واقعنا المعاصر

ناصر بن محمد الأحمد

2011-02-23 - 1432/03/20
عناصر الخطبة
1/ عزم الغرب على الحد من انتشار الإسلام 2/ انتعاش الدولة الصفوية الشيعية 3/ خلفية التعاون بين النصارى والروافض في محاربة الإسلام 4/ أهمية توحد كلمةُ المسلمين وجمع قواهم 5/ الغرب هو العدو الأول في هذه المرحلة 6/ تاريخ الروافض الفارسيين في كراهية العرب والمسلمين 7/ الحرب الإعلامية بيننا وبين الغرب 8/ تجزئة النصر 9/ اللجوء إلى الله تعالى والإيواء إليه 10/ ضرورة استثمار طاقات الأمة

اقتباس

وأعظم أزمة لواقعنا المعاصر هي أزمة انتعاش الدولة الصفوية، والقيام بممارساتها من تصفية أهل السنة علنًا وفي وضح النهار، وبمباركة من البيت الأبيض؛ فالفرس الجدد والروم الجدد تقاطعت مصالحهم ضد أهل السنة في هذه المنطقة بالذات، فحصل ما هو جارٍ الآن في العراق، فالروم الجدد يعلمون جيدًا أن عدوهم الأول على وجه الأرض هم المسلمون السنة ..

 

  

 

إن الحمد لله...

أما بعد:

أيها المسلمون: إن الأزمة القائمة الآن بين المسلمين أزمةٌ كبيرة وخطيرة، ولو قال قائلٌ: إنه لا مثيل لها في عصرنا الحاضر وربما في الماضي، لم يكن بعيدًا عن الصواب، إنها أزمة التحالف العالمي ضد الإسلام والمسلمين مهما كانت المُسميات وأيًّا كانت المسببات، وهي أزمة في التخاذلِ لنصرة المسلمين، بل وأزمة في تحالفات المسلمين مع الكافرين، إنها حربٌ عسكرية، وحربٌ أمنية، وحرب إعلامية ونفسية، حرب على العقائد والقيم، وعلى الحريات والمبادئ، حربُ حضارات، هي باختصار كما عبّر عنها رئيسُ وزراء ماليزيا قائلاً: "إن أُولى حروب القرن هي ضد المسلمين، وليست ضد الإرهاب".

الأزمةُ الراهنة كما قيل حربٌ هدفُها الحدُّ من انتشار الإسلام في أمريكا وأوروبا وغيرها من الدول غير الإسلامية، فضلاً عن الحدِّ من نفوذ الإسلام وتأثيره في الدول الإسلامية، ومع كل أسفٍ فالعدوُّ في هذه الحرب جادٌّ في حربه، لا يكتفي بالتهريج، ولا يرضى برسم المخططاتِ وعقد المؤتمرات، بل انتقل إلى خطوات عملية، فالحربُ تُشعل في كل مكان، وما لا يستطيع الغربُ أن يقوم به بنفسه يُقيم عنه بالوكالة من يُشعل فتيل الحرب، كما هو حاصل الآن في الصومال، فدولة إثيوبيا النصرانية هي الوكيلة عن الغرب، وإن كان المستخدم هي الطائرات الأمريكية.

وأحيانًا يحسنون إشعال الخلافات والمناوشات بين أبناء البلد الواحد، وما يجري الآن في فلسطين بين حركتي حماس وفتح نموذج لهذا التأجيج الغربي للحرب بين المسلمين أنفسهم، وكم هو مؤلمٌ أن تطالعنا عناوين الصحف تحمل أرقامًا للضحايا بين أبناء البلد الواحد، وتلك بدايات نأمل أن لا تنجح سياسةُ الغرب في إشعالها في بلاد المسلمين، وفضلاً عن الحروب القائمة بالأصالة أو الوكالة فالغربُ -وفي مقدمته أمريكا- يعتبر نفسه وصيًا على أموال المسلمين وجمعياته الخيرية والداعية للإسلام، فما لم يتم صرفُه منها حسب الرغبة الأمريكية يتم تجميدهُ.

ويُقال: إن في كندا وحدها -والتي لا يتجاوز عددُ المسلمين فيها 400 ألف- جُمدت أموالُ ثلاثةٍ وثمانين منظمة إسلامية، ولا يقف الحدّ عند تجميد الأرصدة الإسلامية، بل والتصنيف الانتقائي للمنظمات الإسلامية، فما كان منها جادًا ونشطًا ومؤثرًا، ولا يخضع للتوجيه الغربي، يُحصر نشاطه ويُصنف ضمن قائمة الإرهاب، ذلك المصطلح السحري الذي بات يُختم على كل نشاطٍ وعلى كل منظمة وعلى الأرصدة، بل وعلى الأشخاص، بالختم الذي يريد، ويعطَى إشارات القبول أو الرفض، بل الوجود أو السحق ؟! والذل والهوان صيَّر العالم الإسلامي كما قال الشاعر:

ويُقضى الأمرُ حين تغيب تيمٌ *** ولا يُستأذنون وهم شهودُ؟!

وأعظم أزمة لواقعنا المعاصر هي أزمة انتعاش الدولة الصفوية، والقيام بممارساتها من تصفية أهل السنة علنًا وفي وضح النهار، وبمباركة من البيت الأبيض؛ فالفرس الجدد والروم الجدد تقاطعت مصالحهم ضد أهل السنة في هذه المنطقة بالذات، فحصل ما هو جارٍ الآن في العراق، فالروم الجدد يعلمون جيدًا أن عدوهم الأول على وجه الأرض هم المسلمون السنة، وعداوة الفرس للعرب السنة عداوة قديمة معروفة؛ فهم معروفون بشعوبيتهم.

أيها المسلمون: هناك نِدِّيَّة تقليدية، وصراع اعتقادي وعنصري قديم بين الفرس والروم، يرجع تاريخه إلى مئات السنين، وهذا الصراع بين الطرفين كانت ساحته التقليدية عبر التاريخ تمتد على طول المسافة بينهما من أقصى شرق العراق إلى أقصى غرب الشام وما يحاذيهما من أراضي شمال الجزيزة العربية، إضافة إلى ضفافها الشرقية، وعلى الرغم مما بينهما من بغضاء وعداء على مر التاريخ، كانا ولا يزالان يشتركان في النظر إلى العرب نظرة دونية، ملؤها الاحتقار، وهاجسها السيطرة والاحتكار، وفق مصالح الطرفين فقط.

إن هذه الكراهية المشتركة والممتدة عبر التاريخ للعرب كانت تمزج دائمًا بين الحقد العنصري والبغض العقائدي، فالفرس كانوا قبل الإسلام يزدرون العرب عنصريًّا، وبعد الإسلام كانوا -إلا من طهره الله بالدين الصحيح- يتعالون على العرب دينيًا ومذهبيًا، ويحاولون أن يجعلوا من أنفسهم حماة دين الإسلام الذي اختصروه كله في محبة أهل البيت بزعمهم، وأما النصارى الغربيون فقد كانوا قبل الإسلام وبعده يجمعون في موقفهم من العرب بين بغض عنصري وحضاري وبُعد ديني.

أيها المسلمون: وهناك علاقة أيضًا بين الفرس واليهود، فلا يشك أحد في أن اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا، سواء أكانوا عربًا أم عجمًا، غير أن بغضهم للعرب أشد لأنهم يبغضونهم دينيًّا كونهم مسلمين وعنصريًّا كونهم عربًا، وموقف اليهود من الفرس قبل الإسلام كان فيه تقارب؛ بسبب إعادة الفرس ليهود السبي البابلي إلى فلسطين، وأما بعد الإسلام فإن بغض العروبة بصفتهم عنصرًا والسنَّة باعتبارها مذهبًا كان عاملاً مشتركًا بين اليهود وجمهور من الفرس المتشيعين، وهذه هي الأرضية التي بنى عليها عبد الله بن سبأ اليهودي دعائم المذهب الشيعي، حيث حملها فئام من الفرس بحماس، وتصدروا لها بإصرار؛ لأنها تقوم على بغض يهودي فارسي للعرب، وكل ما يتفرع عن ذلك مجرد تفاصيل.

وخلاصة تلك المواقف هي أن أهل السنة بعامة والعرب منهم خاصة، هم مجمع عداء الجميع، وموضع مكر الجميع في الماضي والحاضر والمستقبل، وعليهم جميعًا أن يعوا درس التاريخ في ذلك.

أيها المسلمون: ولابد لنا في هذه الأزمة من وقفاتٍ وتنبيهات، ودروسٍ وتوصيات:

الوقفة الأولى: إن من استثمار هذا الواقع المعُلن فيه العداوة للإسلام والمسلمين أن تتوحد كلمةُ المسلمين وتجتمع قواهم، وإلا أُكلوا يوم أكل الثورُ الأبيض، وإذا كان هذا على مستوى الدول والأفراد والرؤساء والمرؤوسين، فهو في جانب العلماء والدعاة أولى وأحرى؛ إذ إن مواقف العلماء والدعاة الموحدة تساهم بشكل كبير في توحيد صفوف المسلمين، وإذا لم يكن توحيدُ وجهة النظر، فليس أقل من تقاربها وتضيق هوّة الخلاف بينها ما أمكن، فما أصيبت الأمة بداءٍ أضرّ عليها من التنازع والاختلاف، ذلك الداءُ الذي أهلك الأمم الماضية قبلنا، وحذرنا القرآنُ منه ومن الفشل الملازم له: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46].

لابد أن نستشعر جميعًا الخطر المحدق، ونقف في خندقٍ واحد، متفهمين ظروف المرحلة، مقدرين هدف العدو، وحين تتفرق كلمةُ الأمة وأهدافها فذلك نجاحٌ للعدو، فكيف إذا اختلفت وجهاتُ النظر بين دعاة الصحوة وعلمائها، لاشك أن ذلك مبدد للطاقة، ميسّر للعدو تحقيق أهدافه.

الوقفة الثانية: لابد أن يعي المسلمون أن الغرب -وفي مقدمته أمريكا وبريطانيا- هما العدو الأول في هذه المرحلة، وإن كان الرافضة يشكلون خطرًا أعظم الآن في بعض الجوانب، وما من مصيبة نزلت ببلد من بلدان المسلمين إلا وأمريكا وبريطانيا وراءها، لا صديق دائم لهم، بل صداقتُهم أو عداوتهم حسب المصلحة، وهي متأرجحة حسب التسليم والإذعان للمقررات، وحسب الانبطاح للتوصيات، ويشهد التاريخ الماضي والحاضر بتغير العلاقات مع الدول من صداقة إلى عداوة، ومن تحالف إلى تخاصم... وهكذا، وإذا كانت تلك شهادة الواقع التاريخي فشهادةُ العليم الخبير أوفى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً) [النساء: 122]، وقد حكم أن رضا اليهود والنصارى لا ينتهي دون اتباع ملتهم: (وَلن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلتَهُم) [البقرة: 120]، فهل يعي أهل القرآن وأهلُ الإسلام هذه الحقيقة، فتُبنى العلاقات على أساس من الوعي التاريخي والوعي الشرعي؟!

في إحدى العناوين البارزة لإحدى الصحف جاء هذا العنوان "صُنّاع الرأي العالمي يقولون: سياسات أمريكا الخارجية وراء كراهيتها". وتحت العنوان: أظهر استطلاعٌ للرأي أجرته مؤسسة أمريكية بين صُناع القرار من السياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال في خمس قارات، أن سياسات أمريكا في العالم مسئولة عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأعرب معظمُ صُناع القرار في أمريكا -وبأكثرية ساحقة- عن اعتقادهم بأن أمريكا مكروهةٌ بسبب دعمها لإسرائيل، ويرى غيرُ الأمريكان أن سياسات أمريكا الظالمة وحيفها -على المسلمين بالذات- في عدد من البلدان، وفي عدد من القضايا الإسلامية، أوجد مناخًا واسعًا من الكره لها ولسياستها. فهل يستثمر المسلمون هذه الاعترافات ويوسعون دائرة الكره، وينفذون إلى الشعب الأمريكي لإبراز هذه الحقيقة وللمطالبة بكفِ عدوانها والحدِّ من سياساتها القمعية الظالمة؟! (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُون) [آل عمران: 118].

الوقفة الثالثة: نراجع فيها شيئًا من التاريخ القديم؛ لنعرف التاريخ الحديث في العلاقة بين الدولة الصفوية الحديثة ودولة عاد، وهم الروم الجدد.

لقد كانت الصراعات سجالاً بين الفرس والروم، ولما وقعت المنازلات بين المسلمين والروم في صدر الإسلام، كانت على أرض الشام، ولما أقبل المسلمون على نزال الفرس كانت المعارك الأولى على أرض العراق، فرحى التنافس التاريخي بين الفرس والروم كانت دائمًا تلك المناطق الثلاث من بلاد العرب، واليوم تكاد تتكرر الصورة، ونرى العراق أصبح ساحة تنافس بين الفرس والروم المعاصرين، دون أي اعتبار لسكان البلاد الأصليين.

بدأ الصراع المبكر بين الفرس والروم منذ عهد اليونان، وفي فجر الإسلام وقعت صدامات كبرى بين الفرس والروم، تغلب الفرس الوثنيون فيها أولاً على الروم النصارى، ثم كانت الغلبة للروم -كما أخبر القرآن- بعد بضع سنين، شاء الله أن يكون الاقتتال الأخير في فجر الإسلام بين الفرس والروم، إضعافًا لوجود الطرفين على أطراف الجزيرة العربية، وهو ما مهد للمسلمين أن يقاتلوهما معًا على التوحيد، فلم يكد يمضي على وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين حتى غزا المسلمون أرض فارس؛ لينتصر العرب تحت راية الإسلام على الفرس انتصارًا عظيمًا كسر كبرياءهم، وأطفأ نارهم التي كانت تعبد من دون الله، وذلك في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي أصبح اسمه غُصة في حلق كل فارسي مجوسي لا يؤمن بالله ورسوله حق الإيمان.

وبدخول المسلمين المدائن عاصمة الفرس سقطت دولة الساسانيين التي استمر حكمها أكثر من 400 سنة، ودخلت جموع من الفرس في الإسلام صادقين، إلا أن جموعًا أخرى ظلت حاقدة على الإسلام رغم دخولها الظاهري فيه، فقد احترقت قلوبهم بسبب انطفاء نار فارس على أيدي العرب، الذين كانوا بالأمس -في ظل جاهليتهم- عبيدًا أذلاء، فأصبحوا في رحاب الإسلام سادة أعزاء، وفاتحين أقوياء، بدؤوا فتوحهم خارج الجزيرة ببلاد فارس بعد الانطلاق من العراق، وظل العراق موضع سخط المنافقين من الفرس، وغدا حلقة جديدة من حلقات الازدراء العنصري للعرب، وخاصة أنه أصبح إحدى حـواضر المسلمين العامرة بعد فتحه، وهو ما أنشأ نوعًا من التعاون بين الحـاقدين من الفرس والحاسدين من اليهود على الدعـوة الإسلامية، فانبرى أحد اليهود ذوي القلوب السوداء -وهو عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء- فأطلق دعوة للتفريق بين المسلمين، وبعد أن أظهر الدخول في الإسلام نفاقًا، سعى بالإفساد والفرقة بالغلو في تقديس بعض الصحابة من جهة والغلو في الحط من قدر بعضهم الباقي من جهة أخرى، وكانت دعوى الانحياز والتشيع لأهل البيت ضد غيرهم من الصحابة أساس دعوة ذلك اليهودي كما هو معروف، وقد تفاعلت جرعات السم التي دسها ابن سبأ في الجسد الإسلامي حتى تفاقمت الفتن، وكان أولها وأشدها فتنة مقتل عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.

ساغ لكثير من الفرس أن يعتنقوا المذهب الشيعي على خلفية البغض للعرب الذين أزالوا دولتهم، واكتسى ذلك البغض العنصري بلون ديني، يصور جمهور العرب بأنهم تآمروا على الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعلى أهل بيته، وظل الشيعة -فرسًا وعربًا على الرغم من تعالي فُرسهم على عربهم- معادين لكل الخلفاء والأمراء من غير الشيعة طيلة حكم الدولة الأموية، وقد ساعدوا في إسقاطها تأييدًا للدولة العباسية التي انتسب مؤسسوها إلى أهل البيت.

وفي حملة الروم الكبرى على الشرق الإسلامي -والمعروفة في التاريخ بالحروب الصليبية والتي بدأت عام 488هـ- كانت الشام ومصر خاضعتين لحكم العبيديين الشيعة المعروفين بالفاطميين، وكان بين الروافض وبين أمراء السلاجقة الأتراك السنة صراع وتنافس، ولهذا شجع الروافض قدوم الصليبيين إلى الشام أملاً في تدمير إمارات السلاجقة، وبدأ هؤلاء الروافض يسهلون للصليبيين ويرحبون بقدومهم، وعندما غزا المغول الشرق الإسلامي بعد غزوهم للصين، كانت إيران من أوائل المناطق التي اجتاحوها، ثم واصلوا الزحف حتى العراق، فأسقطوا دولة الخلافة العباسية، وكان مقدم المغول إلى عاصمة الخلافة غير بعيد عن إغراءات الشيعة لهم بذلك؛ حيث أرادوا إحلال خليفة شيعي بدلاً من الخلفاء السنة، رغم تقريب بعض هؤلاء السنة لهم عن غفلة أو تغافل، وقد كان لنصير الدين الطوسي الفارسي، ومؤيد الدين بن العلقمي، وأشباههما وحلفائهما من الفرس، دور كبير في التغرير بالمسلمين في العراق، وإغراء الأعداء التتار الوثنيين بهم، وبعد العراق استباح التتار بلاد الشام، وطفقوا يستعِدُّون لغزو مصر، إلا أن شوكتهم كُسِرَتْ عند عين جالوت، وارتدوا على أدبارهم، فغادروا الشام ثم العراق، وأنشؤوا لهم دولة في الشمال الغربي لإيران اتخذت تبريز عاصمة لها.

أسس إسماعيلُ ميرزا شاه الدولةَ الصفوية عام 914هـ، وأعلن المذهبَ الشيعيَّ مذهبًا رسميًا في إيران، وسميت تلك الدولة بالصفوية نسبة إلى صفي الدين الأردبيلي، وقد كان هذا الرجل من شيوخ الصوفية التقليديين، وكان شافعي المذهب، إلا أنه تحول للمذهب الشيعي، وصار داعية له، حتى كثر أتباعه، وتحولت الصفوية من دعوة إلى دولة، وتوسعت من العراق إلى أفغانستان.

وقد ناصبت الدولةُ الصفويةُ دولةَ الخلافة العثمانية العداء، وحاول الصفويون الاستعانة بغرمائهم القدامى من الروم الصليبيين على العثمانيين المسلمين السنة، بل كان لهم دور كبير في إيقاف المد الإسلامي إلى داخل أوروبا، فقد كانت مؤامراتهم سببًا في إيقاف جيوش العثمانيين عند أبواب فيينا، لكن السلطان العثماني سليمان الأول ألحق بالصفويين هزيمة موجعة عام 920هـ، لكن الصفويين ظلوا على عهد الشقاق والمحاربة لجيرانهم من المسلمين السنة حتى سقطت دولتهم على يد الأفغان بقيادة محمود خان، الذي غزا أرض فارس، واستولى على العاصمة أصفهان، وقامت بعد الدولة الصفوية الشيعية عدة دول.

أيها المسلمون: هذه المعلومات التاريخية مهمة جدًّا لمن أراد أن يعرف ماذا يجري في العراق الآن؟! ولماذا هذا الحقد الظاهر من جهة الروافض لأهل السنة عامة والعرب منهم خاصة؟! ولماذا هذا التهجير لهم وقتلهم بشكل جماعي وبصور بشعة؟! إنها موروثات تاريخية ملؤوها الحقد والحسد والبغض الفارسي المجوسي الصفوي لجنس العرب والمسلمين، الذي أزال دولتهم، وأطفأ نارهم، وأيضًا محاولة منهم لإعادة تاريخهم الأسود ودولتهم الظالمة.

فنسأل الله تعالى أن يكفينا شرهم...

بارك الله لي ولكم...

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه...

أما بعد:

أيها المسلمون: الوقفة الرابعة: إن الواقع المعاصر يستدعي مراجعةً لإعلامنا وأثره في خدمة قضايا الأمة الإسلامية، وتصوير حقيقة الصراع، وأهداف ومخططات الأعداء، أو في كونه تبعًا للإعلام الآخر، يعتمد خبره، ولا تكاد تميز تحليله عن تحليل غيره، حتى غدا عديم الثقة، يفر المشاهدون والمستمعون والقراءُ إلى غيره بحثًا عن الحقيقة، الأمر الذي أوقع نفرًا من المسلمين في إشكالية أخرى حين يثقون بمصادر ومعلومات عدوِّهم، ولا يميزون بين الصحيح والكذب والحق والباطل، فخسرنا إعلامنا وروَّجنا لإعلامهم.

وفي مقابل هذا الضعف والتبعية في الإعلام الإسلامي -إلا ما رحم ربك- فثمة إعلامٌ متفوق ومُضلل، يختار الخبر، ويجيد التحليل، ويزور الحقائق، ويستخدم الإعلام وسيلةً من وسائل الحرب النفسية على الإسلام والمسلمين، وهل يُلام الذئبُ في عدوانه؟!

ولمزيد التفوق، وفي سبيل تأجيج وتأكيد حرب الحضارات، طالعتنا عناوينُ بعض الصحف تقول: الولايات المتحدة تطلق شبكة تلفزيونية لمخاطبة المسلمين بست وعشرين لغة، ولتخاطب مواطني أربعين دولةً إسلاميةً حول العالم، وخصصوا لهذه الشبكة ميزانيةً تصلُ إلى نصف بليون دولار كبدايةٍ لتشغيلها، وهكذا يثبت الإعلامُ الغربي -وخاصة الأمريكي- أهمية التوجه إلى الرأي العام الإسلامي، ويؤكد أن الصراع بين الحضارات أمرٌ واقع، فهل نستوعب الدرس من هذه الاستعدادات الإعلامية، ووسائل الحرب النفسية، لا بمجرد الأماني والأحلام، ولكن بالتخطيط الجاد وإتباع الأقوال بالأفعال؟!

الوقفة الخامسة: تجزئة النصر: لابد أن نفهم النصر بمفهومه الشامل، فليس النصرُ قصرًا على الانتصار العسكري، وليست الهزيمةُ بسقوط دولةٍ أو قيامِ أخرى، بل مفهومُ النصر أشملُ من هذا وأوسع، ولابد من تجزئة النصر، فنصرُ المبادئ الحقة نصر، وانتصارُ الإرادة نصر، والقدرة على ضبط النفس حين الأزمات نصر، والاستفادة من دروس الهزيمة نصر، والتخطيط للمستقبل على ضوء مرئيات الواقع وتوقع المستقبل نصر، وقد لا تبدو آثارُ النصر عاجلاً، ولكنها تظهر بعد حين، يُقال ذلك لأن نفرًا من المسلمين قد يُصابون بنوع من الإحباط وهم يرون تفوق الأعداء وتحقيق بعض أهدافهم العسكرية والسياسية والاقتصادية، ولكن العقلاء يشهدون أن دولة ما قد تنتصر ظاهرًا ولكنها مهزومة واقعًا وخُلُقًا.

أجل؛ لقد كشفت الأزمةُ المعاصرة بشكل أكبر عن هزيمة الغرب عامة وأمريكا خاصة في قيمهم ومبادئهم؛ فحقوق الإنسان عندهم تحتضر، والحريةُ والديمقراطية والمساواة عادت هياكل مجردةً عن معانيها، ومحكمة العدل ومجلس الأمن ومنظمات العفو الدولية وما شابهها من هيئات ومنظمات غربية براقة تحطمت على صخور جبال الأفغان، وفي أودية البوسنة والهرسك وكوسوفا، وغرقت في مياه دجلة والفرات، ولا تزال أرضُ فلسطين تشهد على غيابها بل تواطؤها، ألا يعد ذلك هزيمةً للغرب ومبادئه وهيآته ومنظماته من جهة، ويعد نصرًا للإسلام من جهة أخرى؟!

الوقفة السادسة: وفي ظل الضربات الموجعة، والحصار والتهديدات للأمة، لابد للمسلم من ركن شديد يأوي إليه، ويقيه ويحميه من السقوط والذوبان؛ إنه الله القويُ الشديد، لابد من الاعتقاد الجازم بنصر الله إن عاجلاً أو آجلاً، وكلما امتلأ الجو بالغبار والدخان، وخيّم اليأس والإحباط، فلا بد للمسلم أن يتذكر قوله تعالى: (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيب) [البقرة: 214].

ولابد من الثقة بأن الأعداء مهما بلغ كيدُهم فكيدُ الله ومكرهُ أعظمُ من كيدهم ومكرهم، لكن لابد من الاتكاء على قاعدة الصبر والتقوى: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط) [آل عمران: 120]، ولابد كذلك من إعداد العُدة الممكنة والمبينة في قوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة) [الأنفال: 60].

ولابد من استثمار طاقات الأمة كلها، برجالها ونسائها وشبابها وأصحاب التجربة فيها، ولابد من بعث اليقين في النفوس، وتجديد الإيمان في القلوب، وتجريد العبودية لله وحده، والوقوف على مصادر القوة ومكامن الضعف، ولابد من استحضار النصوص الشرعية الواعدة والمبشرة: (هُوَ الذِي أَرْسَل رَسُولهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ وَلوْ كَرِهَ المُشْرِكُون) [التوبة: 33]، ومن مثل قوله تعالى: (وَإِنَّ جُندَنَا لهُمُ الغَالِبُون) [الصافات: 173]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلهُمْ وَلا مَنْ خَالفَهُم". وقوله: "ليَبْلُغَنَّ هَذَا الدين مَا بَلغَ الليْلُ وَالنَّهَارُ، وَلا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلا أَدْخَلهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزّاً يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلامَ، وَذُلاً يُذِلُّ اللهُ بِهِ الكُفْرَ وَأَهْله".

أيها المسلمون: مصيبةٌ أن يتنادى اليهودُ والنصارى لعقائدهم ودياناتهم الباطلة، ويظل المسلمون في غفلةٍ معرضون، معرضون عن الاعتزاز بدينهم والعمل لإسلامهم، وغافلون عما يُراد بهم وما يُخطط لهم ولأجيالهم اللاحقة.

إن المرحلة الراهنة والمستقبلة فيما يظهر -والعلمُ عند الله- ستشهد صراعًا بين العقائد والحضارات، وإذا كنا على ثقة بأن إسلامنا وحضارتنا فوق كل دين وحضارة، فهل نكون -نحن المسلمين- على مستوى هذا الدين، ونمثل حضارة الإسلام، ذلك هو التحدي المستقبلي، وذلك هو الذي سيحدد نتيجة المعركة، وحجم المكاسب والخسائر.

اللهم ردنا إليك ردًا جميلاً، اللهم انصر دينك، وأعلِ كلمتك، واجعل الدائرة على الكافرين والمنافقين، واجعل تدبيرهم تدميرًا عليهم، واكفِ المسلمين شرورهم، الله اكف المسلمين شر الروافض وشر اليهود وشر النصارى...
 

 

 

 

 

المرفقات

المعاصر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات