همسات مهمة للدعاة والخطباء والعامة

الشيخ عبدالعزيز بن صالح الكنهل

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

البعد نهائيًّا عن إيراد القصص التاريخية للعُبَّاد التي ربما يُفهَم منها التشديد على النفس، أو اليأس من رحمة الله -سبحانه-، أو ضرورة المبالغة في فضائل العبادات...

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

 

فألقيت درسي في هذه الليلة 4/3 /1443 في شرح الحديث الأول من أحاديث الأربعين النووية للإمام النووي رحمه الله، وهو حديث: "إنما الأعمال بالنيات".

 

وكنت قد أكدت فيه على إخلاص النية لله، وعدم المبالغة المؤدية للوسوسة في النية.

 

فتحدث معي شاب استقام حديثًا عن أنه أُصيب بوسواس النية، ومن أسبابه أنه كان يستمع بكثرة لكلام الداعية فلان (أعرفه ليس من العلماء، بل هو واعظ فقط يركز على الترهيب، ويُقصر كثيرًا في الترغيب).

 

وقبل هذا الشاب راسلتني شابة تشتكي من أنها استقامت حديثًا، وأصابها نوع من اليأس بسبب كثرة استماعها لفلان (داعية أيضًا، وليس طالب علم متمكنًا)، وقالت: إنه دائمًا يركز على الترهيب، ولا يذكُر الترغيب إلا قليلًا.

 

وليس معنى إيرادي لما ذكراه الطعنَ في كل الدعاة أو الانتقاص من قدرهم؛ فأنا واحد منهم، بل فيهم أخيار وطلاب علم متمكنون، زادهم الله علمًا وتقًى.

 

ولكني أردت التذكير بأهمية الاقتصاد في الوعظ، والجمع فيه بين الترغيب والترهيب.

 

والبعد نهائيًّا عن إيراد القصص التاريخية للعُبَّاد التي ربما يُفهَم منها التشديد على النفس، أو اليأس من رحمة الله -سبحانه-، أو ضرورة المبالغة في فضائل العبادات.

 

وقد لحظت على مدى الأعوام التي قضيتُها في الدعوة إلى الله حصولَ بعض هذه الأخطاء من بعض الدعاة والخطباء، مثل الذي دائمًا يذكر نصوص الوعيد ويبالغ في كثرة إيرادها، ويترك نصوص الوعد والترغيب.

 

ومثل الذي يتساهل بإيراد قصص عن العُبَّاد لا تصح لا شرعًا ولا عقلًا، وربما تصيب البعض بالإحباط؛ مثل قصة العابد الذي بقي أربعين سنة يصلِّي الفجر بوضوء العِشاء!

 

سمعت داعية مشهورًا جدًّا يذكرها في محاضرة له، مع ما فيها من المخالفة للسُّنة الإلهية بجعل الليل سكنًا، ومخالفة للهَدْيِ النبويِّ؛ حيث كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أتقى الناس لله ينام ويستيقظ، وقال: "من رَغِبَ عن سنتي، فليس مني".

 

إذًا المقصود من هذه الهمسات هو التذكير بتوخي الحكمة، والرفق بالمدعوين، والاستفادة من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجمع بين الترغيب والترهيب.

 

وأيضًا الاقتصاد فيهما.

 

وتطبيق المنهج النبوي بالتخوُّل بالموعظة؛ حتى لا نكون سببًا في التنفير عن الحق أو في الإصابة باليأس أو الوسواس.

 

وأذكِّر عامة إخواني القراء بأنه ليس كلُّ من اشتهر في وسائل التواصل بالوعظ يصلح أن يكون عالمًا يُتلقى عنه كل مسائل الدين، بل الواعظ واعظٌ فقط، والعالم هو العالم؛ هو الذي عُرف بغزارة علمه، وهو من يصلح التلقي عنه كما قال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النحل: 43].

 

وأُذكر إخواني الدعاة بالحذر من فتنة الشهرة؛ فهي مزلق خطير لمن لا يثبِّتُه الله، ومن ذلك إيراد بعضهم لغرائب القصص، بل وأنكى منها تساهلُ بعضهم في إيراد أحاديث ضعيفة جدًّا أو موضوعة.

 

وأذكِّرهم بالحذر من الجرأة على الفتوى بغير علم؛ لأن بعض العامة يظنون أن كل من اشتهر وأطلق لحيته فهو عالم فيستفتونه.

 

كذلك أذكِّر إخواني بأنه يُنشر كثيرًا في مواقع التواصل كلامٌ سقيم منسوب لكبار علماء الأمة مثل ابن تيمية وابن القيم وابن باز وغيرهم رحمهم الله جميعًا؛ وذلك بقصد الترويج والتضليل على الناس، وقد وصلتني كثيرٌ من الرسائل يسألني من وصلتْهم عن صحة ما كُتب فيها، وأجبتهم ببطلانه وبطلانِ نسبته للعلماء.

 

وأوصي إخواني بألا يستعجلوا في نشر كلِّ ما يصلهم، وأن يتثبتوا من صحته وصحة نسبته لقائله قبل نشره؛ حتى لا يضروا غيرهم، وليعملوا بقوله -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات:6].

 

حفظكم الله ورزقكم الحكمة والورع والعلم النافع، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
15-03-2022

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خير الجزاء على نشر مقالتي هذه وأسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن  ينفع بها

حفظكم الله

أخوكم عبدالعزيز بن صالح الكنهل