نوافل العبادات مغفرة ورفعة

عبدالله بن عياش هاشم

2021-10-08 - 1443/03/02 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/أهمية المحافظة على الفرائض 2/دلالات الإكثار من النوافل 3/فضائل أداء نوافل العبادات 4/وجوب المحافظة على استقرار الوطن ووحدة الكلمة.

اقتباس

وَما يَزالُ العَبْدُ يَرْتَقِي في دَرَجَاتِ السُّمُوِّ والقُرْبِ مِنْ مَلِكِ المُلُوكِ بِالتَّزَوِّدِ مِنَ الطَّاعاتِ والنَوَافِلِ العِبادَاتِ ما يُبْلِغُهُ دَرَجَةَ أَنْ يُحِبَّهُ اللهُ،.. وإذَا أَحَبَّ اللهُ العَبْدَ حَفِظَهُ اللهُ في سَمْعِهِ فلا يَسْمَعُ إلَّا المُباحَ، وحَفِظَهُ في بَصَرِهِ فَلا يَنْظُرُ إلَّا إِلى مَا أَحَلَّ اللهُ، وحَفِظَهُ في يَدَيْهِ فَلَا يَمُدُّهُمَا إلى حَرامٍ، وحَفِظَهُ في قَدَمَيْهِ فلا يَمْشِي بِهِمَا إلى مَا يُغْضِبُ اللهَ، ثُمَّ يَكُونُ دُعَاؤُهُ مُجابًا،....

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صلى الله عليه وسلم-.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللهَ قَالَ: "‌وَمَا ‌تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ"(رواه البخاري)؛ فَأَحَبُّ الأَعْمالِ إِلَى اللهِ -تَعالَى- أَدَاءُ الفَرَائِضِ، وأَكْمَلُهَا أَعْلَاها دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ.

 

وَما يَزالُ العَبْدُ يَرْتَقِي في دَرَجَاتِ السُّمُوِّ والقُرْبِ مِنْ مَلِكِ المُلُوكِ بِالتَّزَوِّدِ مِنَ الطَّاعاتِ والنَوَافِلِ العِبادَاتِ ما يُبْلِغُهُ دَرَجَةَ أَنْ يُحِبَّهُ اللهُ، قال -تَعالَى-: "وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ"(رواه البخاري).

 

وإذَا أَحَبَّ اللهُ العَبْدَ حَفِظَهُ اللهُ في سَمْعِهِ فلا يَسْمَعُ إلَّا المُباحَ، وحَفِظَهُ في بَصَرِهِ فَلا يَنْظُرُ إلَّا إِلى مَا أَحَلَّ اللهُ، وحَفِظَهُ في يَدَيْهِ فَلَا يَمُدُّهُمَا إلى حَرامٍ، وحَفِظَهُ في قَدَمَيْهِ فلا يَمْشِي بِهِمَا إلى مَا يُغْضِبُ اللهَ، ثُمَّ يَكُونُ دُعَاؤُهُ مُجابًا، قَال -تَعالَى-: "فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ"(رواه البخاري).

 

عِبَادَ اللهِ: النَّقْصُ مِنَ العَبْدِ وَارِدٌ، والخَلَلُ مِنْهُ حَاصِلٌ، لَكِنَّ فَضْلَ اللهِ كَبِيرٌ، وَكَرَمُهُ عظيمٌ، وعَطَاؤُهُ جَزِيلٌ، لِذَا فَإِنَّ العَبْدَ إِذا قَدَّمَ لِنَفْسِهِ مِنْ نَوَافِلِ العَبَادَاتِ مَا وَفَّقَهُ اللهُ إِلَيْهِ، وَيَسَّرَهُ عَلَيْهِ، كَانَت تِلْكَ النَّوَافِلِ تَكْمِيلًا لِلْنَّقْصِ، وَتَرْقِيعًا لِلْخَلَلِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ ‌أوَّل ‌مَا ‌يُحاسَبُ ‌بِهِ ‌العَبْدُ ‌يَوْمَ ‌القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ؛ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وخَسِرَ، وإنِ انْتُقِصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ قالَ اللهُ -تَعالَى-: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ يُكمَّلُ بِهِ مَا انْتُقِصَ مِنَ الفَرِيضَةِ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِك".

 

مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ: بِالتَّزَوُّدُ بِنَوَافِلِ العِبَادَاتِ تُغْفَرُ الذُّنُوبُ، وتُكَفَّرُ السَّيِّئَاتِ قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ يُحْسِنُ وُضُوءَهُ وَيُصَلِّي الصَّلَاةَ، إِلَّا ‌غُفِرَ ‌لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا"(رواه البخاري).

 

وبالتَّزَوُّدُ بِنَوَافِلِ العِبَادَاتِ تُبْنَى للعَبْدِ بُيُوتٌ في الجَنَّاتِ، يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، أَوْ إِلَّا بُنِيَ ‌لَهُ ‌بَيْتٌ ‌فِي ‌الْجَنَّةِ"(رواه مسلم)، وفي رِوَايَةٍ قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَجْدَةً تَطَوُّعًا، بُنِيَ ‌لَهُ ‌بَيْتٌ ‌فِي ‌الْجَنَّةِ"(رواه مسلم).

 

بل إن بعض النوافل يتعاظم أجرها حتى لا يعلم قدرها إلا الله كصلاة ركعتين بعد أذان الفجر وقبل صلاتها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "رَكْعَتَا ‌الْفَجْرِ ‌خَيْرٌ ‌مِنَ ‌الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"(رواه مسلم).

 

وقَالَ -صلى الله عليه وسلم- فِي شَأْنِ الرَّكْعَتَيْنِ سنة الْفَجْرِ: "لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا"(رواه مسلم). وتقول عائشة -رضي الله عنها-: "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعهما حضراً ولا سفراً"، وهذا يدل على أهمية هاتين الركعتين، وعظيم أجرهما.

 

أَحِبَّتِي: إنَّ بَعْضَ نَوَافِلِ العِبَادَاتِ تَكُونُ سَبَبًا في البُعْدِ عَنِ النَّارِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ؛ إِلَّا بَاعَدَ اللهُ، بِذَلِكَ الْيَوْمِ ‌وَجْهَهُ ‌عَنِ ‌النَّارِ ‌سَبْعِينَ خَرِيفًا"(رواه مسلم).

 

فَاحْرِصْ يا عَبْدَ اللهَ عَلَى كُلِّ مَا يَرْفَعُ دَرَجَتَكَ عِنْدَ ربِّكَ، ويُدْنِيكَ مِنْه، ويكون سببًا في مغفرة ذنوبك، ودخولك الجنان، وبُعْدِكَ عن النار، ويُبَلِّغُكَ حُبَّهُ.

 

وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ ولسائر المسلمين من كل ذنب، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ قَالَ -تَعالَى-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[سورة النحل: 112]؛ فَنَحْمَدِ اللهَ -تَعالَى- بِأَنْ جَعَلَنَا فِي بَلَدٍ آمِنٍ مُطْمَئِنٍ، قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْنَا بِالخَيْرَاتِ والبَرَكَاتِ، فِي ظِلَالِ العَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ، وَتَحْكِيمِ الشَّرِيعَةِ، وَلْنَحْفَظْ هَذِهِ النِّعَمِ بِالشُّكْرِ والطَّاعَةِ، والتَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-.

 

والحَذَرُ كُلُّ الحَذَرِ مِنْ كُفْرَانِ النِّعَمِ بِالمَعَاصِي والذُّنُوبِ، فإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ زَوَالِ النِّعَمِ، وحُلولِ النِّقَمِ، نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ والعَافِيَةَ.

 

(لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)[سورة سبأ: 15-17].

 

اللهم إنَّا نسألكَ بفضلكَ وكرمكَ أن تحفظنا وتحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، وأن تدفع البلاءَ، وترفعَ الداء عن الأرض.

 

اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهَر منها وما بطَن، اللهم إنَّا نعوذ بكَ من جَهْد البلاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.

 

اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

 

اللهم إنا نسألك الجنةَ وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول أو عمل.

 

اللهم أَحْسِنْ عاقبتَنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وارحم موتانا، وكُنْ للمستضعَفين منا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم يا ذا الجلال والإكرام، وفِّق خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَّ عهدِه وأعوانهما ووزراءهما لِمَا تُحِبُّ وترضى، خُذ بِنواصيهم للبر والتقوى، واجعلهم اللهم سلمًا لأوليائك، حربًا على أعدائك، ووفِّقْهم لِمَا فيه خير للإسلام وصلاح المسلمين.

 

اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لِمَا تحبه وترضاه، اللهم وفقهم لتحكيم شرعك في رعاياهم، والعدل بينهم.

 

اللهم انصر جنودنا المرابطينَ على حدود بلادنا، اللهم انصرهم نصرًا مؤزَّرًا عاجلًا غير آجل، وردَّهم لأهليهم سالمين غانمين منصورين، برحمتك وفضلك وجودك يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، ولوالد والدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

المرفقات

نوافل العبادات مغفرة ورفعة.doc

نوافل العبادات مغفرة ورفعة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات