وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ التوجيه الإلهي بأمر الأهل بالصلاة وبالاصطبار عليها 2/ المقامان العظيمان اللذان يدل التوجيه على تحقيقهما 3/ عِظَم مقام الصلاة 4/ دور الآباء في حثّ الأهل على إقامتها 5/ وجوب اصطبار الأبناء على توجيهات الآباء 6/ التوفيق لإقام الصلاة بصدق الالتجاء إلى الله 7/ حال السلف مع التوجيه الرباني بإقام الصلاة

اقتباس

فمَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتَرَكَهُ سُدىً فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه؛ فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ..

 

 

 

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. 

أما بعد:

أيها المؤمنون، عباد الله: اتقوا الله -تعالى-؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه. وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله، على نورٍ من الله، رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله، على نورٍ من الله، خيفة عذاب الله.

أيها المؤمنون، عباد الله: أمرٌ إلهيٌّ كريم، وتوجيهٌ ربَّاني عظيم، أكثر الناس فيه مفرط، وله مضيِّع، ألا وهو قول الله -تبارك وتعالى- في أواخر سورة طه: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132].

وهذا -أيها المؤمنون- أمرٌ من الله -جل في علاه- لنبيه ومصطفاه محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه-، وما أمَر الله -جل وعلا- به نبيه -صلى الله عليه وسلم- فهو أمرٌ لأمته ما لم يقم دليلٌ على تخصيص ذلك، ولا مخصص لهذا باتفاق أهل العلم؛ فوجب على كل أب وكل ولي أمر أن يُعنى بأبنائه عنايةً عظيمة، وأن يتابعهم متابعةً دقيقة في شأن الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، بعد أن يكون هو في نفسه محافظًا عليها، معتنيًا بها، صابرًا مصطبرًا على إقامتها؛ فيكون في نفسه قدوةً لأبنائه، ثم يكون متابعًا لهم حثًّا وحضًّا على أداء هذه الصلاة والمحافظة عليها كما أمر الله -جل وعلا- بذلك.

أيها المؤمنون: وهذه الآية الكريمة دلت على مقامين عظيمين لا بد من تحقيقهما:

الأول: عناية المرء نفسه بالمحافظة على الصلاة والاصطبار على أدائها؛ وذلك أن ثمة في هذه الحياة من الشواغل والصوارف والصوادّ ما يشغل كثيرًا من الناس عن أداء هذه الصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها، فذاك يشغله عن صلاته نومٌ، وآخر يشغله عنها كسل، وثالث يشغله عنها لهو ونحو ذلك، والشواغل كثيرة، والمقام -عباد الله- مقامٌ يحتاج إلى اصطبار ودأب ومتابعة حتى يكون من أهل الصلاة والمحافظين عليها.

أما الأمر الثاني -عباد الله- فهو العناية بمن تحته من أهلٍ وولد بتأديبهم على المحافظة على هذه الصلاة، والعناية بها، ومتابعتهم في هذا الأمر العظيم.

وفي معنى هذه الآية الكريمة ما رواه أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ".

نعم عباد الله؛ إنها متابعةٌ متأكدة في سنٍّ مبكرة، ورعايةٌ للأولاد في وقتٍ مبكر من حياتهم؛ فمنذ السنة السابعة يؤمر بالصلاة، ويُحثُّ عليها، ويُرغَّب في أدائها، وإذا بلغ العاشرة إن فرَّط في هذه الصلاة أو أهمل أو ضيَّع فإنه يُضرب عليها ضرْب تأديبٍ وليس ضربَ إتلاف.

أيها المؤمنون عباد الله: إن مقام الصلاة مقام عظيم، وإذا نظر الناظر وتأمل المتأمل في واقع كثير من الناس يجد أن التفريط جاء من قِبَل الآباء؛ فكان الأب في نفسه مضيِّعًا مفرِّطًا، فلم يكن قدوةً لأبنائه في المحافظة على هذه الصلاة؛ فينشأ من تحته أولادٌ مفرطون ومضيِّعون، فإن الأبناء ينشؤون على ما نشَّأهم عليه الآباء.

عباد الله: وما جنى أب على أولاده بمثل إهمالهم في شأن الصلاة! فالجناية عليهم في هذا الباب جناية عظيمة.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "فمَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتَرَكَهُ سُدىً فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه؛ فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًا".

نعم عباد الله؛ إنه مقامٌ جدُّ خطير يتطلب من الأب أن يكون أولاً ناصحًا لنفسه، ثم ناصحًا لمن تحته من أهل وأولاد؛ تأديبًا على هذه الصلاة، ودعوةً لهم بالمحافظة عليها، والعناية بها.

أيها الابن الموفَّق: إذا أكرمك الله -جل وعلا- بأبٍ يعتني بك في هذه الصلاة حثًّا وحضًّا وترغيبًا فإياك ثم إياك أن تنزعج من والدك أو أن تتضجر من متابعته لك! فإنه -والله- يعمل على إنقاذك من سخط الله، ويعمل على إيصالك إلى مرضاة الله -تبارك وتعالى-، فإن الله -جل وعلا- لا يرضى عنك إلا إذا كنت من أهل هذه الصلاة محافظةً عليها، وأداءً لها.

وتأمل في هذا المقام ثناء الله العاطر على نبيه إسماعيل -عليه الصلاة والسلام-، قال -جل وعلا-: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم:55] نعم! كان مرضيًّا عند الله؛ لأنه بذل الأسباب التي ينال بها رضا الله -جل وعلا-، وأعظم ذلك العناية بالصلاة، حفظًا لها، ومحافظةً عليها، وتأديبًا للأولاد وتربيةً لهم على المحافظة عليها.

أيها المؤمنون، عباد الله: وما أحوجنا في هذا المقام العظيم لنكون في أنفسنا محافظين على الصلاة، ومتابعين لأولادنا في أدائها، ما أحوجنا إلى صدق الالتجاء إلى الله بأن يجعلنا وأولادنا من أهل الصلاة والمحافظة عليها! ومن أعظم الدعاء في هذا المقام دعاء إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام-: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم:40].

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أيها المؤمنون، عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه -جل في علاه- مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه.

أيها المؤمنون، عباد الله: روى الإمام مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن أبيه: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلاةِ يَقُولُ لَهُمُ: "الصَّلاةَ الصَّلاةَ!"، ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الآيَةَ: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه: 132].

فتأمل حال السلف الصالح -رحمهم الله تعالى- ورضي عنهم مع هذا التوجيه الرباني العظيم، ثم تأمل واقع وحال كثير من الناس في تفريطهم وإضاعتهم وعدم تأديتهم لهذا الواجب العظيم!!

أيها المؤمنون، عباد الله: نسأل الله -جل في علاه- أن يوفقنا أجمعين للمحافظة على هذه الصلاة، وأن يصلح أولادنا، وأن يجعلنا وإياهم من المقيمين الصلاة.

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ.

وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر مَنْ نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.

اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينًا، وحافظًا ومؤيِّدًا، اللهم احقن دماءهم، واستر عوراتهم، وآمن روعاتهم، اللهم واحفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.

اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق ولي أمرنا لسديد الأقوال، وصالح الأعمال، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير مَنْ زكّاها، أنت وليُّها ومولاها.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر. ربنا اجعلنا من المقيمين الصلاة ومن ذرياتنا يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقَّه وجلَّه، أوَّله وآخره، سرَّه وعلنه.

اللهم اغفر لنا، ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا منان يا بديع السماوات والأرض يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا، نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل.

اللهم أغِثْ قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
 

 

 

 

المرفقات

أهلك بالصلاة واصطبر عليها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات