نعمة الغيث

الشيخ محمد ابراهيم السبر

2024-11-22 - 1446/05/20 2024-12-08 - 1446/06/06
عناصر الخطبة
1/أهمية نعمة الماء 2/نعمة إنزال المطر 3/من رحمة الله في نزول الأمطار 4/وسائل استنزال الأمطار.

اقتباس

وَمِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ: نِعْمَةُ الْمَاءِ، فَهُوَ سِرُّ الْوُجُودِ، أَرَخَصُ مَوْجُودٍ، وَأَغْلَى مَفْقُودٍ... وَإِنْزَالُ الغَيثِ أَمْرٌ بِيدِ اللهِ، لَا بِيدِ غَيْرِهِ، فَهوَ مِنْ دَلَائِلِ رُبُوبِيَتِهِ -سُبْحَانَهُ-... وإِنْزَالُ الغَيْثِ مِنْ آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ -سُبْحَانَهُ- بِعِبَادِهِ، وَقَدْ يُمْسكه لِحُكْمَةٍ يَعْلَمُهَا...

الخطبةُ الأولَى:

 

الْحَمْدُ للهِ، الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدرٍ، نَقِيًّا مِنَ الشَّوَائِبِ والْكَدَرِ، فَعَمَّ بِهِ الْبَوَادِي وَالْحَضَر؛ نَحْمَدُهُ –سُبْحَانَهُ- وَنَشْكُرُهُ، وَحُقَّ لَهُ أَنْ يُشْكُرَ، وَنَشْهَدُ أَلَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ فِي المَحْشَرِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَصَحْبه أجمعين.

 

أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ؛ (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ نِعَمَ اللهِ عَلَى العِبَادِ لَا يَحُدُّهَا حَدٌّ، وَلَا يُحْصِيهَا عَدٌّ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِهَا أَحَدٌ، نِعَمَ عَامَّةٌ، سَابِغَةٌ تَامَّةٌ؛ (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)[لقمان: 20]؛ فَعَطَاؤُهُ مَمْدُودٌ، وَفَضْلُهُ مَحْمُودٌ، يَهَبه لِمَنْ يَشَاءُ لِيَذْكُرَهُ وَيَحْمَدَهُ وَيَشْكُرَهُ، وَمَنْ عَرفَ النِّعْمَةَ شَكَرَ، وَمَنْ أَنْكَرَهَا خَابَ وَخَسِر.

 

وَمِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ: نِعْمَةُ الْمَاءِ، فَهُوَ سِرُّ الْوُجُودِ، أَرَخَصُ مَوْجُودٍ، وَأَغْلَى مَفْقُودٍ، كَمَا أَخَبَرَ رَبُّنَا الْمَعْبُودُ؛ (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)[الأنبياء: 30].

 

وَإِنْزَالُ الغَيثِ أَمْرٌ بِيدِ اللهِ، لَا بِيدِ غَيْرِهِ، فَهوَ مِنْ دَلَائِلِ رُبُوبِيَتِهِ -سُبْحَانَهُ-؛ (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشورى: 28].

 

إِنْزَالُ الغَيْثِ مِنْ آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ -سُبْحَانَهُ- بِعِبَادِهِ، وَقَدْ يُمْسكه لِحُكْمَةٍ يَعْلَمُهَا؛ (مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[فاطر: 2]؛ وَلحِكْمتهِ -تَعَالَى- يُقَدِّرَ عَلَى عِبَادِهِ الْقَطْر؛ فَيُنْزِلُهُ لِأُمَّةٍ وَيَحْجِبُهُ عَنْ أُمَّةٍ أُخْرَى، وَيُنْزِلُهُ عَلَى أَرَضٍ وَيَمْنَعُهُ عَنْ أُخْرَى؛ (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)[الشورى: 27]؛ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُمَا-: "لَيْسَ عَامٌ بِأَكْثَر مَطَرًا مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّ اللهَ يُصَرِّفُهُ أَيْنَ شَاءَ"، ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا)[الفرقان: 50].

 

نُزُولُ الْغَيْثِ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ، وَبَرَكَةٌ عَلَى خَلْقِهِ، وَرُبَّمَا يَكوُنُ بَلاءً وعَذَاباً؛ قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: كَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا رَأَى غَيْماً أوْ رِيحاً عُرِفَ فِي وَجْهِهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أنْ يَكونَ فِيهِ المَطَرُ، وأَرَاكَ إذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الكَرَاهِيَةُ؟! فَقالَ: "يَا عَائِشَةُ، مَا يُؤْمِنُّنِي أنْ يَكونَ فِيهِ عَذَابٌ؟ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابَ، فَقالوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

فِي نُزُولِ الْغَيْثِ دَليلٌ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ -سُبْحَانَهُ- عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ؛ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي المُوتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[فصلت: 39].

 

وَالْوَاجِبُ شُكْرُ اللهِ وَحَمْدُهُ عَلَى نِعَمِه؛ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)[الملك: 30]، وَمِنْ شُكْرِ نِعْمَةِ الْغَيْثِ نِسْبتُهُ إِلَى مُنْزِلِهِ، وَالثَّنَاءُ عَلَى خَالِقِهِ، وَهَذَا مِنْ تَمَامِ التَّوْحِيدِ؛ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَاسْتِنْزَالُ الْقَطْرِ بِتَحْقِيقِ الْإيمَانِ وَالتَّقْوَى؛ (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)[الأعراف: 96]، وَلُزُومِ الْاِسْتِقَامَةِ؛ (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا)[الجن: 16]، وَكَثْرَةِ الْاِسْتِغْفَارِ؛ (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)[نوح: 10- 12].

 

فَاتَّقَوْا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَقَدِّرُوُا هَذِهِ النِّعَمَ حَقَّ قَدْرِهَا؛ فَدَوَامُ الْحَالِ مِنَ الْمُحَالِ، وَأَدِيمُوا الشُّكْرَ لِرَبِّ الْأرْضِ وَالسَّمَاءِ.

 

اللَّهُمَّ اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِينَ لَكَ بِالليْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ.

 

وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطبَةُ الثَّانيةُ:

 

الحمْدُ للَّهِ وَكَفَى، وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الذينَ اصْطَفَى.

 

وَبَعْدُ؛ فَاتَّقُوا اللهَ -رَحِمَكُمِ اللهُ- حَقَّ التَّقْوَى؛ ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- أَمَرَنَا بِأَمْرٍ عَظِيمٍ تَزْكُو بِهِ حَيَاتُنَا، وَتَسْعَدُ بِهِ أَنَفْسُنَا، وَتَطَمْئِنُّ بِهِ قُلوبُنَا، أَلَا وَهُوَ الْإكْثَارُ مِنَ الصَّلَاَةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ؛ أَبِي بِكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ بَقِيَّةِ الْعَشَرَةِ وَأَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ.

 

اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ وَالمُسلمينَ، وَاجْعَلْ هَذَا البلدَ آمِناً مُطْمَئناً وَسَائرَ بِلادِ المُسلمينَ.

 

اللَّهُمَّ وفِّق خَادَمَ الحَرَمينَ الشَريفينَ، وَوليَّ عَهدِهِ لمَا تُحبُّ وترضى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: اذكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

المرفقات

نعمة الغيث.doc

نعمة الغيث.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات