هكذا أحب الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

عادل العضيب

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ الحب الذي بيعت لأجله الأنفس 2/مواقف من حب أبي بكر لرسول الله 3/من صور المحبة في غزوة أحد وبدر 4/محبة نساء الصحابة لرسول الله   5/حقيقة محبتنا لرسول الله 6/نداء لشباب الإسلام.

اقتباس

ومن صادق الحب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما جادت به السمراء بنت قيس -رضي الله عنها- في موقف ما سمع الدهر بمثله، فقد أخبروها بعد غزوة أحد أن زوجها قتل، وأباها قتل، وأخاها قتل, فقالت -رضي الله عنها-: "ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟". فرحم الله ذاك الجسد وأسكنها الفردوس الأعلى، ما فكرت بزوجها ولا بأبيها ولا بأخيها وإنما برسول الله...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا  يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله، أيها المسلمون: كم تناقل الناس وأخبر المحبين، وقصص العاشقين، يذكرون ما جادت به قرائحهم من أشعار وكتابات، وما قاموا به من تضحيات تبين عن حب دفين، وعشق وحنين, يذكرون كيف هام قيس بليلى العامرية، وكيف عشق توبة الأخيلية، وكيف استقر حب عبلة في قلب عنتر؛ حتى قال:

 

ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني *** وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السـيوف ، لأنها *** لمعت كبارق ثغرك المتبسم

 

يذكرون غريب أخبارهم، وأعاجب تضحياتهم، لكن حب جاد به المحبون لم ترَ عين الدهر مثله، ولم تسمع أذن الزمان عن شبيه له, إنه الحب الذي شهدت عليه الدموع والدماء، إنه الحب الذي بيعت لأجله الأنفس رخيصة، إنه الحب الذي قاد لمعاداة الدنيا لأجل هذا الحبيب؛ إنه الحب الذي لم ولن يتكرر أبدا، إنه حب الصحابة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

يتقدمهم أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- والذي جاوز الخلائق أجمعين في محبته لرسول رب العالمين- عليه الصلاة والسلام-, فإنه لما أذن الله لرسوله -عليه الصلاة والسلام- بالهجرة جاء إلى أبي بكر، فقال: "إن الله قد أذن لي بالخروج والهجرة"، فقال أبو بكر: "الصحبة يا رسول الله"، قال: "الصحبة". قالت عائشة- رضي الله عنها-: "والله ما شعرت أن أحدا يبكي من الفرح؛ حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ بكى فرحا بصحبته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من عظيم حبه لرسول الله -عليه الصلاة والسلام-. (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ) [التوبة:40].

 

هذا في البدايات وفي النهاية لما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أبو بكر في مزرعة له خارج المدينة، فلما دخل المدينة وجدها قد أظلمت، وما بقي إلا أن تخرج الأرض دموعها، فقيل له: "مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، فشق الناس بسكينة وتقدم إلى حبيبه وهو مسجى بحجرة عائشة، فكشف عن أشرف وجه، وأجمل وجه، وأعظم وجه، وقبله تقبيل المحب لحبيبه ثم قال: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، طبت حيا وميتا، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها, ولكن -والله- لا تموت بعدها أبدا".

 

أما عمر فقد طاش عقله، ولم يصدق أن حبيبه مات، وكيف يعيش بعده، وهل للحياة طعم دونه؟ فما كان منه إلا أن سل سيف الحب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "من قال إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد مات ضربت عنقه بسيفي هذا، إنما ذهب ليكلم ربه كما كلمه موسى وسيعود؛ حتى قرأ الصديق -رضي الله عنه- قول الله: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:144] . فأيقن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مات، عندها رمى السيف وخر على وجهه يبكي عند منبر حبيبه -عليه الصلاة والسلام-.

 

وفي غزوة أحد بعد أن خالف الرماة أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وانقلبت الكفة لصالح قريش وشيع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ت قد قتل، فمر أنس بن النضر برجال قد ألقوا سلاحهم، فقال: "ما تنتظرون؟" قالوا: "قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، فقال: "ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

 

ولما تبين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقتل استعرت نار المعركة، وتأجج لهيبها وظهرت نوادر الحب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد قام الصحابة ببطولات نادرة، وتضحيات رائعة لم يعرف لها التاريخ نظيرا، فقد ترس الصحابة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم، وهانت عليهم نفوسهم أمام نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصاروا يستقبلون السهام والرماح بأجسادهم؛ ليحموا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مسجلين أروع قصص الحب والتحضيات في تاريخ البشرية.

 

وأما سعد بن الربيع فلم ينس حبيبه -صلى الله عليه وسلم-، وهو يودع الحياة، فقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد المعركة زيد بن ثابت يطلب سعد بن الربيع، وقال له: "إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كيف تجده؟" قال زيد: فجعلت أطوف بين القتلى، فأتيته وهو بآخر رمق، فقلت: "يا سعد إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ عليك السلام، ويقول لك: كيف تجده؟" فقال: "وعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السلام، قل له: يا رسول الله أجده ريح الجنة، وقل له: جزاك الله خير ما جزى نبيا عن أمته، وبلغ قومي السلام، وقل لهم: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفيكم عين تطرف".

 

وأما سواد بن غزية فمن عظم حبه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يكون آخر العهد برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يفارق الدنيا, ففي غزوة بدر كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعدل الصفوف، فمر بسواد بن غزية وهو متقدم على الصف فطعنه -ضربه- في بطنه وقال: "استو يا سواد"، فقال سواد: "يا رسول، أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني من نفسك"، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "استقد"، فقال: "يا رسول الله، عليك لباس وبطني مكشوف"، فكشف له -عليه الصلاة والسلام- عن بطنه، فاعتنقه يقبل بطنه، فقال: "ما حملك على هذا يا سواد؟" قال: "يا رسول الله، حضر ما ترى، فرأيت أن يكون آخر عهدي بك أن يمس جلدي جلدك". فدعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخير.

 

ومن صادق الحب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما جادت به السمراء بنت قيس -رضي الله عنها- في موقف ما سمع الدهر بمثله، فقد أخبروها بعد غزوة أحد أن زوجها قتل، وأباها قتل، وأخاها قتل, فقالت – رضي الله عنها-: "ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟". فرحم الله ذاك الجسد وأسكنها الفردوس الأعلى، ما فكرت بزوجها ولا بأبيها ولا بأخيها وإنما برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟" قالوا: "خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين"، قالت: "أرونيه؛ حتى  أنظر إليه"، فلما رأته قالت كلمتها العظيمة: "كل مصيبة بعدك جلل- أي صغيرة-".

 

ومن أعجب ما جاد به الصحابة من حب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رجلا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسول الله، إنك لأحب إلي من نفسي ومن أهلي ومن ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك؛ فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك"، فلم يرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا؛ حتى نزل جبريل بهذه الآية: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء:69].

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، وتاب علي وعليكم إنه تواب رحيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على من بعثه ربه هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صل الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد:

 

فيا معاشر المسلمين: لقد أحب الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- رسول الله حبا عظيما شهد الواقع به، فما كان حبهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلاما يروى, بل كان واقعا شهدت بصدقه أفعالهم -رضي الله عنهم-.

 

وإن حبنا الصادق لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بكتابة المقالات ولا رواية الروايات ولا بتناشد الأشعار، ليس بالتمسح بقبره، ولا بالاحتفال بمولده، ليس بوضع اسمه صورة للعام، ولا على خلفية الجوال، ولا بوضع الملصقات التي تحمل اسمه على السيارات وغيرها.

 

إن حبنا الصادق لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- باتباع سنته وطريقته، بالعمل بسنته والحرص عليها ونشرها بين الناس, بتعليم الناس السنة وتربية الأولاد عليها بتعظيم السنة؛ حتى إذا قيل لأحدنا: "هذا سنة؟" لم يجاوزها.

 

إن أعظم نصر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرى الأعداء الجيل يطبقون السنة ويحرصون عليها، إن أعداء الإسلام سيموتون بغيظهم إذا رأوا المسلمين يعودون لدينهم، ويتبعون هدي رسولهم الكريم -عليه الصلاة والسلام-.

 

فيا شباب الإسلام: اقطعوا الطريق على أعداء الإسلام، أفسدوا خططهم، ودمروا مشاريعهم، ضمدوا الجراح عودوا للمساجد، عيشوا مع القرآن، عظموا السنة، واقتدوا بالرسول العظيم -عليه الصلاة والسلام-.

 

عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله. اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصاحبة أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك المجاهدين، واجمع كلمة المسلمين على الهدى والحق يا رب العالمين.

 

اللهم كن للمستضعفين من المسلمين، اللهم كن لهم ناصرا ومعينا ومؤيدا وظهيرا، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه  وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.

 

اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى واجمع لنا بين الدين والدنيا والأخرى، اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك وأنت راض عنا غير غضبان.

 

اللهم أصلح فساد قلوبنا واجعلنا هداة مهتدين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم أحسن إليهم كما أحسنوا إلينا.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحانك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعي

 

 

 

المرفقات

أحب الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات