عناصر الخطبة
1/عداوة اليهود والمنافقين للمسلمين 2/تواطؤ المنافقين مع أعداء الأمة 3/غدر اليهود وخستهم 4/بشارات نبوية بعلو الإسلام وانتشاره 5/دورنا في نصرة الإسلام والمسلمين.اقتباس
أما المنافقون فلا ينجم نفاقهم إلا في الأزمات، ولا يظهر تخذيلهم ولومهم إلا على المسلمين، صامتون في اعتداءات اليهود وتعاون النصارى، ألسنةٌ حداد على المقاومين عن أرضهم ودينهم ومقدساتهم....
الخطبة الأولى:
الحمد لله ذي العزةِ التي لا تُرام، والملكِ الذي لا يُضام، قيومٌ لا ينام، عزيزُ ذو انتقام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم مزيدًا.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
أورد الذهبي في السِّيَر، وأصله من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما كانت وقعة الخندق، وتجمّع الأحزاب حول المدينة، وبلغت القلوب الحناجر، وزلزل المؤمنون زلزالاً شديدًا، أراد النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أن يعطي الأحزاب ثلث ثمار المدينة على أن يرجعوا، بعث إلى السعدين -سعد بن معاذ وسعد بن عبادة- يستشيرهما، فقالا: يا رسول الله أمرًا تحبه فنصنَعْتَه، قال: "بل شيء أصنعه لكم، رأيتُ العربَ قد رمتكم عن قوسِ واحدةِ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتِهم". فقام سعد بن معاذ: وقال يا رسول الله، قد كنا نحن وإياهم على الشرك ولا يطمعون أن يأكلوا منا تمرة إلا قِراً أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا؟ فأخذ سعدٌ الصحيفةَ فمحاها.
إيمان راسخ كالجبال الراسيات *** وثبات وعزة في أدهى الملمات
مَن ذا يناسقهم؟ مَن ذا يطابقهم؟ *** من ذا يسابقهم في العز الكرم؟
أما المنافقون فلا ينجم نفاقهم إلا في الأزمات، ولا يظهر تخذيلهم ولومهم إلا على المسلمين، صامتون في اعتداءات اليهود وتعاون النصارى، ألسنةٌ حداد على المقاومين عن أرضهم ودينهم ومقدساتهم.
كما أخرج البيهقي عن أسلافهم، قال: لَمّا اشْتَدّ الْبَلَاءُ عَلَى النّبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ نَافَقَ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَتَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ قَبِيحٍ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مَا فِيهِ النَّاسُ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْكَرْبِ جَعَلَ يُبَشِّرُهُمْ وَيَقُولُ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُفَرَّجَنَّ عَنْكُمْ مَا تَرَوْنَ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْبَلَاءِ، فَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ آمِنًا، وَأَنْ يَدْفَعَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مَفَاتِحَ الْكَعْبَةِ، وَلَيُهْلِكَنَّ اللهُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَلَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ".
فَقَالَ رَجُلٌ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ؛ يَعِدُنَا أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَأَنْ نَغْنَمَ كُنُوزَ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَنَحْنُ هَا هُنَا لَا يَأْمَنُ أَحَدُنَا أَنْ يَذْهَبَ إِلَى حاجته، وَاللهِ لَمَا يَعِدُنَا إِلَّا غُرُورًا. وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ مَعَهُ: (إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ). وَقَالَ آخَرُونَ: (يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا)[الأحزاب:13].
(هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)[المنافقون:4]، يُلبسون اللوم لبوس الرحمة والشفقة على المستضعفين، (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ)[آل عمران:154]. ولقد ابتلى الله ما في قلوبهم، فظهرت على فلتات مقالاتهم، وشذرات تغريداتهم، (فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ)[محمد:30].
نفاقٌ على كل الوجوه مخيم *** وبُغْضُ على كل الجِباه مسطر
أما اليهود فلا تخفى عداوتهم، وبيان رب العالمين يتلى فيهم (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)[المائدة:82].
عاث اليهود بقدسه وبطهره *** بغيا وأهل القدس باتوا في العرا
وبيان آخر من المصطفى بأن اليهود أبعد الناس عن الهدى، وأقل الشعوب دخولاً في الإسلام، قال -عليه الصلاة والسلام-: "لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنَ اليَهُودِ، لآمَنَ بِي اليَهُودُ"(أخرجه البخاري)، قائدهم الدجال الأعور "يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ"(أخرجه مسلم).
اليهود في الأرض شرذمة قليلون، وإنهم لنا لغائظون، فكونوا من مكرهم حاذرون، لُعِنُوا في التوراة والإنجيل والقرآن (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)[المائدة:13]، فلا هوادة عندهم في قتل النساء والصبيان (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً)[التوبة:10]؛ فأيّ خير يُرْجَى منهم، وأيُّ سلام يطمع معهم، وهم من تطاولوا على الله -جلّ جلاله-، وامتدت أيديهم إلى أنبياء الله ورسله.
الغدر من شيمهم، والخيانة من أخلاقهم.. عاهدهم خير هذه الأمة، وصالحهم -عليه الصلاة والسلام-، فدعوه للمفاوضة، فلما جاءهم تآمروا على قتله وإلقاء الحجر عليه، فأجلاهم وخرب بيوتهم.
ما يَهودُ الغَدر إلا أَنفسٌ *** غُمِسَت في حقدها المُستَعِرِ
كيف ترجو من سرابٍ كاذبٍ *** شَربَةً للظامئ المُحتضِرِ
يا قوم، هل ترجون من قاتلِ *** الأطفالِ حُسنَ المَعشَرِ؟!
عداؤهم للإسلام لا يمكن أن يغسله الإحسان، ولا يمكن أن ينهيه المودة والسلام، (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[البقرة:100]، لكن البشرى أنهم أذلة صاغرون (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ)[الحشر:14].
والبشرى الأخرى أن الرعب دبَّ في قلوبهم، والهزيمة صرحوا بها (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)[النساء:104]، والعاقبة في النهاية للمسلمين "لا تقومُ الساعةُ حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ، فيقتلُهم المسلمون، حتى يختبئَ اليهوديُّ من وراءِ الحجرِ والشجرِ، فيقولُ الحجرُ أو الشجرُ: يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ هذا يهوديٌّ خلفي، فتعالَ فاقْتلْه"(متفق عليه).
اللهم زِدْهم نكالاً ووبالاً، وأخرجهم من الأرض المقدسة أذلة صاغرين.
وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى.
أَمَّا بَعْدُ: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "إنَّ اللهَ زَوى لي الأرْض؛ فَرَأيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبها، وإنَّ أُمَّتي سَيَبْلُغُ مُلْكُها ما زُوِيَ لي مِنها، وأُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأحْمَرَ والأبْيَض، وإنيِّ سَألْتُ رَبيِّ لأُمَّتي أنْ لاَ يُهْلِكَها بِسَنَةٍ عامَّة، وأنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّا مِن سِوى أنْفُسِهِمْ؛ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وإنَّ رَبِّي قال: يا محَمَّد، إني إذا قَضَيْتُ قَضاءً فَإنَّهُ لاَ يُرَدُّ، وإنِّي أعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عامَّة، وأنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّا مِن سِوى أنْفُسِهِمْ؛ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، ولَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَن بِأقْطارِها، أوْ مَن بَينَ أقْطارِها، حَتىَّ يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضَا، ويَسْبي بَعْضُهُمْ بَعْضَا".
قضى الله أنه متى ما حادت الأمة عن عقيدتها، وتعلقت بهذا أو بذاك؛ إلا وتقلبت في ثنايا الإهانات والنكبات والنكسات حتى ترجع إلى كتاب ربها وسنة نبيها.
من يتق الله وينصر دينه *** لا بد في ساح المعارك يُنصَرٌ
(وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)[البقرة:217].
كلُّ العِدَا قَدْ جَنّدوا طَاقَاتِهِم *** ضِدَّ الهُدَى والنُّورِ ضِدَّ الرِّفْعَةِ
إِسلامُنا هُو دِرْعُنَا وَسِلاحُنَا *** ومنارُنا عَبْرَ الدجى فِي الظُّلْمَةِ
هُو بِالعَقِيدةِ رَافِعٌ أَعْلامَهُ *** فَامْشِ بِظِلّ لِوَائهَا يَا أُمّتِي
لا الغَربُ يَقصِد عِزّنَا كَلا ولا *** شَرْقُ التَحَلُّلِ إنَّهُ كَالحَيَّةِ
الكُلُّ يَقْصدُ ذُلّنَا وهَوَانَنَا *** أَفَغَيْرُ رَبّي مُنْقِذٌ مِنْ شِدَّة؟
لا أمان ولا استقرار ولا فلاح ولا نجاح إلا بالتمسك بهذا الدين القويم، وتحكيم شريعة رب العالمين (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام:82].
اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب اهزم اليهود والنصارى والبوذيين، وارفع البلاء والغلاء والظلم عن المسلمين.
اللهم كن للمستضعفين والمضطهدين والمشردين من المسلمين عونًا ونصيرًا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم