واجب المسلمين نحو الأسرى والمسرى

الشيخ د محمد أحمد حسين

2022-09-23 - 1444/02/27 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/واجب المسلمين تجاه الأسرى والمعتقَلين 2/تحية إكبار وإجلال للأسرى والمعتقلين 3/المطالبة بفكاك الأسرى وخاصة المرضى منهم 4/الحق الكبير للأسرى والمسرى 5/الرفض التام لكل الممارسات الاحتلالية بأرض الإسراء

اقتباس

نحن نُؤكِّد على موقف المرابطين في القدس وأكنافها، بأننا نرفض رفضًا تامًّا، كل محاولات المساس بالمسجد الأقصى، بأي شكل من أشكال العدوان والاعتداء، وأننا نؤكد أن المساس بالوضع الدينيّ والتاريخي، الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارَك هو مساس بالعقائد والعبادات، وهو محاولات للعب بالنار...

الخطبة الأولى:

 

الحمد للهِ، ناصرِ المؤمنينَ، ومذلِّ الكافرينَ والمنافقينَ، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، قال وقولُه الحقُّ: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الْمُنَافِقُونَ: 8]، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقدوتنا وأسوتنا وقائدنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، قال عليه الصلاة والسلام مخاطِبًا المسلمين: "فُكُّوا العانيَ، وأطعِمُوا الجائعَ، وعُودُوا المريضَ". فالصلاة والسلام عليك سيدي رسول الله، وعلى آلك الطاهرين، وصحابتك الغُرّ الميامينِ، ومَنْ سار على نهجكم، واتَّبَع سبيلَكم، واقتفى أثرَكم واستنَّ سُنَّتَكم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والمرابطينَ القائمينَ الساجدينَ، في المسجد الأقصى المبارَك، وفي كل أرض فلسطين، والصلاة والسلام على كل مسلم قائم بأمر الله، في ديار المسلمين.

 

وبعد، أيها المسلمون، يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: هذا نداءُ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لأمة المسلمين كافَّةً، بإغاثة الأسير، والعمل بجُهد لإطلاق سراحه؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "فُكُّوا العانيَ"، والعاني -أيها المسلمون- هو الأسير، فاستحقَّ هذا الذي جاهَد في سبيل الله، وصبَر في سبيل الله، وأُوذيَ في سبيل الله، من أجل إعلاء كلمة الله وكلمة الحق، ومن أجل الذود عن حرية أبناء وطنه، ومن أجل كرامته، وكرامة أمته، بدلًا من أن يلهو هنا وهناك، فاشتغل في أَسْمَى الغايات، وسار في أحلك الطرقات، لإعلاء شأن أمته وأبناء دينه، وأبناء جِلدَتِه، والذَّود عن كرامتهم، وهو يُضحِّي بحريته؛ لأنَّه ابتغى وجهَ الله -تعالى-، عاملًا على إعلاء شأن وطنه وأرضه، وعلى إعلاء شأن أمته، فاستحقَّ هذا الأسيرُ الكريمُ عنايةَ الله، وعنايةَ رسولِه الأكرمِ -صلى الله عليه وسلم-، وهو يُخاطِب المسلمين أينما كانوا، وأينما وُجِدُوا، آمِرًا لهم وحاضًّا لهم أن أَطلِقُوا هذا الأسيرَ، واعملوا كلَّ المجهودات في سبيل حريته، أَلَمْ يضحِّ هذا الأسيرُ بحريته من أجل حريتكم؟ ومن أجل كرامتكم؟ ومن أجل الذَّوْد عن مقدساتكم؟ والذَّوْد عن حياض الأمة الإسلاميَّة حيثما كانت هذه الأمة، ووجدت هذه الأمة في أقطار المعمورة كافَّة؟

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إنهم الأسرى، الذين نوجه لهم تحية الإكبار والإجلال، من علياء منبر المسجد الأقصى المبارَك، تقديرًا لجهودهم، ووفاء لحقهم علينا جميعًا، إنَّها تحية الإنسان الكبير، الإنسان الذي يستحق كل الجهود من أبناء أمته ليكون حُرًّا طليقًا يتردد على المسجد الأقصى المبارَك، ويجول في شوارع القدس وحواريها وأزقتها، ويسير فوق ثرى هذا الوطن المقدس الطاهر المبارك بكل فخر وكبرياء؛ لأنَّه قدم الكثير الكثير، وضحى بالغالي والنفيس، ألا ترون أن التضحية بالحرية من أكبر التضحيات في سبيل الله، وفي سبيل العزة والكرامة، وفي سبيل حفظ القدس ومقدساتها، والأرض التي باركها الله -تعالى-.

 

أيها المسلمون في كل مكان، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: أسراكم البواسل هم طليعة الأمة، هم خيار الخيار في أبناء هذا الشعب الصابر المرابط، هذا الشعب الذي ابتدأت مسيرته لأكثر من مئة عام مضى، وهو يقارع الكفر والاستعمار، بكل أسمائه ومسمياته؛ للحفاظ على دين الأمة، وعلى عقيدة الأمة، وعلى مقدَّسات الأمة، وعلى حضارة الأمة في هذه الديار المبارَكة، إنكم -أيها الأسرى الأفاضل، أيها الأسرى الكرام، أيها الرجال الرجال، أيها الكبار الكبار- تستحقون كلَّ خير من شعبكم، ومن أمتكم، ومن أبناء العالَم أجمعَ؛ لذلك -أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج-، ما الوقفات مع الأسرى في كل الأماكن وفي عرض البلاد وطولها، إلا تقديمًا لبعض الواجب الذي يتوجَّب علينا القيامُ به من أجل حرية أسرانا البواسل، فعلينا أن نعمل جميعًا وفي كل المستويات، وفي كل المواقف والمحافل والمنتديات على ذِكرِهم، والعمل على إطلاق سراحهم مَهمَّا كلَّف ذلك من جهود، ومَهمَا كلَّف ذلك من أموال، ومهما كلف ذلك من مشقات.

 

أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، يا أسرانا البواسل الذين أثبَتُّم على امتداد مسيرتكم في هذه الديار المبارَكة، وأثبَتَ شعبكم كذلك أنكم في مقلة العيون، وأنكم في سويداء القلوب، وأنكم الطليعة المتقدِّمة لأمتكم العربيَّة والإسلاميَّة، ولذلك تستحقون كل التضحيات، وتستحقون كل الاحترام والتقدير، وكل العمل من أجل حريتكم، ومن أجل إطلاق سراحكم، وإذا كنا في هذا المقام الشريف ونخاطب الشرفاء من أبناء الأمة، وأنتم تتصدرون مسيرة الشرفاء، نعرج على المرضى منكم، نعم، على المرضى الذين نطالب العالم أجمع باسم الشرائع الدينيَّة كافَّة، وباسم القوانين والأعراف والأنظمة الدوليَّة، التي ترعى كرامة الإنسان، أن يلتفت هذا العالم، وهذه الأمة، المدينة لكم بصبركم وثباتكم، أن تُسخَّر كلُّ طاقاتها، وكلُّ مجهوداتها لإطلاق سراح الأسرى كافَّة، وعلى وجه الخصوص للعمل ليلًا ونهارًا، لإطلاق سراح المرضى من أسرانا البواسل، وفي مقدمة هؤلاء المرضى، ذاك الأسير البطل، ناصر أبو حميد، الذي يعاني المرض المؤلم، ويعاني القهر في سجون الاحتلال، ولا يستجيب هذا الاحتلال لكل المناشدات الإنسانيَّة، بإطلاق سراحه؛ علَّه يرتقي شهيدًا كريمًا يلتحق بقافلة الشهداء، التي تُضيء أرواحُها سماءَ هذا البلد المقدَّس، أرض الإسراء والمعراج، أرض رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: نعم؛ إنَّ كلَّ الشرائع السماوية وكل القوانين الأرضية والدوليَّة أعطت للأسير حقَّ العيش بكرامة، ثم عملت على وسائل إطلاق سراحه، فلماذا لا يُعامَل أسرانا البواسل كأسرى حرب؟ وهذا معروف في الشرائع السماوية، والأعراف الدوليَّة؛ أن للأسير كامل الحق في حريته، كامل الحق في كرامته، كامل الحق في أن يعيش إنسانًا كسائر البشر فوق هذه المعمورة؛ لذلك من علياء منبر الأقصى المبارَك نحييكم أيها البواسل، وندعو الله -تعالى- أن يُعجِّل في إطلاق سراحكم، لتكونوا بين ذويكم، وبين أبناء شعبكم وترفعوا رؤوس أمتكم التي -مع الأسف الشديد- تراجعت مواقفها مع أبناء شعبنا، ومع أرضنا، ومع مقدساتنا، وكأن الأمر لا يعني الكثير منهم.

 

أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: أنتم بشارة الحبيب الأعظم، والرسول الأكرم الذين لا تزال طائفة منكم تغدو وتروح إلى المسجد الأقصى المبارَك؛ مِصداقًا لحديث الرسول الأكرم، حينما أجاب الصحابيَّ الكريمَ، وقد سألَه: "يا رسولَ اللهِ، أين تأمُرُنا إن ابتُلينا بعدَكَ بالبقاء؟ قال: عليكَ ببيت المقدس؛ فلعل الله يرزقك ذرية يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِروا اللهَ، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم؛ حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه.

 

وبعدُ، أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إن الأسرى والمسرى هما من أركان الرباط في هذه الديار المقدَّسة المباركة، وإذا كنا في هذه الأوقات الدقيقة، والدقائق المعدودة لا نوفي الأسرى حقَّهم كذلك لا نوفي المسرى حقه، ولكننا أشرنا وما زلنا نشير بأن الأسرى يجب أن يكونوا في رأس أولويات اهتمامنا جميعًا، اهتمام الأُمَّة بحكامها ومحكوميها ودولها وشعوبها، وكذلك المسرى، هذا المسرى العظيم، هذا المسرى الذي أراد الله له أن يسطر آية من آيات الله، في عقيدة المسلمين، حتى لا يعتذر أي منهم بأنَّه لا يدري ما الذي جرى ويجري في المسرى والأقصى، جعله آية كريمة لها ارتباط مباشر ووثيق بعقيدة كل مسلم في هذا العالم، وجعل ارتباطه بكل عبادة كل مسلم في هذا العالَم.

 

وللتذكير للمسلمين وغير المسلمين نقول: إن الأسرى والأقصى هو جزء من عقيدة كل مسلم في هذا العالم، وهو جزء من عبادة كل مسلم في هذا العالم؛ فهو القِبلة الأولى، وهو المكان المقدَّس الذي يُضاعِف اللهُ فيه ثوابَ العبادات والأعمال الصالحة، وهو الذي لا تُشَدّ الرحالُ إلا إليه، وإلى شَقِيقَيْهِ المسجدِ الحرامِ والمسجدِ النبويِّ الشريفِ، وهو المسجد الأقصى كما سمَّاه الله -تعالى- من فوق سبع سماوات، وقرار الله -تعالى- لا يخضع للمحاكم الأرضية، مهما علت درجات هذه المحاكم، فكلها تحكم بقوانين الأرض، وهناك فرق شاسع بين قانون الله، وقرار الله، وقانون المحاكم البشريَّة التي تسير لأهواء البشر، ولتحقيق غايات البشر، حتى ولو كان هؤلاء البشر يقومون بالعدوان على المقدَّسات؛ لذلك نقول: إن المسرى وإن الأقصى يرفض رفضًا تامًّا وكاملا، كما نرفض نحن أبناء القدس، وأبناء فلسطين، وأبناء الأمة الإسلاميَّة رفضًا قاطعًا كل مساس بالمسجد الأقصى، كل عدوان على المسجد الأقصى، كل ممارَسة غريبة عن المسجد الأقصى، فلا عبادة لغير المسلمين في هذا المكان المبارك، ولا مكان لغير المسلمين في هذا المكان المبارك، وكل ما يقوم به الاحتلال وجماعاته المتطرفة، وأحزابه التي تزج بالمسجد الأقصى في معاركها الانتخابية كله باطل في باطل، وكله لن يغير من حقيقة المسجد الأقصى شيئًا، إن كل الدعوات، وكل النداءات من جانب المتطرفين، ومن مماهاة الحكومة الإسرائيلية لأعمالهم واعتداءاتهم ومناوأتهم كلها باطلة، والباطل لا يترتب عليه حكم ما.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: كثرت في الآونة الأخيرة الدعوات المتطرفة مِنْ قِبَل المتطرفينَ والجماعات اليهودية التي تُسمِّي نفسَها بمختلف الأسماء، وتَنسِب نفسَها إلى الهيكل المزعوم، لا وجودَ لهم في القدس، ولا وجود له في أرض المسجد الأقصى، وإنَّما حجج بالية، وادعاءات باطلة لتحقيق بعض الأهداف، في المسجد الأقصى المبارَك، إننا نعتبر النفخ في البوق، أو الألبسة التوراتية، أو التصرفات الدينيَّة لكل المتطرفين والمقتحِمين والمعتدين للمسجد الأقصى لا تغير في واقع المسجد الأقصى شيئًا، فنحن نؤكد على موقف المرابطين في القدس وأكنافها، بأننا نرفض رفضًا تامًّا، كل محاولات المساس بالمسجد الأقصى، بأي شكل من أشكال العدوان والاعتداء، وأننا نؤكد أن المساس بالوضع الدينيّ والتاريخي، الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارَك هو مساس بالعقائد والعبادات، وهو محاولات للعب بالنار، من شأنها أن تجر المنطقة بأسرها إلى مضاعفات خطيرة، لا يتكهن بمداها وانعكاساتها ولا يعلمها إلا الله -تعالى-.

 

فحماكَ اللهُ يا مسجدنا الأقصى، ورعاكم الله أيها المرابطون، أيها المتردِّدون إليه في جميع الأوقات، وفي جميع الصلوات، وفي فجركم الكبير العظيم، الذي يبشر -بإذن الله تعالى- بالأمل القادم، والعزة القادمة، لكم وللمسجد الأقصى، وللقدس وأكنافها، رغم أنف الحاقدينَ، ورغم أنف الطامعينَ، ورغم أنف المتخاذلينَ، فجزاكم الله عن أرضكم وعن مقدساتكم، وعن مسجدكم ولهؤلاء الأبناء، ذرية الإسلام والمسلمين، التي تغدو وتروح إلى المسجد الأقصى كل خير.

 

اللهم رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، فعليكم -أيها المرابطون-، عليكم -يا أبناء فلسطين-، أن تكونوا صفًّا واحدًا، ووجهةً واحدةً، لموقف عظيم كبير، يفرح الفاتحين كعمر، وصلاح الدين، ويثلج صدور الأسرى والمعتقَلينَ.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات، وأنتَ يا مقيمَ الصلاةِ أقمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات

واجب المسلمين نحو الأسرى والمسرى.pdf

واجب المسلمين نحو الأسرى والمسرى.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات