عناصر الخطبة
1/التحريم الشديد للظلم والبغي 2/ظلم الآخرين سبب لرفع المظلوم ووضع الظالم 3/المؤمن لا يتسخط من بلاء الله النازل عليه.اقتباس
وإنّ الله -تعالى- إذا أحبّ وليًّا ابتلاه وسلّط عليهم ظالِمًا؛ لتزداد حسنات الوليّ، وتعظم رفعته في الدنيا والآخرة، وليزداد الظالم في الانحطاط والسُّفول، ويعظم عذابه يوم القيامة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله العليم القدير الخالق، اللطيف الخبير الرَّازق، الذي يقذفُ بالحقِّ على الباطل فيدْمَغُه فإذا هو زاهق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ربّ المغارب والمشارق، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه المؤيَّد بالمعجزات الخوارق، صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة وتسليمًا باقيَين ما بقيت الخلائق.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أنّ الله -تعالى- قد حذرنا من الظلم والبغي، وأمرنا بالعدل حتى مع الأعداء؛ فقال سُبْحَانَهُ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ، وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار، وهو بغضٌ مأمور به، فإذا كان البغضُ الذي أمَر الله به قد نُهي صاحبه أن يظلم مَن أبغضه، فكيف في بغْض مسلمٍ بتأويلٍ وشبهةٍ أو بهوى نفس؟ فهو أحق أن لا يُظْلَم، بل يعْدَل عليه". ا.ه
وقال سُبْحَانَهُ: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا)؛ فإذا كنّا نُهينا عن الاعتداء بالقول أو الفعل على هؤلاء الكفار، الذين صدونا عن دخول المسجد الحرام والصلاة فيه، والطواف والسعي، فالنّهي عن الاعتداء على المسلم الموحد أولى وآكد.
ولو تأملتَ في عامّة العلماء الذين ظُلموا وبُغي عليهم من قِبل أعدائهم أو أقرانهم حسدًا وبغيًا، لرأيت أنّ الله رفعهم وأبقى ذكرهم ورَزَقهم القبول بين الأمة.
ولن تجد ظالِمًا باغيًا -ولو كان عالِمًا- رفعه الله، وأبقى ذكره ورَزقه القبول بين الأمة؛ فهذا الإمام مالك والشافعيُّ وأحمدُ بن حنبل، وهذا شيخُ الإسلام ابنُ تيمية وابنُ القيم، والمجدّدُ محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله- وغيرُهم، قد رفعهم الله وأبقى ذكرهم ورَزَقهم القبول بين الأمة.
وأين أعداؤهم؟
أين الذين ظَلموهم وتسلّطوا عليهم من المنتسبين للعلم في أزمانهم؟
ذهبوا ومُحيت من الأرض آثارُهم، كما مُحيت من القلوب محبّتهم.
وصدق الله -تعالى-: (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ).
إنه وعدٌ من الله الذي لا يُخالف الميعاد، أن ينصر عبده المظلوم المبغيّ عليه، فكيف إذا كان هذا العبد من أولياء الله الصالحين، وحزْبه المفلحين!
خاب والله وخسر من عاداه، وقذَف اللهُ في قلوب عباده كراهةَ رؤيةِ محيّاه، وتوعّد بمحاربته ومجازاته يوم يلقاه؛ قال الله -تعالى- في الحديث القدسيّ: "من عادى لي وليًّا فقد آذَنْته بالحرب".
والمعنى: "من نصبَ العداء لوليٍّ من أوليائي لأجل صلاحه واستقامته، فقد أعْلمُته بأني حربٌ عليه"، وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة، ثبت في جانب الموالاة، فمن والى أولياء الله أكرمه الله ووالاه.
وإنّ الله -تعالى- إذا أحبّ وليًّا ابتلاه وسلّط عليهم ظالِمًا؛ لتزداد حسنات الوليّ، وتعظم رفعته في الدنيا والآخرة، وليزداد الظالم في الانحطاط والسُّفول، ويعظم عذابه يوم القيامة.
نسأل الله -تعالى- أن يُجيرنا من ظلم عباده، وأن يعصمنا من إيذاءِ أوليائه، إنه على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: معاشر المؤمنين: إنّ المؤمن العارف بالله لا يتسخّط من المصائب التي يُجريها الله على أيدي الناس؛ لأنه يعلم أنها منحةٌ من الله ونعمة؛ قال ابن رجب -رحمه الله-: "إنّ نعم الله عَلَى عبده المؤمن بالبلاء أعظم من نعمه في الرخاء".
وكلما عظمت عليه المحنة: تمّت عليه النعمة، ونال بسببها القبول والمحبة، واستحق لأجلها الكرامةَ والرفعة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "جعل اللهُ -سبحانه وتعالى- عبادَه المؤمنين بكل منزلة خيرًا منه، فهم دائمًا في نعمةٍ من ربهم، أصابَهم ما يُحِبُّون أو ما يكرهون، وجعل أقضيته وأقداره التي يقضيها لهم ويُقدرها عليهم متاجرَ يَربحون بها عليه، وطُرُقًا يصلون منها إليه، كما ثبت في الصحيح عَن إمامهم ومتبوعهم- الذي إذا دُعي يوم القيامة كل أناسٍ بإمامهم دُعُوا به صلواتُ الله وسلامه عليه- أنه قال: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله عجب، ما يقضي الله له من قضاء إلاّ كان خيرًا له، إن أصابته سرَّاءُ شكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضرَّاءُ صَبَر فكان خيرًا له".
فهذا الحديث يَعمُ جميعَ أَقضيتِه لعبده المؤمن، وأنها خير له إذا صبر على مكروهها وشكرَ لمحبوبها".
اللهم رضِّنا بك وعنك، وزدنا إيمانًا وردّنا إليك، إنك ربنا برٌّ رؤوف رحيم ودُود.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى، فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهم، واقض ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم