اقتباس
ما أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه) (5196) فقال: حدثنا غسان بن مُضَر عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة قال: "كَانَ عُثْمَانُ قَدْ كَبُرَ فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ فَأَطَالَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ إِنْسَانٌ أُمَّ الْكِتَابِ"، وسائر رواته ثقات، إلا أني لم أجد مَن نصَّ على إدراك أبي نضرة لعثمان بن عفان –رضي الله عنه..
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
وبعد:
فهذه وريقات فقهية عن سلام خطيب الجمعة على الناس إذا استقبلهم بوجهه، وما للفقهاء –رحمهم الله -تعالى– حوله من كلام.
وأسأل الله -عز وجل- أن ينفع به الكاتب والقارئ، وأن يجعله لوجهه خالصًا، إنه سميع الدعاء.
وسوف يكون الكلام عن أحكامه وأحاديثه في وقفات أربع، فأقول مستعينًا بربي –سبحانه-:
الوقفة الأولى:
عن حكم سلام الإمام إذا صعد المنبر واستقبل الناس بوجهه.
اختلف الفقهاء -رحمهم الله –تعالى- في حكم سلام خطيب الجمعة على الناس إذا صعد المنبر واستقبلهم بوجهه على قولين:
القول الأول: أنه يُستحب للخطيب أن يُسلِّم. وهو قول جماهير أهل العلم، نسبه إليهم النووي في المجموع شرح المهذب (4/ 339)، وعلاء الدين ابن العطار في أدب الخطيب (ص:101)، وعبد الرحمن بن قاسم في حاشية الروض المربع (2/ 452). فقال أبو زكريا النووي الشافعي – رحمه الله -: "إذا وصل أعلى المنبر وأقبل على الناس بوجهه يُسلِّم عليهم، وهذا مذهبنا ومذهب الأكثرين، وبه قال ابن عباس، وابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، والأوزاعي، وأحمد. اهـ
وحجة هذا القول: ما ورد من الأحاديث الموصولة والمرسلة وآثار الصحابة في مشروعية هذا السلام. وقالوا: وإن كانت أفراد هذه الأحاديث لا تخلو من مقال، إلا أنها تتقوى ببعض، فتكون صالحة للاحتجاج.
القول الثاني: أن الخطيب لا يُسلِّم. وهو مذهب أبي حنيفة ومالك. قال الوزير عون الدين ابن هبيرة الحنبلي –رحمه الله – في كتابه (الإفصاح) (1/ 245):
ومذهب أبي حنيفة ومالك: "أنه لا يُسلِّم إذا رقى على المنبر، إنما قالا ذلك لأنه يُسلِّم على الناس وقت خروجه إليهم وهو على الأرض، ولا يُعيد ثانيًا على المنبر". اهـ، وقال أبو جعفر الطحاوي الحنفي –رحمه الله– كما في (مختصر اختلاف العلماء) (1/ 344 – مسألة رقم:311): قال أبو حنيفة: "خروج الإمام يقطع الكلام، وهذا يدل على أنه يمنعه السلام". اهـ، وقال فخر الدين الزيلعي الحنفي –رحمه الله – في كتابه (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق) (1/ 220): "من سُنن الخطبة أن يستقبل القوم بوجهه مستدبرًا القبلة، والقوم يستقبلونه بوجوههم".
وهل يُسلِّم الخطيب عليهم؟
فعندنا: لا يُسلِّم، فيجب عليه ترك السلام من خروجه إلى المنبر ودخوله في الصلاة. اهـ، وقال بدر الدين العيني الحنفي –رحمه الله– في كتابه (البناية شرح الهداية) (3/ 62): "وأما الخطيب فمن السُّنة فيه: طهارته، واستقباله بوجهه إلى القوم، وترك السلام من وقت خروجه إلى دخوله في الصلاة، وترك الكلام"، وبه قال مالك.
وقال الشافعي وأحمد: "السنة إذا صعد المنبر أن يُسلِّم على القوم إذا استقبلهم بوجهه". اهـ، وجاء في كتاب (البحر الرائق شرح كنز الدقائق) (2/ 160) من كتب الحنفية: ومن الغريب ما ذكره في (السراج الوهاج): "أنه يُستحب للإمام إذا صعد المنبر وأقبل على الناس أن يُسلِّم عليهم؛ لأنه استدبرهم في صعوده". اهـ
وجاء فيه أيضًا (2/ 168): "فاستفيد منه أنه لا يُسلِّم إذا صعد المنبر، وروي أنه يُسلِّم، كما في (السراج الوهاج). اهـ، وفي (المدونة الكبرى) (1/ 231): قال ابن القاسم: "وسألت مالكًا إذا صعد الإمام يوم الجمعة على المنبر هل يُسلِّم على الناس؟ قال: لا، وأنكر ذلك". اهـ
الوقفة الثانية: عن الأحاديث والآثار التي اسْتُدِل بها على أن الخطيب يُسلِّم على الناس إذا رقى المنبر واستقبلهم بوجهه.
يذكر الفقهاء والمحدثون –رحمهم الله -تعالى– جملة من الأحاديث والآثار عند الكلام على مشروعية تسليم الإمام على الناس إذا رقى المنبر واستقبلهم بوجهه.
فدونكم ما وقفت على ذكرهم له:
أولًا: ما أخرجه ابن ماجه (1109)، وتمَّام في (فوائده) (352)، والبيهقي (5741) والبغوي في (شرح السنة) (1069)، من طريق عمرو بن خالد عن ابن لهيعة عن محمد بن زيد بن مهاجر عن محمد بن المنكدر عن جابر:" أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَانَ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ "، وضعفه: عبد الحق الأشبيلي، والنووي، وابن كثير، وابن عبد الهادي، وابن حجر العسقلاني، والبوصيري، والشوكاني، والصنعاني، وغيرهم، وقال ابن عدي –رحمه الله– في كتابه (الكامل في ضعفاء الرجال) (5 / 241):وهذا بهذا الإسناد لا أعلم يرويه غير ابن لهيعة، وعن ابن لهيعة عمرو بن خالد. اهـ
وقال النووي –رحمه الله– في كتابه (خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام) (2955): قال البيهقي: "تفرد به ابن لهيعة عن محمد بن زيد عن ابن المنكدر عن جابر". اهـ، وقال الإمام ابن أبي حاتم –رحمه الله– في كتابه (العلل) (590): "وسألت أَبِي عن حديث رواه عمرو بن خالد الحرَّاني عن ابن لهيعة عن محمد بن زيد بن المهاجر عن محمد بن المنكدر عن جابر: "أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-كَانَ إِذَا صَعِدَ المِنْبَرَ سَلَّم"؟ قال أَبِي: "هذا حديث موضوع". اهـ، وقال الزيلعي –رحمه الله– في كتابه (نصب الراية) (2/ 205): "وهو حديث واهٍ". اهـ، وقال أبو جعفر الطحاوي –رحمه الله– كما في (مختصر اختلاف العلماء) (1/344 – مسألة رقم:311): "لم يُرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك شيء صحيح، وروي فيه أحاديث ضعاف.اهـ
ثانيًا: ما أخرجه الطبراني في (المعجم الأوسط) (6677)، وابن المنذر في (الأوسط)(1799)، وابن عدي في (الكامل) (6/ 445 – ترجمة رقم: 1397)، والبيهقي (5742)، من طريق الوليد بن مسلم عن عيسى بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر –رضي الله عنهما– قال: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ-إِذَا دَنَا مِنْ مِنْبَرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْخَلْقِ، وَإذا صَعِدَ الْمِنْبَرَ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ سَلَّمَ". وضعفه: أبو جعفر الطحاوي، وابن حبان، والبيهقي، وعبد الحق الأشبيلي، والنووي، وابن القطان الفاسي، وابن الملقن، والهيثمي، والمناوي، والصنعاني، وغيرهم.
وقال الطبراني –رحمه الله– عقبه: "لم يَرو هذا الحديث عن نافع إلا عيسى بن عبد الله، تفرد به الوليد، ولا يُروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد". اهـ، وقال ابن عدي –رحمه الله– في كتابه (الكامل في ضعفاء الرجال) (6 / 445): "وهذه الأحاديث يرويها الوليد بن مسلم عن عيسى الأنصاري، وروى عن عيسى هذا بقية بأحاديث مناكير". اهـ
وقال ابن حبان –رحمه الله– في كتابه (المجروحين) (709): "عيسى بن عبد الله الأنصاري شيخ يروي عن نافع ما لا يُتَابع عليه لا ينبغي أن يُحتج بما انفرد لمخالفته الأثبات في الروايات، روى عن نافع عن ابن عمر: " أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم-كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ مِنْبَرِهِ فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ تَوَجَّهَ إِلَى النَّاسِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ جَلَسَ".
أخبرناه الحسن بن سفيان، قال حدثنا ابن أبي السّري، عن الوليد قال: حدثنا عيسى بن عبد الله الأنصاري عن نافع. اهـ، وما بين القوسين زيادة من (لسان الميزان) (1219).
وقال ابن القطان الفاسي –رحمه الله– في كتابه (بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام) (3 / 282): "وإنما العلة أن عيسى بن عبد الله المذكور لا يُتَابع فيما يرويه، ليس في هذا الحديث فقط، بل في عامة ما يرويه، كذلك ذكره أبو أحمد ابن عدي حين ذكره، فهو إذن منكر الحديث". اهـ، وقال ابن الملقن –رحمه الله– في كتابه (البدر المنير) (4 / 626): "هذا الحديث ضعيف"، رواه ابن عدي في (كامله) والبيهقي في (سننه). قال البيهقي: "تفرد به عيسى بن عبد الله الأنصاري". قال ابن عدي: "عامة ما يرويه لا يُتَابع عليه، وله أحاديث مناكير". وتبعه على ذلك عبد الحق فقال في (أحكامه) بعد أن أخرجه من طريق ابن عدي: "ولا يُتَابع عيسى هذا على هذا الحديث". وقال ابن طاهر في (تذكرته): "عيسى هذا يخالف الثقات فلا يُحتج به". اهـ، وقال ابن حجر العسقلاني –رحمه الله– في كتابه (التلخيص الحبير) (641): "ابن عدي من حديث ابن عمر أورده في ترجمة عيسى بن عبد الله الأنصاري وضعفه، وكذا ضعفه ابن حبان". اهـ، وقال في كتابه (الدراية في تخريج أحاديث الهداية) (279): "أخرجه الطبراني وابن عدي، وهو واهٍ". اهـ، وقال بدر الدين العيني –رحمه الله– في كتابه (البناية شرح الهداية) (3/ 62): "هذا الحديث أورده ابن عدي من حديث ابن عمر في ترجمة عيسى بن عبد الله الأنصاري وضعفه، وكذا ضعفه ابن حبان". اهـ
وقال الهيثمي –رحمه الله– في كتابه (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) (3119): "رواه الطبراني في (الأوسط)، وفيه عيسى بن عبد الله الأنصاري، وهو ضعيف، وذكره ابن حبان في (الثقات)". اهـ
وقال النووي –رحمه الله– في كتابه (المجموع شرح المهذب) (4/ 397): "رواه البيهقي من رواية ابن عمر وجابر وإسنادهما ليس بقوي". اهـ، وقال الألباني –رحمه الله– في كتابه (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) (4194): "ضعيف، رواه ابن عدي والبيهقي وابن عساكر عن الوليد بن مسلم عن عيسى بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا"، وقال البيهقي: "تفرد به عيسى بن عبد الله بن الحكم بن النعمان بن بشير أبو موسى الأنصاري، قال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه". ومن طريقه رواه الطبراني أيضًا في (الأوسط)، وقال: "تفرد به الوليد". قلت: وهو يدلس تدليس التسوية". اهـ، وأخرجه البيهقي (5743) أيضًا من طريق الوليد بن مسلم عن رجل حدثه عن نافع فذكره بمعناه.
ثالثًا: قال الإمام الشافعي –رحمه الله– في كتابه (الأم) (1/ 230): "بلغنا عن سلمة بن الأكوع أنه قال: "خَطَبَ رَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُطْبَتَيْنِ وَجَلَسَ جِلْسَتَيْنِ"، وحكى الذي حدثني قال: "اسْتَوَى رَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ قَائِمًا ثُمَّ سَلَّمَ وَجَلَسَ عَلَى الْمُسْتَرَاحِ حَتَّى فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى، ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ". وأتبع هذا الكلام الحديث، فلا أدري أحدَّثه عن سلمة، أم شيء فسَّره هو في الحديث. اهـ، وهذا بلاغ غير موصول، وبين الشافعي وبين صحابيِّه رجال لا يُدرى من هم، ولا عددهم، ولا يدري الشافعي أيضًا –رحمه الله– عن السلام أهو عن سلمة أم من تفسير محَدِّثه.
رابعًا: ما أخرجه أحمد في (العلل ومعرفة الرجال) (2216) واللفظ له، عن هشيم، وعبد الرزاق في (مصنفه) (5282)، وابن أبي شيبة في (مصنفه) (5195) عن أبي أسامة، جميعًا عن مُجالد عن الشعبي قال: "كَانَ رَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَعَدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ عَلَى النَّاس"، ولفظ عبد الرزاق: "كَانَ رَسُولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ وَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ" قَالَ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". ولفظ ابن أبي شيبة بنحوه، وفيه علتان:
الأولى: ضعف مجالد بن سعيد، والثانية: الإرسال، لأن عامر الشعبي تابعي.
وقال ابن عبد الهادي –رحمه الله– في كتابه (تنقيح التحقيق) (1289): "مجالد ليِّن، وحديثه مرسل". اهـ
وقال ابن كثير –رحمه الله– في كتابه (إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه) (1/ 196): "هذا مرسل". اهـ، وقال ابن حجر العسقلاني –رحمه الله– في كتابه (التلخيص الحبير) (642): "وهو مرسل". اهـ
خامسًا: ما أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) (5281) فقال: "عن ابن جريج عن عطاء: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ"، وهذا فيه علتان: الأولى: عنعنة ابن جريج، وهو مدلس، والثانية: الإرسال؛ لأن عطاء بن أبي رباح تابعي"، وقال ابن حجر العسقلاني –رحمه الله– في كتابه (تلخيص الحبير) (642): "وفي الباب عن عطاء مرسلًا". اهـ
سادسًا: ما أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه) (5196) فقال: حدثنا غسان بن مُضَر عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة قال: "كَانَ عُثْمَانُ قَدْ كَبُرَ فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ فَأَطَالَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ إِنْسَانٌ أُمَّ الْكِتَابِ"، وسائر رواته ثقات، إلا أني لم أجد مَن نصَّ على إدراك أبي نضرة لعثمان بن عفان –رضي الله عنه.
وقد قال ابن حجر العسقلاني –رحمه الله– في كتابه (لسان الميزان) (4927): "أبو نضرة العبدي العوقي البصري عن علي وأبي ذر مرسلًا". اهـ، وقال الذهبي –رحمه الله– في كتابه (الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة) (5632): "أبو نضرة العبدي عن علي مرسلًا". اهـ، وقال العلائي –رحمه الله– في كتابه (جامع التحصيل) (800): "أبو نضرة العبدي روى عن علي وأبي ذر –رضي الله عنهما– وغيرهما من قدماء الصحابة، وذلك مرسل، قاله في (التهذيب)". اهـ، وقال أبو زرعة العراقي –رحمه الله– في كتابه (تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل) (ص: 317): "قلت: ما حكاه العلائي عن (التهذيب) من أن روايته عن علي وأبي ذر مرسلة لم أره فيه". اهـ، وقال الألباني – رحمه الله – في كتابه (سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها) (5/ 107 – رقم: 2076) عن أثر عثمان هذا: "وإسناده صحيح". اهـ
سابعًا: أخرج أحمد في (فضائل الصحابة) (418) من طريق محمد بن الفرات عن أبي إسحاق عن الحارث قال: "كَانَ عَلِيٌّ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا قُلْتُ لَكُمْ قَالَ الله، أَوْ قَالَ رَسُولُ الله، أَوْ فِي كِتَابِ الله، فتَعَلَّقُوا بِهِ، فَوَ الله لَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفَنِي الطَّيْرُ، أَوْ تَهْوِي بِيَ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى الله، أَوْ عَلَى رَسُولِهِ، أَوْ عَلَى كِتَابِهِ، وَمَا قُلْتُ لَكُمْ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي فَرَاجِعُونِي، خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، وَمِنْ بَعْدِ أَبِي بَكْرٍ عُمَرُ، وَالثَّالِثُ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ لَسَمَّيْتُهُ، ثُمَّ يَخْطُبُ". وإسناده ضعيف جداً، فيه محمد بن الفرات، وهو متروك، والحارث هو ابن عبد الله الأعور، وهو ضعيف.
ثامنًا: ما أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه) (5197) فقال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ سَلَّمَ عَلَى النَّاسِ، وَرَدُّوا عَلَيْهِ". وإسناده صحيح، وقال الألباني –رحمه الله – في كتابه (سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها) (5/ 107 – رقم: 2076): "وسنده صحيح". اهـ
تاسعًا: قال البيهقي في (السنن الكبرى) (5741-5743) عقب حديث جابر وابن عمر المتقدمين: "وروي في ذلك عن ابن عباس وابن الزبير ثم عمر بن عبد العزيز". اهـ
عاشرًا: قال شمس الدين الزركشي الحنبلي –رحمه الله– في شرحه على (مختصر الخرقي) (2/ 166 – رقم:831) عقب حديث جابر: "وعن أبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وابن الزبير كذلك، رواه عنهم الأثرم، وكذلك روى النجاد عن عثمان، ولا نزاع فيما نعلمه أن يسلم عليهم إذا خرج عليهم كغيره". اهـ
تنبيه:
قال الألباني – رحمه الله – في كتابه (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) (4194):
وإنما صح عنه -صلى الله عليه وسلم- تسليمه عند جلوسه على المنبر، وذلك بمجموع طرقه، وعمل الخلفاء به من بعده، كما بينته في (الصحيحة) (2076). اهـ، وقال في كتاب (الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة) (ص: 103): "وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- التسليم على الحاضرين قبل الشروع في الخطبة من طرق يقوي بعضها بعضًا". اهـ، وقال الحافظ ابن المنذر –رحمه الله– في كتابه (الإشراف على مذاهب العلماء) (2/ 101): "ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أنه إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلَّم على من عند منبره من الجلوس ثم يصعد، فإذا استقبل الناس بوجهه سلم ثم قعد. وروي عن ابن الزبير أنه صعد المنبر وسلَّم، وفعل ذلك عمر بن عبد العزيز، وبه قال الأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأنكر ذلك مالك وكان لا يراه. اهـ
الوقفة الثالثة: عن الأحاديث التي اسْتُدِل بها على أن الخطيب لا يُسلِّم إذا رقى المنبر واستقبل الناس بوجهه.
أولًا: قال عبد الرزاق في (مصنفه) (5263): عن ابن جريج قال: أخبرني محمد بن عمر بن علي: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ يَجْلِسُ، فَإِذَا جَلَسَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ، فَإِذَا سَكَتُوا قَامَ يَخْطُبُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْخُطْبَةِ الْأُولَى جَلَسَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الْآخِرَةَ". وهو حديث معضل. محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب من أتباع التابعين، وهو أيضًا مختلف فيه، فقال الذهبي: ما علمت به بأسًا، ولا رأيت لهم فيه كلامًا، وقال ابن حجر العسقلاني: صدوق، وروايته عن جده مرسلة، وذكره ابن حبان في (ثقاته)، وقال ابن القطان الفاسي: "لا يعرف حال محمد بن عمر".
ثانيًا: قال أبو داود في كتابه (المراسيل) (55): "حدثنا ابن السَّرْح، وحدثنا سليمان بن داود، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: "بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَانَ يَبْدَأُ فَيَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى، ثُمَّ جَلَسَ شَيْئًا يَسِيرًا، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ حَتَّى إِذَا قَضَاهَا اسْتَغْفَرْ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى".
قال ابن شهاب: " فَكَانَ إِذَا قَامَ أَخَذَ عَصًا فَتَوَكَّأَ عَلَيْهَا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، يَفْعَلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ". وهو حديث مرسل، أرسله ابن شهاب الزهري، ومراسيله من أضعف المراسيل.
ووجه الاستدلال من الحديثين: أنه ذُكر فيهما ما كان يصنعه النبي -صلى الله عليه وسلم-إذا رقى المنبر، وليس فيه سلامه على الناس.
ثالثًا: جاء في كتاب (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق مع حاشية الشِّلْبِي) (1 / 220) من كتب الحنفية: فعندنا لا يُسلِّم، فيجب عليهِ ترك السلام من خروجه إلى المنبر ودخوله في الصلاة، وبِه قال مالك. وقال الشافعي: "هو سُنَّة عند توجهه إليهم"، كذا رُوي عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والحجة عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ". وما رواه ضعفه البيهقي. اهـ
قلت: وهذا الحديث الذي ذكره قد أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) (13708) فقال: حدثنا أبو شعيب، حدثنا يحيى بن عبد الله البَابْلُتِّيُّ، حدثنا أيوب بن نَهِيك، قال: سمعت عامرًا الشعبي يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-يقول: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ والإِمَامُ عَلى المِنْبَرِ فَلاَ صَلاَةَ ولاَ كَلاَمَ حَتَّى يَفْرُغَ الإِمَامُ). ويَرُدُّ الاستدلال به أمران:
الأول: أنه في شأن الداخل من المأمومين إلى المسجد أثناء الخطبة لا الخطيب. وقد قال بدر الدين العيني الحنفي – رحمه الله – في كتابه (عمدة القاري شرح صحيح البخاري) (6 / 232) متعقبًا بعض أصحابه من الحنفية في احتجاجهم بهذا الحديث: "والصحيح من الرِواية: "إذا جَاءَ أحدكُم وَالْإِمَام على الْمِنْبَر فَلَا صَلَاة وَلَا كَلَام". اهـ
وقال سراج الدين ابن الملقن الشافعي – رحمه الله – في كتابه (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) (7/ 579): "وفي (الأسرار) من كتب الحنفية عن الشعبي عن ابن عمر مرفوعًا: "إذا صعد الإمام المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ". والصحيح من الرواية: "إذا جاء أحدكم والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام". اهـ
وقال الألباني – رحمه الله – في كتابه (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) (87): "إذا صعد الخطيب المنبر فلا صلاة ولا كلام). قد اشتهر بهذا اللفظ على الألسنة، وعُلِّق على المنابر، ولا أصل له، وإنما رواه الطبراني في (الكبير) عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ: "إذا دخل أحدكم المسجد والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام". اهـ، الثاني: أنه حديث معلول، وإعلاله من جهتين: الأولى: في إسناده أيوب بن نهيك.
وقد ضعفه أبو حاتم، وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال الأزدي: متروك الحديث. وقد ضعف الحديث: ابن الملقن، وابن حجر العسقلاني، والهيثمي، وعبيد الله المباركفوري، والألباني. والثانية: أن رفعه وهم. حيث قال البيهقي – رحمه الله – في (السنن الكبرى) (5687): "أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأ أحمد بن عبيد، ثنا الحسن بن علي السُّكَّري، ثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل، ثنا مروان بن معاوية الفزاري، ثنا مَعمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن ضَمضم بن جَوس، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خُرُوجُ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلصَّلَاةِ، يَعْنِي يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ". وهذا خطأ فاحش، فإنما رواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب من قوله غير مرفوع، ورواه ابن أبي ذئب ويونس عن الزهري عن ثعلبة بن أبي مالك. ورواه مالك عن الزهري، فميَّز كلام الزهري من كلام ثعلبة كما ذكرنا، وهو المحفوظ عند محمد بن يحيى الذُّهلي". اهـ، وقال كمال الدين ابن الهمام الحنفي – رحمه الله – في كتابه (فتح القدير) (2/ 67): "رفعه غريب، والمعروف كونه من كلام الزهري، رواه مالك في (الموطأ) قال:" خُرُوجُهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَكَلَامُهُ يَقْطَعَ الْكَلَامَ". اهـ
وقال جمال الدين الزيلعي الحنفي – رحمه الله – في كتابه (نصب الراية لأحاديث الهداية) (2 / 201):
غريب مرفوعًا، قال البيهقي: "رفعه وهم فاحش، إنما هو من كلام الزهرِي". اهـ
وقد نقل الألباني – رحمه الله – كلام البيهقي السابق ولم يتعقبه بشيء.
الوقفة الرابعة / عن سلام الإمام على الناس أوَّل دخوله عليهم من باب المسجد.
1–نقل جمال الدين يوسف بن عبد الهادي الحنبلي – رحمه الله – في كتابه (مغني ذوي الأفهام) (7/ 207 – مع شرحه: غاية المرام) اتفاق المذاهب الأربعة على استحباب سلام الإمام حين دخوله على الناس المسجد، فقال:
ويسن (و) سلامه إذا خرج، واستُحب (وش) إذا استقبلهم. اهـ
والواو تعني: اتفاق المذاهب الأربعة على المسألة.
والشين تعني: موافقة مذهب الشافعية لمذهب الحنابلة في المسألة.
2– قال شمس الدين الزركشي الحنبلي – رحمه الله – في شرحه على (مختصر الخرقي) (2/ 166 – رقم:831):
ولا نزاع فيما نعلمه أن يُسلِّم عليهم إذا خرج عليهم كغيره. اهـ
3–جاء في كتاب (منح الجليل شرح مختصر خليل) (1/ 437-438) من كتب المالكية:
(و) نُدِبَ (سلام خطيب) على الجماعة الذين في المسجد (لخروجه) على الناس للخطبة، أي عنده، وإن كان السلام في ذاته سنة، ورده فرض كفاية، (لا) يُنْدَبُ سلامه عند انتهاء (صعوده) أي: الخطيب على المنبر، فيكره، ولا يجب رده؛ لأنه معدوم شرعًا، وهو كالمعدوم حسًا، قاله البرموني، واستظهر البدر وجوب رده. اهـ
4– قال أبو زكريا النووي الشافعي – رحمه الله – في كتابه (المجموع شرح المهذب) (4/ 398):
قال أصحابنا: يُسن للإمام السلام على الناس مرتين: إحداهما: عند دخوله المسجد، يسلم على من هناك وعلى من عند المنبر إذا انتهى إليه.
والثانية: إذا وصل أعلى المنبر وأقبل على الناس بوجهه يسلم عليهم. اهـ
5– قال موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي – رحمه الله – في كتابه (المغني) (3/ 161):
يستحب للإمام إذا خرج أن يُسلم على الناس، ثم إذا صعد المنبر فاستقبل الحاضرين سلَّم عليهم، وجلس إلى أن يفرغ المؤذنون من أذانهم. اهـ
6– قال ابن المنذر النيسابوري – رحمه الله – في كتابه (الإقناع) (ص:56):
ويُسلِّم الإمام إذا دنا من منبره على من عند المنبر، فإذا رقى المنبر استقبل الناس سلَّم عليهم وقعد. اهـ
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم