نعمة الصحة والعافية

مرشد الحيالي

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/قدر نعمة الصحة والعافية 2/كيف نعرف قدر هذه النعمة؟ 3/الفهم الخاطئ لنعم الله 4/كيف نحفظ هذه النعمة؟

اقتباس

كم منا من يستعمل لسانه في الغيبة والنميمة وإيذاء المخلوقين بدلا من أن يستعمله في تلاوة كتاب الله، وذكره والنصح والإرشاد، والأقوال النافعة المفيدة التي تنفع وتخدم المجتمع؟! كم منا يستعمل نظره فيما حرم الله بدلا من النظر في ملكوت السموات والأرض، وتدبر آيات الله المشهودة والمرئية؟! كم منا من يستخدم رجله في ..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله بنعمته تتم الصالحات، وبشكره والثناء عليه يكثر الخير وتزداد المسرات، وأشهدا أن لا إله إلا الله ولي الصالحين والصالحات، وأن محمداً عبده ورسوله يصلي عليه أهل الأرض والسموات، ورضي الله عن سادات ديننا وكبراء أئمتنا بالحق أبي بكر عمر وعثمان وعلي، وبقية الصحابة والقرابة والتابعين إلى يوم الدين، أوصيكم ونفسي الخاطئة أولا بطاعة الله، وأحثكم على طاعته ولزوم أوامره، وكثرة مخافته، فان التقوى شعار المؤمنين، ودثار المتقين ووصية الله في وفيكم أجمعين.

 

وبعد:

 

أيها المسلمون: إن الله أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنه، ومن نعمه الجليلة، وأفضاله الكريمة نعمة الإسلام والتمسك بتعاليم الشرع الحنيف، وقد قال -سبحانه- عن أهل الجنة وهم في النعيم المقيم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) [الأعراف:43].

 

والهداية إلى الحق، وتذوق حلاوة الإيمان، وانشراح الصدر، وقرة العين مما يفقده الكثير اليوم حيث القلق وفقدان الاطمئنان والشعور بالتوتر، وقد امتن الله على عباده بهذه النعمة وأسبغها على أولياءه وأصفيائه فقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة:3].

 

ومن أجل النعم بعد نعمة الإسلام، والهداية إليه والتوفيق نعمة الصحة والعافية، وسلامة الأعضاء من الآفات والأمراض، وبالصحة يمكن للمرء مزاولة الكثير من الأعمال، وأداء الكثير من العبادات والطاعات التي يثاب عليها المرء جاء في الحديث: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ" رواه البخاري.

 

والغبن المقصود به الخسارة، فتجد الكثير من الناس لا يقدرون هذه النعمة العظيمة، ولا يستخدمونها في موضعها، ولا يقدرون أهميتها وقيمتها، لذا فهم يستعملونها فيما لا يرضي الله ولا يرضي رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من لم يحسن استعمال هاتين النعمتين فقد ظلم نفسه، ومَنْ اسْتعمل فراغه وصحَّته فِي طاعة الله فهوَ المغبوطُ. ومَنْ اسْتعملهما فِي معصية الله فهوَ المغبونُ".

 

أيها الناس: إذا أراد المرء أن يعرف قيمة تلك النعمة العظيمة فليذهب إلى المشافي، ولينظر إلى الراقدين على الأسرة، والمصابين بأنواع من الأمراض الجسدية مثل مرض القلب والشلل، وفقدان بعض الأعضاء، وهم يتمنون أن يكونوا في كامل صحتهم وعافيتهم، ولذا حثنا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام على استغلال تلك النعمة في طاعة الله ورسوله فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "بادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ" أخرجه الترمذي في سننه.

 

أيها المسلمون: كم منا من يستعمل لسانه في الغيبة والنميمة وإيذاء المخلوقين بدلا من أن يستعمله في تلاوة كتاب الله، وذكره والنصح والإرشاد، والأقوال النافعة المفيدة التي تنفع وتخدم المجتمع؟! كم منا يستعمل نظره فيما حرم الله بدلا من النظر في ملكوت السموات والأرض، وتدبر آيات الله المشهودة والمرئية؟! كم منا من يستخدم رجله في المشي إلى إيقاع الخصومة بين الأحبة وإلى ما حرم الله بدلا من أن يستعملها فيما وضعت له من المشي للمساجد وعيادة المرضى؟!.

 

أيها المؤمنون: إن بعض الناس -هداه الله- يحصر نعم الله في الأموال -الدرهم والدينار-، فتراه إذا خسر في تجارة أو ضاع منه مبلغ، أو ركبته الديون جزع وأصابه اليأس والقنوط، -والمال بلا شك من النعم التي أنعم بها علينا الخالق- وينسى أو يغفل عن نعم عديدة تحيط به من كل جانب؛ مثل نعمة البصر والسمع، ونعمة الشم والتذوق التي لو فقدها لم يجد للحياة مذاقا، فبها يتذوق حلاوة الطعام ولذة الشراب، وكذا نعمة اللسان التي يعبر بها عما يجول في خاطره ويخاطب بها من حوله، ولذا جاءت الآثار تبين أهمية التفكر والتدبر والتأمل في نعم الله، وأنه -أي التفكر- ربما يفوق بعض العبادات والطاعات؛ لأن التفكر والاعتبار والتأمل يورث الخشية، ومحبة المنعم وطاعته والالتجاء إليه في الضراء، وشكره في السراء، قال أبو الدرداء: "تفكر ساعة خير من قيام ليلة" رواه أحمد وإسناده صحيح.

 

أيها المسلمون: إذا أراد المسلم أن يحفظ له هذه النعمة فعليه أن يحفظ أوامر الله، وقد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك" رواه أحمد والترمذي، أي احفظ أوامر الله ونواهيه، يحفظ الله جوارحك من التلف والعطب ومن كل مكروه وبلية، كان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو ممتَّعٌ بقوَّتِه وعقله، فوثب يوماً وثبةً شديدةً من سفينة، فعُوتِبَ في ذلك، فقال: "هذه جوارح حفظناها عَنِ المعاصي في الصِّغر، فحفظها الله علينا في الكبر".

 

أيها المسلمون: مما يحفظ لنا نعمة الصحة أن نشكر الله عليها، ونثني بما هو أهله يقول -سبحانه وتعالى-: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7]، وجاء في حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليَرضى عن العبد أن يأكل الأَكلة، فيَحمده عليها، أو يشرب الشَّربة، فيحمده عليها"؛ رواه مسلم.

 

وكان من هدي المصطفى أن يسأل ربه العافية في الدنيا والآخرة، وأن يسأله سلامة الأعضاء، وعافية البدن، وقوة الجسد، جاء في الحديث عن جُبير بن مُطْعِم قال: سمعت ابن عمر يقول: "لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَدَعُ هؤلاء الدعوات حين يُمسي وحين يُصبح اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخر اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودُنْياي، وأهلي، ومالي، اللهم استر عوراتي وآمِنْ روْعاتي، اللهم احفظني من بين يديَّ، ومِنْ خَلْفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغْتال من تحتي" رواه ابن ماجه.

 

ولأن المسلم يمكنه بالصحة وسلامة أعضائه أن يكسب الأجور، ويرتقي الدرجات ويزداد من الخير، وينفع أبناء مجتمعه ووطنه، بخلاف من أصيب في بدنه وعافيته، وأعيق عن أداء العبادات على الوجه المطلوب، ولذا جاء بيان صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم عن عمران بن حصين أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة قاعدا فقال: "صل قائما فإنه أفضل ثم قال: صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم وصلاة النائم على النصف من صلاة القاعد" رواه النسائي في الكبرى والمجتبى.

 

اشكروا الله -أيها المسلمون- على ما أولاكم به من النعم، واسألوه أن يدفع عنا وعن بلادنا الشرور والنقم، وأدوا ما افترض الله عليكم من الطاعات، قبل حلول الأجل وضياع الصحة والأوقات، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات، وطوبى لمن وجد في صحائفه استغفاراً كثيراً، وصلاة على الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

 

المرفقات

الصحة والعافية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات