واجبنا نحو إخواننا في أركان بورما

محمد بن عبدالرحمن العريفي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ وجوب نصرة المظلوم 2/ عِظَم حق المظلوم على إخوانه 3/ التعريف بمملكة أركان 4/ معاناة المسلمين في أركان ومصائبهم 5/ حرمان المسلمين من كل حقوقهم 6/ مذبحة الدعاة 7/ أسرار هذا الابتلاء 8/واجب الحكام والمحكومين تجاه إخوانهم المستضعفين.

اقتباس

كانت هناك حافلة فيها 10 دعاة من حفظة القرآن يطوفون على القرى المسلمة يحفظون القرآن، ويدعونهم إلى الله تعالى ويعقدون لهم الأنكحة، ويعلمونهم الدين، وإذا بمجموعة من البوذيين يعترضون هذه الحافلة ويخرجون أولئك الدعاة، ويضربونهم ضربًا مبرحًا، ثم جعلوا يعبثون بأجسادهم بالسكاكين حتى صاروا يربطون لسان الداعية بحبل ويمسك الآخر به وينتزع لسانه من فمه.. لماذا تدعو إلى الله ؟! لماذا تتلو القرآن ؟! لماذا تأمرهم بالتوحيد فنزعت ألسنة العشرة كلهم، ثم جعلوا يطعنون طعنًا، وتقطع أيديهم وأرجلهم والدم...

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جَلَّ عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله تعالى به من الضلالة، وبصَّر به من الجهالة، وجمع به بعد الشتات، وأمَّن به بعد الخوف، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين، ما اتصلت عين بنظر، ووعت أذن بخبر، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: لقد بيّن الله جل وعلا في كتابه الكريم صفة الظالمين، وحذّر سبحانه تعالى من الوقوع في الظلم والطغيان والبغي، وأمر الله تعالى جميع القادرين على أن يقفوا مع المظلومين، ويكشفوا كربات المكروبين ويخففوا عن مصاب المصابين.

وبيّن الله جل وعلا على أنه قادر على إهلاك الظالمين (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) [إبراهيم: 40- 41].

وبيّن الله جل وعلا أنه ناصر المؤمنين في كل موطن ومكان وزمان، وكان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بنصرة المظلومين بقوله وينصرهم صلى الله عليه وسلم بفعله، قال عليه الصلاة والسلام: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" قالوا يا رسول الله ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما ؟ قال: "أن ترده عن الظلم" [رواه البخاري].

وقال صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم" يعني دمائهم سواء، وكما يجب نصرة القريب يجب نصرة البعيد، وكما يجب نصرة القوي يجب نصرة الضعيف، وكما تجب نصرة الحر تجب نصرة العبد والعربي والأعجمي "المسلمون تتكافأ دماؤهم" ثم قال "ويسعى بذمتهم أدناهم " [رواه أبو داود وصححه الألباني]، أدنى المسلمين مهما كان محتقرًا بينهم لا يلتفت إلى شأنه فيهم فإنه يستطيع أن يجير وأن يسعى بذمته من خلفهم..

وقال صلى الله عليه وسلم: "أُحَرّجُ حَقِّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ" [أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني] فأكد النبي صلى الله عليه وسلم على وجوب أن ينصر كل مسلم لا يستطيع أن يرفع الظلم عن نفسه فيجب على كل من كان قادرًا أن يرقع عنه الظلم.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله " أو قال: " كالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يُفطر" [متفق عليه].

وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يخذل مسلمًا في موطن يحب فيه نصرته وينتهك فيه من عرضه وينتقص فيه منه" يعني يُنتهك عرضه كعرض أخته أو عرض أمه سواء كان قريبًا أو كان بعيدًا.. ما من مسلم قادر على أن ينصر مسلما ضعيفا ثم يتكاسل عن نصرته حفاظا على منصبه أو بخلا عنه بماله، أو رعبا من عدوه، قال: "ما من مسلم يخذل مسلما يُنتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته" [رواه أحمد وحسنه الألباني].

وقال صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتكلم عن أولئك الصالحين الذين يبذلون جاههم وأموالهم ومناصبهم وإعلامهم في نصرة كل مظلوم ومحتاج، قال عليه الصلاة والسلام: "من كان في حاجة أخيه.." يعني في حاجته عند فقره، في حاجته عند طرده من بلده، في حاجته عند سجنه، في حاجته عند مرضه، عند أسره، عند خروجه.. "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"، كان الله في حاجتك عند مرضك وعند فقرك وعند كربتك وعند مصيبتك "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" [أخرجه الترمذي وصححه الألباني].

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقدم الضعفاء ويستثنيهم من غيرهم، ويستقبلهم أكثر من استقباله لسواهم، وكان يقول عليه الصلاة والسلام إذا استقبل الوفود "ابغوني ضعفائكم" قدموهم بينكم هم الذين أبدأ بالسلام عليهم "ابغوني ضعفائكم، فإنما تُنصرون وترزقون بضعفائكم" [رواه البخاري].

وكان بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه كان ناصرًا للضعفاء ما يستنصر به ضعيف إلا ونصره بما يستطيع عليه ويقدر عليه.

كان عليه الصلاة والسلام يمر في طرقات مكة ببلال مظلومًا يُعذب ضعيفًا مسكينًا يعذب، ويمر بسمية ويمر بخباب وهو لا يملك مالاً ليشتريهم ويعتقهم، ولا يملك سلاحًا ليدافع به عنهم، ولا يملك عليه الصلاة والسلام إعلامًا يتحدث عنهم في كل موطن، ولا يملك عليه الصلاة والسلام سفراء لدولهم يستدعيهم أو يطردهم.. لم يكن يملك عليه الصلاة والسلام وسيلة إلا أن يصبرهم بلسانه فيقول: "صبرا آل ياسر إن موعدكم الجنة"، ثم تموت سمية بين يديه ويموت زوجها بين يديه وهو عليه الصلاة والسلام لا يستطيع أن يقدم لهم إلا الدعاء.

وكان عليه الصلاة والسلام ما إن يملك قوة إلا بدأ عليه الصلاة والسلام ينصر بها الضعفاء والمساكين، ألم تر أنه عليه الصلاة والسلام لما كان جالسًا في المدينة فأقبل إليه عمرو بن سالم وكان من خزاعة وكان فيهم مسلمون وكفار لكنهم كانوا حلفاء وأهل عهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فأقبلت قريش وكان بينهم بين رسول الله عهد كفّ القتال، نقضوا وأقبلوا إلى خزاعة وقتلوهم فانطلق عمرو بن سالم رجل مظلوم رأى أطفال مأسورين ورأى نساء مقتولات ورأى أصحابه مقتولين بين يديه ورآهم يمثل بهم فلم يتذكر إلا من ينصره بعد الله تعالى، تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم..

أقبل حتى وقف بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام وتتحرك أمام عينيه صور أولاده القتلى وزوجته وبناته وقومه، فلما وقف بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام أنشد قائلا:

يا رب إني ناشد محمدًا ** حلف أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتم ولدا وكنا والدا **ثم أسلمنا ولم ننزع يدا
إن قريشا أخلفوك الموعدا ** وقتلونا ركعا وسجدا
وزعموا أن لست تنصر أحدا *** وهم أزل وأقل عددا
فانصر هداك الله نصرًا أبدا *** وادع عباد الله يأتوك مددا
في فيلق كالسيل يمشي مزبدا ** فيهم رسول الله قد تلبدا
إن قريشا أخلفوك الموعدا ** وقتلونا ركعا وسجدا

فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «نُصرت يا عمرو بن سالم.. نُصرت يا عمرو بن سالم.. نُصرت يا عمرو بن سالم» [رواه الطبراني في المعجم الكبير 20004] ، كيف يسكت عن مظلمة، كيف يسكت عن نساء اغتُصبن، كيف يسكت عن أطفال يُذبحون ذبح النعاج، كيف يسكت عن رجال قد أُخذ منهم سلاحهم ثم طُرحوا على الأرض حتى ماتوا وتقطعوا أمام عوائلهم..

كيف له أن يسكت وهو عليه الصلاة والسلام يملك أن ينصرهم، قال "نُصرت يا عمرو بن سالم " ثم جهز عليه الصلاة والسلام جيشًا نصر به المستضعفين من المؤمنين ومن غير المؤمنين أيضًا من خزاعة.

أيها المسلمون: وقد كان الأنبياء السابقون من عهد آدم عليه السلام إلى رسولنا عليه الصلاة والسلام كلهم كانوا ينصرون الضعفاء، قال الله تعالى عن موسى عليه السلام (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا) [القصص: 22- 24].

ولما كان موسى عليه السلام في السفينة وأقبل الخضر إلى لوح من ألواحها فنزعه، التفت إليه قال (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا) ما ذنب أهلها الضعفاء أن تفسد سفينتهم، هؤلاء المساكين لماذا تفسد مالهم (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا) [الكهف: 71]، فكان الأنبياء لا يسكتون أبدًا عن ظلم وهم يستطيعون أن يصنعوا له شيئا..

أيها المسلمون: أمتنا كبقية الأمم يصيبها ارتفاع وانخفاض، يصيبها فرح وحزن، يصيبها عدل ويقع عليها بغي، أمتنا كبقية الأمم تعيش بين سلم وحرب، وتعيش بين حاجة وزيادة، أمتنا كبقية الأمم رفع الله شأنها في هذا الدين، وأعلى الله تعالى مكانتها، وجعل الله تعالى رايتها هي العليا لتمسكها بدينها وإقامتها لعهد ربنا.

ولا تزال الأمم تتداعى على أمتنا في آخر الزمان، قال عليه الصلاة والسلام: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" كما يجتمع الناس فيضعون الطعام بينهم ثم يدعو بعضهم بعضًا إلى الأكل والطعام وكلهم يتنازعونه كل من جهته..

قال: "يوشك أن تداعي عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها " قالوا " أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟" هل نحن قليل لا نستطيع أن نقاتل ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير" أنتم ملء البلدان، هذه الدولة فيها خمسة ملايين والتي بجانبها فيها سبعة وهذه فيها ثلاثون وتلك فيها أربعون وهذه فيها ثمانون..

"بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل" يتحد الكفار 21 دولة تكون الاتحاد الأوروبي، جيش واحد، ورأي واحد، ومؤتمرات واحدة، تدخل بتأشيرة واحدة تأخذها أي دولة فتدخل إلى كل هذه الدول، تسير بسيارتك من ألمانيا وتدخل هولندا ولا تشعر أنك دخلتها إلا بلوحة صغيرة تبين لك اسم المدينة لا اسم الدولة، فإذا كنت تعلم أن هذه المدينة هي من هولندا انتبهت إلى أنك دخلت دولة أخرى..!

اتحدوا، تفرق جمعهم إلا علينا صرنا كالفريسة للذئاب، اتحدوا في أموالهم، وفي عملتهم، ونحن لا نزال تفرقنا تلك الأمم ولا يريدون لنا اجتماعًا، قال "بل أنتم يومئذ كثير.."، ما دام أننا يومئذ كثير يا رسول الله إذاً لماذا يغلبوننا؟ قال: "ولكنكم غثاء كغثاء السيل" ليس بينكم اتحاد، ليس بينكم أُخوة، قد أفسد الشيطان بينكم، واستطاع اليهود أن يتخذوا منكم عملاء، فكتبوا من يتكلم ضدكم وينتصر للكفار عليكم.. قال: " ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله المهابة من قلوب عدوكم منكم" [رواه أبو داود وصححه الألباني].

مملكة أركان.. مملكة في جنوب شرق وجنوب آسيا يحدها من الشمال الصين ومن الجنوب تايلاند، ومن شرقها أو غربها بنجلاديش.

مملكة مسلمة دخلها الإسلام قديما في عام 172هـ في عهد هارون الرشيد أمير المؤمنين رحمه الله، لما انتشر تجار مسلمون في شرق آسيا فدخلت إندونيسيا على أيديهم في الإسلام وتغلغل الإسلام إلى الفلبين وإلى ماليزيا، تغلغل الإسلام إلى دولة هي أخت هذه الدول اسمها (أركان) في عام 172 هـ قبل 1200سنة.

دخل وتمكن الإسلام من أهلها وهم ملايين، وصار يدينون بالإسلام ويحكمهم سلاطين مسلمون وبنو المساجد وأقاموا حلق العلم وحفظوا القرآن وأصدروا عملة كتب عليها "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ثم في أسفلها مكتوب "أبو بكر ، عمر ، عثمان ، علي".

مسلمون على عقيدة صحيحة ومنهج صحيح استمرت عدة قرون وهم على الإسلام، وجعل الإسلام من هذه الدولة التي فيها عدة ملايين ينتشر إلى الدول التي حولها، كان بجانبها دولة "بورما" دولة بوذية من دخلها رأى صنم بوذا في كل موطن يسجدون له، ورأى معابد البوذيين في كل موطن ورأى البوذيين بالرداء والإزار باللون البرتقالي والرأس المحلوق والقدمان الحافية تطوف في أرجائها تدعو الناس إلى البوذية وعبادة الصنم.

بدأ الإسلام ينتشر في هذه الدولة في بورما وفي غيرها فحقد البوذيون على المسلمين فهاجموهم وكان المسلمون قلة وأولئك بالملايين، فانتصر أولئك عليهم واحتلوا البلد وضموا أركان إلى بورما، وغيروا اسمها "ميانمار" وأصبحوا يفعلون بالمسلمين هناك الأفاعيل وتحول المسلمون من دولة مستقلة ذلك قبل قرابة المائتين سنة في عام 1784م حصل هذا الاحتلال تحول المسلمون بدل ما كانوا في دولة مستقلة تحولوا إلى أقلية ضمن دولة فيها خمسون مليون لا يمثل المسلمون إلى 15% يعني قرابة ثلاثة ملايين إلى أربعة ملايين.

لكنه عدد لا يُستهان به كوّن المسلمون لأنفسهم قرى وصاروا يعيشون في مساجدهم وصارت الجمعيات الخيرية تكفل دعاة من بينهم يدعون الناس إلى الإسلام والخير، فصار أولئك البورميون البوذيون يهجمون في كل مرة على قرية من قرى المسلمين مضيقين عليهم مقاتلين لهم ليخرجوهم من ديارهم ليأووا إلى بنجلاديش أو إلى غيرها.

فهجموا عليهم في مذبحة عظيمة في عدة قرى حتى قتلوا منهم 150 ألف خلال أيام، ثم صار بينهم وبين المسلمون ركود، فما استعاد المسلمون عافيتهم حتى قتلوا منهم أيضًا 60 ألفًا، وهجّروا 500 ألف طردوهم، صاروا لا يدرون أين يذهبون فتفرقوا إلى باكستان وإلى بنجلاديش يؤون إلى ببلاد فقيرة مثلهم أو أشد منهم فقرًا..

حتى إنه في ذلك الحين في عهد قريب فتح لهم الملك فيصل رحمه الله تعالى أبواب المملكة ودخل إخواننا من هناك من الأركانين الذين صاروا بروميين دخلوا وهم اليوم يمثلون قرابة الـ 25% من سكان مكة.

ولا يزال البوذيون يقتلونهم من قرية إلى قرية ووضعوا عليهم أنظمة تضيق عليهم ليخرجوا من البلد.. أولا: منعوهم من بناء المساجد، وصاروا يبنون المعابد البوذية ويضعون صنما في داخلها دعوة إلى البوذية، وطمسًا للهوية الإسلامية !!

ألغوا المواطنة، صادروا جميع هاويتهم التي تدل أن جنسيتهم بورمية بعدما احتلتهم بورما مائتي سنة أصبحوا بورمين، فسحبتها الحكومة خلال السنوات الماضية وصاروا يعيشون بلا أي وثيقة ليس عنده أي وثيقة تدل على أنه ينتسب إلى أي دولة !!

حرموا المسلمين من العمل، ممنوع أن يدخل أي وظيفة، حرموهم من التعليم العالي، يتعلم فقط القراءة والكتابة في الابتدائية ليستطيع أن يشتغل خادمًا عند البوذيين ليستطيع أن يقرأ لهم إذا أرسلوه إلى بقاله ونحوها..

وألزموا المسلمين بالعمل القسري فيأتون إلى القرية ويقودون شبابها لبناء الجسور وسفلتة الطرق، وبناء الثكنات العسكرية، وتنظيف الملابس، ولا يعطى على هذا ولا قطعة خبز !! ليس لا يعطى مالاً بل لا يعطى حتى طعامًا..

يأمر المسلم أن يوفر طعامه وشرابه وموصلاته عندما يأتي يشتغل ومن لا يفعل ذلك يقتل، لذلك الأعداد كبيرة لما يقول لك قتل 60 ألفًا أو 70 ألفًا، معناه أنه شاب جاء قال: ليس معي لا طعام ولا شراب فقُتل؛ لماذا لم تحضره معك !!

مُنعوا من السفر، فليس معهم هويات أصلاً حتى إلى الحج والعمرة، من كان منهم مزارعا أو يعمل بشيء أُلزم بالضرائب الباهظة وغرامات على كل شيء حتى الزواج عليه غرامة وأصبحوا إذا جاءوا إلى مسلم عنده محصول زراعي ألزموه أن يبيعه إلى الحكومة العسكرية وتأخذه بثمن زهيد حتى فقط يواصل الزراعة.

عملوا على تقليل أعداد المسلمين ما بين قتل وما بين سنوات يُمنع فيها الزواج يقولون هذه السنة والتي بعدها ممنوع الزواج عند المسلمين فقط لينتشر بينهم الفاحشة والبغاء ويقل عددهم.

بدأ المسلمون يهاجرون إلى كل موطن، ولا يستطيعون أن يعيشوا في هذا البلد، تضيق عليهم في الدين وفي المعيشة ومع ذلك المسلمون متمسكون بدينهم، ولم يُذكر أن أعداد منهم تستحق أن يُلتفت إليها قط دخلت في دين البوذية، بل كانوا يزدادون تمسكًا، وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب..

خلال الأسبوعين الماضيين في منتصف شهر رجب من هذا العام 1433هـ الذي هو منتصف الشهر السادس من عام 2012م إضافة إلى المذابح الكثيرة التي قاموا بها البوذيون ضد إخواننا في أركان وقعت مذبحة قريبة..

كان هناك حافلة فيها 10 دعاة من حفظة القرآن يطوفون على القرى المسلمة يحفظون القرآن، ويدعونهم إلى الله تعالى ويعقدون لهم الأنكحة، ويعلمونهم الدين، وإذا بمجموعة من البوذيين يعترضون هذه الحافلة ويخرجون أولئك الدعاة، ويضربونهم ضربًا مبرحًا، ثم جعلوا يعبثون بأجسادهم بالسكاكين حتى صاروا يربطون لسان الداعية بحبل ويمسك الآخر به وينتزع لسانه من فمه.. لماذا تدعو إلى الله ؟! لماذا تتلو القرآن ؟! لماذا تأمرهم بالتوحيد فنزعت السنة العشرة كلهم، ثم جعلوا يطعنون طعنا، وتقطع أيديهم وأرجلهم والدم يسيل حتى ماتوا واحدًا تلو الآخر.

 

فثار المسلمون دفاعا عن دعاتهم، وعن أئمة مساجدهم وخطبائهم، فأقبل البوذيون عليهم وبدؤوا يحرقون القرية تلو قرية حتى أحرقوا قرية كاملة فيها 800 بيت أحرقوها كاملة منهم من مات في داخلها من أهلها، ومنهم من استطاع أن يفر إلى المجهول ثم أحرقوا قرية أخرى بـ700 بيت، ثم قرية ثالثة حتى وصل عدد البيوت إلى 2600 بيت كلها أُحرقت عن آخرها، ونزح من هذه القرى 90 ألفًا هربوا عن طريق البر والبحر وعن طريق زوارق وقوارب مكسرة مهترئة تنظر إلى القارب وإذا هو مكسر من كل جانب يسدون ثقوبه وخروقه بلباسهم، فيه أطفال ونساء يموج بهم البحر يمين ويسارًا لا يكادون يجدون دولة تقبلهم أو تطعمهم أو تسقيهم..

دماء المسلمين بكل أرض *** تراق رخيصة وتضيع هدرا
وبالعصبية العمياء تعدو *** ذئاب ما رعت لله قدرا
كأن لملة الكفار ضراً *** على الإسلام حيث أضاء ثأرا
وجرأهم علينا أن رأونا سكوتاً *** والشعوب تموت قهرا
وما حسبوا لأمتنا حساباً *** وهل سمعوا سوا التنديد زجرا
وصرخات الأرامل واليتامى*** تُفتت أكبداً وتذيب صخراً
وليس لهم مغيث أو معين *** كأن الناس كل الناس سكرى
وأنهار الدماء بغير ذنب *** تُراق وتُزهق الأرواح غدرا

نعم (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج: 8] نعم هو بلاء نزل على المسلمين والله لا يقّدر شرًّا محضًا هو بلاء يكفر الله تعالى به السيئات ويرفع الله تعالى به الدرجات، نعم هو بلاء يشعرنا جميعاً أننا أمة واحدة أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وأن المسلمين كالجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، نعم هو بلاء جعل المسلمين يلجئون إلى الله تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنعام: 17].

هو بلاء نحمد ربنا جل وعلى عليه ونذكر نعمته علينا نحن أنه لم ينزل بنا ونذكر به أنه يجب علينا نصرة إخواننا، هو بلاء يمتحن الله تعالى به إيماننا وإيمان حكامنا وإيمان المسئولين يمتحن الله تعالى به أموالنا يمتحن الله تعالى به الجمعيات الخيرية التي بعضها يصرف رواتب للموظفين دون أن يكون له جهد مع إخوانه في كل موطن، هو بلاء يمتحن الله تعالى به أخوتنا الإسلامية، هو بلاء نرى به المرأة العفيفة تُغتصب أو نرى امرأة أخرى عندها سبعة أو ثمانية أولاد تقول: لا أدري من آباؤهم فهي تُغتصب في كل موطن وفي كل مكان ولأجل قبضة من أرز تطعم بها أولادها، هو بلاء يمتحن به الإيمان والأخوة الإسلامية (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].

هو بلاء يبتلينا الله تعالى به، أن نرى صورهم نرى صور أطفال قد أحرقوا ونساء قد ذُبحت فاسأل نفسك لماذا رضيت بالذبح دون غيره، هو بلاء ترى به شيخًا شاب رأسه واحدودب ظهره، وعظم همه، وكبر كربه وهو يمشي ووراءه أطفال لا يدرون أين يسوقهم ..

تمزقهم نيوب الجوع حتى *** يكاد الشيخ يعثر بالعيال
يشدون البطون على خواء *** ويقسمون أرغفة الخيال
وناموا في العراء بلا غطاء *** وساروا في العراء بلا نعال
كأن البيد تلفظهم فتجري *** بهم بيد إلى بيد خوال
وليت جراحهم في الجسم لكن ***جراح النفس أفتك بالرجال
يمدون الحبال وليت شعري *** أنقطع أم سنمسك بالحبال؟
وقبل الجوع تنهشهم كلاب *** من البوذيين دامية النصال
صلاب لكن الأقدار تمضي ***ويثني الجوع أعناق الرجال
يؤدون الضريبة كل يوم *** بما ملكوا ولكن دين الله غالي
لماذا كل طائفة أغاثت *** بنيها غيركم أهل الهلال

لو كانوا نصارى أتظن سيسكت بابا الفاتيكان، هل سيسكت وهو يرى صورهم، هل سيسكت وهو يرى صلبان يطأها البوذيون بالأقدام في هذه القرى هل سيسكت ؟! هل سيسكت وهو يرى قسيسًا بلباسه وصليبه يراه مذبوحًا عند باب كنيسته هل سيسكت؟؟ لن يسكت، وقد وقعت حوادث على بعض النصارى ولم يسكت، ومن أمن العقوبة أساء الأدب، واستطاع أولئك أن ينكلوا بإخواننا لأنهم علموا أنهم قد قل ناصرهم، "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم بغير حق، ولو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم بغير حق لأكبهم الله في النار".

إنني من مكاني هذا أنادي والدنا خادم الحرمين الشريفين الذي سبق له مواقف وبطولة وكرم ومروءة مع عدد من قضايا المسلمين، ولا ننسى وقفة دولتنا مع إخواننا في البوسنة، وفي مجاعتهم وحربهم، ولا ننسى وقفه خادم الحرمين سواء الملك فهد أو الملك عبد الله مع إخواننا في باكستان لما وقع عندهم الزلزال أو مع إخواننا في فلسطين أو مع غيرهم.

إنني أنادي من هذا الموطن خادم الحرمين الشريفين وأنادي ولي عهده إلى أن يلتفتوا إلى إخواننا هناك أن يستعملوا ما هو متاح بين أيديهم من العون المادي، ومن الإغاثة العاجلة، ومن التصرفات الدولية السياسية، ينبغي أن يشعر إخواننا بنصرتنا لهم، إنني أنادي رابطة العالم الإسلامي أين دوركم الآن؟ يا منظمة التعاون الإسلامي أين دورك الآن ؟ البنك الإسلامي للتنمية.. أين دوركم ؟ هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية.. أين أنتم ؟ الندوة العالمية للشباب الإسلامي.. أين أنتم؟

يا أحرار المملكة، يا أيها العلماء، يا أيها الدعاة، يا أيها التجار..

أنادي أحرار الكويت الذين علمنا بمواقفهم المشرفة البطولية لإخواننا في سوريا ولإخواننا في فلسطين، يا أحرار الكويت إخوانكم هناك في بورما وفي أراكان ينادونكم الآن:

هذه أراكان نار البغي تحرقها *** أما لها نجدة من غيث عدنان
يا ليت معتصما بالله تبلغه *** هذي النداءات من أم وفتيانِ
ما بال قومي قد سدوا مسامعهم *** وأغمضوا العين عن إنجاد إخوانِ
ما بالهم فقدوا ميراث نخوتهم *** فاستعذبوا العيش في ذل وطغيانِ

اللهم أنت المستعان وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم يا كاشف الخطوب، ويا مفرج الكروب، ويا من يجيب دعاء المضطر إذا دعاه، يا من يكشف السوء، اللهم إنا نسألك لإخواننا في أراكان وفي بورما أن تنصرهم وتغيثهم وأن تعينهم، اللهم كن لهم ناصرًا يوم قل الناصر، اللهم يا ربنا يا من تسمع بكاء الأطفال، وعويل النساء، ويرى المرضى والجرحى والقتلى، اللهم إنا نسألك أن تنتصر لهم، اللهم يسر أمرهم، اللهم فرج همهم، اللهم اخذل أعداءهم إنك سميع مجيب يا رب العالمين.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

  

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك ربنا من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل الشرك والمشركين ودمر أعدائك أعداء الدين، واجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا وسائر بلدان المسلمين، اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما ترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك وسائر ولاة أمور المسلمين يا رب العالمين.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
 

 

 

 

المرفقات

نحو إخواننا في أركان بورما

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات