نماذج من سماحة الصحابة

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

اقتباس

نماذج من سماحة الصحابة

 

 

أ. د. عمر بن عبدالعزيز قريشي

 

ولئن كان ما رأيناه في المقالة السابقة هي نماذج من سماحته صلى الله عليه وسلم، فتلكم - أخرى - لأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ومنها:

 

• "كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالشام وقد حانت الصلاة وهو في كنيسة القيامة، فطلب البطريق من عمر أن يصلِّي بها، وهمَّ أن يفعل، ثم اعتذر بأنه يخشى أن يصلي بالكنيسة فيدَّعي المسلمون فيما بعد أنها مسجد لهم، فيأخذوها من النصارى.

 

وكتب للمسلمين كتابًا يوصيهم فيه بألا يصلوا على الدرجة التي صلى عليها إلا واحدًا واحدًا، غير مؤذنين للصلاة مجتمعين"[1].

 

"إن هذه ليست سماحة فحسب، إنما هي سماحة مضاعَفة تتخطى الحاضر إلى المستقبل، سماحة مضاعفة تنبع من نفس طاهرة، وتعتمد على بصيرة نفَّاذة بعيدة المرمى، سماحة مضاعفة؛ لأن صاحبها لا يعتمد على سماحته وحده، ولا على تحلله من التبعة وحده؛ إنما يريد ممن يجيئون بعدُ - طال الزمن أو قصر - أن يكونوا سمحاء مثله، ويريد أن يتحلَّل من تبعة يومه وغده، وإن لم يكن له في المخالفة ضلع"[2].

 

"وبينما هو يسير بالشام لقيه قوم من نصارى أذرعات يلعبون بالسيوف والرمحان أمامه، كما تعودوا أن يفعلوا في الاحتفال بالعظماء، فقال: "ردوهم وامنعوهم"؛ لأنه كان يكره الأبهة ومظاهر الملك، فقال أبو عبيدة بن الجراح: يا أمير المؤمنين، هذه عادتهم، وإنك إن تمنعهم يروا أن في نفسك نقضًا لعهدهم، فقال عمر: "دعوهم، عمر وآل عمر في طاعة أبي عبيدة"[3].

 

أعرفت لماذا استجاب عمر لرأي أبي عبيدة؟

 

لقد خشي أن يظنوا أنه مبغضٌ لهم، عازم على نقض عهده معهم، وبحسبه من السماحة أن احتمال هذا الظن وحده جعله يغير من عادته، فرضي أن يلعبوا أمامه بالسيوف والرمحان[4].

 

• واشتهر عنه أنه كان ينصف مَن يشكو إليه من النصارى واليهود، فقد علم "أن الوليد بن عقبة - وَالِيه على بني تغلب النصارى - قد توعَّدهم، فخشي أن يوقع بهم شرًّا، فعزله وولَّى غيره...".

 

"ومرَّ برجلٍ يسأل على الأبواب، وكان الرجل ضريرًا، فقال له عمر: من أي أهل الكتاب أنتَ؟ فقال: يهودي، قال عمر: فما الذي ألجأك إلى ما أرى؟ قال: الجِزْية، والحاجة، والسن، فأخذ عمر بيدِه، وذهب به إلى منزلِه وأعطاه مما وجد، ثم أرسل إلى خازن بيت المال، وقال له: انظرْ هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفْنا إن أكلنا شبيبتَه، ثم نخذله عند الهرم، ووضَع عنه الجزية"[5].

 

• وكذلك كان ابنه عبدالله، حدَّث مجاهد قال: كنتُ عند عبدالله بن عمر، وغلام له يسلخ شاة، فقال: يا غلام، إذا سلختَ، فابدأ بجارنا اليهودي، وقال ذلك مرارًا، فقال له: كم تقول هذا؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يزلْ يوصينا بالجار حتى خشينا أنه سيورثه[6].

 

فعبدالله بن عمر يريد من غلامه أن يعطي جاره اليهودي أول الناس جميعًا؛ رعايةً لحق الجوار، بصرف النظر عن دينه.

 

• وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يعطف على شاعر نصراني، هو أبو زبيد[7].

 

[1] الفاروق عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين؛ للأستاذ/ محمد رضا، ص 208 بتصرف، ط/ دار الكتب العلمية (الثالثة) (1403 هـ 1983م).

 

[2] سماحة الإسلام د/ أحمد محمد الحوفي ص 67 ط دار نهضة مصر (الثانية).

 

[3] فتوح البلدان للإمام أبي الحسن البلاذري (ص 14) بتصرف، ط/ دار الكتب العلمية بيروت لبنان، سنة 1403 هـ 1983م.

 

[4] سماحة الإسلام (ص 67).

 

[5] الخراج؛ لأبي يوسف (ص 126) بتصرف، (موسوعة الخراج)، ط/ دار المعرفة، بيروت - لبنان، سنة (1399هـ 1979 م).

 

[6] رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الوصاة بالجار، ج 4 ص 53.

 

[7] الأغاني؛ لأبي فرج الأصفهاني ج 11 ص 23، ط/ مؤسسة عز الدين - بيروت، لبنان (بدون ذكر التاريخ) وأبو زبيد هو حرملة بن المنذر، وقيل: المنذر بن حرملة - والأول أصح - بن معدي كرب بن حنظلة بن النعمان - شاعر نصراني، وهو ممن أدرك الجاهلية والإسلام، ومات على دينه وكان من زوَّار الملوك، وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يُدْنِيه ويقربه على ذلك؛ نفس المرجع والصفحة.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات