عناصر الخطبة
1/ فضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 2/ دور الاحتساب في بناء المجتمع 3/ هجوم بعض الخبثاء على جهاز الحسبة 4/ أهمية دعم المحتسبين ومؤازرتهم.اقتباس
فلله درُّهم كم سهروا لننام! لله درهم كم منعوا عاصيًا من معاقرة معصيته! لله درهم كم أنقذوا من غريق في الشهوات فجعلوه رجلاً صالحاً فاعلاً في المجتمع! ولله درهم كم يسهرون يواصلون الليل والنهار يحفظون هذا المجتمع مع رجال الأمن ويحرِسون الثغور؛ لئلا يتسلل منها أهل الضلال والفساد والشهوات والشبهات! ولله درهم كم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر! ولله درهم كم ستروا على من وقع في معصية وخصوصًا النساء!
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبدُ الله ورسوله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا..
أما بعد فاتقوا الله عباد الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
عباد الله: لقد قامت هذه البلاد على التوحيد، وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمنذ أن أسَّس هذه البلاد الموحِّد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله رحمة واسعة- فقد أنشأ جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووضع له نظامه وشد أزره وأعانه، وعين فيه الأكفاء من الرجال، ثم تتابع أبناؤه البررة يمدون هذا الجهاز بعطائهم ودعمهم مالياً ومعنوياً وإدارياً وتنظيمياً إلى يومنا هذا.
وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على هذه الأمة لابد أن تقوم بها، بل لا تتحقق لها الخيرية إلا بذلك (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: آية 110]، وقال ربنا -جل وعلا-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: آية 104].
يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "من أراد أن يكون من هذه الأمة فليحقق شرطها"، يعني بذلك أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
ولقد لعن الله -جل وعلا- بني إسرائيل لأنهم لم يكونوا يأمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر قال -جل وعلا-: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78- 80].
نعم إنهم لا يتناهون عن المنكر ولا يأمرون بالمعروف فحقت عليهم لعنة الله -جل وعلا-، يقول رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم". (رواه أبو داود والترمذي).
أيها المؤمنون: من أراد أن تتحقق له الخيرية فليقم بهذه الشعيرة حسب الاستطاعة يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (رواه البخاري ومسلم).
إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو سفينة النجاة لهذه الأمة، هو طوق نجاتها إنه الشعار لها, هو بإذن الله السياج الآمن, هو بإذن الله ردع للأعداء وحفظ للمجتمع ألم تروا أن المجتمع الذي يعيش فيه الناس ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر مجتمع تفشوا فيه الفوضى، وترتفع عقيرة العصاة ويكون المجتمع متفرقًا لا يترابط ولا يتعاون، والمجتمع المسلم شعاره التعاون والتناصر والترابط يقول الله -جل وعلا-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: آية 2].
ويقول رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في أمره للجماعة وحثّه عليها "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ" (رواه البخاري).
لا بد أن تقوم هذه الشعيرة والذين يقومون بها هم خيار الأمة، اسأل نفسك يا عبد الله هل أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر؟ هل نصحت شخصاً وقع في المعصية؟ هل نصحت قريبك؟ هل نصحت جارك؟ بل هل نصحت أولادك وأهلك؟، وصدق الله العظيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: آية 6]، وصدق الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" (رواه مسلم).
وصدق الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه" (رواه البخاري ومسلم).
ماذا غيرت من المنكر أيها المؤمن المبارك ماذا قدمت لأمتك هل كنت ناصحاً براً هل كنت آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر, المجتمع المسلم المترابط المتعاون المتآزر هو الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويتراحمون فيما بينهم "مثل الْمُؤمنِينَ فِي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم؛ كَمثل الْجَسَد الْوَاحِد إِذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْو تداعى لَهُ سَائِر الْجَسَد بالحمى والسهر" (رواه البخاري ومسلم).
وإن هذه البلاد المباركة التي تتميز -ولله الحمد- برفع هذه الشعيرة، وإعانة القائمين عليها، وإيجاد هيئة لها على أعلى المستويات يرتبط رئيسها بخادم الحرمين الشريفين مباشرة، هذه البلاد تعتبر من أوليات مهماتها خدمة هذا الجهاز وإعانته وتسديده، وإعانة القائمين عليه، ولذا شرقت نفوس غصَّت بالمنكرات فراحوا يتكلمون على هذا الجهاز وعلى أعضائه ويقولون منكراً من القول وزورًا.
أيها المؤمنون: إننا -ولله الحمد والمنة- في بلد مبارك يقوم على التوحيد، يقوم على الإسلام تجتمع كلمته على الحق فلا حزبيات ولا ولاءات ولا انتماءات، بل جماعة واحدة تحت إمام واحد يسمعون ويطيعون، ويرفعون شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذا لا تكاد تجد رجلاً أو امرأة في قلبه ذرة من الإيمان يبغض هذا الجهاز أو يحجم أخطاءه.
كم من الناس الذين يعملون في محلاتهم ودوائرهم ومدارسهم وحتى أعمالهم الخاصة كم يخطئون! بل كم نخطئ -أيها الأحباب- في بيوتنا ومع أولادنا! ومع ذلك إذا حصل خطأ من أحد أعضاء هذا الجهاز يُحجَّم ويُكبَّر ويتحدث الناس حوله، أليسوا كغيرهم، بشر قد يقع منهم ما يقع، أليسوا يجتهدون في بعض الحالات لكن عملهم منظم.
فلله درُّهم كم سهروا لننام! لله درهم كم منعوا عاصيًا من معاقرة معصيته! لله درهم كم أنقذوا من غريق في الشهوات فجعلوه رجلاً صالحاً فاعلاً في المجتمع! ولله درهم كم يسهرون يواصلون الليل والنهار يحفظون هذا المجتمع مع رجال الأمن ويحرِسون الثغور؛ لئلا يتسلل منها أهل الضلال والفساد والشهوات والشبهات! ولله درهم كم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر! ولله درهم كم ستروا على من وقع في معصية وخصوصًا النساء!
فنسأل الله -جل وعلا- أن يبارك في أعمارهم وأرزاقهم وحياتهم، وأن يزيدهم قوة وثباتا، وأن يزيد هذا البلد أمناً وطمأنينة..
واستغفروا الله يغفر لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المؤمنون: وإذا أردنا أن نقف على شيء من جهود رجال الحسبة، وما يقدمونه للمجتمع فأنتم وغيركم تعلمون جميعاً أنهم يواصلون الليل بالنهار يسهرون يتابعون يمنعون الجريمة قبل وقوعها، وتعلمون أنهم لا يأخذون أجراً زائداً على عملهم، فلا خارج دوام ولا أيضاً محفزات، بل هم يحتسبون ذلك عند الله -جل وعلا-.
اختلط حب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قلوبهم، وخالط دمائهم فصار همهم الأول وأنتم تعلمون أن النتيجة -ولله الحمد- أمن وأمان وطمأنينة وسلامة لهذا المجتمع.
نحن وإياكم وإياهم نسير في سفينة واحدة يحرص السفهاء على خرقها؛ فإن لم نأخذ على أيديهم فيُخشى أن يغرقوا ويغرقونا معهم.
وأيضاً من جهودهم المباركة أنهم يمنعون المعصية قبل وقوعها، وليسوا يتشفون ممن يقع في المعصية ليس هذا منهجهم، بل إننا عايشناهم في قضايا كثيرة همهم الأول هو منع المنكر من الوقوع، ثم الستر على من سولت له نفسه ووقع في المعصية.
لقد وقفت على حالة من وقت قريب حينما ستروا على امرأة وجاء ولي أمرها ولما شاهد ما حصل منهم من الموقف الإيجابي بكى بكاءً كثيرًا، ثم قال: والله إنكم أرحم بها مني وهو يبكي، وقد تجاوز عمره السبعين؛ هذا هو عملهم في كل منطقة ومحافظة. فنسأل الله أن يعينهم وأن يسددهم.
أما من يبغضهم ومن يعتب عليهم، ومن يحجم أخطاءهم فلا يخلو إما أن يكون صاحب شهوة منعوه من شهوته، أو يكون ممن وقع في معصية فاستدعوه وحاسبوه عليها، أو يكون ممن شرق بعملهم، ولا يريد أن يحصل له ما حصل لغيره وإما أن يكون رجل استدعي لتهاونه مثلاً بالصلاة، فصار ضدهم في كل أقواله ومجالسه.
إنا نشكو إلى الله من أقوام يلوكون أعراض رجال الحسبة ليل نهار، لا همَّ لهم إلا تحجيم أخطاءهم، والتلبيس عليهم وأحيانًا اختلاق الفتنة وأحيانًا يختلقون الأكاذيب، نعم لقد وقفنا على أشياء من هذا القبيل، فكم من إنسان كتب عنهم، ولما تمحصت الأمور ندم وتاب وذهب إليهم واعتذر اعتذاراً شفهياً، بل خطياً؛ لأنه يقول: أنا أريد أن أقابل ربي وأنا سليم الصدر وليس لكم حق عليَّ.
إن أولئك الذين يتحدثون برجال الحسبة في مجالسهم واستراحاتهم بل وعبر وسائل التواصل؛ إنهم لا يريدون بهذا البلد خيرًا، والله إن من يبغضهم ويحجم أخطاءهم لا يريد ببلادنا خيرًا؛ لماذا؟ لأن عملهم ظاهر واضح كالشمس بالعيان واضح للناس، ولذا من يطالب بإلغاء هذا الجهاز إنما يطالب بإيقاف جهة أمنية تسهر على مصلحة هذا البلد وهذا المجتمع.
فنسأل الله -جل وعلا- أن يوفّق ولاة أمرنا لزيادة دعمهم وإعانتهم والوقوف بصفهم، ونسأله –سبحانه- أن يوفق قادة هذه البلاد أن يخرسوا هذه الألسنة وتلك الأقلام التي تلوك أعراض رجال الحسبة.
كما نسأله سبحانه أن يوفِّق جنودنا البواسل المرابطين في حدود بلادنا الذين يسهرون لحماية المقدسات وحفظ البلاد وثغورها، يرابطون يسهرون الليل والنهار, نسأل الله -جل وعلا- أن يكونوا ممن قال فيهم الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "عَيْنان لَا تَمَسُّهما النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ باتت تَحْرُسُ في سبيل الله" (رواه الترمذي).
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى؛ فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم