هل المحادثة بين الجنسين عبر مواقع التواصل، من الخلوة المحرمة؟

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-05 - 1444/03/09

اقتباس

فتاوى

 

موقع الإسلام سؤال وجواب

 

السؤال

هل تعتبر محادثة الرجل للمرأة على مواقع التواصل الاجتماعي نوع من أنواع الخلوة؟

الجواب

 

الحمد لله.

 

أولا:

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ) رواه البخاري (5233) ومسلم (1341).

 

والمراد بالخلوة في هذا الحديث إنما هي الخلوة بالأجساد.

 

والعلة من هذا النهي؛ هي أن هذه الخلوة مظنة للوقوع في الحرام ، لأن فيها تمكينًا للشيطان من الوسوسة بذلك، وقد أشار إلى هذا قول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي (2165) وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ "، وقال الحاكم في "المستدرك" (1 / 114): " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (6 / 215).

 

قال المناوي رحمه الله تعالى:

 

" ( إلا كان الشيطان ثالثهما ) بالوسوسة، وتهييج الشهوة، ورفع الحياء، وتسويل المعصية، حتى يجمع بينهما بالجماع، أو فيما دونه من مقدماته التي توشك أن توقع فيه، والنهي للتحريم " انتهى، من "فيض القدير" (3 / 78).

 

فالنهي عن الخلوة بالأجنبية هو من باب سد الطرق الموصلة إلى الفواحش؛ وهذا من أصول شريعتنا.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

 

" والأصل أن كل ما كان سببا للفتنة فإنه لا يجوز، فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها ، إذا لم يعارضها مصلحة راجحة " انتهى، من "مجموع الفتاوى" (15 / 419).

 

ومحادثة الرجل للمرأة الأجنبية محادثة خاصة عبر مواقع التواصل – وإن لم تكن من الخلوة التي يذكرها الفقهاء - إلا أنه ذريعة للفتنة وسبب للفساد ؛ فيمنع منها لأجل ذلك .

 

وإذا كان النظر ، والمصافحة ، ونحو ذلك : ممنوعا منه ، سدا لذريعة الفتنة بالمرأة ، وإن لم يكن خلوة ؛ فمنع المحادثة الخاصة ، لا سيما بين الشباب ، ومن هم مظنة الفتنة : هو من هذا الباب أيضا .

 

وقد تضافرت نصوص الوحي على النهي عن الاستمتاع بالمرأة الأجنبية والتلذذ بصوتها والنظر إليها ، واعتبرت هذا نوعا من الزنا.

 

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ ) رواه البخاري (6243) ومسلم (2657) وزاد أحمد (27430) : (والآذان زناها الاستماع) .

 

وقد وصل الأمر ببعض هؤلاء إلى أن استهواهم الشيطان فهبطوا إلى هوة سحيقة من الانحطاط الخلقي والديني ، حيث تعرى بعضهم لبعض .

 

ولا شك أن للشيطان حبائل شتى ، يوقع بها الناس في الفساد ، والشهوات ، والفتن ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِي النَّاسِ فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ .

 

رواه البخاري (5096) ومسلم (2741) واللفظ له .

 

وقد قال الله تعالى:

 

( يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/27.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

 

" فنهى بني آدم أن يفتتنوا بفتنة الشيطان ، كما فتن أبويهما، وذلك بمعصية الله وطاعة الشيطان في خلاف أمر الله ونهيه .

 

وأنه لما نزع عن الأبوين لباسهما ، فكذلك قد ينزع عن الذرية لباس التقوى ، ولباس البدن ؛ ليريهما سوءاتهما " انتهى، من "الاستقامة" (2 / 170).

 

فالحاصل؛ أن محادثة الرجل للمرأة الأجنبية عبر مواقع التواصل ، خفية عن باقي الزوار والمشتركين؛ ليست من الخلوة التي نُهي عنها .

 

لكنها تمنع لما فيها من الفتنة ، ومظنة الفساد .

 

فيجب على المسلم والمسلمة أن يتجنبا مثل هذا التواصل ، إلا لمصلحة دينية راجحة ، كاستفتاء أهل العلم، أو مصلحة دنيوية مشروعة ، ويكون الكلام بقدر الحاجة فقط ، بلا توسع أو تساهل .

 

والله أعلم.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات