هل يشترط للجمعة إذن الإمام

عصام خضر - عضو الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15

اقتباس

أنه لم يأمره بإعادة الصلاة، مع أن الذي صلى بالناس كنانة بن بشر- أحد رؤوس الفتنة- وبدون إذن الخليفة عثمان -رضي الله عنه-. وقال ابن حجر –رحمه الله-: "وفيه رد على زعم أن الجمعة لا يجزئ أن تقام بغير إذن الإمام"( ).

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آلة وصحبه أجمعين.

أما بعد

 

رغم أنّ العبادة من مفردات العلاقة بين الله تعالى والإنسان الفرد، إلاّ أن بعض العبادات تؤدّى أداء جماعيًا، مثل: الحجّ؛ إذ لا بُدَّ من أداء المسلم له مع غيره من المسلمين في وقت واحد ومكان واحد، فيكون العمل جماعيًا. وكذلك أداء صلاة الجماعة، أو صلاة العيدين، أو صلاة الجمعة، فهي عباداتٌ تؤدّى بصورة جماعية. فهل إذْنُ السلطان أو حضوره شرطٌ لإقامة صلاة الجمعة أو لصحتها؟ وبالنظر في الأدلة المعتبرة يتبين  أنه لا دليل من الكتاب أو السنة على اعتبار هذا الشرط.‏

قال الإمام مالك-رحمه الله-: ولا يشترط السلطان على الأصح([1]).

 

وقد ﺍﺧﺘﻠﻒ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ ﰲ شرط ﺇﺫﻥ ﻭﱄ ﺍﻷﻣﺮ ﰲ ﺻﻼﺓ ﺍﳉﻤﻌﺔ على قولين:

 

القول الأول وهو قول الجمهور:

 

أن صلاة الجمعة تصح بغير إذن السلطان وحضوره، سواء كان السلطان في البلد أم لا، وهذا مذهب الجمهور: المالكية([2])، والشافعية([3])، والحنابلة([4])، قال الأثرم: حدثنا العباس بن عبد العظيم أنه سأل أبا عبد اللَّه أحمد بن حنبل قال: قلت: فإن لم يكن إمام، أترى أن يصلي وراء من جمع بالناس وصلى ركعتين؟

فقال: أليس قد صلى علي بن أبي طالب والسلطان محصور([5])، واختاره ابن حزم, قال رحمه الله: "وتصلى في كل قرية صغرت أم كبرت، كان هنالك سلطان أو لم يكن"([6]).  وقال أيضا: "ولا فرق بين الإمام في الجمعة والجماعة فيها، وبين الإمام في سائر الصلوات والجماعة فيها؛ فمن أين وقع لهم رد الجمعة خاصة إلى السلطان دون غيرها؟!"([7]).

 

وقال النووي-رحمه الله-: "مذهبنا أنها تصح بغير إذنه وحضوره، وسواء كان السلطان في البلد أم لا، وحكاه ابن المنذر عن مالك، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور"([8])  وقال أيضا: "وكون الناس في الأعصار يقيمون الجمعة بإذن السلطان لا يلزم منه بطلانها إذا أقيمت بغير إذنه"، وقولهم: "يؤدي إلى فتنة" لا نسلمه؛ لأن الافتئات المؤدي إلى فتنة إنما يكون في الأمور العظام، وليست الجمعة مما تؤدي إلى فتنة"([9]).

 

وقال ابن عثيمين-رحمه الله-: " أن إقامة الجمعة في البلد لا يشترط لها إذن الإمام، وأنه إذا تمت الشروط وجب إقامتها، سواء أذن أم لم يأذن"([10]).

 

واستدل الجمهور بأدلة منها:

عموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)([11]).

 

 ووجه الدلالة:

العموم في قوله تعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فعم، ولم يشترط إذن السلطان، ولأن السلطان لا يكون شرطًا في وجوب الصلوات اعتبارًا بسائر الصلوات. ([12]).

 

ومن الأدلة ما جاء عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها". قال: قلت فما تأمرني قال: "صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة"([13]).

 

ووجه الدلالة:

أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أبا ذر أن يصلي الصلاة لوقتها ولو لم تكن مع الأمير مادام أن الأمير سيؤخرها عن وقتها والصلاة عامة لم يفرق بين الجمعة وغيرها.

 

ومن الآثار ما جاء عن عبيد الله بن عدي بن خيار، أنه دخل على عثمان بن عفان-رضي الله عنه- وهو محصور، فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما ترى، ويصلي لنا إمام فتنة، ونتحرج؟ فقال: "الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم"([14]).

 

ووجه الدلالة:

أنه لم يأمره بإعادة الصلاة، مع أن الذي صلى بالناس كنانة بن بشر- أحد رؤوس الفتنة- وبدون إذن الخليفة عثمان -رضي الله عنه-. وقال ابن حجر –رحمه الله-: "وفيه رد على زعم أن الجمعة لا يجزئ أن تقام بغير إذن الإمام"([15]).

 

ومن الأدلة أيضًا ما جاء عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: "شهدت العيد مع علي، وعثمان محصور"([16]).

 

ووجه الاستدلال: أن عليًا صلى بالناس العيد وكان ولي الأمر عثمان –رضي الله عنه- محصورًا، ومن صلى بهم العيد لا يبعد أن يصلي بهم الجمعة، ولا سيما أن مدة الحصر كان فيها صلاة جمعة، وهذا الفعل من علي لم ينكره أحد، "ولأنه فرض لله تعالى لا يختص بفعل الإمام فلم يفتقر إلى إذنه كسائر العبادات"([17]).

 

واستدل الجمهور أيضًا بالقياس على الإمامة في سائر الصلوات الخمس؛ فكما أنها لا يشترط فيها إذن ولي

الأمر فكذلك الجمعة، والجامع بينها: أنها كلها صلوات([18]).

 

ومن الأدلة التي استدل بها الجمهور أيضًا على صحة صلاة الجمعة بغير إذن إمام أنهم قالوا: أن المتغلب والخارج على الإمام تجوز الجمعة خلفه؛ فمن كان في طاعة الإمام أحرى بجوازها خلفه([19]).

 

قالوا أيضًا: أنها من فرائض الأعيان، فلم يشترط لها إذن الإمام، كالظهر ولأنها صلاة أشبهت سائر الصلوات(([20].

 

القول الثاني:

يشترط إذن ولي الأمر في إقامة صلاة الجمعة؛ وهذا قول الحنفية([21])، وقول ضعيف عند الشافعية، قال النووي –رحمه الله-: وحكى في (البيان) قولًا قديمًا: إنها لا تصح إلا خلف الإمام، أو من أذن له، وهو شاذ منكر([22])، ورواية عند الحنابلة([23])، قال عبد اللَّه: سمعت أبي يقول في الجمعة: "إذا كانوا أربعين رجلًا، اجتمعوا بإذن السلطان، قد جمع بهم أسعد بن زرارة، وكانت أول جمعة جمعت في الإسلام، وكانوا أربعين رجلًا"([24]). ونقل المروذي، ومحمد بن الحسين ابن هارون، وعلي بن سعيد عنه ما يقتضي أنها لا تنعقد إلا بإذن الإمام أو بأمره، لأنه لا يصح لكل أحد إقامتها على الانفراد، فوجب أن يكون من شرطها إذن السلطان([25]).

 

واستدلوا بأدلة منها:

ما جاء عن جابر بن عبدالله –رضي الله عنهما- قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا أيها الناس، توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين

ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا، واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا من عامي هذا إلى يوم القيامة، فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر بها أو جحودًا لها، فلا جمع الله له شمله، ولا بارك له استخفافًا

في أمره، ألا ولا صلاة له ولا زكاة له ولا حج له ولا صوم له ولا بر له حتى يتوب، فمن تاب تاب الله عليه"([26]).

 

ووجه الاستدلال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اشترط للزومها الإمام في قوله: "وله إمام عادل أو جائر"، ورتب الوعيد لتارك الجمعة على وجوده([27]).

 

وهذا الاستدلال لا يلزم من صحة الجمعة إذن الإمام لأن الحديث ضعيف ولا يصح الاستدلال به.

 

واستدلوا بما جاء عن عائشة عن الحسن قال: "أربع إلى السلطان الصلاة والزكاة والحدود والقضاء"([28]).

 

ونوقش هذا الدليل بأن هذا الأثر قد يكون رأيا للحسن، فلا يكون حجة، كما أن فيه عائشة، فإن كانت عائشة بنت سعد البصرية  فالأثر ضعيف؛ لجهالتها، قال الذهبي عنها: "لا يدري من هي، والراوي عنها متهم"([29]).

 

قال الكاساني –رحمه الله-: "ولأنه لو لم يشترط السلطان لأدى إلى الفتنة لأن هذه صلاة تؤدى بجمع عظيم والتقدم على جميع أهل المصر يعد من باب الشرف وأسباب العلو والرفعة فيتسارع إلى ذلك كل من جبل على علو الهمة والميل إلى الرئاسة فيقع بينهم التجاذب والتنازع وذلك يؤدي إلى التقاتل والتقالي ففوض ذلك إلى الوالي ليقوم به أو ينصب من رآه أهلا له.." ([30]).

 

ويناقش: بأنه لا يسلم بأن هذا يؤدي إلى الفتنة؛ بدليل أن شرف التقدم –لو سلم بوجوده- موجود أيضا في صلاة الفروض الخمس، ولم يشترط لها إذن ولي الأمر([31]).

 

قالوا أن الجمعة لا يقيمها إلا الأئمة على مر العصور، فكان إجماعًا([32]).

 

ونوقش: بأن دعوى الإجماع لا تصح؛ إذ إن الناس يقيمون الجمعات في القرى من غير استئذان أحد، ثم لو صح أن ذلك لم يقع، لكان إجماعًا على جواز ما وقع، لا على تحريم غيره، كالحج يتولاه الأئمة، وليس بشرط فيه.

 

قال ابن قدامة –رحمه الله-: "وما ذكروه إجماعًا لا يصح على جواز ما وقع لا على تحريم غيره كالحج يتولاه الأئمة وليس بشرط فيه"([33]).

 

قالوا: أن الجمعة من أعلام الدين الظاهرة، فتقاس على الجهاد في اشتراط إذن ولي الأمر([34]).

 

ويناقش: بأنه ليس كل أعلام الدين الظاهرة تحتاج إلى إذن ولي الأمر؛ بدليل أن الحج من ذلك، ومع ذلك لا يشترط له إذن ولي الأمر([35]).

 

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(([1] الروضة الندية (1/131).
([2]) الكافي لابن عبد البر باب صلاة الجمعة، وينظر المعونة على مذهب عالم المدينة "الإمام مالك بن أنس" (1/305).
([3]) المجموع للنووي (4/509).
([4]) المغني لابن قدامة (2/171).
([5]) الاستذكار  (7/ 34)، وقد رواه البخاري (5571)، ومسلم (1969) مطولًا من حديث أبي عبيد مولى ابن الأزهر.
([6]) المحلى (5/49).
([7]) المحلى (5/52).
([8]) المجموع (4/583).
([9]) المجموع (4/584).
([10]) الشرح الممتع (5/26).
([11]) الجمعة: 9.
([12]) المعونة على مذهب عالم المدينة "الإمام مالك بن أنس"(1/305).
([13]) صحيح مسلم (2/120) رقم: (1497).
([14]) رواه البخاري (1/178) رقم: (695).
(([15] فتح الباري (2/189، 190).
([16]) مالك في الموطأ (1/342) رقم: (232).
([17]) المهذب (1/117).
( ([18]المعونة على مذهب عالم المدينة "الإمام مالك بن أنس"(1/305).
(([19] مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (1/140).
(([20] المغني لابن قدامة (2/171).
([21]) انظر الاختيار لتعليل المختار (1/88)، والجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (1/111).
([22]) روضة الطالبين (1/515)
([23]) المبدع (2/164).
([24]) الجامع لعلوم الإمام لخالد الرباط، وسيد عزت عيد أحمد (6/470)، مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله (1/120)، والعلل ومعرفة الرجال (2/530)، وقد رواه أبو داود (1069)، وابن ماجه (1082) وصححه ابن خزيمة (1724) من حديث كعب بن مالك. قال البيهقي في السنن: (3/ 177) حسن الإسناد صحيح. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص: (2/ 56) إسناده حسن وصححه الألباني في صحيح أبي داود (980).
([25]) المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/185).
([26]) رواه ابن ماجه في سننه (3/81) رقم: (1081) وقال الشيخ الألباني: ضعيف. ورواه أبو يعلى في المسند (3/381) رقم: (1856) وقال حسين سليم أسد : إسناده ضعيف.
([27]) بدائع الصنائع (1/261)، والمبسوط (2/25).
([28]) مصنف ابن أبي شيبة (2/385) رقم: (10198).
([29]) انظر حق ولي الأمر في باب الصلاة د. عبدالرحمن العايد (ص: 337).
([30]) بدائع الصنائع (1/261).
(([31] حق ولي الأمر في باب الصلاة د. عبدالرحمن العايد (ص: 337).
([32]) المغني (2/171).
([33]) المغني (2/171).
(([34] المبدع (2/164).
([35]) انظر حق ولي الأمر في باب الصلاة د. عبدالرحمن العايد (ص: 338).

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات