نعم المال الصالح

د عبدالعزيز التويجري

2023-05-12 - 1444/10/22 2023-05-28 - 1444/11/08
عناصر الخطبة
1/لم يذم الإسلام المال بل حث على كسبه وسماه خيرا 2/دعوة الشرع إلى حسن التدبير في المال من غير إسراف ولا شح 3/ليس في حيازة المال محذور إنما المحذور تكسبه من طرق محرمة.

اقتباس

وَإِنَّمَا تَكُونُ مَغَبَّةُ الْمَالِ إِذَا كَانَ مِنَ الِاتِّجَارِ بِالْحَرَامِ، أَوْ مُخْتَلَسًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ أو كسبه من خشٍ وخديعةٍ ورشوةٍ، أوكَنَزَهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يُؤَدِّ حَقَّ اللَّهِ -تَعَالَى-، أَوْ صَرَفَهُ فِيمَا يُغْضِبُ الله -تعالى-؛ "وأَيُّمَا لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ".

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الكبير المتعال، وله الشكر بالغدو والآصال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شديد المحال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليما مزيدا؛ أما بعد:

 

فَاتَّقُوا اللَّهَ أيها المؤمنون، وخذوا من دنياكم لآخرتكم، ومن غناكم لفقركم؛ (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، المال زينة الحياة الدنيا وبهجتها.. المال نفعُ وجمال.. المال صيانة النفس وقوة العين واستغناء عن الناس.. المال في الغربةٍ وطنٌ، والآمال متعلقةٌ بالأموال.

 إذا كنت ذا ثروةٍ من غنىً *** فأنت المسوّد في العالم

 

لم يذم الله المال والغنى على الإطلاق، بل مدح الله المال وسماه خيرا: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً)؛ أي مالاً ..

 

 وأمر الله وحث على طلب العيش والتكسب؛ (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ)، (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)؛ قال عليه الصلاة والسلام: "نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ"(أخرجه الإمام أحمد).

 

وكَانَ من دعاءِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى"(أخرجه مسلم)، وكان عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- يقول: حبذا المال أصون به عرضي وأقرضه ربي فيضاعفه لي. ثم يقرأ: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً).

 

قال ابن عباس -رضي الله عنه- في قوله -عز وجل-: (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ)؛ أي مالا إلى مالكم، وكان -رضي الله عنه- يقول: قد يشرف الوضيع بالمال.

 دعني أصن حرّ وجهي عن إذالته *** وإن تغرّبت عن أهلي وعن ولدي

 قالوا نأيت عن الإخوان قلت لهم *** ما لي أخ غير ما تطوى عليه يدي

 

السعي في الأرض عزٌ للنفسِ واستغناءٌ عن الخلقِ؛ (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)، كان ربيعةُ بن الورد موسرا، وكان له ابن عمٍ معسرا كثيرا ما يشكو إليه الحاجة، ويعطف عليه ربيعة، فلما أكثر عليه كتب إليه:

 إذا المــرء لم يطلب معاشــــا لنفسـه *** شكا الفقر أو لام الصديق فأكثرا

 فسر في بلاد الله والتمــس الغــــــــنى *** تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا

 فما طالب الحاجات من حيث تبتغى *** من المال إلّا من أجدّ وشمّرا

 

لقد سوى الله بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على النفسِ وعلى العيال وللإحسان والإفضال؛ (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).

 

قال سفيان: عليكم بعمل الأبطال، الاكتساب من الحلال والإنفاق على العيال، وكان عمر -رضي الله عنه- إذا نظر إلى فتى وأعجبه، سأل: هل له حرفة فإن قالوا: لا سقط من عينه، وكان يقول: مكسبة فيها دناءة خير من مسألة الناس.

 

وخير مَالك مَا نفعك، فلا خير فيمن لا يصون المالُ عِرضه، ويحمي به مروءته، ويصل به رحمه، "وخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ، وكَفَى بِالْمَرء إثمًا أَنْ يُضَيِّع منْ يَعُول".

سُئل الحسن -رضي الله عنه- عن رجل آتاه الله مالا فأنفق على أهله ما لو أنفق دونه لكفى، فقال: وسع على نفسك وعلى عيالك كما وسع الله عليك، فإن الله قد أدب عباده أحسن تأديب؛ فقال: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ).

وما عذب الله قوما وسع عليهم فشكروه ولا غفر لقوم ضيق عليهم فكفروه، إنما نهى الله عن التبذير والإسراف؛ (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ).

قال أبو بكر -رضي الله عنه-: إني لأبغض أهل بيت ينفقون رزق أيام في يوم واحد.

 

وما وقع تبذير في كثير إلّا هدمه، ولا دخل تدبير في قليل إلا ثمّره؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-لكعب "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"(أخرجه البخاري)؛ فإصلاح المال حسنُ التدبير فيه، فلا مالَ لأخرق، ولا جودَ مع تبذير، ولا بخلَ مع اقتصادٍ.

 

 التدبيرُ يثمرُ اليسير، والتبذيرُ يبددُ الكثير.. حسنُ التدبيرِ مع الكفافِ أكفى من الكثيرِ مع الإسراف، وليس في السرفِ شرف.

 

التقديرُ نصف الكسبِ، فأفضلُ القصدِ عند الجِدة، وعليك من المالِ بما يعولك ولا تعوله؛ (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)؛ فلا منعَ ولا إسراف، ولا بخلَ ولا إتلاف؛ (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا).

 

وإن من المفارقات ألا تُعظم النفوس إلا بما لديها من مالٍ أو منصبٍ أوجاهٍ فحسب

 ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها *** فحيثما انقلبت يوما به انقلبوا

 يعظّمـــون أخــا الدنيا فإن وثبــت *** يوما عليه بما لا يشتهي وثبوا

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا اليه إن ربي رحيم ودود ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى؛ وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا؛ أما بعد:

 

حِيَازَةَ الْمَالِ الْعَظِيمِ لَا تَضُرُّ صَاحِبَهَا إِذَا أَخَذَهَا مِنْ وَجْهٍ حَلَالٍ، وَنَمَّاهَا بِالْحَلَالِ، وَأَنْفَقَهَا فِيمَا يُرْضِي اللَّهَ، "كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ"(متفق عليه).

 

وكان أبوبكرٍ وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف من أثرياء المهاجرين وأغنياء الصحابة، وكانت أموالهم بأيديهم ولم تكن بقلوبهم.

 

 وَإِنَّمَا تَكُونُ مَغَبَّةُ الْمَالِ إِذَا كَانَ مِنَ الِاتِّجَارِ بِالْحَرَامِ، أَوْ مُخْتَلَسًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ أو كسبه من خشٍ وخديعةٍ ورشوةٍ، أوكَنَزَهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يُؤَدِّ حَقَّ اللَّهِ -تَعَالَى-، أَوْ صَرَفَهُ فِيمَا يُغْضِبُ الله -تعالى-؛ "وأَيُّمَا لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ".

 

 فمن لم يحسن أخذ المال وصرفه أهلكه، فهو كالحية ليّن لمسها قاتل سمها؛ "ولاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ".

 

وقد لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- "الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ"(قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).

 

والرشوة: كلّ مالٍ دفع ليبتاع به من ذي جاه عَونًا على ما لا يجوز، والمُرتَشِي هو قابِضُه، والرَّاشي هو دَافِعُه، والمُرَاشِي هو الّذِي يوسّط بينهما، فأما لو دفعَ أحدٌ شيئًا من المال إلى أحد ليوصِلَ إليه حقَّه، أو ليعينَه في أخذ حقِّه من ظالمٍ، أو ليدفَعَ عنه ضَرَرًا، فليس برِشْوةٍ منهيةٍ، بل هو جائزٌ، هكذا ذكر الخَطَّابي.

 

ورويَ: أن ابن مسعود -رضي الله عنه- أُخذ بشيءٍ في الحَبشَة، فأعطى دينارين حتى خُلِّي سبيلُه.

 

اللهم ارزقنا مالاً حلالً طيبا وافرا ..

اللهم اوسع لنا من الرزق الحلال وجنبنا المتشابه والحرام ..

اللهم اصلح قلوبنا واعمالنا وأخلص نياتنا وأصلح ذرياتنا وخصنا من مظالم العباد ..

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح اللهم ولاة امورنا

المرفقات

نعم المال الصالح.doc

نعم المال الصالح.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات