والمُؤتَفِكَةَ أَهْوَى - المثلية قوم لوط

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2021-12-17 - 1443/05/13 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/وقفة في مصائر الأمم السابقة 2/قصة قوم لوط وعقوبتهم 3/الاعتبار مما حدث لقوم لوط من العقوبة 4/وجوب توعية الأبناء والشباب بخطورة اللواط

اقتباس

قومُ لوطٍ قومٌ غَضِبَ الله عليهم ولعنهم، وجعلهم لِمَن خَلْفَهُم من العالمين عِبرةً وآية، أَتَوا بِفاحِشَةٍ قَذِرَةٍ خَبِيْثَةٍ، ليسَ في الفواحشِ أَبْشَعَ مِنها ولا أفْظَعَ؛ يأَتُوْنَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، أَحَلَّ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أيها المسلمون: خَتَمَ اللهُ رسالاتِه إلى الناسِ بِبِعْثَةِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- فأقامهُ على أَكرمِ ملةٍ وأَكمَلِ دين، في أَمةٍ وارِثَةٍ باقيةٍ إلى قيامِ الساعةِ، فلا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّها، ولا رَسُوْلَ بعدَ رَسولِها.

 

وإنَّ أُمَّةً عُمُرُها يَمْتَدُّ قُرُونًا من الزَّمَن لَن يَضمَن لها البقاءَ مهتديةً على صراطٍ مستقيم إلا كتابٌ أَنْزَلَهُ اللهُ مُحْكَمًا مُفصلًا محفوظًا، بِهِ تَهتدِي، وبِهِ تعتصِمُ، وعليه تستقيم (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فصلت:42].

 

وفي القُرآنِ قَصَّ اللهُ عَلَيْنَا مِنْ أَنْبَاءِ الأُممِ وأخبارِ السابِقِين (وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ)[الأنعام:34]، أُممٌ غابرةٌ في الوقوفِ على أخبارِها ذِكْرى مُعْتَبَرٌ (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى)[يوسف:111].

 

أُممٌ سَلَفَتْ كَفَرَتْ باللهِ وكَذَّبَتِ المُرْسَلِينَ، أَحَلَّ اللهُ بِهم عِقابَه، وأَنزَلَ عليهم عَذابَه (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[العنكبوت:40].

 

وما مِن نبيٍّ بعثَهُ الله إلى قَومِه إلا كانَت أعظَمُ دعوةٍ يَدْعو الناسَ إليها: عبادةُ اللهِ وَحدَهُ، والكُفرُ بِكُلِّ ما عُبِدَ مِنْ دُوْنِ الله (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)[النحل:36].

 

وحينَ يَقْتَرِنُ بكفرِ أمةٍ من الأممِ ارتكابٌ لِجَرِيْمَةٍ مِن الجرائِمِ أو مُوْبِقَةٍ من الموبِقاتِ؛ فإِن القرآنَ يُبْرِزُ شَناعةَ هذهِ الجريمةِ ويُؤكِدُ بَشاعَتها، ويُظْهِرُ أساليبَ المرسلينَ في التحذير منها والنهي عنها.

 

وفي حَدِيْثٍ عَنْ أُمَّةٍ مِنَ الأمَمِ الغابِرَةِ التي أَورَدَ القُرآنُ ذِكْرُها كثيرًا؛ ففَصَّلَ خَبَرَها، وأَظْهَرَ جريمتها، وأبانَ عقوبَتَها، أَمَّةٌ كَفَرَتْ باللهِ فأَنْزَلَ اللهُ بها أَقْسَى العُقُوْبَات، وأَحَلَّ عليها عَظِيْمَ اللَّعَنَات، سَلَكتٍ سبيلًا مُنْحَلًا، وطَرَقَت طَرِيْقًا مُنحَرِفًا، وابتدعَت جريمةً لَمْ تُسْبَق إليها.

 

ففِي مَكانٍ مِنْ أَرضِ الشامِ شَرْقَ الأُرْدُنِ كانت هناكَ قَرْيَةٌ تُدْعى سَدُوْم، عاثَ أهلُها فسادًا وانحرافًا وخرابًا، انقلَبَت فِطَرُهُم، في حياةٍ بَهِيْمِيَّةٍ، بَل حياةٌ أَحَطُّ وأَرْكَسُ، وَأَدْنَسْ وأَنجَسُ وأخَسُّ وأَرْجَسْ، يأتونَ فاحشةً مَا سَبَقَهُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، يأَتونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، يأتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِن دُونِ النِّساء.

 

فأَرْسَلَ اللهُ إليهم لُوطًا -عليه السلام- فَأَنْذَرَهُم وَحَذَّرَهُمْ وَنَهَاهُمْ، وَوَعَظَهُمْ وأَرْشَدَهُم وَدَعَاهُمْ، أَنْكَرَ عليهم صنيعهم، وزَجَرَهم عَن جريمتِهِم، فما ازْدَادُوا إلا خُبثًا، وما سَلَكُوا إلا فُجورًا، قال لَهُم (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)[العنكبوت:29].

 

شاعَتْ فيهم الفاحشةُ المُنْكَرَة، يَرْتَكِبُوْنَها في نَوَادِيْهِم، ويُعلنونَ بها في مجالِسِهم، ويجاهِرون بها في كُلِّ نَادٍ، حتى رأَوا الطُّهْرَ عارًا، والعِفَّةَ شَنارًا، فتنادوا مُتَمالِئِين (أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ)، بأي جُرمٍ؟ وبأي ذنبٍ؟ وبأي تُهْمَة؟ بأي جريرة؟ (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)[النمل:56].

 

قَومٌ مُسِخُوا وانْسَلَخُوا، لَم تُطَهِرْهُم عِفَّةٌ، ولم تُنَزِّهْهُم فضيلة، أَقَامُوا عَلَى الفَاحِشَةِ النَّكْرَاءِ ورَضوا بِها، وواجهوا الرَّسولَ وحارَبوه، ورفضوا الطُّهرَ وأَنِفُوه، آسَفُوا اللهَ وأغضبوه، فحَكَمْ عليهم باللعنةِ، وقضى عليهم بالعذاب،

 

وفي عَشِيَّةِ يومٍ عَلَيْهِم مَشْؤُوم، نَزَلَ بأَمرِ اللهِ ملائكةٌ مِن السماء، فَحَلُّوا أضيافًا على لوطٍ -عليه السلامُ- جاءوه على أحسنٍ هيئةٍ بشريةٍ، وأبهى صورةٍ إنسانية، فضاقَ لُوطٌ بِهِمْ ذرعًا وكَرِه مقدَمَهُم، وقال هذا يومٌ عصيبْ، يومٌ عَصِيْبٌ سَيواجِهُ فيه الأذى مِن قومِه؛ لِعِلْمِهِ بِخُبْثِهِم وانْحِطاطِهِم، ولؤمهم ودَناءَتِهِم، وحقارَتِهم ونجاسَتِهم، وأنهم سَيُرَاوِدُوْنَهُ ويؤذونَه في عِرْضِ أضْيافِه (وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ)[الحجر:67] فَرِحِيْنَ بِمَقدَمِ حِسانِ الوجوهِ إلى قَرْيَتِهِم.

 

فواجههم لوطٌ -عليه السلام- يَزْجُرُهُمْ ويُدافِعُهُم، ويَعِظُهُم وينهاهُم (إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ)[الحجر:68-70]، (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ)[هود:78]، ولَكِنَّ قَومًا انحرفَت فيهمُ الفطرةُ وانتكست، لَنْ يُقِيمَهُم وعظٌ، ولنْ يَكُفَّهُم زَجْرٌ، ولَنْ يُقَرِّعَهُم توبِيْخ (قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ)[الحجر:71].

 

تعاظَمَ الخَطبُ في قَلبِ لوطٍ -عليه السلام- واشتدَّ الأَمْرُ عليهِ،  وبلَغَ بِه الكربُ مُنتهاه، ورأى أنه لا قدرةَ له على مدافعةِ قَومٍ طاغِين (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ)[هود:80]، لو أن لي أتباعًا أو قبيلةً أستعينُ بها عليكم لكففتكم ورددتكم.

 

وهنا أفْصَحَ الملائكةُ لِلُوطٍ -عليه السلام- عَنْ حقِيْقَتِهِم، وَجَلَّوا لَه أَمرَهم (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ)[هود:81]؛ كُنْ مُطْمَئِنًا، فإنَّا ملائكةٌ مُرسلونَ، أتينا بأمر اللهِ لِمُهِمَّةٍ في قَومِك وإنا لَمُنْجِزُوها، إِنَّهُ القَضَاءُ المَحتومُ لإهلاكِهم وَقَطْعِ دَابِرِهِم (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)[هود:81].

 

قَبْلَ بُزُوغِ الفَجرِ في وَقتِ السحرِ، خَرجَ لوطٌ -عليه السلام- بأهلِه إلا امرأتَه، خرجوا مُتَسَلِّلِينَ خِفْيَةً حينَ نامت العُيونُ، قال اللهُ: (إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ)[القمر:34]، ومَعَ إشراقِ الصباحِ، تَوَالَتِ الَّلعَنَاتُ على القومِ المُسْرِفِين، وَتَنَوَّعَتْ فِيْهِمُ العُقُوبَاتُ، صَيْحَةٌ أفْزَعَت القُلُوبَ وخَلَعَتْها، ثُمَّ رَفْعٌ للدِّيارِ وقَلْبِها عَلَيْهِم، وإمطارُهم بِحجارةٍ مِنْ سِجِّيْل، قال اللهُ، (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ)[الحجر:73]؛ أي وقتَ إشراقِ الشمس أَولَّ الصباح (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ)[الحجر:74]، دمارٌ وهلاكٌ وعقوباتٌ مُعجَّلَة، ثُمَّ يومَ القيامةِ إلى جهنم يُحشرون (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام:45].

 

بارك الله لي ولكم ..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابِه والتابعين.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: قومُ لوطٍ قومٌ غَضِبَ الله عليهم ولعنهم، وجعلهم لِمَن خَلْفَهُم من العالمين عِبرةً وآية، أَتَوا بِفاحِشَةٍ قَذِرَةٍ خَبِيْثَةٍ، ليسَ في الفواحشِ أَبْشَعَ مِنها ولا أفْظَعَ؛ يأَتُوْنَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، أَحَلَّ بِهِمْ غَضَبَه، أهْلَكَهُم فَلَم يُبْقِ مِنْهُم نَاجيًا، وَلَمَ يَذَرْ مِنْهُم على الأرضِ دَيَّارًا،  هَلَكَ قومُ لوطٍ، وَظَلَّتْ معالِمُ العذاب في قَرْيَتِهِم شاهِدَة، يراها مَن يأتي عليها، ويُبصِرُها مَنْ يَمُرُّ بها (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ)[الحجر:76]؛ قَرْيَتُهُم بطريقٍ قائِمٍ يَسْلُكُهُ المُسَافِرُونَ إلى الشَّامِ مِن أَرْضِ الحجاز (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا)[الفرقان:40].

 

عبادَ الله: وعَمَلُ قومِ لوطٍ، لَم تَزَلْ كُلُّ نفسٍ طاهِرَةٍ -عَبرَ القرونِ- تشمئزُ مِنه، وتنفُرُ مِنْ ذِكْرِه، وكُلما ابتعد إنْسانٌ عَن إنسانيتِه، انغمسَ في كُلِّ قذارةٍ، وهان عليه كُلَّ خَبَث، ومَنْ شاكَلَ قَوْمًا مَلْعُوْنِيْن في عَمَلِهِم، شابَههُم بالعاقِبَةِ واللعنةِ والعذاب، ويومَ القيامةِ يُحْشَرُ كُلُّ قومٍ معَ أشباهِهِم ونُظَرَائِهِم (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ)[الصافات:22]؛ أَي مَعَ أجناسِهِم في التَّوَجُّهِ والمَنْهَجِ والعملِ.

 

أيها المسلمون: ألا وإِنَّ عَمَلَ قومِ لوطٍ، من أَخْطَرِ الفواحشِ وأَبْشَعِها، تَقصِمُ الفطرةَ وَتَهْدِمُ الإنسانيةِ، وتزلزلُ الديانة، وتُحِلُّ بالأفرادِ والمجتمعاتِ أعظمِ العقوبات. وإِنَّ دُوَلًا كُبْرَى في الغربِ اليوم، غَشِيَها من الحقارةِ والقذارةِ والانحطاطِ ما غَشِيَها، ترفَعُ لمَنْ يَعْمَلُ الخبائثَ أعلامًا، وتُعْلِي لهم أصواتًا، وتَضْمَنُ لَهم حقوقًا، وتُدافِعُ عَنهم وتحمي خُبْثَهُم وتتبنى دَعْوَتَهُم.

 

تُزَوّرُ لَهم من الأسماءِ والأوصافِ ما يرفَعُ الشناعةَ عَن قذارَتِهم، فَيُسَمُّونَهُم بـ"بالمِثليةِ"، واللهُ قد سمى قَرْيَتَهُم بالقريةِ التي كانت تعملُ الخبائث (وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ)[النبياء:74]، ووصَفَهُمُ الله بأبشع الأوصافِ وأشنعها (قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)، (قَوْمٌ عَادُونَ)، (قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ)، (إنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالمِينَ).

 

وإِنَّ حمايةَ الجيلِ المسلمِ ووقايتِهِ مَن مخاطِرِ في هذه الجريمةِ، من أوجبِ ما يَجِبُ على المسلمين حكوماتٍ وشعوبٍ، جريمةٌ يُغْزى بِها الطفلُ والشاب المسلمُ في عُقرِ دارِه، ليتلاشى مِن قلبِه نُكرانُها، وليألَفَ الحديثَ عنها وعن ذكرِ أصحابِها، وكَم في المواقعِ والقنواتِ والألعابِ الإلكترونية ما يَسْلِبُ الطُهرَ ويَدعو للفجور.

 

ولا أَضَرَّ على الطفلِ والشابِ مِنْ جليسٍ فاسدٍ، ولا أخطرَ على المجتمعِ مِن غُلامٍ يُظْهِرُ محاسِنَه يَتَخَنَّثُ في هيئتِه ولِبْسِه وشَعرِه ومَظهَرِه.

 

وتَثْقِيْفُ الجيلِ بخطورةِ هذه الجريمةِ وعظيمِ حُرْمَتِها، وإرشادُهُ بوسائلِ أهلِ الفسادِ وطرائقِ تَحَرُّشِهِم، مسؤوليةٌ تُلقَى على الأبِ والأُمِّ والمعلمِ والإعلامي والناصِحُ والمربي، (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى)[النجم:53-55].

 

اللهم طهِّر قلوبنا، وأصلح سرائرنا، وتولّنا برحمتك..

المرفقات

والمؤتفكة أهوى.doc

والمؤتفكة أهوى.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات