هل تلحق بهم؟

الشيخ شايع بن محمد الغبيشي

2023-12-22 - 1445/06/09 2023-12-31 - 1445/06/18
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/من أدعية الأنبياء والرسل 2/منزلة الصلاح من أشرف المنازل 3/من صفات الصالحين 4/التحذير من معاداة الصالحين

اقتباس

الذين يعادون أولياء الله ويبغضونهم إنما يجنون على أنفسهم، ويتسببون بمعاداة الله -عز وجل- لهم، وإعلانه الحرب عليهم، ومن أعلن الله -تبارك وتعالى- الحرب عليه فلا تسأل عن حاله، وعن كثرة عثراته، وعن كثرة فشله، ونكوله عن كل مطلوب...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

 

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

إخوة الإيمان: حديثنا اليوم عن منزلة عظيمة ومرتبة جليلة، تمناها وسألها الرسل والأنبياء وهم ربان سفينتها، وحلم بها أولوا الألباب، منزلة من نالها فاز في الدنيا والآخرة، وكان ولياً لله، فأحبه وتولى الدفاع عنه، فما هي هذه المنزلة؟!.

 

تأملوا معي هذه الآيات التي تكشف لنا عظم هذه المنزلة، وتجلي حقيقتها قال الله -جل وعلا- عن رسله وأنبيائه -عليهم الصلاة والسلام-: (وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ)[الأنبياء: 86]، وقال سليمان -عليه السلام- مبتهلاً إلى ربه: (وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)[النمل: 19]، وقال إبراهيم -عليه السلام-: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)[الشعراء: 83]، وقال يوسف -عليه السلام-: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)[يوسف: 101].

 

وقال أهل الإيمان من بني إسرائيل: (وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ)[المائدة: 84]، وقال أولوا الألباب: (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ)[آل عمران: 193]، يا لله! رسل وأنبياء أبرار وأتقياء كلهم يسألون الله -جل وعلا-، ماذا يسألون؟ يسألون الله أن يدخلهم في الصالحين، يسألون الله أن يلحقهم بالصالحين، يسألون الله أن يتوفاهم مع الأبرار؛ ولذا -عباد الله- فمنزلة الصلاح هي أشرف المنازل وأرفعها وأزكاها، والصالحون هم أشرف خلق الله.

 

فمنهم الصالحون؟ الصالحون هم: الرسل والأنبياء والعلماء والأبرار الأتقياء، والمصلحون الدعاة إلى الله -عز وجل- والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وهم العباد المتبعون لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، تأمل قول الله -جل وعلا- عن بعض رسله: (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ)[الأنعام: 85]، وقوله عن يونس -عليه السلام-: (فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)[القلم: 50]، وقول -جل وعلا-: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)[آل عمران: 113-114]، وقوله -سبحانه-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ)[العنكبوت: 9].

 

عباد الله: الآيات تخبرنا أن الرسل والأنبياء قد تمنوا أن يلحقهم الله بالصالحين، وأن يدخلهم في الصالحين وهم أئمة الصلاح، فهل علمتم منزلة أعظم من ذلك؟ ويكفي الصالحون شرفاً ورفعة أن الله وليهم قال -تعالى-: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[الأعراف: 196]، اللهم يا حي يا قيوم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين.

 

عباد الله: الآيات السابقة لها دلالات وهدايات عظيمة منها:

أولاً: أن يحرص المؤمن على التحلي بصفات الصالحين، ويعمل الأعمال التي تدخله في زمرتهم، ومنها: الإيمان بالله واليوم الآخر، والإقبال على تلاوة كتاب الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمسارعة في الخيرات، ومحبة الصالحين والذب عنهم.

 

ثانياً: أن يسأل المؤمن ربه أن يحلقه بالصالحين ويدخله فيهم كما لهج بذلك رسل الله -عليهم السلام-، فعلى العبد أن يلهج في مواطن الإجابة بقوله: اللهم ألحقني بالصالحين، اللهم أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين.

 

أقول ما تسمعون، واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد ان محمد عبده ورسوله، أما بعد:

 

إخوة الإيمان: ومن دلالات وهدايات الآيات السابقة:

ثالثاً: محبة الصالحين والتقرب إلى الله -عز وجل- بمودتهم، ليكن في قلبك حباً صادقاً للأنبياء والمرسلين، ولمحمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، وللعلماء والمصلحين والأبرار الصالحين؛ فإن لذلك ثمرة عظيمة، يحدثنا أنس -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟"، قَالَ: لاَ شَيْء إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ"، فطار بها أنس وطار بها صحابة رسول الله فرحاً وسروراً و ابتهاجاً، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْء فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ"، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ"(متفق عليه).

 

وعن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ"(متفق عليه)، قال القرطبي -رحمه الله-: "تعلقت أطماعنا بذلك وإن كنا مقصرين، ورجونا رحمة الرحمن وإن كنا غير مستأهلين"، وقال ابن حجر -رحمه الله-: "إن الملائكة يحبون صالحي بني آدم، ويفرحون بهم، فمحبة الصالحين وأهل الخير والدعوة دين يدان الله به، كما قال على -رضى الله عنه-: محبة العلماء دِينٌ يُدانُ اللهُ به".

 

فلنحب الصالحين ونحدث أنفسنا باللحاق بهم، ونطمع كما طمع أنس -رضي الله عنه- أن نكون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصحابته الكرام والعلماء الناصحين، اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك.

 

رابعاً: الحذر كل الحذر من معادة أولياء الله الصاحين؛ فإنه يعادي من تولاه الله -عز وجل- قال -تعالى-: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[الأعراف: 196]، وتوعد الله -عز وجل- من يعادي الصالحين بمحاربته، ومن حاربه الله -عز وجل- خسر الدنيا والآخرة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: ‌مَنْ ‌عَادَى ‌لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ"(رواه البخاري).

 

"الذين يعادون أولياء الله ويبغضونهم إنما يجنون على أنفسهم، ويتسببون بمعاداة الله -عز وجل- لهم، وإعلانه الحرب عليهم، ومن أعلن الله -تبارك وتعالى- الحرب عليه فلا تسأل عن حاله، وعن كثرة عثراته، وعن كثرة فشله، ونكوله عن كل مطلوب من المطالب العالية، ويكفيه شيء واحد: وهو أن يكون شغله ودأبه في لسانه، وحاله، وبذله، ونفقاته، وخطواته، وسمعه، وما إلى ذلك فيما يباعده من الله -عز وجل- ويوقعه في سخطه"(خالد السبت).

 

اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين يا حي يا قيوم.

 

 

المرفقات

هل تلحق بهم؟.doc

هل تلحق بهم؟.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات