هذه سبيلي أدعو إلى الله

راكان المغربي

2024-01-19 - 1445/07/07 2024-02-06 - 1445/07/25
عناصر الخطبة
1/عن طريق الدعوة انتشر الإسلام 2/الدعوة وظيفة الأنبياء والرسل 3/من فضائل الدعوة إلى الله 4/الدعوة ليست واجب العلماء والدعاة فقط 4/مشاريع ومقترحات لمجالات دعوية 5/كيف نكون دعاة إلى الله؟

اقتباس

من المشاريعِ الدعويةِ العظيمةِ: المساهمةُ الفعّالةُ في الدعوة باستخدامِ وسائلِ التقنيةِ الحديثةِ التي هي لغةُ العصرِ، من التصويرِ والتصميمِ والمونتاجِ والبرمجةِ والذكاءِ الاصطناعيِّ وغيرِ ذلك، فكم تحتاجُ الدعوةُ إلى خبراءَ هذه المجالات لتواكبَ العصرَ الحديث...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

أما بعد:

 

أخي المسلم: هل تفكرتَ يوما فسألتَ نفسك: كيف وصلَنا الإسلامُ بكلِّ ما فيه من الأصولِ والفروعِ، والأقوالِ والأعمالِ، وجليلِ المسائل ودقيقِها؟!  كيف وصلنا ذلك كلُّه غضاً طرياً كما أُنزل، وبيننا وبين بَدْءِ الإسلامِ تلك القرونُ الغابرة؟!.

 

نعم، لقد انقطعت النبوةُ قبل أربعةَ عشرَ قرناً من الزمان، ولكنّ ميراثَها ظل محمولا على أكتافِ الأبطال، منتظما في سلاسلِ الأجيال، أبطالٌ حملوا هذا الدين، فتعاهدوا على حفظِه، وتعاضدوا على نقلِه، وجاهدوا في الدعوةِ إليه، فأثمرت جهودُهم استمرارَ المسيرة، وترابطَ السلسلة، وانتشارَ دعوةِ الإسلام، ممتدةً على مرِّ الأجيال، متغلغلةً في كلِّ أنحاءِ البلدان، واليوم يأتي الدورُ علينا في السلسلةِ؛ لنستلم َالأمانةَ، ونحمِلَ التبعةَ، فننقلَ الميراثَ لمن بعدنا، كما استلمناه ممن كان قبلَنا.

 

عباد الله: إن الدعوةَ إلى الله هي سمةُ المسلمين، وسبيلُ أتباعِ سيدِ المرسلين، قال الله -سبحانه- ملقناً نبيَّه -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)[يوسف: 108]، فسبيلُ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم- وسبيلُ أتباعِه هو الدعوةُ إلى الله، سبيلٌ يسلكونه ولا يفارقونه، فيَصبِغُون به حياتَهم، ويعمُرُون به أوقاتَهم وأيامَهم.

أعظمُ وظيفةٍ تتشرفُ بالانتسابِ إليها هي وظيفةُ الدعوةِ إلى الله؛ إذ هي وظيفةُ الأنبياءِ والمرسلين، فهم أكثرُ الناسِ أجرا، وأسرعُهم ترقيةً، وأعلاهم منصباً، عند ربِّ الناسِ لا عندَ الناس.

 

الدعاةُ عاملون لله، مهمتُهم هي نشرُ دينِه، وإعلاءُ كلمتِه، فلا يستلمون أجرَهم من مؤسسةٍ حكوميةٍ ولا من شركةٍ تجاريةٍ، وإنما من ملكِ الملوكِ وممن بيده خزائنُ الدنيا والآخرة، فما ظنُّك بعظيمِ الأجر، وحجمِ المكافأة؟ ولذا كانت كلمةُ الأنبياءِ الموحدةُ لأقوامِهم: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الشعراء: 109].

 

وكيف لا يكون الدعاةُ أكثرُ الناسِ أجرا وهم يحملون أجورَهم، وأجورَ من تبعهم في دعوتِهم إلى الخير، في حياتِهم وبعد مماتِهم؟! كم من كافرٍ دخل في دين اللهِ بدعوتِهم، وكم من منغمسٍ في المعاصي، سلك طريقَ الطاعةِ بوعظِهم!، فكل ما يعملون بعد ذلك فهو في ميزانِ من دعوهم إلى ذلك الهدى.

 

الدعاةُ في أجورِ الأعمالِ تجد لديهم العجبَ العجاب، فقد يصلون أكثرَ من خمسِ صلواتٍ مفروضةٍ في اليومِ الواحد، وقد يصومون أياًما عديدةً في يومٍ واحد، وقد يحجّون في السنةِ مراتٍ كثيرةٍ. وكيف يكون ذلك؟! يكون بقدرِ من يدلونهم إلى تلكم الطاعات؛ فيشاركونهم في الأجرِ كاملاً موفرا غيرَ منقوص، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن دَعا إلى هُدًى، كانَ له مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن أُجُورِهِمْ شيئًا".

 

إن كنوزَ الدنيا كلَّها لا تعدل أجرَ الدعاة ولا قريباً منه، حين أعطى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الرايةَ لعليِّ بنِ أبي طالبٍ -رضي الله عنه- لفتحِ خيبرَ -التي كانت موطنَ دسائسِ اليهودِ ومؤامراتِهم على الإسلام- قال له: "انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بساحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَواللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ"، وحُمْرُ النَّعَمِ هي من الإبلِ المحمودةِ التي كانت من أنفسِ أموالِ العرب، فهدايةُ رجلٍ واحدٍ أفضلُ من أنفسِ الأموال وأثمنِها.

 

عباد الله: من الناس من يتكلمُ لرفعِ جاهه، ومنهم يتكلم ليُسَوِّقَ تجارتَه، وأما الداعي إلى الله فكلامُه إعلاءٌ لكلمةِ الله، وبضاعتُه هي دينُ الله، عليها ينادي، وعنها ينافح، ولها يُسَوِّق، وبها يربح، فلا قولَ أحسنُ من قوله؛ (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[فصلت: 33].

 

الدعوةُ تعني أن تكونَ غايةُ همِّك محبةُ الهدايةِ للناس، ودلالتُهم على طريقِ السعادةِ في الدارين، وانتشالهُم من جحيم ِالكفرِ والعصيان، فالداعي هو أنفعُ الناسِ للناس؛ لأنه ينفعُهم بالدين الذي هو أعظمُ نفعٍ تُنالُ به سعادةُ الدنيا ونعيمُ الآخرة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ".

 

الدعاة هم مفاتيحُ الخير، مغاليقُ الشر، قال عنهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ منَ النَّاسِ مفاتيحَ للخيرِ، مغاليقَ للشَّرِّ، وإنَّ منَ النَّاسِ مفاتيحَ للشَّرِّ مغاليقَ للخيرِ، فَطوبى لمن جعلَ اللَّهُ مفاتيحَ الخيرِ على يدَيهِ، وويلٌ لمن جَعلَ اللَّهُ مفاتيحَ الشَّرِّ على يديهِ".

 

حين تنتشر الدعوةُ إلى الله في المجتمع، فهذا يعني تعظيمَ مساحةِ الخير، وتضييقَ مساحةِ الشر، وفي ذلك أعظمُ أمانٍ للمجتمعِ من فتنِ الدين، ومهلكاتِ الدنيا؛ (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[هود: 117].

 

الدعوة إلى الله سعادةُ الفرد، وصلاحُ المجتمع، ورفعةُ الأمّةِ بأسرها.

 

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

عباد الله: يقول النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "بلِّغوا عنِّي ولو آيةً"، بعضُ الناسِ يظنُّ أن الدعوةَ مهمةٌ قاصرةٌ على العلماءِ والمشايخ، وهذا مفهومٌ خاطئٌ، فالدعوة إلى اللهِ هي مهمةُ كل مسلم، كما قال -سبحانه-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)[يوسف: 108]، فكلُّ من اتبع رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فينبغي أن يكون سبيلُه الدعوةَ إلى الله.

 

إن الدعوةَ إلى الله ليست محصورةً في مقاماتِ التصدّرِ من إلقاءِ الخطبِ أو تدريسِ العلم أو غيرِ ذلك مما يحتاجُ التأهيلَ العلميَّ المناسب، بل إنّ هناك الكثيرَ من المجالاتِ الدعويةِ التي يستطيع أن يعملَ بها كلُّ مسلم، فكم من عامةِ المسلمين من انتفعَ بدعوتِه الجموعُ والألوفُ المؤلفة!.

 

لقد دخل الإسلامِ في إندونيسيا التي يوجد فيها أكبرُ عددٍ من المسلمين في العالم عن طريق تجارِ حضرموت الذين لم يُعرفْ عنهم كبيرُ علم، ودعاةُ الجنِّ الذين حكى الله لنا خبرَهم، ما إن سمعوا ببعضِ آياتِ القرآن حتى انطلقوا دعاةً إلى قومهم؛ (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)[الأحقاف: 29].

 

هناك مشاريعٌ دعويةٌ كثيرةٌ يمكن أن يعملَها كلُّ مسلم، فمن المشاريعِ الدعويةِ العظيمةِ: تعليمُك أصولَ الإسلامِ لابنِك وابنتِك، ومدارستُك العلمَ مع زوجِك، وتشغيلُك لمقطعٍ دعويٍّ في السيارةِ وأنت معهم، كلُّ ذلك دعوة.

 

من المشاريعِ الدعويةِ: تعليمُك تلاوةَ سورةِ الفاتحةِ لخدمِك، وإهداؤُهم كتبَ العلمِ المترجمةِ، ودعوتُك للعمالةِ غيرِ المسلمين عن طريق البطاقاتِ والكتبِ الدعوية.

 

من المشاريعِ الدعويةِ: أن تنشرَ تلاوةً مؤثرةً، أو ترسلَ حديثاً نبوياً، أو تشاركَ مقطعاً نافعاً في وسائلِ التواصلِ الاجتماعي.

 

من المشاريعِ الدعويةِ: أن تساهمَ بمالِك في الدعوة، عن طريقِ التبرعِ للجمعياتِ الدعويةِ الرسمية، فتكونَ سبباً في إقامةِ حلقاتِ القرآن وبرامجِ العلمِ، وكفالةِ الدعاِة، وتوزيع المصاحفِ، وغيرِ ذلك.

 

من المشاريعِ الدعويةِ العظيمةِ: المساهمةُ الفعّالةُ في الدعوة باستخدامِ وسائلِ التقنيةِ الحديثةِ التي هي لغةُ العصرِ، من التصويرِ والتصميمِ والمونتاجِ والبرمجةِ والذكاءِ الاصطناعيِّ وغيرِ ذلك، فكم تحتاجُ الدعوةُ إلى خبراءَ هذه المجالات لتواكبَ العصرَ الحديث، فتصلَ إلى أكبرِ عددٍ من الناس.

 

المشاريعُ الدعويةُ كثيرةٌ، والمرءُ يحتاجُ إلى أن يصدقَ مع الله، ويبحثَ عن المشروعِ الدعويِّ المناسبِ له، فيعملُ له ويستمرُّ عليه.

 

إن الدعوةَ لا تحتاجُ إلى شهاداتٍ معينةٍ ولا مؤهلاتٍ محددةٍ، عليك فقط أن تطبقَ شرطي الدعوة، بأن تكون: إلى الله، وعلى بصيرة.

 

تدعو إلى الله، فلا تدعو إلى غيرِه، لا تدعو إلى رفعِ اسمك، أو صرفِ وجوهِ الناسِ إليك وثنائِهم عليك أو غير ذلك، وإنما تكونُ الدعوةُ خالصةً للهِ لا يُهِمُّك فيها إلا أن يعبدَ الناسُ ربَّهم.

 

وأن تكونَ الدعوةُ على بصيرةٍ وعلمٍ صحيحٍ، فلا تدعو بآراءٍ شاذة، ولا أهواءٍ مبتدعة، وإنما تكون الدعوةُ بحقائقِ الكتابِ والسنةِ وما عليه سلفُ الأمة.

 

معاشر المسلمين: لقد تعجبَ المؤرخُ الفرنسيُّ جوستاف لوبون من انتشارِ الإسلامِ في شتّى البلدان فقال: "والسهولةُ العجيبةُ التي ينتشر بها القرآنُ في العالمِ شاملةٌ للنظرِ تماما، فالمسلمُ أينما مرَّ ترك خلفَه دينَه".

 

نعم، هذه هي طبيعةُ الإسلام، وهذه هي سمةُ المسلمين، وصدق الله إذ قال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران: 110]، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "من سرّه أن يكونَ من تلك الأمة، فليؤدِّ شرطَ الله منها".

 

ما أجملَ أن نخرجَ من هذه الخطبة، وقد عزم كلٌّ منا على أن يبدأَ في مشروعِ دعوة، بلسانِه أو بقلمِه أو بمالِه أو بجوالِه أو بحاسوبِه، انوِ الخيرَ واسلك سبيلَ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأتباعِه؛ (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)[يوسف: 108].

 

اللهم وفقنا لنصرة دينك وإعلاء كلمتك، اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.

 

المرفقات

هذه سبيلي أدعو إلى الله.pdf

هذه سبيلي أدعو إلى الله.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات