والعاقبة للتقوى

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ أهداف القصص القرآني 2/ فوائد القصص القرآني 3/ أهمية الاعتبار بقصص القرآن 4/ والعاقبة للتقوى 5/ مواقف المسلمين عند الابتلاء والتمحيص ودورهم في نصرة دينهم.

اقتباس

إِنَّ في قَصَصِ القُرآنِ تَثبِيتًا لِلقُلُوبِ، وَمَوعِظَةً وَذِكرَى لِلنُّفُوسِ، وَتَصبِيرًا لِلمُنتَظِرِينَ وَطَمأَنَةً لِلمُتَرِقِّبِينَ، وَبَيَانًا لما عِندَ اللهِ مِنَ النَّصرِ المُبِينِ وَالتَّمكِينِ لِعِبَادِهِ المُتَّقِينَ، وَمَا يَحُلُّ مِنَ المَثُلاتِ بِالمُعَانِدِينَ المُتَمَرِّدِينَ، وَزِيَادَةَ إِخبَارٍ بِأَنَّ اللهَ لَيسَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَجرِي وَيَكُونُ... أَلا وَإِنَّ ممَّا دَلَّت عَلَيهِ قَصَصُ القُرآنِ وَخُتِمَ بِهِ بَعضُهَا لِيَكُونَ قَاعِدَةً عَظِيمَةً يَسِيرُ عَلَيهَا عِبَادُ اللهِ وَلا يَحِيدُونَ، لِتَكُونَ لهمُ العَاقِبَةُ الحَمِيدَةُ وَالنَّهَايَةُ السَّعِيدَةُ، مَا صُرِّحَ بِهِ في أَكثَرَ مِن قِصَّةٍ مِن أَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ..

 

 

 

 

أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُوهُ (وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ) [البقرة: 194].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: قَصَصُ القُرآنِ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِن أَخبَارِ السَّابِقِينَ، وَمَا احتَوَتهُ مِن أَحدَاثٍ وَمَوَاقِفَ لِرُسُلِ اللهِ مَعَ أَقوَامِهِم، لم تُنزَلْ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ لِلاستِمتَاعِ بها وَكَفَى، أَو لِمَعرِفَةِ تَسَلسُلِهَا التَّأرِيخِيِّ وَالتَّسَلِّي بها فَحَسبُ، وَلَكِنَّهَا جَاءَت لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ وَغَايَاتٍ جَلِيلَةٍ، لِيَستَفِيدَ مِنهَا الفَردُ في حَيَاتِهِ، وَتَستَلهِمَهَا الأُمَّةُ في مَجمُوعِهَا، وَيَتَّخِذَهَا الوُلاةُ مُنطَلَقًا لِتَسيِيرِ شُؤُونِ حُكمِهِم وَمُرتَكَزًا لِتَثبِيتِ دَعَائِمِ مُلكِهِم، وَتَستَمِدَّ مِنهَا الرَّعِيَّةُ مَثَلاً لما سَيَكُونُ عَلَيهِ حَالُ مَن أَحسَنَ، أَو عَاقِبَةُ مَن أَسَاءَ، فَلا تَطغَى حِينَ تَغنى، وَلا تَيأَسُ حِينَ تَبأَسُ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: (لَقَد كَانَ في قَصَصِهِم عِبرَةٌ لأُولي الأَلبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفتَرَى وَلَكِنْ تَصدِيقَ الَّذِي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصِيلَ كُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنُونَ) [يوسف: 111].

وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: (وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ في هَذِهِ الحَقُّ وَمَوعِظَةٌ وَذِكرَى لِلمُؤمِنِينَ. وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ اعمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُم إِنَّا عَامِلُونَ. وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ. وَللهِ غَيبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ فَاعبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ) [هود: 120- 123].

وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: (فَاقصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف: 167] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: (وَلَقَد أَرسَلنَا رُسُلاً مِن قَبلِكَ مِنهُم مَن قَصَصنَا عَلَيكَ وَمِنهُم مَن لم نَقصُصْ عَلَيكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأتيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذنِ اللهِ فَإِذَا جَاءَ أَمرُ اللهِ قُضِيَ بِالحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ المُبطِلُونَ) [غافر: 78].

إِنَّ في قَصَصِ القُرآنِ تَثبِيتًا لِلقُلُوبِ، وَمَوعِظَةً وَذِكرَى لِلنُّفُوسِ، وَتَصبِيرًا لِلمُنتَظِرِينَ وَطَمأَنَةً لِلمُتَرِقِّبِينَ، وَبَيَانًا لما عِندَ اللهِ مِنَ النَّصرِ المُبِينِ وَالتَّمكِينِ لِعِبَادِهِ المُتَّقِينَ، وَمَا يَحُلُّ مِنَ المَثُلاتِ بِالمُعَانِدِينَ المُتَمَرِّدِينَ، وَزِيَادَةَ إِخبَارٍ بِأَنَّ اللهَ لَيسَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَجرِي وَيَكُونُ.

أَلا وَإِنَّ ممَّا دَلَّت عَلَيهِ قَصَصُ القُرآنِ وَخُتِمَ بِهِ بَعضُهَا لِيَكُونَ قَاعِدَةً عَظِيمَةً يَسِيرُ عَلَيهَا عِبَادُ اللهِ وَلا يَحِيدُونَ، لِتَكُونَ لهمُ العَاقِبَةُ الحَمِيدَةُ وَالنَّهَايَةُ السَّعِيدَةُ، مَا صُرِّحَ بِهِ في أَكثَرَ مِن قِصَّةٍ مِن أَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ، فَبَعدَ أَن قَصَّ اللهُ - تَعَالى - لَنَا مَا جَرَى لِنُوحٍ مَعَ قَومِهِ، قَالَ - تَعَالى -: (تِلكَ مِن أَنبَاء الغَيبِ نُوحِيهَا إِلَيكَ مَا كُنتَ تَعلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَومُكَ مِن قَبلِ هَذَا فَاصبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ) [هود: 49].

وَذَكَرَ - تَعَالى - وَصِيَّةَ مُوسَى - عَلَيهِ السَّلامُ - لِقَومِهِ بَعدَ أَن هَدَّدَهُم فِرعَونُ بِتَقتِيلِ أَبنَائِهِم وَاستِحيَاءِ نِسَائِهِم، فَكَانَ ممَّا أَوصَى بِهِ أَنْ: (قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ استَعِينُوا بِاللهِ وَاصبِرُوا إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128] وَقَالَ - سُبحَانَهُ - بَعدَ ذِكرِ إِهلاكِ قَارُونَ الطَّاغِيَةِ: (تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأَرضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ) [القصص: 83].

وَفي خِطَابِهِ - تَعَالى - لِنَبِيِّهِ محمدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: (وَأمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى) [طه: 132].

إِنَّهَا قَاعِدَةٌ قُرآنِيَّةٌ تَحكِي سُنَّةً رَبَّانِيَّةً، وَتُكَرِّرُ الوَعدَ ممَّن لا يُخلِفُ المِيعَادَ بِحُسنِ العَاقِبَةِ لِلمُتَّقِينَ في الدُّنيَا قَبلَ الآخِرَةِ، وَالتَّمكِينِ لهم في الأَرضِ وَنَصرِهِم عَلَى عَدُوِّهِم.

وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ عَلَى المُتَّقِينَ أَن يَكُونُوا عَلَى ثِقَةٍ ممَّا وَعَدَهُم بِهِ رَبُّهُم مَا دَامُوا عَلَى عَهدِهِ سَائِرِينَ، وَأَلاَّ يَكُونُوا مِنهُ في شَكٍّ مَهمَا طَالَ لَيلُ الانتِظَارِ أَو غَشِيَتهُم ظُلمَةُ الظَّالِمِينَ، فَلِبَاسُ التَّقوَى خَيرٌ، وَعَاقِبَةُ أَهلِهَا خَيرٌ. وَمَهمَا مَرَّ بِأُمَّةِ الإِسلامِ مِن ضَعفٍ وَتَفَرُّقٍ وَتَشَرذُمٍ، أَو تَسَلُّطِ أَعدَاءٍ وَتَفَوُّقِ مُنَاوِئِينَ، فَإِنَّ كُلَّ هَذَا الزَّبَدِ لا يَجُوزُ أَن يَطغَى عَلَى التَّصَوُّرِ الصَّحِيحِ بِأَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ.

وَأَصحَابُ العَقِيدَةِ السَّلِيمَةِ، لا يَجُوزُ لهم مَهمَا طَالَ عَلَيهِمُ لَيلُ الابتِلاءِ، أَن يَبحَثُوا خَارِجَ دَائِرَةِ الإِسلامِ أَو يَذهَبُوا غَربًا أَو شَرقًا، لِيَستَورِدُوا مَبَادِئَ أُخرَى غَيرَ مَبدَئِهِم، أَو يَعتَنِقُوا مَذَاهِبَ مُختَلِفَةً لا تَمُتُّ بِصِلَةٍ إِلى دِينِهِم، ظَانِّينَ أَنَّ هَذَا سَيَكُونُ طَرِيقًا لِنَصرِهِم عَلَى أَعدَائِهِم وَتَمكِينِهِم في دِيَارِهِم، غَافِلِينَ عَن كَونِ شُعُورِهِمُ البَائِسِ بِالهَزِيمَةِ في دَاخِلِ نُفُوسِهِم، وَانبِهَارِهِم بِتَقَدُّمِ أَعدَائِهِم، وَغَفلَتِهِم عَن سِرِّ عِزِّهِم، هُوَ أَوَّلَ أَسبَابِ هَزِيمَتِهِم أَمَامَ أُولَئِكَ الأَعدَاءِ، وَعَدَمِ تَمَكُّنِهِم مِن التَّغَلُّبِ عَلَيهِم.

وَيَا سُبحَانَ اللهِ ! كَيفَ يَبحَثُ مُنهَزِمٌ عِندَ عَدُوِّهِ عَن أَسبَابِ انتِصَارِهِ، وَهُوَ الَّذِي نُزِّلَت عَلَيهِ مِن رَبِّهِ الآيَاتُ البَيَّنَاتُ، بِأَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ، وَأَنَّ أُمَّتَهُ بَاقِيَةٌ وَظَاهِرَةٌ إِلى آخِرِ الزَّمَانِ، لها العَاقِبَةُ الحَسَنَةُ وَالسَّنَاءُ وَالرِّفعَةُ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعطَيتُكَ لأُمَّتِكَ أَلاَّ أُهلِكَهُم بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَلاَّ أُسَلِّطَ عَلَيهِم عَدُوًّا مِن سِوَى أَنفُسِهِم يَستَبِيحُ بَيضَتَهُم، وَلَوِ اجتَمَعَ عَلَيهِم مَن بِأَقطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعضُهُم يُهلِكُ بَعضًا، وَيَسبي بَعضُهُم بَعضًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ.

وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفعَةِ وَالدِّينِ وَالتَّمكِينِ في الأَرضِ، فَمَن عَمِلَ مِنهُم عَمَلَ الآخِرَةِ لِلدُّنيَا لم يَكُنْ لَهُ في الآخِرَةِ مِن نَصِيبٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

أَلا فَمَا أَحوَجَ الأُمَّةَ الإِسلامِيَّةَ، بِجَمَاعَاتِهَا وَأَفرَادِهَا أَن يَتَدَبَّرُوا مَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم، وَيَستَفِيدُوا الدُّرُوسَ مِنَ السِّنِينَ الَّتي سَارُوا فِيهَا خَلفَ أَعدَائِهِم في مَنَاهِجِهِم وَقَوانِينِهِم، مُخَالِفِينَ أَمرَ رَبِّهِم في أَنظِمَةِ حُكمِهِم وَسُلُوكِهِم، وَمَا جَنَوهُ جَرَّاءَ ذَلِكَ اللَّهَثِ مِن تَخَلُّفٍ وَتَرَاجُعٍ وَضَعفٍ، وَشِدَّةِ تَأَثُّرٍ بِغَيرِهِم وَعَدَمِ تَأثِيرٍ فِيمَن سِوَاهُم، ممَّا يَدُلُّ عَلَى حَاجَتِهِم إِلى التَّقوَى، وَخُصُوصًا وَهُم يَعِيشُونَ هَذِهِ الأَزمِنَةَ الَّتي تَعُجُّ بِالصَّوَارِفِ وَالمُغرِيَاتِ وَالفِتَنِ وَالمُلهِيَاتِ، وَالَّتي لَوَت الأَعنَاقَ عَنِ مَعرِفَةِ الحَقِّ وَاتَّبَاعِهِ، وَصَرَفَتِ الأَبصَارَ إِلى زَهرَةِ الحَيَاةِ الدُّنيَا، وَأَذهَلَتِ العُقُولَ عَن أَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (اُدعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ. وَإِنْ عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصبِرْ وَمَا صَبرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحزَنْ عَلَيهِم وَلا تَكُ في ضَيقٍ مِمَّا يَمكُرُونَ. إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ) [النحل: 125- 128].

 

 

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاحمَدُوهُ وَلا تَجحَدُوهُ، وَاشكُرُوا لَهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَكُونُوا مَعَ المُتَّقِينَ في كُلِّ شَأنِكُم، وَالزَمُوا التَّقوَى فِيمَا تَأتُونَ وَفِيمَا تَذَرُونَ، وَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا فَتَمُدُّوا أَعيُنَكُم إِلى مَا مُتِّعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِن زَهرَتِهَا، فَإِنَّمَا كُلُّ ذَلِكَ فِتنَةٌ، وَمَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأَبقَى، وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى.

غَيرَ أَنَّ ممَّا يَجِبُ أَن يُعلَمَ أَنَّ تِلكَ العَاقِبَةَ الحَسَنَةَ لأَهلِ التَّقوَى، مَرهُونَةٌ بِتَحقِيقِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ من نحو قَولِهِ لِسَيِّدَ المُتَّقِينَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: (فَاصبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلُوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُرُوبِهَا وَمِن آنَاءِ اللَّيلِ فَسَبِّحْ وَأَطرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرضَى. وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجًا مِنهُم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفتِنَهُم فِيهِ وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقَى. وَأمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى) [طه: 130- 132].

فَالمُتَّقُونَ مُبتَلَونَ بِأَعدَاءٍ كُثُرٍ، مِن كُفَّارٍ وَمُشرِكِينَ وَمَلاحِدَةٍ وَمُنَافِقِينَ، وَسَيَسمَعُونَ مِنهُم وَيَجِدُونَ أَذًى كَثِيرًا، بَينَ كُفرٍ وَاستِهزَاءٍ وَجُحُودٍ وَإِعرَاضٍ، فَيَجِبُ أَلاَّ تَضِيقَ بِذَلِكَ صُدُورُهُم، وَأَلاَّ تَذهَبَ أَنفُسُهُم حَسَرَاتٍ عَلَيهِم، وَأَن يَتَّجِهُوا إِلى رَبِّهِم وَخَالِقِهِم وَمَن بِيَدِهِ الأَمرُ كُلُّهُ، فَيُسَبِّحُوا بِحَمدِهِ وَيَذكُرُوهُ عَلَى كُلِّ أَوقَاتِهِم وَفي جَمِيعِ أَحوَالِهِم، وَلا يَغفَلُوا عَنهُ وَلا يَنسَوهُ، وَلا تَشغَلَهُم عَنهُ أَعرَاضُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَزِينَتُهَا وَمَتَاعُهَا، وَمَا فِيهَا مِن مَالٍ وَأَولادٍ وَجَاهٍ وَسُلطَانٍ؛ لأَنَّهَا عَلَى مَا فِيهَا مِن رَوَاءٍ وَجَمَالٍ وَبَهَاءٍ، فَإِنَّمَا هِيَ زَهرَةٌ سَرِيعَةُ الذُّبُولِ، وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى.

فَلْنَتَّقِ اللهَ - أُمَّةَ الإِسلامِ - وَلْنُحَقِّقِ العُبُودِيَّةَ التَّامَّةَ لَهُ - تَعَالى - وَلْنُقَوِّ العِلاقَةَ بِهِ - سُبحَانَهُ -، فَإِنَّهُ الَّذِي لَهُ (غَيبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ فَاعبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ) [هود: 123].

جَعَلَني اللهُ وَإِيَّاكُم وَالمُسلِمِينَ ممَّن إِذَا أُنعِمَ عَلَيهِ شَكَرَ، وَإِذَا ابتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أَذنَبَ استَغفَرَ.
 

 

 

 

 

المرفقات

للتقوى

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات