عناصر الخطبة
1/هوية المسلم تتمثل في حفاظه على دينه 2/تعزيز الهوية الإسلامية والتحذير من التشبه بالمشركين 3/خطورة التساهل في مشاركة النصارى في أعيادهم 4/عدم جواز حضور المسلمين أعيادَ المشركين.اقتباس
وإن مما انتشر في أواسط بعض المسلمين التساهل في مشاركة النصارى في أعيادهم، او الاحتفال معهم، سيما من كان في بلدن أجنبية، أو في أوساط يكثر فيها غير المسلمين، فربما تساهل في مجاراتهم أو ملاطفتهم في أعيادهم، وهذا ولا شك منكرٌ عظيم وجرمٌ كبير؛ قال ابن القيم: "وأما تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم، فحرامٌ بالاتفاق، مثلَ أن يهنئهم بأعيادِهم وصومهم، فيقول: عيدٌ مبارك عليكَ، أو: تهنأُ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر، فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله وأشدُ مقتًا..
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أيد رسوله محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - بالآيات البيِّنات، واختصه بالفضائل الكثيرة والكرامات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى على جميع المخلوقات، المبعوث رحمة للعالمين وقدوة للسالكين إلى رب الأرض والسموات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان في الأقوال والأعمال والاعتقادات وسلم تسليمًا كثيرًا..
أمَّا بعدُ: أيها المسلمون: فإن الله تعالى حين ختم بالرسالة المحمدية جميعَ الرسالات، ونسخ بالقرآن جميعَ الكتب، فأصبح هذا الدينُ مهيمناً على سائر ما سبقه؛ صار من المتعين على أهل هذه الملة، وأتباع هذه الشريعة أن يعتزّوا بهذه النعمة، وأن يظهر ذلك عليهم في سلوكهم، ولباسهم، وتعاملاتهم: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزل الله)[المائدة: 48].
وفي سبيل هذا الاعتزاز والتميّز، جاءت الأحكام الشرعية التي تؤكد على هذا التميز، وتحث على مجانبة ما يقلل منه -فضلاً عما ينغصّه أو يقضي عليه- تحرِّم التشبّه، وتقرر عقيدة الولاء لله ورسوله والمؤمنين، والبراءة من أعدائهم.
ومن تأمل في الأحكام الشرعية، والتوجيهات الإسلامية التي دلت عليها عشرات النصوص؛ وجدها متفقةً على تقرير قضية مهمة جداً، ألا وهي الحفاظ على الهويّة الإسلامية من الخدوش، فضلاً عن المسخ والطمس، من خلال أمور عدة منها:
تحريم التشبه بأعداء الله، ولو في لباسهم أو طريقة وضع شعورهم، ونحو ذلك، ففي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى على عبد الله بن عمرو بن العاص ثوبين معصفرين -أي: مصبوغين بالعصفر- فقال: «إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها».
وفي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعمرو بن عَبَسة السلمي: «صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار"، والقاعدة العامة في هذا هي المقررة في الحديث المشهور: "من تشبّه بقوم فهو منهم".
ولا يمكن للمسلم أن يتميز بدينه الحق الذي يؤمن به وهو يتشكل بدين غيره، ويتنقل بين شعائر الأديان الأخرى؛ لذا فقد تبرأ -صلى الله عليه وسلم- من المتشبهين بغير المسلمين، وقال: "مَن تشبَّه بقوم فهوم منهم"، وهو أمر طبيعي، فكيف يكون منا ويتشبه بغيرنا؟ وعن عبدالله عمرو أنه قال: "من بنى بأرض المشركين وصنَع نيروزهم ومهرجانهم وتشبّه بهم حتى يموت - حُشرَ معهم يوم القيامة" (أخرجه البيهقي بإسناد جيد).
لقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يحرصُ كلَّ الحرصِ أن تخالف أمته اليهود والنصارى في كلِ شيء، حتى قال عنه اليهودُ أنفسهم كما يروي أنس -رضي الله عنه عند مسلم-: ما يريدُ هذا الرجلُ أن يدعَ من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه، وإذا كان اليهود والنصارى يتجاهلون أعيادنا ولا يحتفلون بها -بل يستهزئون ويسخرون منا- فما بالُ البعضِ يحتفل بمناسباتهم ويُحييها على سنتهم؛ ابتغاءً وطلبًا لرضاهم؟! وتناسى أولئكَ قوله - سبحانه -: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120].
ولذا جاءت الشريعة الإسلامية، بالمحافظة على الهوية، والحرص على عدم مساسها بما يشوبها من مخالفات عقدية، قال الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) [المائدة: 48- 49].
وهوية المسلم تتمثل في حفاظه على دينه، واعتزازه به وتمسكه بتعاليمه والتزامه بمنهجه في صغير الأمور وكبيرها، قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ) [آل عمران: 18]، والدين في المنظور الإسلامي هو النظام أو المنهج الذي يحكم جميع جوانب الحياة.
ومما حفلت به السنة المطهرة في التأكيد على تعزيز الهوية الإسلامية، ما جاء في التحذير من التشبه بالمشركين، ففي الحديث الشريف: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم"، وذلك لتبقى أمة الإسلام محافظة على هويتها مستقلة بذاتها، وهذا قمة التوجيه في الاعتناء بالهوية الإسلامية والاعتزاز بها.. كما قال الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إنا كنا أذلّ قوم فأعزنا الله بالإِسلام, فمهما نطلب العِزَ بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله".
أيها المسلمون: وإن مما انتشر في أواسط بعض المسلمين التساهل في مشاركة النصارى في أعيادهم، او الاحتفال معهم، سيما من كان في بلدن أجنبية، أو في أوساط يكثر فيها غير المسلمين، فربما تساهل في مجاراتهم أو ملاطفتهم في أعيادهم، وهذا ولا شك منكرٌ عظيم وجرمٌ كبير؛ لأنه نوعُ رضا بما هم عليه من الباطل وإدخالٌ للسرور عليهم.
قال ابن القيم - رحمه الله -: "وأما تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم، فحرامٌ بالاتفاق، مثلَ أن يهنئهم بأعيادِهم وصومهم، فيقول: عيدٌ مبارك عليكَ، أو: تهنأُ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر، فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله وأشدُ مقتًا من التهنئةِ بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثيرٌ ممن لا قدرَ للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قُبح ما فعل".
وجاء عن مجاهد وغيره من السلف في قوله - سبحانه -: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [الفرقان: 72]، قال - رحمه الله -: "الزور هي أعياد المشركين".
وقد صرح الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة باتفاق أهلِ العلمِ على عدم جوازِ حضور المسلمين أعيادَ المشركين، وجاءَ عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "لا تدخلوا على المشركين في كنائسِهم يومَ عيدهمِ؛ فإن السخطة تنزل عليهم".
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: وإن من الأحكام العقدية في باب الاحتفال بأعياد غير المسلمين حكم التهنئة بأعيادهم: وذلك محرم باتفاق أهل العلم، قال الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله-: "أما تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالاتفاق، وذلك مثل أن يهنئهم بأعيادهم فيقول: عيدك مبارك. أو تهنأ بهذا العيد...الخ.
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حرامًا؛ لأن فيها إقرارًا لما هم عليه من شعائر الكفر، ورِضىً به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يَحرم على المسلم أن يَرضى بشعائر الكفر أو يُهنئ بها غيره؛ لأن الله تعالى لا يرضى بذلك، كما قال تعالى: (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7].
وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3]، وتهنئتهم بذلك حرام.
وكذلك إجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها.
وكذلك يَحرم على المسلمين التّشبّه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا، أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تشبَّه بقوم فهو منهم". قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم": "مُشابهتهم في بعض أعيادهم تُوجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء.
ومَنْ فَعَل شيئا من ذلك فهو آثم سواء فَعَلَه مُجاملة أو تَودّداً أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المُداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بِدينهم.
ثم صلوا وسلموا ..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم