واجبنا نحو سورية

ناصر العلي الغامدي

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ الوضع في سورية والواجب علينا تقديمه للمسلمين هناك 2/ العدوان والإجرام لا بد له من نهاية 3/ مشروعية الجهاد بالمال عند العجز عن الجهاد بالنفس 4/ الشريعة مستفيضة بوجوب نصرة المظلوم 5/ ما وقع كرب ولا حرب إلا بذنب، ولا ارتفع إلا بتوبة 6/ عقاب الله لا يدفع بقوة مادية ولا بجهود بشرية 7/ خطبة ابن المنير المالكي بعد دخول التتار بغداد 8/ من لم يخف اللَّه خاف من كل شيء 9/ إنما يخاف عز الربوبية من عرف من نفسه ذل العبودية

اقتباس

إنَّ أحداث سوريا والعالم العربيّ كلّه تدعُو كلَّ مسلمٍ إلى محاسبةِ نفسه والإقلاعِ من ذنوبه، فوالله ما وقع كربٌ ولا حربٌ إلا بذنبٍ، ولا ارتفع إلا بتوبة... يا مسلمون: إنَّ عقابَ الله لا يُدفع بقوةٍ ماديةٍ ولا بجهود بشرية، وإنَّ الفتنَ لا تدرأ بالحيل ولا بالتمادي إنما بالالتجاء إلى الله، بالعودة لدين الله، بالدعوة لشريعة الله..

 

 

 

 

الحمد للهِ الحليمِ التواب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، أحمده وأشكره لم يزل بالمعروف معروفًا، وبالكرم موصوفًا، يكشف كربًا ويغفر ذنبًا ويغيث ملهوفًا، يرسل آياته ونُذُرَه وما يرسل بالآيات إلا تخويفًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بشَّرَ وأنذر، وأرشد وحذَّر، وأوضح المحجَّةَ البيضاءَ ليلُها كنهارِها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين.. وبعد:

فأيها الإخوة المسلمون: في الأسبوع الفائت كان لقاءٌ جمع بين وفدٍ من جمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت مع سماحة المفتي العام عبد العزيز آل الشيخ وفقه الله، وأثنى معاليه على الجهود المباركة التي تقوم بها جمعيةُ إحياءِ التراث من الدعوة السلفية ونشرِ كتب السلف الصالح، ثم سألوا سماحته أسئلةً، منها:

* يسأل الكثير عن الوضع في سورية، وما الواجب علينا تقديمه للمسلمين هناك؟

* فأجاب حفظه الله: الوضعُ خطيرٌ وسيئ، وإنما علينا الدعاءُ لله، والالتجاءُ إليه، والاضطرار إليه قبل كل شيء، ثم بذلُ الجُهد في إيصال المساعدة إليهم إن أمكن، كما يجب على الدول الإسلامية دعمُ إخواننا بسوريا، ويقظتُها لهذا الخطر الداهم الذي سُفِكَت فيه الدماء، وانْتُهِكت فيه الأعراض. ولم يُعْرَفْ في التاريخ الحاضر والمعاصرِ جريمةٌ ارْتُكِبت مثلُ ما ارْتُكِب بسوريا، ففيها من الفظائعِ والمخازي والقسوةِ والشدةِ وإهدارِ كرامةِ الإنسان ما الله به عليم، هي في الحقيقة بلاءٌ ومصيبةٌ عظيمة.

نسأل الله أن يزيل الغُمَّة وألا يعاقبنا، فهؤلاء قد أفسدوا وطغوا لكنَّ اللهَ بالمرصاد قال صلى الله عليه وسلم:«إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته»، ثم قرأ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102]، فالله جلَّ وعلا يقول في الحديث القدسي "يا عبادي إني حرمت الظلمَ على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا"، ولا شك أن هذا العدوان وهذا الإجرام لا بد له من نهاية.

ثم سأله الوفدُ: هل دفع المال للجيش السوري الحر مشروعٌ ويُعتبر نوعًا من الجهاد في سبيل الله؟
* فأجاب سماحته: إذا عَلِم أنه سيصل إلى هؤلاء (الجيش الحر) وصولاً جيدًا بأمانةٍ ودقةٍ فلاشك إنْ شاء اللهُ أنه جهادٌ في سبيل الله؛ لأن ما قوَّى شوكةَ هؤلاء (الجيش الحر) وأضعف شوكةَ هؤلاء (النظام السوري) مطلوبٌ شرعًا.

أيها الإخوة المسلمون: هذا الفتوى الربانيةُ المتضمنةُ تحقيقَ المصلحة ودرءَ ما يخشى من مفسدةٍ هي عينُ موافقةِ الحق عقلا وشرعا وواقعًا. إن العالم أجمع تابع تصريحاتِ وزيرِ خارجيتنا -جزاه الله خيرًا- وهو رجلٌ يعي ما يقول وما تتطلبه المرحلة، ويدرك أخطارَ النظامِ النصيري مع النظام الصفوي، فدعا الفيصلُ وفقه الله إلى ضرورة تسليح الشعب السوري للدفاع عن نفسه، وهذا حلٌّ صحيح، عينُ الحكمةِ والسياسةِ الشرعيةِ بعد أن فَشِلَت كلُّ المساعي الدبلوماسيةِ لحلِّ الأزمة السورية.

يا إخواني: إن الشريعة مستفيضة بوجوب نصرة المظلوم، قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) [النساء: 75]، وقال تعالى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) [الأنفال: 72]، وقال صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» رواه البخاري.

عباد الله: إنَّ أحداث سوريا والعالم العربيّ كلّه تدعُو كلَّ مسلمٍ إلى محاسبةِ نفسه والإقلاعِ من ذنوبه، فوالله ما وقع كربٌ ولا حربٌ إلا بذنبٍ، ولا ارتفع إلا بتوبة.

يا مسلمون: إنَّ عقابَ الله لا يُدفع بقوةٍ ماديةٍ ولا بجهود بشرية، وإنَّ الفتنَ لا تدرأ بالحيل ولا بالتمادي إنما بالالتجاء إلى الله، بالعودة لدين الله، بالدعوة لشريعة الله.

ماذا نقول لربي حين يسألنا *** عن الشريعة لم نحيي معانيها
ومن يجيب إذا قال الحبيب لنا *** أذهبتمو سنتي والله محييها

يا قومي إنَّ أحداث سوريا دعوةٌ لكل مسلمٍ، يعصي اللهَ وأمَّتُه تُذل، ويلغ في الشهوات ومسلمةٌ تُغل، ويغرق في سكرة الهوى ودماءٌ في الشام تُراق.

يا أهل الشام! إذا كانت مساجدُكم خلتْ من المصلين؛ خوفًا من بطش زبانية النظام، وقد حالوا بينكم وبينها، فإن مساجدنا تشكو الهاجرين المتخلفين في سائر الصلوات وفي الفجر بالذات، رغم ما ينعمون به من أمن وصحة ورخاء.

يا أهل الشام! إذا كانت تزعج مسامعَكم أصواتُ القاذفات والراجمات، فإننا نشتكي من مزامير الشيطان تصدح في السيارات والمهرجانات.

يا أهل الشام! إذا كنتم أدركتم خطرَ الرافضةِ والباطنيةِ والملاحدة، فإننا نشتكي من فسح كتب السحر والزندقة والجنس والإلحاد. اتقوا الله! أيها الراقصون على الجراح اتقوا الله (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الزمر:55] واعلموا عباد الله أن كل معصية نعصي الله بها وكل طاعة نفرط فيها هي دليلُ إدانةٍ ضدِّنا في محكمة دماء المسلمين الأبرياء.

يا مسلمون أين دعاؤكم! أين دعوتكم! أين عودتكم؟! توبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
(يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ* مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ* وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ* يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [غافر: 30 -33].

أنا أقسمت بالله الذي *** برأ الكون من عدم
إن رضينا بسخفنا *** وركنا إلى النعم
فخطى الخصم ماضيات *** من دمشق للحرم
حينها يندم الجميعُ *** ولا ينفع الندم

اللهم إليك تبنا وبك اعتصمنا، وعليك توكلنا، فاغفر لنا ما أسررنا وما أعلنا، وما قدمنا وما أخرنا، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، سبحانك إنا كنا من الظالمين..

 

 

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة المسلمون: في يوم الجمعة الخامسَ عشرَ من ربيعٍ الآخر سنة ثمانٍ وخمسين وستِّمائةٍ 658هـ، لمّا اجتاح التتار بقيادة هولاكو أرض الشام، قام الإمامُ العالمُ الجليلُ ابنُ المنيِّر المالكي قاضي الإسكندرية في أيام العز بن عبد السلام قام خطيبًا في الناس، وقد ذكر هذه الخطبةَ الإمامُ الذهبيُّ في كتابه تاريخ الإسلام، قال فيها:

 الحمد لله الَّذِي يرحم العيون إذا دمعت، والقلوبَ إذا خَشَعت، والنَفوسَ إذا خَضَعت، الموجودِ إذا الأسباب انقطعت، المقصودِ إذا الأبواب امتنعتْ، اللّطيفِ إذا صَدَمَتْ الخطوبُ وصدَّعت، رُبَّ أقضيةٍ نزلت فما تقدّمت حتّى جاءت ألطافٌ دفعت، فسُبحان من وسِعت رحمته كلَّ شيء وحُقَّ لها إذا وسِعت. أحمده لصفاتٍ بَهَرتْ، وأشكره عَلَى نعمٍ ظهرتْ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك لَهُ، شهادةً عَنِ اليقين صدرتْ. وأشهدُ أن مُحَمَّدًا عبده ورسوله، بعثَهُ والفتنةُ قد احتدَّت والحاجة قد اشتدَّت، ويدُ الضَلالِ قد امتدَّت، وظُلُمات الظُّلم قد اسودَّت، والجاهليّةُ قد بلغتْ غايتَها وجحدت دَيَّانَها، فجاء بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم فملك عِنانها وكَبَتَ أعيانها, وظهرت آياتُه فِي الجبابرة فأهلكت فرسانَها، وفي القياصرة فنكَّسَتْ صُلبانَها، وفي الأكاسرة فصدَّعت إيوانَها، وأوضح عَلَى يده المحجة وأبانها، صلى اللَّه عَلَيْهِ وعلى آله، فما أكرم الشجرة وأغصانها، وعلى أصحابه ومن حوى الحوزة وصانها، صلاة إذا أفضت صحيفة الحسنات كانت عنوانه.

أيها النّاس: خافوا اللَّه تأمنوا فِي ضمان وعده الوفي. ولا تخافوا الخلق وإن كثروا فإن الخوف منهم شركٌ خفيّ. ألا وإنّ من خاف اللَّهَ خاف منه كلُّ شيء. ومن لم يخفِ اللَّهَ خاف من كلِّ شيء. وإنما يخاف عزّ الربوبيّة من عرف من نفسه ذُلّ العبوديّة. والاثنان لا يجتمعان فِي القلب ولا تنعقد عليهما النية. فاختاروا لأنفسكم إمَّا اللهَ وإمّا هذه الدنيا الدَّنية. فمن كانت الدنيا أكبرَ همه لم يزل مهمومًا. ومن كانت زهرتها نُصب عينه لم يزل مهزومًا. ومن كانت جِدَّتُها غايةَ وَجْده لم يزل مُعْدَمًا حتّى يصير معدومًا.

فالله الله عباد الله! الاعتبارَ الاعتبارَ، فأنتم السُّعداء إذا وُعظتم بالأغيار. أصلِحوا ما فَسد، فإنّ الفساد مقدّمة الدّمار. واسْلكُوا الْجِدّ تنجوا فِي الدّنيا من العار وفي الآخرة من النار.

اتقوا اللَّه وأصلِحوا تُفْلحوا، وأَسْلِموا تَسْلَموا، وعلى التّوبة صمّموا واعزموا، فما أشقى من عقد التّوبة بعد هذه العِبَر ثمّ حلّها، ألا وإنّ ذنبًا بعد التّوبة أقبحُ من سبعين قبْلَها" انتهت خطبته رحمه الله.

اللَّهُمَّ يَا نَاصِرَ المُسْتَضْعَفِينَ، وَيَا غَوْثَ المُسْتَغِيثِينَ، أَنْجِ عِبَادَكَ المُسْتَضْعَفِينَ فِي سُورِيَّا، اللَّهُمَّ أَمِّنْ خَوْفَهُمْ، وَسَكِّنْ رَوْعَهُمْ، وَقَوِّ عَزْمَهُمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ. اللَّهُمَّ ارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمُ، اللَّهُمَّ ارحم موتاهم، وَاشْفِ جَرْحَاهُمْ، وَفُكَّ أَسْرَاهُمُ، وصبِّرهم على ما أصابهم، اللَّهُمَّ انْتَصِرْ لِلْأيامَى والثكلى وَاليَتَامَى.

اللهم احفظهم في دينهم وأنفسهم وأموالهم وأولادهم ونسائهم وأعراضهم إنك أنت الحفيظ العليم.

اللهم برحمتك التي وسعت كل شيء ارحمْ ضعف إخوتنا في سوريا.

اللهم بعزتك وقدرتك وجلالك اكشف الكربَ عن إخوتنا في سوريا.

اللهم بعونك ونصرك وقوتك عجِّلْ بنصر إخوتنا في سوريا.

اللهم بقهرك وجبروتك ونقمتك عجل في هلاك طاغوت سوريا. اللهم يا ذا الجبروت والملكوت أهلك سفَّاح سوريا. اللهم اهزمه واهزم جنده وزبانيته وأعوانه وداعميه.

اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء اللهم انزع ملكَ طاغوتِ سوريا، واللهم أذله بما تشاء، واجعله عبرة للطغاة الظالمين.

اللهم أنزل بأسك عليهم.. اللهم اشدد وطأتك عليهم.. اللهم صُبَّ عذابك عليهم اللهم أرنا عجائب قدرتك فيهم إنهم لا يعجزونك أنت القوي العزيز المتين يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم أصلح أحوالنا، واغفر لنا ذنوبنا
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
 

 

 

 

 

المرفقات

نحو سورية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات