والله ذو الفضل العظيم

عبدالله محمد الطوالة

2022-06-10 - 1443/11/11 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/كثرة نعم الله على خلقه 2/وجوب شكر الله تعالى 3/التحدث بنعم الله والثناء عليه بها 4/سعة فضل الله وكرمه 5/كيفية شكر الله تعالى.

اقتباس

الْمُؤْمِنُ الموفق يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ -تبارك وتعالى- هو المحسن المنعم العظيم، وأنه قد أحسنَ إليه إيما إحسان، وأنه هو أحسنُ الخالقين، الذي أحسنَ كل شيء خلقه، وخلق الانسانَ في أحسن تقويم، واخْتَارَ لَهُ أَحْسَنَ دِينٍ، وَأرسل له أَفْضَلَ رسول، وَأنزل عليه أَحْسَنَ كِتَابٍ، وَأختار له أَحْسَنَ شَرِيعَةٍ، وَجَعَلَهُ مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أخرجت للناس...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ الجوادِ الوهابِ الكريم، البرّ المحسنِ الرحيم، يتفضلُ على من يشاءُ من عباده، واللهُ ذو الفضل العظيم، (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)[النحل: 18]، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شرِيكَ لهُ، الغفورُ الحليمُ، العزيز الحكيم، (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[آل عمران: 101].

 

وأشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبْدُ اللهُ ورسُولُهُ، ومصطفاه وخليله، النبيُّ الأمِّيُّ العظيمُ، (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 128]، صلى الله وسلم وباركَ وأنعَمَ عليْهِ، وعلَى آلهِ وأصْحابِهِ أولي النهجِ القويمِ، والخُلقِ الكريمِ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.

 

أمَّا بعدُ: فأُوصيكم أَيُّها النَّاسُ ونفسي بتقوى اللهِ، فاتقوا اللهَ ربكم، وأخلِصُوا القصْدَ والنيّةَ للهِ جهْدَكُم، فإنَّما الأعمالُ بالنياتِ، وجدوا واجتهِدوا في الطاعات فقد أفلحَ من جدَّ في الطاعات، والزَموا الصدْقَ دأبكم، فإن دينَ اللهِ هو الصدقُ في المُعاملات، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الأنفال: 29].

 

معاشر المؤمنين الكرام: نِعمُ اللهِ -تبارك وتعالى- وأفضالهُ على عباده لا تُعدُ ولا تُحصى، بل إن النعمةَ الواحدة من نعمهِ -جلَّ وعلا- لا يمكنُ إحصائها، تأمل: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)[النحل: 18].

 

وشُكرُ المنعِمِ -سبحانه-، والتَّحدُث بنِعمه وفضله, هو منهجُ الأنبياء والمرسلين، فقد قال -تعالى- مخبراً ومثنياً على خليله إبراهيم -عليه السلام-: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[النحل: 120-121]، وقال عن كليمة موسى -عليه السلام-: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ)[القصص: 17]..

 

وأنه كثيراً ما كان يأمرُ قومه: (يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ)[المائدة: 20]، (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)[إبراهيم: 6]،  وقال عن نبيه سليمانُ -عليه السلام-: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)[النمل: 19].

 

ولأهمية هذا الأمر, فالله -جلَّ وعلا- يُذكِّرُ به عباده بصورٍ مختلفة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)[فاطر: 3].. ويقول لقوم عاد الشداد: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الأعراف: 69].

 

ويقول لقوم ثمود المفسدين: (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[الأعراف: 74]،  ويقول -تعالى-: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)[البقرة: 47]، ويقول -جلَّ وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)[الأحزاب: 9]، ويقول -عزَّ وجلَّ-: (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ)[البقرة: 198].. ويقول -سبحانه-: (يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ)[المائدة: 110]،  ويقول لأفضل الخلق أجمعين: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضحى: 11].

 

فالله -تبارك وتعالى- هو ارحم الراحمين، وهو المحسنُ الكريم، وهو العزيزُ الوهاب، المنعمُ الجواد المتفضل، نعمهُ وأفضالهُ على العباد عظيمةٌ جليلة، هائلةٌ كثيرة، (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[آل عمران: 74]، وسِعَ فَضلُهُ جَميعَ المخلُوقاتِ، قال -سبحانه-: (وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)[البقرة: 251].

 

واختص اللهُ البشرَ بالمزيد من كرمه وفضله، فقال -تعالى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء: 70]، ووسِعَ فَضلُهُ الشَاكِرَ منهم والجاحِدَ، فقال -تبارك وتعالى-: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ)[النمل: 73]، وقال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)[غافر: 61].

 

وفضلُ الله ورحمتهُ بيده وحده -سبحانه- يؤتيها من يشاء، يقول -جلَّ وعلا-: (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[آل عمران:73-74]، ويقول -تعالى-: (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الحديد: 29]، وإذا أرادَ اللهُ بعبدهِ فَضلاً: (فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[يونس: 107].

 

ثم إنَّ الإنسانَ بدون رحمةِ الله وفضلهِ مصيرهُ الهلاك والخسران، قال -تعالى-: (فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[البقرة: 64]، وقال -تعالى-: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)[النساء: 83]، وقال -جلَّ وعلا-: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[النور: 21].

 

ومن جحدَ فضلَ اللهِ وكتمهُ, فهو موعودٌ بالعذاب المهين، قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا)[النساء: 37].

 

ومِنْ فَضلِ الله ورحمتهِ بالمؤمِنينَ أنه خَصَّهم بالمزيدِ: فتفضَلَ عَليهم بالهدَايةِ، قال -جلَّ وعلا-: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)[النساء: 175].

 

ومن أعظم ما تفضلَ الله به على المؤمنين ما جاء في قوله -تعالى-: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[الحجرات:7-8].

 

ومن فضل اللهِ ورحمتهِ بالمؤمنين أن يتفضلَ عليهم بالمغفِرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الأنفال: 29]، وقال -تعالى-: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 268].

 

وتفضلَ اللهُ عليهم بالعَفو عَنهم: (وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 152]، وتفضل عليهم بحفظ أجورهم: (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 171]، ثم يزيدهم من فضله: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ)[النساء: 173]. وزيادة الله من فضله للمؤمنين إنما تكون بغير حساب، تأمل: (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[النور: 38].

 

ومن فضل الله عليهم أنه اصطفاهم وأورثهم الكتاب، قال -تعالى-: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)[فاطر: 32]، وبشَّرَهُم بالجنَّة: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا)[الأحزاب: 47]، وبإعطَائِهم مَا يَشاؤونَ فِيها: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)[الشورى: 22].

 

أعوذ من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[النور: 36-38].

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده اللذين اصطفى.

 

أما بعد: فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر: 18].

 

معاشر المؤمنين الكرام: الْمُؤْمِنُ الموفق يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ -تبارك وتعالى- هو المحسن المنعم العظيم، وأنه قد أحسنَ إليه إيما إحسان، وأنه هو أحسنُ الخالقين، الذي أحسنَ كل شيء خلقه، وخلق الانسانَ في أحسن تقويم، واخْتَارَ لَهُ أَحْسَنَ دِينٍ، وَأرسل له أَفْضَلَ رسول، وَأنزل عليه أَحْسَنَ كِتَابٍ، وَأختار له أَحْسَنَ شَرِيعَةٍ، وَجَعَلَهُ مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أخرجت للناس، وفطره وصبغهُ بأحسن صِبغةٍ، وَأَمَرَهُ بأن يتَّبعَ الْأَحْسَن، وأن يقولَ الْأَحْسَن، وأن يفعلَ الْأَحْسَن، وأن يدفعَ بالتي هي أحسن، وَدَلَّهُ عَلَى الْأَحْسَنِ من كُلِّ شَيْءٍ، وَوعده بأن يَجْزِيه يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَحْسَنِ مَا عَمِلَ فِي الدُّنْيَا،  هذا هو فضلُ الله وإحسانهُ،  (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الجمعة: 4].. وما جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان.

 

والسؤالُ المتبادرُ إلى الذهن يا عباد الله، إذا كان فضلُ الله ورحمته واحسانهُ بهذه الصورة العجيبة، فالسعيدُ الموفقُ والله من نالَ منهُ نصيبهُ الأوفر،  فما هو السبيلُ الأقرب والأضمن يا عباد الله؟

 

فاسمع وفقك الله وأسعدك لما يقوله المولى المتفضل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)[النساء:174-175]، ويقول -سبحانه-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الحديد: 21]، فالإيمانُ أولاً.

 

وثانياً: طاعةُ الله ورسوله: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا)[النساء: 69-70].

 

وثالثاً: التجارة مع الله: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر: 29-30].

 

ورابعاً: سؤال الله من فضله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)[النساء: 32]، وقال -تعالى-: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الجمعة: 10].

 

ووالله يا عباد الله ما أمر الكريم الوهابُ عباده أن يسألوه من فضله إلا وهو يريدُ أن يكرمهم ويمنحهم ويزيدهم من فضله العظيم،  وقد كان من دعاء المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من المسجد: "اللهم إني أسألك من فضلك".

 

اللهم يا ذا الجلال والإكرام، إنا نسألك من فضلك العظيم، ونستزيدك من كرمك ورحمتك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث،  أصلح لنا شأننا كله، واجعلنا هداة مهتدين، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180-182].

 

المرفقات

والله ذو الفضل العظيم.pdf

والله ذو الفضل العظيم.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات