وسط صمت دولي مريع وعدم مبالاة من المسلمين وحكوماتهم، وغياب من منظمات حقوق الإنسان العالمية، وسكوت مخجل لوسائل الإعلام العربية والإسلامية، بل والدولية أيضًا، صعّد هتلر ميانمار (بورما سابقـًا) الجنرال السابق الذي تولى منصب الرئيس فى مارس من العام الماضي (ثين سين) من لهجته، تجاه أقلية الروهينجيا المسلمة في البلاد، داعيًا إلى تجميع أعضاء هذه الأقلية الذين لا تعترف بهم الدولة في معسكرات لاجئين، أو طردهم من البلاد، وقال (سين) خلال لقاء مع المفوض الأعلى للأمم المتحدة للاجئين (أنتونيو جيتيريس) إنه: "ليس ممكنًا قبول الروهينجيا الذين دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية، وهم ليسوا من أثنيتنا".
واعتبر رئيس ميانمار في تصريحات له يوم الخميس الماضي أن الحل الوحيد في هذا المجال: هو إرسال الروهينيجيا إلى المفوضية العليا للاجئين لوضعهم في معسكرات تحت مسئوليتها، ويأتي هذا التصريح بعد أن دعا (سين) الشهر الماضي إلى الهدوء إثر أعمال عنف بين مسلمين وبوذييين، بعد حادثة ادعى مجموعة من البوذيين فيها أن مسلمًاً اغتصب فتاة بوذية، فرد البوذيون، بحملة شرسة شجعها النظام العسكري الحاكم، وجماعة (ماغ) البوذية المتطرفة على المسلمين، خلفت وراءها حتى الآن ما يزيد على الألف قتيل، وخمسة الآف جريح وقرابة 3000 مخطوف، وتم تدمير وإحراق 20 قرية و200 منزل، و300 ألف لاجئ، هربوا إلى بنجلاديش، وحسب ما ذكرت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، فإن قوات الأمن نفذت اعتقالات جماعية بحق المسلمين، ودمرت آلاف المنازل، وحاول النازحون الهرب عبر نهر ناف، إلى بنجلاديش المجاورة، وتوفي البعض أثناء العبور.
وحتى وسائل الإعلام الحكومية في ميانمار -لا توجد فيها وسائل إعلام مستقلة- تشير إلى الاحتجاجات الأولى للروهنجا بالإرهابية والخيانة، وفي منتصف يونيو الماضي، وباسم وقف العنف أعلنت الحكومة حالة الطوارئ، لكنها استخدمت قوات أمن حدودها لحرق منازل المسلمين وقتل الرجال وإجلاء الروهنجا من قُراهم. ويمثل المسلمون في ميانمار -وغيّرت السلطة العسكرية اسم ميانمار في العام 1989، وتم اعتماده رسميًاً منذ ذلك التاريخ- يمثلون أكثر من 20% من تعداد السكان، وفقـًا لتقرير حرية الاعتقاد الدولي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية سنة 2006، في حين تشير الإحصاءات الحكومية لميانمار أن المسلمين يمثلون 4% فقط من السكان، وتعتبرهم الأمم المتحدة إحدى أكثر الأقليات تعرضًا للاضطهاد في العالم، كما أن النظام في(ميانمار) لا يعترف بالروهينجيا، وأن كثيرًا من سكان البلاد ينظرون إلى المسلمين على أنهم مهاجرون بنغاليون غير شرعيين، وبحسب تقرير للمفوضية العليا للاجئين، فإن الروهينجيا يتعرضون في ميانمار لكل أنواع الاضطهاد، ومنها العمل القسري والابتزاز، والقيود على حرية التحرك، وانعدام الحق في الإقامة، وقواعد الزواج الجائرة ومصادرة الأراضي، وقد هاجرت نسبة كبيرة من السكان إلى دول الخليج، فيما هجرت أعداد كبيرة منهم قسرًا، إلى كل من بنجلاديش وباكستان، بسبب رفضهم سياسة الإبادة الممنهجة، التي تتبعها الحكومة البورمية.
ويستغل رئيس ميانمار إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه سيسمح الآن للشركات الأمريكية بالدخول في تعاملات تجارية مع ميانمار وكأنه يكافئ نظامها العسكري، على إراقة دماء الأقلية المسلمة، رغم أنه كان يفرض عليه عقوبات اقتصادية، بعد انقلاب سيطر على إثره العسكر على الحكم في البلاد، ولا يتحدث المسؤولون في واشنطن عن انتهاكات لحقوق الإنسان أو الحرية الدينية أو حقوق الأقليات في (بورما)، بل على العكس بدأت الولايات المتحدة في تخفيف العقوبات المفروضة على النظام العسكري المتطرف ضد المسلمين، وأعطيت الشركات الأمريكية الضوء الأخضر للاستثمار في مشروعات الشركة النفطية، بل وقعت شركة جنرال الكتريك عقودًا هناك، كما وصل أول سفير أمريكي إلى ميانمار منذ 22 عامًاً، والتقى بالرئيس البورمي (ثين سين).
غير أن صحيفة (نيويورك تايمز) نشرت تقريرًا لمراسلتها من (بنجلاديش) عن أوضاع مسلمي (الروهنجا) في (ميانمار) وما يتعرضون له من قتل وتشريد يرقى إلى (التطهير العرقي)، وأن أوضاع المسلمين هناك تدهورت بشكل كبير. وقالت الصحيفة إن الديمقراطية التي تفتحت في (ميانمار) الربيع الماضي أدهشت العالم، لكن وبعد ثلاثة أشهر من تولي الناشطة الديمقراطية (أونغ سان سو تشي) مقعدها في البرلمان وبعد شهر واحد من سفرها إلى أوسلو لتسلم جائزة نوبل للسلام لعام 1991 قرع جرس الإنذار في ميانمار، وقالت زعيمة المعارضة البورمية (أونغ سان سو تشي)، إن أعمال العنف التي وقعت بين البوذيين والمسلمين في بورما ما كانت لتحدث لو أن حكم القانون كان سائدًاً في البلاد. وأدلت (سوتشي) بهذا التصريح للبي بي سي بعد أن تسلمت جائزة نوبل التي حصلت عليها قبل واحد وعشرين عاماً خلال احتفال في أوسلو، لكنها صمتت طويلاً إزاء ما يتعرض له المسلمون في بلدها وهو ما حدا بإحسان الدين أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الطلب منها التدخل لوقف إبادة المسلمين في أراكان.
ففي قرى ولاية (أراكان) قرب الحدود مع بنجلاديش، بدأت في يونيو الماضي مذبحة ضد السكان المسلمين، الذين يُعرفون بالروهنجا، ووصفت صحيفة نيويورك تايمز، ذلك بالجانب القبيح في الانتقال نحو الديمقراطية في البلاد: "إنها وردة متعفنة حتى وهي تتفتح"، وتساءلت شاهدة عن صمت العالم إزاء هذه المأساة وعن التخفيف من العقوبات الغربية ضد ميانمار، وعن صمت (أونغ سان سو تشي) أثناء زيارتها إلى العواصم الغربية.
وأوضحت شاهدة أن القسوة ضد (الروهنجا) ليست جديدة، فقد واجهوا التعذيب والإهمال والقمع من قبل الأغلبية البوذية، منذ أن نالت بورما استقلالها عام 1948، وقد أغلق دستورها كل الأبواب أمام الروهنجا، ليصبحوا مواطنين بحجة أن أسلافهم لم يعيشوا هناك، عندما بدأت البلاد، تحكم بواسطة البريطانيين في القرن التاسع عشر، وهو ادعاء يرفضه الروهنجا وحتى اليوم، حيث بدأ الحكام العسكريون يخففون قبضتهم، لا توجد إشارة على تغيير الحال بالنسبة للروهنجا ليس هذا فحسب، بل بدأ البورميون يخرجونهم من البلاد.
ويعود تاريخ وجود المسلمين في بورما إلى أكثر من ألف عام، حسبما تشير المصادر، بل هم هنالك منذ القرن الأول الهجري، وتقول مصادر أنهم موجودون منذ عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، وتقول مصادر أن الإسلام وصل إلى بورما في القرن التاسع، قبل أناوراتا الإمبراطورية البورمية الأولى سنة 1055م في باغان، وتقول أحد الروايات: "أن الإسلام دخل إلى بورما عن طريق أراكان في القرن الأول الهجري، بواسطة تجار العرب وعلى رأسهم الصحابي الجليل وقاص بن مالك رضي الله عنه، ومجموعة من التابعين وأتباعهم، وقد وثّق الرحالة العرب والفرس والأوروبيون، والصينيون مستوطنات المسلمين الأولى، ونشرهم الإسلام في القرن التاسع"، فالبورميون المسلمون هم من سلالة شعوب مسلمة من التجار العرب وغيرهم والفرس والأتراك والمورو، ومسلمون هنود والبنغال والبشتون ومسلمون صينيون واالملايو، استقرت وتزاوجت مع المجموعات العرقية المحلية في بورما من الأراكنيون والشان والكارين والمون وغيرهم، وعددهم ما بين 5- 8 ملايين نسمة، بل تقول بعض المصادر أن: "عددهم أكبر من ذلك".
بورما (مينامار حاليًا) أكبر الدول في جنوب شرقي آسيا، من حيث المساحة، وتشارك في الحدود بنجلاديش والهند والصين ولاوس وتايلاند، ويقع إقليم أراكان المسلم -الذي يتعرض سكانه حاليا للإبادة التامة- في جنوب غرب بورما، يحده من الغرب خليج البنغال، ومن الشمال الغربي بنغلادش، وفي شرقه سلسلة جبال هملايا (جبال أراكان) التي جعلت أراكان منفصلة عن بورما البوذية تمامًا، وأعطتها شكل وحدة جغرافية مستقلة، والمسلمون البورميون شديدو الاعتزاز بهويتهم الإسلامية، بل فيهم عدد من خيرة حفظة القران الكريم في كافة دول الخليج وليس هناك شعب مسلم عذب وأضطهد وأهمل مثلهم. قد تتساءل أيها القارئ الكريم عما يحدث لمسلمي بورما فأقول لك: أن ما يتعرضون له فوق الوصف فالمسلمون في (أراكان) البورمية، يتعرضون للطرد الجماعي المتكرر خارج الوطن، مثلما حصل عقب الانقلاب العسكري الفاشي حيث طرد أكثر من 300.000 مسلم إلى بنغلاديش، وفي العام 1978م طرد أكثر من 500.000 أي نصف مليون مسلم، الآن يعيشون في أوضاع قاسية جدًا، مات منهم قرابة 40.000 من الشيوخ والنساء والأطفال حسب إحصائية وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وبالطبع حياتهم محاطة بالمشكلات مع البنغاليين الفقراء وسط موارد محدودة، وفقر بلا حدود، وكل هذا لا يعلم عنه المسلمون في العالم شيئًا، وإن علموا وقفوا مكتوفي الأيدي.
وفي العام 1988م تم طرد أكثر من 150.000 مسلم، بسبب بناء القرى النموذجية للبوذيين في محاولة للتغيير الديموغرافي، وأيضا في العام 1991م تم طرد قرابة 500.000 أي نصف مليون مسلم، ومن الإجراءات القاسية للنظام القائم كذلك إلغاء حقّ المواطنة للمسلمين؛ حيث تم استبدال بطاقتهم الرسمية القديمة، ببطاقات تفيد أنهم ليسوا مواطنين، ومن يرفض فمصيره الموت في المعتقلات وتحت التعذيب أو الهروب خارج البلاد، وهو المطلوب أصلاً. وكان أول اضطهاد لمسلمي بورما، في عهد الملك بايونوانغ 1550- 189م، وتعرض المسلمون بعدها للاضطهاد في القرنين الـ18 والـ19 وفي ثلاثينيات القرن الماضي وعلى يد قوات الاحتلال البريطاني وفي التسعينات وعام 2001 وحتى الآن.
وفي عام 1942م قام البوذيون بمساعدة السلطة الداخلية بتنفيذ حملة قتل ودمار شامل على المسلمين في جنوب أراكان، حيث استشهد حوالي مائة ألف مسلم، ومنذ أن حصلت بورما على استقلالها من بريطانيا عام 1948م شرعت في تنفيذ خطتها لبرمنة جميع الشعوب والأقليات التي تعيش في بورما، ومنذ أن استولى الجيش على مقاليد الحكم عام 1962م اشتدت المظالم على المسلمين بطريق أوسع من السابق، وفي عام 1982م ألغت جنسية المسلمين بدعوى أنهم متوطنون في بورما بعد عام 1824م -عام دخول الاستعمار البريطاني إلى بورما-، رغم أن الواقع والتاريخ يكذب ذلك. وخلال عامي 91-1992م شردت بورما حوالي ثلاثمائة ألف مسلم، إلى بنجلاديش مرة أخرى، وهكذا يستمر نزوح المسلمين إلى بنجلاديش ومنها إلى بلاد أخرى كل يوم، لأن الحكومة خلقت جو الهجرة، فالوضع الذي يعيشه مسلمو أراكان مأساوي جدًّا، فهم محرومون من أبسط الحقوق الإنسانية، وهناك مئات الآلاف من الأطفال تمشي في ثياب بالية، وجوه شاحبة، وأقدام حافية، ورؤوس حاسرة، وعيون حائرة، لما رأوا من مظالم واعتداءات البوذيين على أهاليهم، حيث صرخات الثكالى والأرامل، اللائي يبكين بدماء العفة، يُخطف رجالهن ويعلقون على جذوع الأشجار بالمسامير، حيث تقطع أنوفهم وآذانهم، ويفعل بهم الأفاعيل، وعشرات المساجد والمدارس تُدمر بأيدٍ نجسة مدنسة.
والنساء فى بورما هن أكثر الفئات اضطهادًا فهن مشاعات للجيش البورمي؛ حيث يتعرضن للاغتصاب في أبشع صوره، وهناك امرأة مسلمة ظل الجيش يغتصبها لمدة سبع سنوات وأنجبت ستة أطفال لا تعرف أبا لهم، بعد أن قتل الجيش زوجها؛ لأن شوال أرز سقط من على ظهره، وأخرى حامل ذهبت لمركز للطعام تابع للأمم المتحدة، فعاقبها الجيش باغتصابها حتى أسقطت حملها في مكان الجريمة.
أما التمييز العنصري فحدث عنه ولا حرج فلا يسمح للمسلمين بتكوين أحزاب سياسية، ولا جمعيات إسلامية ولا إغاثية، بل ولا حتى يسمح للهيئات الدولية العالمية الإسلامية بالعمل في أراكان وقد شاهدت بعيني برنامجًا عن الإبادة التى تتم هناك بحق المسلمين فى قناة الجزيرة مباشر، رأيت منظرًا لفتاة لا تتجاوز الثانية عشر من عمرها، فى ملابس رثة، دامعة العينين، بل باكية ومشوشة الفؤاد، على متن قارب خشبي متهالك، تغادر مرغمة بلادها الى المجهول، مع ثلة من الطفلات والنساء، مما يجسد معاناة تلك الشريحة الضعيفة، فى بورما وسط صمت أكثر من مليار مسلم، فإلى الله المشتكى. والقوانين البورمية بحق المسلمين قوانين أقل ما توصف به أنها جائرة وظالمة ومتعسفة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا زواج للمسلم قبل الثلاثين وللمسلمة قبل الخامسة والعشرين، وأحيانًا يمنع تزاوج المسلمين كليًا، لفترة من الوقت -تحديد نسل المسلمين فقط حتى لا يتكاثروا- وحين تكتمل شروط الزواج تبدأ عذابات الحصول على الإذن بالموافقة، والذي لا يُعطى دون رسوم باهظة، ورشاوى لضباط الجيش، وإذا حملت المرأة المسلمة فعليها أن تذهب لمركز الجيش التابع لمنطقتها شهريًا لتكشف عن بطنها، بحجة تصوير الجنين بالأشعة، ويتصرفون بهذا الأسلوب حتى لا تفكر الأسر المسلمة، بالحمل والإنجاب؛ لأنهم يعلمون حساسية المسلمين بالنسبة لقضية كشف العورة، ليس هذا فحسب، بل جاؤوا بمرضى الإيدز لاغتصاب المسلمات، لنشر هذا المرض بين المسلمين، للقضاء عليهم تمامًا، أما من نال قسطا من التعليم أو حباه الله بموهبة ما، أو صاحب رياضة معينة، فالويل له إن لم يستفد منه الجيش، فحينها يكون عقابه السجن حتى الموت. وحينما تمكنت امرأة مسلمة الوصول إلى تايلاند، بعد أن أحترق فيها ولها كل شيء، لم تجد ما تقوله لمنظمة العفو الدولية سوى الطلب منها، استنهاض الدول الإسلامية! فأين هي الدول الإسلامية التي تستصرخها تلك المرأة المنكوبة البائسة؟ بل أين هم المليار مسلم التي تنتمي إليهم؟ وسيدة بورمية أخرى نجت من الموت مع أطفالها بأعجوبة، عندما أحرق الجيش البورمي قريتها، وعند وصولها إلى بنغلاديش، لم تشغلها الأحداث الجسام التي واجهتها عن تعليم أحد أطفالها، مما حير صحفيًا أجنبيًا والذي سألها: "من أجل ماذا تعلميه؟" فأجابته قائلة: "أريد أن يكون عالمًا يخدم الإسلام!" أين نحن أمة الإسلام من تلك المرأة الجليلة عظيمة القدر؟
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم