نقد السلفية إلى أين؟!

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ معيار بقاء الإسلام وانتشاره 2/ أفضل جيل فهم الإسلام وطبّقه عمليًّا 3/ التزام منهج الصحابة في العقيدة والسلوك هو طريق النجاة 4/ ثبات علماء السلف عند الفتن 5/ جهود الأئمة أحمد وابن تيمية وابن عبد الوهاب في المحافظة على المنهج السلفي 6/ الحملة العالمية على السلفية 7/ الثبات في زمن اشتداد المحن.

اقتباس

فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ الْهِجْرِيِّ انْتَشَرَتِ المَذَاهِبُ الْكَلَامِيَّةُ، وَأُقْحِمَتْ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَحُوكِمَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِلَى قَوَاعِدِهَا، فَحَصَلَ فِي الْأُمَّةِ انْحِرَافٌ كَبِيرٌ حَادٌّ بِكَثِيرٍ مِنْ العُلَمَاءِ عَنْ إِدْرَاكِ مُرَادِ الشَّارِعِ الْحَكِيمِ، فَسَطَوْا عَلَى مَعَانِي النُّصُوصِ بِالتَّأْوِيلِ وَالتَّحْرِيفِ، حَتَّى أَضَلُّوا كَثِيرًا مِنْ عَوَامِّ المُسْلِمِينَ، فَقَيَّضَ اللهُ -تَعَالَى- الْإِمَامَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ لِلذَّبِّ عَنِ الشَّرِيعَةِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَالمُحَافَظَةِ عَلَى فَهْمِ الصَّحَابَةِ لِلنُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّةِ، وَرَدِّ شُبُهَاتِ المُحَرِّفِينَ وَالمُؤَوِّلِينَ، فَنَقَضَ الْأُصُولَ الْفَلْسَفِيَّةَ وَالْكَلَامِيَّةَ مِنْ دَاخِلِهَا، وَقَوَّضَ بِنَاءَهَا وَأَرْكَانَهَا، وَكَشَفَ ضَعْفَهَا وَتَهَافُتَهَا، وَأَصَّلَ لِلْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ الصَّحِيحَةِ بِبَرَاهِينِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ..

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّـهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًاعَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: ابْتَلَى اللهُ -تَعَالَى- عِبَادَهُ بِدِينِ الْحَقِّ لِيَقُومُوا بِهِ، وَيَدْعُوا إِلَيْهِ، وَيَذُبُّوا عَنْهُ، وَيُجَاهِدُوا فِيهِ. وَابْتَلَاهُمْ بِأَدْيَانِ الْبَاطِلِ لِيَرْفُضُوهَا، وَيَكْشِفُوا بَاطِلَهَا، وَيُحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْهَا، وَيُجَاهِدُوا دُعَاتَهَا. وَلِدِينِ الْحَقِّ دُعَاتُهُ (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف: 181]، كَمَا أَنَّ لِأَدْيَانِ الْبَاطِلِ دُعَاتُهَا (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ القِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ) [القصص: 41].

 

وَدِينُ الْحَقِّ سَيَبْقَى إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، وَلَنْ يَضْمَحِلَّ أَوْ يَزُولَ، وَلَنْ يُبَدَّلَ أَوْ يُغَيَّرَ، وَلَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَى تَرْكِهِ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَعَالَى- قَضَى بِبَقَاءِ طَائِفَةٍ عَلَى الْحَقِّ يَكُونُونَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ، وَدُعَاةً لِدِينِهِمْ وَمِنْهَاجِهِمْ، إِلَى أَنْ يَأْذَنَ اللهُ -تَعَالَى- بِرَفْعِ الْإِسْلَامِ حِينَ يُسْرَى عَلَى الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ فَتُمْحَى حُرُوفُهُ مِنَ السُّطُورِ، وَتُرْفَعُ آيَاتُهُ مِنَ الصُّدُورِ، فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مُصْحَفٌ وَلَا حَافِظٌ. وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ وَمَعَ وُجُودِ الْقُرْآنِ فَالْإِسْلَامُ بَاقٍ، وَلَوْ ضَلَّ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَحَارَبُوهُ وَاجْتَهَدُوا فِي مَحْوِهِ وَتَبْدِيلِهِ.

 

وَخَيْرُ مَنْ قَامَ بِالْإِسْلَامِ حَقَّ الْقِيَامِ، وَمَثَّلَهُ أَحْسَنَ تَمْثِيلٍ، وَطَبَّقَهُ أَدَقَّ تَطْبِيقٍ، وَفَهِمَهُ أَكْثَرَ فَهْمٍ هُمْ صَحَابَةُ الرَّسُولِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ-، ثُمَّ التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ.

 

وَكُلَّمَا اقْتَرَبَ المُسْلِمُ مِنْ مَنْهَجِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- كَانَ أَكْمَلَ فِي تَطْبِيقِ الْإِسْلَامِ، وَأَحْكَمَ فِي فَهْمِ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَسْلَمَ مِنَ الْهَوَى، وَأَبْعَدَ عَنِ الِانْحِرَافِ. وَبِقَدْرِ ابْتِعَادِهِ عَنْ مَنْهَجِ الصَّحَابَةِ وَفَهْمِهِمْ يَبْتَعِدُ عَنْ فَهْمِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ.

 

وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَكْثَرُهُمْ فَهْمًا لَهَا، فَقَدْ آتَاهُمُ اللهُ -تَعَالَى- أَفْهَامًا حَادَّةً، وَعُقُولًا نَظِيفَةً لَمْ تَتَلَوَّثْ بِثَقَافَاتٍ أُخْرَى؛ وَلِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِاللِّسَانِ الَّذِي نَطَقَ بِهِ الدِّينُ فَهُمْ أَقْحَاحُ الْعَرَبِ، وَقَدْ شَرَّفَتْهُمْ صُحْبَتُهُمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَكَتْ قُلُوبُهُمْ، وَهُذِّبَتْ أَخْلَاقُهُمْ وَسُلُوكُهُمْ، وَحَضَرُوا التَّنْزِيلَ فَفَهِمُوا مَعْنَاهُ، وَعَرَفُوا أَسْبَابَهُ وَمُنَاسَبَتَهُ، وَأَدْرَكُوا مُرَادَ الشَّارِعِ مِنْهُ، وَلَا يُعْقَلُ أَنْ يَخْتَارَ اللهُ -تَعَالَى- حَمَلَةً لِدِينِهِ، وَصَحَابَةً لِنَبِيِّهِ إِلَّا أَفْضَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ فَالرَّدُّ إِلَيْهِمْ فِي فَهْمِ النَّصِّ أَضْمَنُ فِي إِدْرَاكِ المُرَادِ، وَأَسْلَمُ مِنَ الشَّطَطِ وَالِانْحِرَافِ.

 

وَخَلَفَهُمُ التَّابِعُونَ ثُمَّ أَتْبَاعُهُمْ فَأَخَذُوا مِنْ عِلْمِ الصَّحَابَةِ مَا أَخَذُوا، وَفَاتَهُمْ مِنْهُ مَا فَاتَهُمْ، فَكَانَ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَعْلَمَهَا بِدِينِ الْإِسْلَامِ أَهْلُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

 

وَهَذِهِ الْخَيْرِيَّةُ تَشْمَلُ خَيْرِيَّةَ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَيْرِيَّةَ مُطْلَقَةٌ؛ وَلِأَنَّ مِنْ أَسْبَابِ خَيْرِيَّةِ الْفَضْلِ التَّقَدُّمَ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَالصَّحَابَةُ هُمْ أَفَاضِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُمْ أَكْثَرُهَا عِلْمًا وَأَحْسَنُهَا عَمَلًا، ثُمَّ التَّابِعُونَ فَأَتْبَاعُهُمْ. 

 

وَبَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ تَفَاقَمَتِ الْفِتَنُ، وَانْتَشَرَتِ الْبِدَعُ، وَكَثُرَتِ الْأَهْوَاءُ، فَطَالَتْ أَيَادِي التَّحْرِيفِ كَثِيرًا مِنْ مَعَانِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ وَعَظُمَ الْبَلَاءُ بِفِتْنَةِ خَلْقِ الْقُرْآنِ، الَّتِي تَبَنَّاهَا المُعْتَزِلَةُ، وَوَضَعُوا السُّيُوفَ عَلَى الرِّقَابِ لِفَرْضِهَا، وَأَلْهَبُوا الظُّهُورَ بِالسِّيَاطِ لِمَنْ يَرْفُضُهَا.

 

 وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ أَنَّ اللِّيبْرَالِيِّينَ الْيَوْمَ يَتَمَثَّلُونَ حُرِّيَّةَ المُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ أَرَادُوا فَرْضَ انْحِرَافِهِمُ الْعَقَدِيِّ عَلَى النَّاسِ بِالسَّوْطِ وَالسِّجْنِ وَالسَّيْفِ، وَدُعَاةُ اللِّيبْرَالِيَّةِ الْيَوْمَ لَيْسُوا بَعِيدِينَ عَنْهُمْ، بَلْ هُمْ مِثْلُهُمْ.

 

فَهَابَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْوُقُوفَ فِي وَجْهِ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْفِتْنَةِ، وَفَرَضُوا المِحْنَةَ، فَانْبَرَى لِهَذِهِ المُهِمَّةِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، وَبَقِيَ صُلْبًا يَتَحَمَّلُ كُلَّ أَذًى فِي سَبِيلِهَا مِنْ ضَرْبٍ وَسَجْنٍ وَإِهَانَةٍ وَتَخْوِيفٍ، وَعُرِضَ عَلَى السَّيْفِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، حَتَّى انْتَصَرَ الْحَقُّ عَلَى الْبَاطِلِ بِابْنِ حَنْبَلٍ، فَاسْتَحَقَّ لَقَبَ إِمَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ حَافَظَ عَلَى فَهْمِ الصَّحَابَةِ لِلنَّصِّ، وَدَحَضَ تَحْرِيفَ أَهْلِ الْبِدْعَةِ لَهُ بِمَا تَعَلَّمُوا مِنْ طُرُقٍ كَلَامِيَّةٍ وَأُصُولٍ فَلْسَفِيَّةٍ. حَتَّى قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِيْنِيِّ: "أَعَزَّ اللهُ الدِّينَ بِالصِّدِّيقِ يَوْمَ الرِّدَّةِ، وَبِأَحْمَدَ يَوْمَ المِحْنَةِ".

 

وَظَلَّ فَهْمُ الصَّحَابَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُتَوَارَثًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ يُعَظِّمُونَ الْأَثَرَ، وَيَنْتَمُونَ لِلسَّلَفِ، حَتَّى الْتَصَقَ بِهِمْ وَصْفُ السَّلَفِيَّةِ. وَمَنْ خَالَفَ طَرِيقَتَهُمْ فِي فَهْمِ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِمَّنْ تَأَثَّر بِالثَّقَافَاتِ الْأُخْرَى يُخْطِئُ فِي فَهْمِ الشَّرِيعَةِ بِحَسَبِ مَا يَغْتَرِفُ مِنْ تِلْكَ الثَّقَافَاتِ.

 

وَفِي الْقَرْنِ السَّابِعِ الْهِجْرِيِّ انْتَشَرَتِ المَذَاهِبُ الْكَلَامِيَّةُ، وَأُقْحِمَتْ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَحُوكِمَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِلَى قَوَاعِدِهَا، فَحَصَلَ فِي الْأُمَّةِ انْحِرَافٌ كَبِيرٌ حَادٌّ بِكَثِيرٍ مِنْ العُلَمَاءِ عَنْ إِدْرَاكِ مُرَادِ الشَّارِعِ الْحَكِيمِ، فَسَطَوْا عَلَى مَعَانِي النُّصُوصِ بِالتَّأْوِيلِ وَالتَّحْرِيفِ، حَتَّى أَضَلُّوا كَثِيرًا مِنْ عَوَامِّ المُسْلِمِينَ، فَقَيَّضَ اللهُ -تَعَالَى- الْإِمَامَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ لِلذَّبِّ عَنِ الشَّرِيعَةِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَالمُحَافَظَةِ عَلَى فَهْمِ الصَّحَابَةِ لِلنُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّةِ، وَرَدِّ شُبُهَاتِ المُحَرِّفِينَ وَالمُؤَوِّلِينَ، فَنَقَضَ الْأُصُولَ الْفَلْسَفِيَّةَ وَالْكَلَامِيَّةَ مِنْ دَاخِلِهَا، وَقَوَّضَ بِنَاءَهَا وَأَرْكَانَهَا، وَكَشَفَ ضَعْفَهَا وَتَهَافُتَهَا، وَأَصَّلَ لِلْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ الصَّحِيحَةِ بِبَرَاهِينِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

 

 وَقَدْ شَهِدَ لَهُ بِإِتْقَانِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ مَنِ اطَّلَعُوا عَلَى كُتُبِهِ وَرَسَائِلِهِ، حَتَّى أَقَرَّ بِحِذِقْهِ وَعَبْقَرِيَّتِهِ المُخَالِفُونَ لَهُ، وَانْكَبَّ المُسْتَشْرِقُونَ عَلَى دِرَاسَةِ كَلَامِهِ، وَأَعْتَرَفَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ كُتُبَهُ تُمَثِّلُ الْإِسْلَامَ الصَّحِيحَ النَّقِيَّ مِنْ شَوَائِبِ التَّأْوِيلِ وَالتَّحْرِيفِ، وَأَنَّهُ امْتِدَادٌ لِمَنْهَجِ السَّلَفِ فِي تَعْظِيمِ النَّصِّ، وَالْأَخْذِ بِهِ.

 

ثُمَّ فِي الْقَرْنِ الْحَادِيَ عَشَرَ انْتَشَرَتِ الْخُرَافَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَعَادَ الشِّرْكُ إِلَى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فِي قُبُورٍ وَأَشْجَارٍ تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّـهِ -تَعَالَى-، فَقَيَّضَ اللهُ -تَعَالَى- لِلْمُسْلِمِينَ الْإِمَامَ المُجَدِّدَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، فَحَارَبَ الشِّرْكَ وَالْبِدْعَةَ، وَدَعَا إِلَى التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ، وَأَلَّفَ الْكُتُبَ، وَأَرْسَلَ الرَّسَائِلَ، وَعَقَدَ الدُّرُوسَ، وَرَبَّى النَّاسَ عَلَى التَّوْحِيدِ؛ حَتَّى أَعَادَ لِلْإِسْلَامِ صَفَاءَهُ، وَأَعَادَ لِلسُّنَّةِ وَهَجَهَا، وَأَتَى عَلَى بُنْيَانِ الشِّرْكِ وَالْخُرَافَةِ فَهَدَمَهُ، وَكَشَفَ شُبُهَاتِ المُبْتَدِعَةِ.

 

 وَكَانَتْ دَعْوَتُهُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- مَرْحَلَةً مِنَ المَرَاحِلِ المُهِمَّةِ فِي تَارِيخِ هَذِهِ الْأُمَّةِ؛ فَبِنَجَاحِهَا ظَهَرَتْ دَعَوَاتٌ إِصْلَاحِيَّةٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ بِلَادِ المُسْلِمِينَ؛ لِتُعِيدَ الْأُمَّةَ إِلَى سَابِقِ عَهْدِهَا، وَتَسْتَرْجِعَ لَهَا مَجْدَهَا، وَتَكْسِرَ طَوْقَ الِاسْتِعْمَارِ الَّذِي خَنَقَهَا، وَمَكَّنَ لِظُهُورِ أَعْدَائِهَا عَلَيْهَا.

 

هَذِهِ هِيَ السَّلَفِيَّةُ الَّتِي صَارَتِ الشُّغْلَ الشَّاغِلَ لِلْكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ، وَلِلسِّيَاسِيِّينَ وَالْإِعْلَامِيِّينَ؛ نَقْدًا لَهَا، وَقَدْحًا فِيهَا، وَتَحْمِيلَهَا كُلَّ بَلَاءِ الْعَالَمِ. إِنَّهَا السَّلَفِيَّةُ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْوَهَّابِيَّةَ لِلتَّنْفِيرِ مِنْهَا، وَلَكِنَّهَا تَزْدَادُ انْتِشَارًا بِتَنْفِيرِهِمْ مِنْهَا، وَتَزْدَادُ قُوَّةً بِمُحَارَبَتِهِمْ لَهَا؛ حَتَّى مَا خَلَتْ دَوْلَةٌ مِنْهَا، وَلَا أَرْضٌ إِلَّا بَلَغَتْهَا دَعْوَتُهَا. وَلَيْسَ ذَلِكَ لِقُوَّةِ أَتْبَاعِهَا وَدُعَاتِهَا.. كَيْفَ؟ وَضَعْفُ المُسْلِمِينَ وَهَوَانُهُمْ لَيْسَ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ.

 

 وَلَكِنْ لِقُوَّةِ الدَّعْوَةِ فِي وُضُوحِهَا وَثَبَاتِهَا، وَكَوْنِهَا تُمَثِّلُ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ النَّقِيِّ الْخَالِي مِنْ شَوَائِبِ الْبِدْعَةِ، فَقُوَّتُهَا مِنْ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ، وَانْتِشَارُهَا مِنَ انْتِشَارِهِ، وَحِفْظُهَا مِنْ حِفْظِهِ. إِنَّ مَا يُسَمُّونَهُ الْوَهَّابِيَّةَ هُوَ السَّلَفِيَّةُ، وَهِيَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهِيَ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ وَفَهِمَهُ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَنَقَلَهُ السَّلَفُ إِلَى الْخَلَفِ حَتَّى وَصَلَ إِلَيْنَا.

 

إِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ لَمْ يَأْتِ بِإِسْلَامٍ جَدِيدٍ حِينَ تَصَدَّى لِبِدْعَةِ الْجَهْمِيَّةِ وَالمُعْتَزِلَةِ، وَلَكِنَّهُ حَافَظَ عَلَى الْإِسْلَامِ الْقَدِيمِ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ لَمْ يَأْتِ بِإِسْلَامٍ جَدِيدٍ حِينَ هَدَمَ المَذَاهِبَ الْعَقْلِيَّةَ الْبَاطِلَةَ، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ الْأُمَّةَ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبِدَعِ الْكَلَامِيَّةِ وَأَعَادَهَا إِلَى أَنْوَارِ الْوَحْيِ الرَّبَّانِيَّةِ.

 

 وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ لَمْ يَأْتِ بِإِسْلَامٍ جَدِيدٍ حِينَ قَضَى عَلَى الشِّرْكِ وَالْخُرَافَةِ، وَأَزَالَ مَظَاهِرَ الْوَثَنِيَّةِ، وَإِنَّمَا رَدَّ الْأُمَّةَ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

 

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَقْرِيرِ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ خَالَفَ مَنْهَجَ السَّلَفِيَّةِ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ كُلِّيَّةً؛ فَقَدْ تَصِلُ بِهِ مُخَالَفَتُهُ إِلَى الْكُفْرِ، وَقَدْ تَصِلُ بِهِ إِلَى الْبِدْعَةِ، وَقَدْ تَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. كَمَا أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ كُلُّ مَنْ خَالَفَ شَيْئًا مِنَ الْإِسْلَامِ؛ فَمُخَالَفَةُ الْإِسْلَامِ قَدْ تَكُونُ كُفْرًا وَقَدْ تَكُونُ مَعْصِيَةً دُونَ الْكُفْرِ.

 

كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ تَقْرِيرِ ذَلِكَ عِصْمَةُ عُلَمَاءِ السَّلَفِيَّةِ، حَتَّى أَئِمَّتُهَا الْكِبَارُ المُجَدِّدُونَ كَابْنِ حَنْبَلٍ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ وَابْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، فَهُمْ يُصِيبُونَ وَيُخْطِئُونَ، وَقَدْ أَلْزَمُوا أَتْبَاعَهُمْ مَا أَلْزَمَ الصَّحَابَةُ بِهِ أَتْبَاعَهُمْ، بِاعْتِمَادِ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَرَدِّ قَوْلِ مَا خَالَفَهَا كَائِنًا مَنْ كَانَ؛ وَلِذَا اسْتَدْرَكَ أَتْبَاعُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ عَلَى أَئِمَّتِهِمْ فِي بَعْضِ المَسَائِلِ، وَرَدُّوا قَوْلَهُمْ فِيهَا، عَمَلًا بِالمَنْهَجِ الصَّحِيحِ: أَنَّهُ لَا عِصْمَةَ إِلَّا لِلنَّصِّ الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الَّذِينَ رَتَعُوا فِي كُلِّ مَذْهَبٍ، وَكَرَعُوا مِنْ كُلِّ مَوْرِدٍ، فَتَعَصَّبُوا لِضَلَالِهمْ، وَحَمَلُوا أَتْبَاعَهُمْ عَلَى انْحِرَافِهِمْ، فَكَانُوا فِرَقًا شَتَّى، وَطَرَائِقَ قِدَدًا (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ..

 

    

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: تَقْتَرِنُ الْحَمْلَةُ الْعَالَمِيَّةُ عَلَى السَّلَفِيَّةِ بِذَاتِ الْحَمْلَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ السَّلَفِيَّةَ هِيَ الْإِسْلَامُ الصَّفِيُّ النَّقِيُّ مِنَ الشَّوَائِبِ.

 

وَالمُتَتَبِّعُ لِمَا يَجْرِي فِي أَرْوِقَةِ السِّيَاسَةِ الدَّوْلِيَّةِ، وَذُيُولِهَا الْفِكْرِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ يَجِدُ دَعْمًا مُنْقَطِعَ النَّظِيرِ لِكُلِّ أَفْرُعِ المَذَاهِبِ الْبَاطِنِيَّةِ لِتَطْوِيقِ الْإِسْلَامِ بِتَطْوِيقِ دُوَلِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَسْكَرِيًّا، وَحِصَارِهَا ثَقَافِيًّا بِإِبْرَازِ تُرَاثِ المُبْتَدِعَةِ، وَتَسْوِيقِهِ وَنَشْرِهِ، وَإِعْلَامِيًّا بِامْتِدَاحِ شُيُوخِ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ، وَاتِّهَامِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ الْأَصِيلِ بِكُلِّ نَقِيصَةٍ، وَيَسْعَوْنَ الْآنَ لِتَشْكِيلِ مَرْجِعِيَّةٍ لِأُمَّةِ الْإِسْلَامِ رُمُوزُهَا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدْعَةِ وَالْخُرَافَةِ؛ وَذَلِكَ لِإِضْلَالِ الْعَامَّةِ بِهَا، عَلَى غِرَارِ مَرْجِعِيَّاتِ الْفِرَقِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي تَسُوقُ أَتْبَاعَهَا سَوْقَ الرَّاعِي لِلْغَنَمِ فِي الزَّرِيبَةِ.

 

وَمَع قُوَّةِ الضَّغْطِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَعَلَى المَنْهَجِ السَّلَفِيِّ الَّذِي يُمَثِّلُ الْإِسْلَامَ أَحْسَنَ تَمْثِيلٍ، وَكَثْرَةِ الطَّعْنِ عَلَيْهِ، وَتَحْمِيلِهِ كُلَّ مَشَاكِلِ الْبَشَرِ؛ فَإِنَّ بَعْضَ أَتْبَاعِ هَذَا المَنْهَجِ الصَّحِيحِ يَضْعُفُونَ، وَمِنْهُ يَتَفَلَّتُونَ، وَلَهُ يَنْتَقِدُونَ؛ إِمَّا لِعَدَمِ الرُّسُوخِ فِي الْعِلْمِ، أَوْ لِلضَّعْفِ فِي الْعَمَلِ وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ، أَوْ دَرْءًا لِضَرَرٍ شَخْصِيٍّ، أَوْ تَحْقِيقًا لِمَنْفَعَةٍ خَاصَّةٍ.

 

يَتَسَرَّبُونَ مِنَ المَنْهَجِ الصَّحِيحِ، ثُمَّ يَعُودُونَ عَلَيْهِ بِالثَّلْبِ وَالطَّعْنِ بِاسْمِ المُرَاجَعَةِ وَالنَّقْدِ وَتَنْقِيَةِ الصَّفِّ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا -وَلَا يَزَالُ يَقَعُ- وَهَذَا مِنِ ابْتِلَاءِ اللَّـهِ -تَعَالَى- لِأَهْلِ الْحَقِّ بِأَنْ تَأْتِيَهُمْ الطَّعَنَاتُ مِنْ خَارِجِهِمْ وَمِنْ دَاخِلِهِمْ (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال: 42].

 

وَلَوْ كَانَ نَقْدُ هَؤُلَاءِ المُنْتَقِدِينَ لِطَوَائِفَ حَادَتْ عَنِ المَنْهَجِ السَّوِيِّ لَكَانَ نَقْدًا صَحِيحًا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ؛ لَأَنَّهُ لَا عِصْمَةَ لِجَمَاعَةٍ أَوْ طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ.

 

وَلَوْ كَانَ انْتِقَادُهُمْ لِعُلَمَاءَ أَخْطَئُوا فِي مَسَائِلَ لَكَانَ نَقْدًا مَقْبُولًا لَا يُمْكِنُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ الْكَبِيرَ يُصِيبُ وَيُخْطِئُ، وَلَكِنْ أَنْ يَكُونَ النَّقْدُ مُنْصَبًّا عَلَى ذَاتِ المَنْهَجِ، وَهُوَ مَنْهَجٌ يَعْتَمِدُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ بِفَهْمِ سَلَفِ الْأُمَّةِ، فَهُوَ هَدْمٌ لِلْمَنْهَجِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ يَرْفُضُ مَرْجِعِيَّةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِفَهْمِ سَلَفِ الْأُمَّةِ إِلَّا وَقَدِ اتَّخَذَ مَرْجِعِيَّةً أُخْرَى يَرْكَنُ إِلَيْهَا لَا تَعْتَمِدُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ، أَوْ تَعْتَمِدُهُمَا وَلَكِنْ بِفَهْمٍ آخَرَ غَيْرِ فَهْمِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ حَقِيقَةِ السُّنَّةِ إِلَى الْأَهْوَاءِ وَالْبِدْعَةِ.

 

هَذَا؛ وَإِنَّ الْإِسْلَامَ سَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ مَا أَذِنَ اللهُ -تَعَالَى- بِبَقَائِهِ، وَلَوْ حَارَبَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ جَمِيعًا، وَإِنَّ مَرْجِعِيَّتَهُ النَّقِيَّةَ المُمَثَّلَةَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِفَهْمِ السَّلَفِ الصَّالِحِ سَتَبْقَى مَا بَقِيَ الْإِسْلَامُ، وَلَنْ تَزِيدَ الْهَجَمَاتُ وَالطُّعُونُ عَلَى الْحَقِّ إِلَّا قُوَّةً لَهُ؛ وَذَلِكَ بِحَفْزِ أَتْبَاعِهِ إِلَى الذَّبِّ عَنْهُ، وَكَشْفِ الِافْتِرَاءَاتِ الَّتِي تُلْصَقُ بِهِ، وَرَدِّ الِاتِّهَامَاتِ الَّتِي تُلْقَى عَلَيْهِ، وَمُضَاعَفَةِ الْجُهُودِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ.

 

فَعَلَى مَن أَرَادَ الثَّبَاتَ فِي زَمَنِ اشْتِدَادِ المِحَنِ، وَتَفَاقُمِ الْفِتَنِ أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا بِالْحَقِّ، وَأَنْ يَعْرِفَ الرِّجَالَ بِالْحَقِّ، وَلَا يَعْرِفَ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ، وَلَا يَرْهَنَ مُعْتَقَدَهُ لِكَائِنٍ مَنْ كَانَ، وَأَنْ يَجْعَلَ وَلَاءَهُ لِلَّـهِ -تَعَالَى- وَلِدِينِهِ، وَأَنْ يَسِيرَ عَلَى مَا سَارَ عَلَيْهِ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَلَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

 

 

 

المرفقات

السلفية إلى أين؟!1

السلفية إلى أين؟! - مشكولة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات