عناصر الخطبة
1/مكانة الإخبات 2/صفات المخبتين 3/جزاء المخبتيناقتباس
ووَصَفَ اللَّهُ الْمُخبتين بِالْخَوْفِ وَالْوَجَلِ عِنْدَ ذِكْرِ الله، وَالفَزَعِ مِنْ عَذَابِهِ؛ لِقُوَّةِ إِيمَانِهِمْ، وَكَأَنَّهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وفي نَفْسِ الوَقْتِ: تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِذِكْرِ اللهِ؛ لكَمَال ِمَعْرِفَتِهِمْ بالله، وَثِقَتِهِمْ بِه...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوْهُ، فَالتَّقْوَى سَبَبٌ لِلْخَيرِ والثَّوَابِ، والنَّجَاةِ مِن الشَّرِّ وَالعِقَابِ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[البقرة: 103].
عِبَادَ اللهِ: إِنَّهُمْ أُنَاسٌ مُتَوَاضِعُونَ، وَإِلى اللهِ مُطْمَئِنُّون، قُلُوْبُهُمْ رَقِيْقَةٌ خَاشِعَةٌ، وَبِوَعْدِ اللهِ وَاثِقَة، إِنَّهُمْ أَهْلُ الإِخْبَاتِ، قَالَ ابْنُ القَيِّم: "مَتَى اسْتَقَرَّتْ قَدَمُ الْعَبْدِ فِي مَنْزِلَةِ الْإِخْبَاتِ: ارْتَفَعَتْ هِمَّتُهُ، وَعَلَتْ نَفْسُهُ؛ فَلَا يَفْرَحُ بِمَدْحِ النَّاسِ، وَلَا يَحْزَنُ لِذَمِّهِمْ، وَبَاشَرَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ قَلْبُهُ".
وَمِنْ شَرَفِ الإِخْبَاتِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- طَلَبَ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ المُخْبِتِينَ، فَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، لَكَ مُخْبِتًا"(رواه الترمذي وصححه).
وَقَدْ كَشَفَ اللهُ عَنْ صِفَاتِ المُخْبِتِينَ وَعَلَامَاتِهِمْ؛ حَتَّى نَتَّصِفَ بِصِفَاتِهِمْ، وَنَكُوْنَ في مَصَافِّهِمْ، قال تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ* الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)[الحج:34-35].
الصِّفَةُ الأُوْلَى: وَجَلُ القُلُوبِ، عِنْدَ ذِكْرِ عَلَّامِ الغُيُوب، قال -عز وجل-: (وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ). والوَجَلُ: خَوْفٌ شَدِيدٌ، مَقْرُوْنٌ بِهَيْبَةِ وَمَحَبَّةٍ؛ فَالمُخْبِتُونَ: تَخْشَعُ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ؛ لِعِلْمِهِمْ بِعَظَمَةِ اللهِ وَجَلَالِهِ، وَهَذَا مِنْ عَلَامَةِ الإِيْمانِ، وَمَحَبَّةِ الرَّحْمَن (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً)[الأنفال:2].
ووَصَفَ اللَّهُ الْمُخبتين بِالْخَوْفِ وَالْوَجَلِ عِنْدَ ذِكْرِ الله، وَالفَزَعِ مِنْ عَذَابِهِ؛ لِقُوَّةِ إِيمَانِهِمْ، وَكَأَنَّهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وفي نَفْسِ الوَقْتِ: تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِذِكْرِ اللهِ؛ لكَمَال ِمَعْرِفَتِهِمْ بالله، وَثِقَتِهِمْ بِه، قال الشَّنْقِيْطِيُّ: "وَاعْلَمْ أَنَّ وَجَلَ الْقُلُوبِ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ: لَا يُنَافِي أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِه؛ فَإِنَّ الطُّمَأْنِينَةَ: تَكُونُ بِانْشِرَاحِ الصَّدْرِ بِمَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ، وَصِدْقِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ؛ فَطُمَأْنِينَتُهُمْ بِذَلِكَ قَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَطَرَّقْهَا الشُّكُوكُ. وَأَمَّا الْوَجَلُ: فَبِسَبَبِ خَوْفِ الزَّيْغِ عَنِ الْهُدَى، وَعَدَمِ تَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ".
وَجَمَعَ اللهُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ فِي قَوْلِهِ: (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ)[الزمر: 23]. قال القُرْطُبِيُّ: "أَيْ تَسْكُنُ نُفُوسُهُمْ إِلَى اللهِ -وَإِنْ كَانُوا يَخَافُونَه-؛ فَهَذِهِ حَالَةُ الْعَارِفِينَ بِاللهِ، الْخَائِفِينَ مِنْ سَطْوَتِهِ".
والإِخْبَاتُ: ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآن، قال -جل جلاله-: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) [الحج:54].
والقَلْبُ المُخْبِتُ أَحَبُّ القُلُوْبِ إلى اللهِ؛ لِأَنَّهُ قَلْبٌ حَيٌّ سَلِيمٌ، قال شَيخُ الإِسْلَام: "جَعَلَ اللهُ الْقُلُوبَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
1- قَاسِيَةً 2- وَذَاتَ مَرَضٍ 3- وَمُؤْمِنَةً مُخْبِتَةً: وَهُوَ القَلْبُ الْعَلِيمُ الرَّحِيمُ؛ فَبِالرَّحْمَةِ: خَرَجَ عَنْ الْقَسْوَةِ، وَبِالْعِلْمِ: خَرَجَ عَنْ الْمَرَضِ".
وَمِنْ صِفَاتِ المُخْبِتِينَ: صَبْرُهُمْ عَلَى أَقْدَارِ الله، قال -جل جلاله-: (وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ): فَلَا يَتَسَخَّطُونَ ولا يَجْزَعُونَ، وَلَكِنْ يَقُوْلُون: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُون. وَاحْتِسَابُ الثَّوَابِ، يُهَوِّنُ عَلَى المُخْبِتِينَ المُصَاب، قالَ بَعضُ السَّلَف: "الْمُخْبِتُونَ لَا يَظْلِمُونَ، وَإِذَا ظُلِمُوا لَمْ يَنْتَصِرُوا".
وَمِنْ صِفَاتِ المُخْبِتِينَ: أَنَّهُمْ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ: ظَاهِرًا وَبَاطِنًا: إِخْلَاصًا، وَخُشُوْعًا، وَمُتَابَعَةً؛ كما قال تعالى: (وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ)، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فِي قَوْلِهِ: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون)[المؤمنون:2]. قَالَ: "مُخْبِتُونَ أَذِلَّاءَ".
وَمِنْ صِفَاتِ المُخْبِتِيْنَ: إِحْسَانُهُمْ إلى عِبَادِ اللِه، بِالإِنْفَاقِ مِمَّا آتَاهُم الله؛ كما قال تعالى: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ): وهذا يَشْمَلُ النَّفَقَاتِ الوَاجِبَة: كَالزَّكَاةِ، والكَفَّارَات، والنَّفَقَةِ على الزَّوْجَةِ والأَوْلَادِ. كما يَشْمَلُ النَّفَقَاتِ المُسْتَحَبَّة: كالصَّدَقَاتِ بِجَمِيعِ وُجُوْهِهَا، وَمِمَّا يُعِينُ المُخْبِتَ على الإِنْفَاقِ: عِلْمُهُ بِأَنَّ المالَ مَالُ اللهِ، لَيْسَ لِلْعَبْدِ في تَحْصِيْلِهِ قُدْرَة، لَوْلَا تَيْسِيْرِ الله.
وَحَقِيْقَةُ الإِيْمَانِ والإِخْبَاتِ: تَجْمَعُ بَيْنَ الإِحْسَانِ في عِبَادَةِ اللهِ بِإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ، وَالإِحْسَانِ إلى عِبَادِ اللهِ بِبَذْلِ الصَّدَقَاتِ (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)[الحج:54].
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
أَمَّا بَعْدُ: كُلَّمَا ازْدَادَ العَبْدُ مَعْرِفَةً بِاللهِ وَإِجْلَالاً؛ اِزْدَادَ خَشْيَةً وَإِخْبَاتًا (إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر: 28].
والمُخْبِتُونَ خَاضِعُونَ للهِ، مُتَوَاضِعُونَ لِعِبَادِ الله، قَدْ بَلَغُوا الذّرْوَةَ في الإِيمانِ، وَطَاعَةِ الرَّحْمَنِ، وَلِهَذَا بَشَّرَهُمْ اللهُ بِالجِنَانِ، والنَّجَاةِ مِن النِّيْرَانِ، قال -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)[هود: 23].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم