هل تسوءك سيئتك؟

محمد بن إبراهيم النعيم

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ حديث: إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن 2/ شرحٌ للحديث وبيانٌ لهداياته 3/ اختبار المرء نفسه لمعرفة قوة إيمانها وعيوبها 4/ الشروع في إصلاح النفس بعد محاسبتها

اقتباس

فهل تسوؤك سيئتك؟ سؤال في غاية الأهمية، ينبغي أن تكثر منه في كل شؤون حياتك، فإن كثيرا من الناس لا يعترفون بأنهم مخطئون ومقصرون، ويصرون على ما يفعلون، وأما المؤمن الحق فهو يعترف في قرارة نفسه بأنه مقصر، ومن صور هذا الاعتراف أنه تسوءه سيئته ويخاف من عقابها.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

روى أبو أمامة الباهلي –رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: "إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا الإِثْمُ؟ قَالَ: "إِذَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ" رواه الإمام أحمد، وفي رواية عند الطبراني أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن".

 

هذا الحديث أحد المقاييس والمؤشرات المهمة التي تقيس مستوى الإيمان عند المسلم، فكما يحتاج الإنسان إلى قياس مستوى الضغط والسكر وغيرها من أمراض ليتدارك صحته قبل تدهورها، فإن للإيمان مؤشرات وعلامات بينتها السنة النبوية ينبغي للمسلم الأخذ بها؛ لكي يتدارك إيمانه قبل أن يتدنى ويضمحل.

 

والإيمان -كما نعلم جميعا- هو تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان؛ وإن مجرد تصديق القلب من غير إقرار باللسان لا يحصل به الإيمان، فإن إبليس لا يُسمى مؤمنا بالله، وإن كان مصدقا بوجود الله -عز وجل- وبربوبيته وإيمانه بالبعث والنشور، ألم يقل: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الحجر:36]؟.

 

ولا يسمى فرعون مؤمنا وإن كان عالما بأن الله بعث موسى بالتوراة، وقد استيقنتها أنفسهم وجحدوا بها بألسنتهم، فلذلك مجرد التصديق من غير إقرار لا يحصل به الإيمان.

 

ومعنى قوله –صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ"، أي: إذا عملت سيئة ووقع في قلبك حزن واستياء؛ وجلا من الله وخوفا من العقوبة، فأنت مؤمن، وإذا فعلت حسنة وحصل لك فرح ومسرة دون غرور وعجب فأنت مؤمن، لأن المؤمن الكامل يُميزُ بين الطاعة والمعصية، ويحتسب الثواب من الله، ويعتقد المجازاة عليها يوم القيامة، بخلاف الكافر فإنه لا يفرق بينهما ولا يبالي بفعلهما.

 

فهل تسوؤك سيئتك؟ سؤال في غاية الأهمية، ينبغي أن تكثر منه في كل شؤون حياتك، فإن كثيرا من الناس لا يعترفون بأنهم مخطئون ومقصرون، ويصرون على ما يفعلون، وأما المؤمن الحق فهو يعترف في قرارة نفسه بأنه مقصر، ومن صور هذا الاعتراف أنه تسوءه سيئته ويخاف من عقابها.

 

أيها الأخ الكريم: اسأل نفسك بصدق، واختبر نفسك بنفسك؛ لتعرف: هل تسؤك سيئتك وتسرك حسنتك؟ ابحث عن ذلك في حياتك اليومية، في علاقاتك مع ربك، ومع والديك، مع أسرتك، مع رفاقك، ومع كافة المجتمع. وإذا أردت أن أساعدَك قليلا في ذلك، فسأطرحُ عليك بعض الأسئلة فأجب عنها، وأكمل أنت الباقي على منوالها، فأنت أبصر بنفسك:  هل يسرك أن تسهر كلَ يوم حتى وقت متأخر من الليل، في ديوانيات واستراحات وجلسات، مهملا أولادك، ومضيعا صلاة الفجر في جماعة، وهي واجبة عليك؟ "إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ"، هكذا قال لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.

 

وليسأل الموظف المتسيب عن عمله: هل يسرك تسيبك هذا أم يسوؤك؟ وليسأل الطالب الذي يغش في الامتحان: هل يسرك عملك أم يسوؤك؟ وليسأل الزوج نفسه: هل يسرك تبرج امرأتك وبناتك وأن يلبسن ما شئن من لباس غير ساتر؟ "فإِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ".

 

ولتسأل الفتاةُ نفسها بصدق: هل يسركِ إصراركِ على لبس العباءة المخصرة والملابس الخالعة؟ ففي دراسة ميدانية واستبيان وزع على مجموعة من النساء وجد أن ستاً وثمانين في المائة منهن قُلن إنهن تعرضن للمضايقة بسبب لبسها، وأن ستين في المائة قلن أيضاً إنهن يلبسنها مسايرةً للموضة فقط، وحوالي إحدى وستين في المائة قلن إنهن لا يشعرن بتأنيب الضمير على اتباع الموضة الجديدة في العباءة، ولا شك أن هذه نسبة عالية تدلُّ على استحسان ما لا يرضي اللهَ -تعالى-، وإن استحسان القبيح ليس من صفات المؤمنين، قال -تعالى-: (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ) [محمد:14].

 

وليسأل رب الأسرة نفسه: هل يسرك أن تترك أولادك وبناتك يتابعن المواقع الإباحية في القنوات الفضائية وفي الشبكة العنكبوتية؟ وهل يسرك أن تترك أولادك يحفظوا الأغاني ولا يحفظون شيئا من كتاب الله؟ وليسأل المدخن نفسه: هل يسرك تدخينك أم يسوءك؟  وليسأل البخيل نفسه: هل يسرك امتناعك عن أداء الزكاة ومصير مالك أن يتمتع به ورثتك من بعد موتك، فيكونَ عليك غرمه ولهم غنمه؟ وليسأل المرء الذي يأخذ كمبيالات وتسهيلات بنكية ربوية: هل يسرك قرضك هذا أم يسوءك؟ "فإِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ".

 

وليسأل التاجر نفسه: هل يسرك غشك للناس وعدم نصحك لهم؟  وليسأل نفسه كل واحد يضع في جواله النغمات الموسيقية أو المقاطع الغنائية فيدعها ترن وتعزف في بيت الله وأثناء وقوفه أمام الله قائما أو ساجدا: هل يسرك عملك هذا أم يسوءك؟ واسأل نفسك: هل يسرك دخولك كل جمعة بعد دخول الإمام فلا يكتب اسمك في صحف الملائكة؟ وليسأل الشاب الذي يفحط بسيارته ويزعج المارة ويروعهم: هل يسرك عملك ذلك أم يسوءك؟ وهل يزيدك فعلك عند الله حسنات أم سيئات؟ وليسأل الشاب نفسه الذي يتأخر دائما عن صلاة الجماعة: هل يسوءك تأخرك أم يسرك؟ "فإِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ".

 

وليسأل المسلمون أنفسهم: هل يسركم ما يفعل بالمسلمين في فلسطين والعراق وفي غيرها من بلاد العالم وأنتم في لهو وغفلة عما يكاد لكم، فلا دعاء لهم؟ كلها أسئلة تحتاج إلى صدق مع النفس، إن كنا جادين في إصلاح أنفسنا.

 

ولكن؛ يتبادر هنا سؤال واستفسار: هل يكفي الاعتراف بالتقصير وأن تسوءك سيئتك ثم تقف عند هذا المستوى مكتوف اليدين؟ كلا، فلا بد أن يتبعَ هذا الاستياء بالسيئة الإقلاع عنها، وإلا؛ يعتبر العبد الذي يعصي الله وهو على بينة من أمره ولا يتوب من المعاندين والمكابرين.

 

فمن علامات حزنِك واستيائك من سيئتك أن تكرهَهَا، ومن ثمَ تُقلعَ عنها، وتخافَ أن توردك المهالك وتوقعك في عقاب الله -عز وجل-، فمعظم الناس ومعظم العصاة والمقصرين في جنب الله يسوءهم عملهم وتقصيرهم، ولكنهم لا يقلعون عن معصيتهم، ولا يغيرون من أنفسهم؛ كالمدخن الذي يقر بخطئه وضرر التدخين عليه وعلى من حوله، ولكنه يصر على شربه؛ فلن ينفعه استياؤه.

 

واعلم -أخي المسلم- أنه لن تسوءك سيئتك، ولن تسرك حسنتك في أغلب الأحوال، إلا إذا خالطت الصالحين وتركت رفقة الطالحين، فإن الرفيق الصالح هو الذي سيعينك على أن تُبصِرَ سيئتَك وتستاءَ منها، وأما غيره من رفقاء السوء، فإنهم على خلاف ذلك، فهم سيسهلون عليك المعصية، ويزينوها لك؛ حتى تصلَ إلى مستوى الفرح بها، والمجاهرة بها، وبالتالي عدم الاستياء منها والاستغفار والإقلاع عنها.

 

أيها الإخوة في الله: "إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ"، إنه حديث نبوي مهم فاحفظوه، وميزان حساس ونافع فاعملوا به. اسأل نفسك دائما، وخاطب قلبك بصدق عن كل عمل تعمله: هل يرضي الله؟ هل هو في الحقيقة يسرك أم يسوءك؟ فإن كان يسوءك ولا يسرك، فأقلع عنه واستغفر، واستبدل الأدنى بالذي هو خير، فذلك من تمام الإيمان.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على زيادة إيمانكم بتغيير ما في أنفسكم، فالإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، ومن علامات الإيمان أيضا: أن تسرك حسنتك وتسوءك سيئتك، فعندما سأل رجلٌ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: "إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ".

 

إن إصلاح المجتمع لا يكون إلا بإصلاح أفراده، ومن هنا يأتي أهمية إصلاح الفرد نفسه وقلبه وجوارحه وسلوكه، فصلاح الفرد هو صلاح للأمة، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالبداية تكون من النفس، فإذا كنا غيرَ قادرين على إصلاح أنفسنا، فكيف نطالب غيرنا بإصلاح المجتمع؟.

 

ومن أقوى الوسائل المعينة على إصلاح النفس، هو محاسبتها والصدق معها، والحديث الذي قرأته بين أيديكم من الوسائل الناجحة والمعينة على تغيير السلوك، وإصلاح الخلل في النفس، فهو مؤشر دقيق للإيمان، قاله من لا ينطق عن الهوى: "إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ"، هكذا قال لنا رسولنا –صلى الله عليه وسلم- ، فهل نعمل بسنته ونهتدي بهديه؟.

 

أسأل الله -تعالى- أن يوفقنا لصالح القول والعمل، ويجنبنا الزلل.

 

اللهم...

 

 

المرفقات

تسوءك سيئتك؟

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات