عناصر الخطبة
1/رمضان موسم الطاعات 2/أحوال السلف مع القرآن 3/أحوال السلف مع القيام 4/ أحوال السلف مع الجود والصدقة 5/أحوال السلف مع حفظ اللسان.اقتباس
إن الصالحين قبلنا عرفوا قدر رمضان وغايته، فقدروه حق قدره، واشتغلوا بالغاية التي جاء لأجلها، أما اليوم فإن رمضان عند كثير من الناس هو موسم العام في البيع والشراء، وكثرة توفير ألوان الغذاء، ومحفل المسلسلات السنوية، وتنويع البرامج الإعلامية الملهية...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أيها المسلمون: إن القُرْب من الله غاية سامية، ومرتبة إنسانية عالية، ومنحة إلهية لا تقدر بثمن، ومِنَّة لا تساويها جميع المِنن؛ فالمشغول بعبادة الله محبوبُ اللهِ من عباده، ومصطفاه من خلقه، وحين يكون عبَّاد الدنيا في كدر وشقاء، فإنه يكون عالم معمور بالجمال والصفاء، وآفاق عليا من السعادة والزكاء، يرى الناس أنه في تعب وهو يرى أنه في أسمى راحة، ويظنون أنه لا عمل لديه وهو في أعظم عمل وأجلِّه، ويحسبون أنه يفتقد كثيراً من الذكاء والحصافة، وهو والله في منصرَف حميد، وسبيل رشيد، ووجهة لا يتجه إليها إلا أعقل العقلاء، ولا يلازمها إلا أذكى الأذكياء، الذين كفوا نفوسهم عن الخطيئات، وسارعوا بها إلى رياض الطاعات، وحبسوها عن لهو الدنيا منشغلين بعمل الآخرة؛ فقد قال الفقهاء: "وإن وصى لأعقل الناس.. قال الشافعي: (صُرف ذلك إلى أورع الناس وأزهدِهم؛ لأن العقل: المنع، وأعقل الناس: أمنعهم عن المحارم).
عباد الله: إذا كان الانشغال بملازمة العبادة محموداً في كل زمان، فإن حمده في رمضان أعلى من كل أوان، وقد أدرك سلفنا الصالح ذلك، فكان لهم في رمضان حال مع العبادة عجيبة، وإقبال عليها قد يحسبه بعضنا اليوم من الأمور الغريبة، ولكنه حقيقة، فحين أدرك أولئك الأخيار العقلاء أهميةَ العبادة وحسن أثرها صحبهم التوفيق، فضربوا أروع الأمثلة في الصبر على ملازمة الطاعة والإكثار منها؛ (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)[الزمر:18].
إن شهر رمضان-معشر المسلمين-موسم خصب بالقربات، الموعود صاحبها بحسن الجزاء ومضاعفته، ولكنْ هناك قربات لها شأنها الكبير في رمضان؛ مثل: تلاوة القرآن، وصلاة القيام، والجود بالصدقات، وحفظ اللسان عن العثرات؛ فتعالوا اليوم لننظر أحوال السابقين الصالحين معها، ونقارن أحوالنا بأحوالهم؛ حتى نشحذ هممنا للحاق بهم، والسير على منوالهم.
أيها الفضلاء: إن الصالحين قبلنا عرفوا قدر رمضان وغايته، فقدروه حق قدره، واشتغلوا بالغاية التي جاء لأجلها، أما اليوم فإن رمضان عند كثير من الناس هو موسم العام في البيع والشراء، وكثرة توفير ألوان الغذاء، ومحفل المسلسلات السنوية، وتنويع البرامج الإعلامية الملهية، وفرصة الاجتماع على القيل والقال وكثرة السمر والخروج في الليل، وصرفِ كثير من الأوقات في شؤون الدنيا؛ والقلة القليلة من الناس اليوم من عرفت فضل هذا الشهر وهدفه فاشتغلت بذلك في عالم يعج بالمخالفين.
فكيف كانت أحوال سلف هذه الأمة في رمضان يا عباد الله؟
لقد كانت لهم أحوال مرضية في ميدان العبادات؛ فإنهم لما عرفوا أن رمضان شهر القرآن -كما قال الله: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[البقرة:185]- أقبلوا على تلاوته إقبالاً عجيبًا؛ فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم كان جبريل يلقاه فيدارسه القرآن؛ فقد قال ابن عباس -رضي الله عنه-ما: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ "(متفق عليه).
وقد سار الصالحون على هذه الطريق بعد النبي عليه الصلاة والسلام، واسمعوا-رحمكم الله- ما يقوله ابن رجب عن حال بعض السلف مع القرآن؛ قال -رحمه الله-: "وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها؛ كان الأسود يقرأ في كل ليلتين في رمضان [يعني: يختم القرآن].
وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، وفي بقية الشهر في ثلاث. وكان قتادة يختم في كل سبع دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة، وكان للشافعي في رمضان ستون خَتمة يقرؤها في غير الصلاة، وعن أبي حنيفة نحوه. وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام؛ قال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف. قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن. وكانت عائشة -رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان، فإذا طلعت الشمس نامت. وقال سفيان: كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه".
وقال" مُحَمَّدُ بنُ زُهَيْرٍ: كَانَ أَبِي يَجْمَعُنَا فِي وَقْتِ خَتمِهِ لِلْقُرْآنِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، يَختِمُ تِسْعِيْنَ خَتمَةً فِي رَمَضَانَ".
ولا شك -يا عباد الله-أن التقوى سبب لبركة الوقت، وأن الإتقان في الحفظ سبب آخر لسرعة القراءة، وكان هؤلاء الذين ذكرنا طرفًا من أحوالهم من أهل التقوى والإتقان، أما من يقرأ من المصحف ويكون غير ماهر في القراءة فإنه يتأخر فيها، غير أننا نسمع اليوم عمن يسردون القرآن في جلسة واحدة في سويعات قليلة، فهذه نماذج حاضرة تذكّر بتلك النماذج القديمة، وتبين صحتها.
والتمهل في القراءة من أجل التدبر شيء جميل، لكن رمضان زمان شريف تطلب فيه كثرة القراءة وإن قل التدبر؛ فقد قال بعض أهل العلم: "وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك؛ فأما في الأوقات المفضلة؛ كشهر رمضان، خصوصًا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة؛ كمكة لمن دخلها من غير أهلها؛ فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن؛ اغتنامًا للزمان والمكان".
إخوة الإسلام: وإذا سارع أولئك الصالحون إلى كثرة التلاوة وتعديد الختمات في رمضان؛ فقد سارعوا أيضًا إلى طول الصلاة ليلاً حيث يبيتون لربهم سجداً وقيامًا، لا يملون من طول القيام في الصفوف، ولا يتضجرون من تطويل القراءة والسجود والوقوف، ولا سيما في العشر الأواخر.
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ"(متفق عليه).
والسبب: أن العشر موسم تجارة رابحة كان رسولنا الكريم يستعد لها هذا الاستعداد العظيم.
ثم جاء صحابته الكرام والأخيار من بعدهم فكانوا يصلون التراويح ركعات كثيرة، ويقرأون فيها قراءة طويلة، ويتحملون مشقة القيام حتى يكون وقت سحورهم؛ فما أحسن حالَهم في ذلك المنظر الخاشع الطويل والليل مُرخٍ سدوله، ولا صوتَ إلا صوت القرآن والدعاء والتسبيح.
عن السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قال: "أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ -رضي الله عنه- وَتَمِيمًا الدَّارِيِّ -رضي الله عنه- أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ فِي رَمَضَانَ، فَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ، حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ".
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قال: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "كُنَّا نَنْصَرِفُ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْقِيَامِ فَنَسْتَعْجِلُ الْخَدَمَ بِالطَّعَامِ؛ مَخَافَةَ الْفَجْرِ".
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: "كَانَ أَبُو مِجْلَزٍ يَقُومُ بِالْحَيِّ فِي رَمَضَانَ، يَخْتِمُ فِي كُلِّ سَبْعٍ".
وكان البخاري" يختمُ فِي رَمَضَانَ فِي النَّهَارِ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً، وَيقومُ بَعْدَ التّراوَيحِ كُلَّ ثَلاَثِ لَيَالٍ بخَتْمَةٍ".
أرأيتم-معشر الكرام- كيف كانوا في تلاوتهم وصلاتهم؛ فما أجمل أن نسير على طريقهم، ونقتدي بهم في عبادتهم؛ (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)[الأنعام:90].
نسأل الله أن يرزقنا همة عالية، وقوة إيمانية مستمرة.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أيها المسلمون: إن كُمَّل الصالحين لا يقتصرون في سباق القربات على العبادات اللازمة، بل يضيفون إليها العبادات المتعدية التي فيها نفع للخلق، فحين علموا فضل الجود بالصدقات في رمضان بادروا إليه؛ اقتداء بنبيهم عليه الصلاة والسلام الذي "كَانَ أَعْظَمَ النَّاسِ صَدَقَةً بِمَا مَلَكَتْ يَدُهُ، وَكَانَ لَا يَسْتَكْثِرُ شَيْئًا أَعْطَاهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَسْتَقِلُّهُ، وَكَانَ لَا يَسْأَلُهُ أَحَدٌ شَيْئًا عِنْدَهُ إِلَّا أَعْطَاهُ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَكَانَ عَطَاؤُهُ عَطَاءَ مَنْ لَا يَخَافُ الْفَقْرَ، وَكَانَ الْعَطَاءُ وَالصَّدَقَةُ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَيْهِ، وَكَانَ سُرُورُهُ وَفَرَحُهُ بِمَا يُعْطِيهِ أَعْظَمَ مِنْ سُرُورِ الْآخِذِ بِمَا يَأْخُذُهُ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، يَمِينُهُ كَالرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ".
قال ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ".
ولو تأملتم-رعاكم الله-في سر إقبال رسول الله على الجود في رمضان سترون من ذلك؛ إدراك عظم حاجة الناس في رمضان للصدقات التي تعينهم على الصيام والتفرغ لسائر العبادات، في شهر المسابقة إلى الخيرات، ولأن جود الله على عباده بمضاعفة الأجر يذكِّر أهل الإيمان بفضيلة الجود؛ فيجودون على عباده كما جاد عليهم سبحانه، قال الشافعي -رحمه الله-: "أُحبُّ للرجل الزيادةَ في الجود في شهر رمضان؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم".
وعلى هذا الطريق في الجود الرمضاني سار الصالحون؛ "فهذا ابن عمر -رضي الله عنه- ما- كان يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم لم يتعش تلك الليلة، وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل".
وهذا حماد بن أبي سليمان" كَانَ يُفَطِّرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسَمائَةِ إِنْسَانٍ، وَأَنَّهُ كَانَ يُعْطِيْهِم بَعْدَ العِيْدِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مائَةَ دِرْهَمٍ".
وعن أبي السَّوَّارِ الْعَدَوِيِّ، قال: "كَانَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ يُصَلُّونَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مَا أَفْطَرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى طَعَامٍ قَطُّ وَحْدَهُ، إِنْ وَجَدَ مَنْ يَأْكُلُ مَعَهُ أَكَلَ، وَإِلَّا أَخْرَجَ طَعَامَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ؛ فَأَكَلَهُ مَعَ النَّاسِ، وَأَكَلَ النَّاسُ مَعَهُ".
إنهم في هذا الجود العظيم يتذكرون قول رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا".
وفي عصرنا بحمد الله هناك أغنياء أسخياء، حريصون على مد يد العون إلى المساكين والفقراء، فكم كَفَوا بمالهم حاجة المحتاجين، وأطعموا من جائعين؛ فلله درهم، وعليه أجرهم.
وفي مقابلهم هناك من يبخل مع قدرته على أن يعطي، والحال كما قال الله: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ)[محمد:38].
أيها المؤمنون: إن الصيام الكامل ليس عن شهوة البطن والفرج فحسب، بل هو شامل لحفظ اللسان عن مساوئ القول؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"(رواه البخاري).
ويوم عرف سلفنا الصالح هذه الحقيقة حفظوا ألسنتهم عن مساوئها، وأطلقوها في محاسنها؛ قَالَ عُمَرُ وعلي -رضي الله عنه-ما: "لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَحْدَهُ، وَلَكِنَّهُ مِنَ الْكَذِبِ، وَالْبَاطِلِ، وَاللَّغْوِ، وَالْحَلِفِ".
واسمعوا ما يقول الصحابي الجليل جابر بن عبد الله؛ لنعلم كيف كانوا يفقهون الصيام كل الفقه، يقول -رضي الله عنه-: "إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وبَصَرُكَ، وَلِسَانُكَ، عَنِ الْكَذِبِ، وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً".
وأما اليوم فكم نسمع في أيام رمضان بعض الصائمين تخرج من أفواههم ألوان من السباب والشتائم واللعنات؛ فأين الأدب مع الصيام، واستشعار تعظيم هذه الأيام!
عباد الله: لا يستبعد المرء منا الوصول إلى تلك الأحوال لأولئك الصالحين السالفين، فكم في عصرنا من عباد متقين، وزهاد ورعين، يعيشون تحت جنح الخفاء لا يعلمهم إلا رب السماء؛ فمن قوي إيمانه وعلت همته قاربهم، ومن انشغل بأمور دنياه فليجعل له وقتًا يحرص فيه على كثرة التلاوة والصدقات، والقيام في الليل بما استطاع من الركعات، وحفظ لسانه عن جميع الموبقات، وبهذا يُدرِج نفسه في سلك الصالحين، ويتشبه بأولئك المسابقين.
فَتَشَبَّهوا إِن لَم تَكونوا مِثلَهُم *** إِنَّ التَشَبُّهَ بِالكِرامِ فلاحُ.
نسأل الله أن يعيننا على الاجتهاد في طاعته، وأن يجعلنا من المسابقين إلى مرضاته.
وصلوا وسلموا على خير الورى...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم