعامة المتبعين، واتخذوا من اسم الوهابية للترويع والتشويه والنبذ.

 

ثم لما كان الإسلام الذي ينادي به هؤلاء المبتدعة من غلاة الصوفية إسلاما لا شوكة فيه ولا سياسة، إسلاما يدعو إلى الدروشة والخمور ونسيان الواقع؛ فإن هذا هو الإسلام المرغوب فيه عند الغربيين.

 

وهكذا كانت توصيات مؤسسة راند التي تخدم سياسة الغرب، وتوصيات معهد نيكسون التي تنظر إلى الصوفية كمستقبل بمنطقة الشرق الأوسط، ومن ثم دعموا القبوريين ماديا ومعنويا، وأعزوا دعاة التصوف، ونصروا أرباب ضرب الدفوف والقفز والتمايل، وكان من آخر ثمرات هذا الدعم اجتماع بروزني الذي أقامه مجموعة من الحاقدين على نهج السلف، اجتماع تحت وصاية سفاح المسلمين الموحدين في حلب، بل وفي سوريا كلها.

 

يهدف هذا الاجتماع إلى إقصاء دعوة التوحيد، وإسقاط رموزها: شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم الجوزية، ومَن هم على نهج السلف الصالح من أمثال هؤلاء العلماء؛ ولكن هيهات لهم! فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" أخرجه البخاري من حديث معاوية، وقال -فيما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم- في صفة الأمة الناجية: "من كان على مثل ما  أنا عليه وأصحابي".

 

وقد أعجبني كلام لكتابة أرى فيه الإنصاف، أنقله بتصرف بسيط: أنى لي وضع الصوفية جميعا في سلة واحدة؟ وهل أساوي بين من كان زُهدهم على السنة ومتابعة الشريعة، أمثال الفضيل وإبراهيم بن أدهم والجُنيد، بمن غيروا معالم الاعتقاد الصحيح، وقالوا بوحدة الوجود والحلول والاتحاد أمثال ابن عربي والحلاج وابن الفارض؟ بلا شك، ليسوا سواءً!.

 

هل أساوي بين الطريقة التِجانية التي كانت تُساند وتدعم الاحتلال الفرنسي لدرجة أن (المارشال بوجو)، أول حاكم فرنسي للجزائر، قال في رسالة بعث بها إلى شيخ الطريقة التِجانية: "لولا موقف الطريقة التجانية المتعاطف لكان استقرار الفرنسيين في البلاد المُفتتحة أصعب بكثير مما كان"، هل أساوي بينها وبين الحركة السنوسية التي هي في مكوناتها ومنهجها أقرب ما تكون للسنة، والتي قاومت الغزو الإيطالي في ليبيا، وأخرجت للأمة عمر المختار؟ والتي هي في مكوناتها ومنهجها أقرب ما تكون للسنة، تلك الحركة التي كانت تؤكد على نبذ البدع والخرافات والاعتقادات في الأضرحة، هل أساوي بينهما؟ إني إذًا لمن الظالمين!.

 

إن المرحلة الأولى للتصوف قامت في نهايات القرن الثالث الهجري كرد فعل لانصراف الناس عن العلم والتزكية، وكانت هذه الطبقة من أهل الزهد المشروع، ووافقوا السنة ولم يخرجوا عنها، ومع مرور الزمان، دخل في التصوف بعض البدع، وظهرت مصطلحات جديدة مثل كلمة (زاهد وعابد)، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت كلمة (مؤمن ومسلم) ثم نشأت كلمة زاهد وعابد، ثم نشأ أقوام وتعلقوا بالزهد والتعبد واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا بها؛ هكذا كان أوائل القوم، ولَبَّس عليهم إبليس أشياء، ثم على من بعدهم، إلى أن تمكن من المُتأخرين غاية التمكُّن".

 

ثم استخدمت كلمة العشق في توصيف العلاقة بين العبد وربه، وكان أبرز من استخدم هذا المصطلح رابعة العدوية، وكان أهل هذه الطبقة مُنقطعين عن الدنيا، ويبالغون في الزهد، إلى الحد الذي يخرجهم عن اتّباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وشريعته.

 

وأخطر المراحل التي مرّ بها التصوف هي المرحلة الثالثة التي ضمّت ابن عربي والحلاج وجلال الدين الرومي وابن الفارض وغيرهم، واتسمت باختلاط الفلسفة البوذية والتعاليم الهندية ونحوها مع تعاليم الإسلام. ولذا؛ ذهب كثيرٌ من الباحثين إلى أن التصوف -في نشأته- لم يكن محليًا وإنما وارد من الثقافات والحضارات والفلسفات الشرقية.

 

تقول الكاتبة: أنا لا أعني في كتاباتي الزُهّاد الأولين أصحاب الزهد السني المقبول المقيد بالكتاب والسنة والذي مقصده الزهد في الدنيا والتفرغ للعبادة ومجاهدة النفس وحملها على الأخلاق الجميلة، ولا من يحذو حذوهم في عصرنا طالما لم يحيدوا عن الأُطُر الشرعية، ولا حتى أعني أولئك الذين تلبّسوا ببعض البدع في الأوراد والأذكار؛ نعم، أنا أهاجم الذين حرفوا مسائل الاعتقاد التي كان عليها صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، نعم، أكشف ما كان عليه ابن عربي وأمثاله.

 

أسألُكم بالله يا معشر الموحدين: هل أغضُّ الطرف عن رجل يعتقد أن الوجود شيء واحد ولا فرق بين خالق ومخلوق؟ هل أصمُت عمن يقول بأن الله -تعالى- يحلّ في الأجساد كما يحل السمن في اللبن؟ تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

 

هل أجامل لتفادي النقد، وأسكت عمن يقولون بوحدة الأديان، وبأن الإنسان يتعبد بما شاء؟ يقول الصوفي الذي يعتبرونه قطباً من الأقطاب وولياً من الأولياء محيي الدين بن عربي:

لقد صار قلبي قابلًا كل صورة *** فمرعى لغزلان وديرٍ لرهبانِ

وبيت لأوثانٍ وكعبة طائف *** وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنّى توجهت *** ركائبه؛ فالحب ديني وإيماني

 

هذه الشطحة المريضة التي يظن صاحبها أنه متسامح إنسانيا تناقض سنن الله -تعالى- في كونه وفي خلقه! يسوي بين من يعبد الله ومن يعبد البقر!.

 

يقول جلال الدين الرومي مؤسس الطريقة المولوية وهو يقول:

مسلم أنا، ولكني نصراني وبرهمي وزرادشتي

توكلت عليك أيها الحق الأعلى، فلا تنأ عني، لا تنأ عني

ليس لي سوى معبد واحد، مسجدًا كان أو كنيسة أو بيت أصنام

 

ويقول أصحاب عقيدة وحدة الوجود هؤلاء: "إن عُبّاد العجل ما عبدوا إلا الله، وإن فرعون كان صادقًا في قوله أنا (ربكم الأعلى)، بل هو عين الحق"، كما ذكر ذلك ابن عربي صاحب كتاب فصوص الحكم.

 

وهذا -والله!- غيض من فيض مما تطفح به خرافات أولئك الغلاة.

 

ويطول المقال والمقام، وليس في الوقت متسع، والعبرة تؤخذ من قوة المعنى ووضوح الدليل، لا من طول الكلام.

 

(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8].

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

 

أما بعد: أيها الإخوة، في نهاية عام هجري منصرم واستقبال آخر جديد، أدعو الله -سبحانه- أن يكتب لنا فيه ولإخواننا المسلمين الموحدين في كل مكان من الخير والعافية ما يفرحنا ويفرحهم، ويحزن أعداءنا وأعداءهم، وأن يكتب النصر لأهل التوحيد على أهل الإلحاد والشرك من الصفويين والروس المجرمين وجميع النصارى المعتدين ومن عاونهم وأيدهم، وأن يصرف عنا وعن إخواننا الموحدين في كل مكان أن يصرف عنا وعنهم الوباء والغلاء والفحشاء والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن ينصر جنودنا وإخوانهم من أهل السنة على الباطنيين المعتدين في اليمن.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...

 

 

 

المرفقات

دور الخرافيين (3) – التشويه

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات