هذا خلق الله

د عبدالعزيز التويجري

2025-02-14 - 1446/08/15 2025-02-24 - 1446/08/25
عناصر الخطبة
1/دلائل عظمة الله تعالى وقدرته 2/تبديل الأحوال وإرسال الأرزاق 3/وجوب شُكْر الله على خيره وجوده 4/آداب التنزه في البراري والمتنزهات 5/ علامات التربية على الدين 6/ الغيث والخير والعطاء يأتي بأمر الله 7/أعظم أركان الإسلام ومبانيه العظام.

اقتباس

ولما ساءت بتثبط الغيث الظّنون، وأمسكت السماء دَرّها؛ واكتست الأرضُ غبْرةً بعد خُضْرة، ولبست شحوبًا بعد نَضْرة؛ وكادت برودُ الرياضِ تُطوى، ومُدودُ نعمِ اللهِ تُزوى؛ نشرَ اللهُ -تعالى- رحمتَه، وبسطَ نعمتَه، وأتاحَ مِنّتَه، وأزاحَ محنتَه؛ فبعث الرياح لواقح، وأرسل الغمام سوافح بماءٍ عظيم....

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمد لله على فضله وإنعامه، وله الشكر على جزيل كرمه وامتنانه، يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، إنه بعباده خبير بصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله الذي ما مِن نعمة إلا منه -سبحانه-؛ (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)[النحل: 18].

 

الكون كتاب مسطور، ينطق تسبيحاً وتوحيداً، وذراته تهتف تهليلاً وتمجيداً؛ (هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ)[لقمان: 11].

 

لله -تعالى- في خلقه أسرار، لا تُدركها الأفكار، وأحكامُ لا تنالها الأوهام.

لله في الآفاق آيات لعل أقلّها  *** هو ما إليه هداكا

ولعل ما في النفس من آياته ***  عجب عجاب لو ترى عيناكا

والكون مشحون بأسرار إذا ***  حاولْت تفسيراً لها أعياكا

وإذا ترى الجبل الأشَمَّ مناطحا ***  قِمَمَ السَّحاب فسَلْه من أرساكا

وإذا ترى صخراً تفجر بالمياه فسله *** من بالماء شقَّ صَفَاكا

وإذا رأيت النهر بالعذب الزُّلال ***  جرى  فسَلْه من الذي أجراكا

وإذا رأيت الليل يغشى داجياً *** فاسأله من يا ليل حاك دُجاكا

وإذا رأيت الصُّبح يُسفر ضاحيا ***  فاسأله مَن يا صبح صاغ ضُحَاكا

ستجيب ما في الكون من آياته ***  عجب عجاب لو ترى عيناكا

ربي لك الحمد العظيم لذاتك ***   حمداً وليس لواحد إلاَّكا

 

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[البقرة: 164].

 

ألم تر هذا الكون في صنعه عبرٌ *** وفي كل شيء وفي طلعته خبر

  كأن الثريا عُلقت بجبينه *** وفي جيده الشعرى وفي وجهه القمر

 

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ)[النور: 43].

 

ولما ساءت بتثبط الغيث الظّنون، وأمسكت السماء دَرّها؛ واكتست الأرضُ غبْرةً بعد خُضْرة، ولبست شحوبًا بعد نَضْرة؛ وكادت برودُ الرياضِ تُطوى، ومُدودُ نعمِ اللهِ تُزوى؛ نشرَ اللهُ -تعالى- رحمتَه، وبسطَ نعمتَه، وأتاحَ مِنّتَه، وأزاحَ محنتَه؛ فبعث الرياح لواقح، وأرسل الغمام سوافح، بماءٍ عظيم؛ (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشوري: 28].

 

يرسل الله -تعالى- الرياح بشرًا بين يدي رحمته، فيسوق بها السحاب، ويجعلها لقاحًا للثمرات وروحًا للعباد (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ)[الأعراف: 57].

 

فالحمد لله على ذلك ما انسكب قطر، وانصدع فجر؛ فربُّنا كريمٌ معطاء، عظيمٌ مفضال، يجودٌ بالعطاءِ قبل السؤال، ويمن بالخيرِ على الإنسِ والجان؛ (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)[الرحمن: 29].

 

ولا تنزل قطرةٌ من السماء إلا بإذنه، ولا يتحرك سحاب إلا بأمره، ولا تهبُّ رياحٌ إلا بعلمه؛ (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعام: 59].

 

ومن شُكْر الله على خيره وجوده: كثرة ذِكْره وحَمْده، والاعتراف بجميل فَضْله وإنعامه، فهو المحمود بكل حال، المعبود في الحال والمآل.

 

 فسبحانَ مَن تعنو الوجوه لوجهِهِ  *** ومن كلِّ ذي عزٍّ له يتذللُ

 تكفَّلَ فضلاً لا وجوبًا برزقهِ  ***  على الخلقِ فهو الرازقُ المتكفلُ

 

ونِعَم الله تُحفَظ وتُصَان، وأرضه يُمْشَى في مناكبها ويُستمتع بخيراتها من غير مضايقةٍ لمحارم الناس، أو إسماعهم ما يكرهون؛ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب: 58]؛ قال قتادة: "فإياكم وأذى المؤمن، فإن الله يحوطه، ويغضب له".

 

والتنزه في البراري والمتنزهات لا يعني الانفلات عن شرع الله بنزع الحجاب وانعدام الحياء؛ (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)[البقرة: 229].

 

التربية على الدين والمحافظة على شريعة رب العالمين يظهر أثرها حين تسمع فئاماً من رجالنا يدوي صوت الأذان، ويتردد فوق كثبان الرمال، أو على حافة الأودية والشعاب؛ "لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلا شهد له يوم القيامة".

 

وكم يُبْهِج الخاطر مَنْظرُ العفيفات من المؤمنات، ممن لم يكسر التنزه حيائهن، ولم ينزع الانبساط والترويح حجابهن.

 

يظهر أثر التربية عندما ينزل الإنسان منزلاً فيرفع صوته بهذا الذكر؛ "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ"؛ فتسمعه أسرته فتقتدي به، ونتيجته "لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ"(أخرجه الإمام مسلم).

 

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الأحزاب: 41- 42].

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربنا لغفور شكور.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على الفضل والعطاء، وله الشكر ملء الأرض والسماء. وصلى الله وسلَّم على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: هذا الغيثُ والخيرُ والعطاءُ يأتي بأمر الله -عز وجل-، ولا يعلمُ وقت نزولِه ومكانِه إلا اللهُ -جل جلاله-، في الصحيحين قال -عليه الصلاة والسلام-: "خمسُ لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[لقمان: 34]".

 

وميكائيلُ مَلَكُ عظيمُ مُوكَّلُ بنزولِ المطرِ، يسوقُ السحابَ حيثُ أمرهُ اللهُ. كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد.

 

فاتقوا ربكم الذي أطعمكم من جوع، وآمنكم من خوف، واحفظوا حدود الله وارعوا أوامره ونواهيه، واعلموا أن الصلاة من أعظم أركان الإسلام ومبانيه العظام، مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يكُنْ لَهُ نُورٌ وَلاَ بُرْهَانٌ، وَكَانَ مَعَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)[البقرة: 172].

اللهم زدنا مِن خيرك وبِرّك وإحسانك، واجعلنا لنعمك شاكرين، ولأوامرك ونواهيك ممتثلين.

 

 اللهم آمنا في دورنا، وأصلح ولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.

اللهم انصر المرابطين على حدود بلادنا.

 

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المرفقات

هذا خلق الله.doc

هذا خلق الله.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات