والله يعصمك من الناس

فهد بن سعد أبا حسين

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/عصمة الله لنبيه –صلى الله عليه وسلم دليل نبوته 2/حفظ الله لنبيه –صلى الله عليه وسلم- من الملأ الذين تعاقدوا على قتله 3/حفظ الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- يوم الهجرة 4/ قصص رائعة في حفظ الله لنبيه وعصمته له 5/الدروس المستفادة من حفظ الله لنبيه

اقتباس

كثير من الناس إذا نجا من مكيدة حيكت له، ودبرت له، قال: "نجوت" ويتعجب من ذلك الموقف الذي حصل له، ويبقى في ذاكرته ومخيلته، وقد لا ينساه طيلة حياته. لكن من تأمل في المكائد التي حيكت للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وتأمل في نجاته منها فإن تعجبه لا يقف، ولذلك ذكر بعض أهل العلم: أن من علامات نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم-: حفظ الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-. قال الماوردي -رحمه الله-: "فمن...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله...

 

أما بعد:

 

كثير من الناس إذا نجا من مكيدة حيكت له، ودبرت له، قال: "نجوت" ويتعجب من ذلك الموقف الذي حصل له، ويبقى في ذاكرته ومخيلته، وقد لا ينساه طيلة حياته.

 

لكن من تأمل في المكائد التي حيكت للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وتأمل في نجاته منها فإن تعجبه لا يقف، ولذلك ذكر بعض أهل العلم: أن من علامات نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم-: حفظ الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-.

 

قال الماوردي -رحمه الله-: "فمن معجزاته: عصمته من أعدائه، وهم الجم الغفير والعدد الكثير، وهم على أتم حنق عليه، وأشد طلب لنفيه، وهو بينهم مسترسل قاهر، ولهم مخالط ومكاثر، ترمقه أبصارهم شزرا، وترتد عنه أيديهم ذعرا، وقد هاجر عنه أصحابه حذرا، حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة، ثم خرج عنهم سليما، لم يُكلَم في نفس ولا جسد، وما كان ذاك إلا بعصمة إلهية وعده الله -تعالى- بها فحققها حيث يقول: (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة: 67] فعصمه منهم" [انظر: كتاب أعلام النبوة، ص100)].

 

والله -جل وعلا- يقول: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة: 67].

 

يقول ابن كثير -رحمه الله-: "أي بلغ رسالتي، وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم"[تفسير ابن كثير 3/151].

 

في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال أبو جهل: "هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ "قيل: نعم، قال: "واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته" فما فجاءهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه فقيل له: مالك؟ قال: "ٍإن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو دنا مني، لاختطفته الملائكة عضوا عضوا".

 

وأنزل الله -تعالى-: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق: 9- 19][رواه مسلم برقم (2797)].

 

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزاة قبل نجد، فأدركنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القائلة -يعني في وسط النهار- في واد كثير العضاة -يعني الشجر الذي له شوك- فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت شجرة، فعلق سيفه بغصن من أغصانها وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن رجلا أتاني، وأنا نائم، فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي، والسيف صلتا في يده فقال: من يمنعك مني؟ قلت: الله فشام السيف -يعني رده في غمده- فها هو ذا جالس" ثم لم يعرض له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"[رواه البخاري برقم 2913 ومسلم 4/ص465 برقم 2281].

 

وروى الإمام أحمد: عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: "إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر، فتعاقدوا باللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، ونائلة وإساف: لو قد رأينا محمدا، لقد قمنا إليه قيام رجل واحد، فلم نفارقه حتى نقتله فأقبلت ابنته فاطمة -رضي الله عنها- تبكي، حتى دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: هؤلاء الملأ من قريش، قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقد قاموا إليك فقتلوك فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك، فقال: "يا بنية أريني وضوءا" فتوضأ، ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه، قالوا: ها هو ذا، وخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم وعقروا في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه بصرا ولم يقم إليه منهم رجل، فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قام على رؤوسهم فأخذ قبضة من التراب، فقال: "شاهت الوجوه" ثم حصبهم بها، فما أصاب رجلا منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافرا" [رواه أحمد في المسند برقم 2762].

 

وفي الصحيحين: عن ابن شهاب من رواية سراقة بن مالك نفسه قال: "جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ديةَ كل واحد منهما لمن قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة، إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا، ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي -وهي من وراء أكمة- فتحبسها علي، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت، فخططت بزُجّه الأرض، وخَفَضْت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها -يعني أسرعت بها السير- تقرب بي حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها: أضرهم أم لا؟

 

فخرج الذي أكره -فعصيت الأزلام-، فركبت فرسي تقرب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت، فلم تكد تُخرجُ يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عُثان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الذي أكرهه، فناديتهم بالأمان فوقفوا.

 

فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية. وأخبرتهم أخباراً ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني، ولم يسألاني إلا أن قال: أخفِ عنا، فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامرَ بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-"[رواه البخاري في الصحيح برقم 3906].

 

ويروى عن سراقة أنه قال ردا على أبي جهل:

 

أبا حكم والله لو كنت شاهدا *** لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه

عجبت ولم تشكك بأن محمدا *** رسول وبرهان فمن ذا يكاتمه

عليك برد القوم عنه فإنني *** أرى أمره يوما ستبدو معالمه

بأمر يود النصر عنها بِإلْبِها *** وأن جميع الناس طُرا تسالمه

 

[أخبار مكة للفاكهي برقم 2418].

 

والمقصود -أيها الإخوة-: أن الله -سبحانه- حفظ نبيه -صلى الله عليه وسلم- مع قلة عدد أصحابه وعدته، فكفاه أعداءه بأنواع عجيبة خارجة عن العادة المعروفة، ونصره على أعداءه مع كثرتهم وقوتهم وغلبتهم، والله -جل وعلا- يقول: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)[الحجر: 94- 95].

 

ويقول سبحانه: (فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: 137].

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أما بعد:

 

ومن المواقف العظيمة والعجيبة التي حصلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ما روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: " كان رجلا نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي -صلى الله عليه وسلم- فعاد نصرانيا، فكان يقول ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اجعله آية"  فأماته الله فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: مثل الأول، فحفروا له وأعمقوا فلفظته الثالثة، فعلموا أنه ليس من فعل الناس فتركوه منبوذا"[رواه البخاري برقم 3617].

 

ومن هذه المواقف العظيمة وغيرها يستفيد المؤمن: أن هذا الدين أمره عظيم، وأنه منصور ومحفوظ، وأن عزت الإنسان في نصره لهذا الدين، ويحذر الإنسان كل الحذر من الوقوف أمام حكم شرعي من أحكام الله -سبحانه-، أو الإعانة على إيقاف الخير والدعوة، أو تحجيم ذلك، أو الجلوس والمصاحبة لمن يفعل ذلك، فإن هذا من أخطر الأمور على الإنسان.

 

 

 

 

 

المرفقات

يعصمك من الناس

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات