نعمة الصحة في الأبدان

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ كثرة نعم الله على خلقه 2/ من أعظم النعم: نعمة الصحة والعافية 3/ زر المستشفيات تتبين عظيم نعمة الصحة 4/ هل نستخدم عافيتنا فيما يرضي ربنا؟ 5/ ما أحلم الله على عباده!! 6/ بالشكر والإيمان تدوم وتكثر النعم 7/ جحود النعم والعصيان سبب حلول النقم.

اقتباس

إذا أراد العبد أن يتعرف على نِعَم الله التي يحملها بين جنبيه، فليزر المشافي التي يقطنها المرضى، خصوصًا قسم العناية المركزة، وقسم النقاهة، ترى أشباه بني آدم، أجسادا خاوية، قد علتها الأجهزة المساعدة على الحياة، وهم لا يشعرون بالزوّار أشبه بالأموات، قد ملت منهم الأسرة، اختصك الله بالعافية، وابتلاهم الله بالمرض، وإن هذا ليدعو العبد أن يتفكر في نفسه، وما يحمل من النعم، هل شكرها؟! وهل استعملها في طاعة الله؟!

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد فيا أيها الناس: كثيرة هي نعم الله التي نعدها حتى نعجز عن العد، ولا يمكن لنا إحصاؤها، كما قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) [إبراهيم: 34]، وكل نعمة إذا تأملناها لا يمكن للعبد أن يفي بحق شكرها فضلاً عن شكرها جميعًا، وإن من أعظم النعم التي نتقلب بها ليلاً ونهارًا، ولا نشعر بقيمتها حتى نفقدها، نعمة الصحة والعافية في الأبدان، يقول العزيز العلام: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) [النحل:53].

 

قال الإمام القرطبي –رحمه الله-:"(مِنْ نِعْمَةٍ) أي: صحة جسم، وسعة رزق، وولد، فمن الله" (تفسير القرطبي: 10/114).

 

يقول وهب بن منبه –رحمه الله-: "رؤوس النِّعم ثلاثة؛ فأولها: نعمةُ الإسلام التي لا تتمُّ نعمُه إلا بها، والثانية: نعمةُ العافية التي لا تطيبُ الحياةُ إلا بها، والثالثة: نعمة الغنى التي لا يتمُّ العيشُ إلا به". (عدة الصابرين لابن القيم: ص117).

 

فهذه النعمة العظيمة أيها الأفاضل لا يعرف قدرَها ولا قيمتها إلا من فقدها!، يقول بكر بن عبد الله المزني -رحمه الله-: "يا ابن آدم! إذا أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فَغْمِضْ عينيك " (الشكر لابن أبي الدنيا: ص 182).

 

عباد الله: إذا أراد العبد أن يتعرف على نعم الله التي يحملها بين جنبيه، فليزر المشافي التي يقطنها المرضى، خصوصًا قسم العناية المركزة، وقسم النقاهة، ترى أشباه بني آدم، أجسادا خاوية، قد علتها الأجهزة المساعدة على الحياة، وهم لا يشعرون بالزوّار أشبه بالأموات، قد ملت منهم الأسرة، اختصك الله بالعافية، وابتلاهم الله بالمرض، وإن هذا ليدعو العبد أن يتفكر في نفسه، وما يحمل من النعم، هل شكرها؟!

وهل استعملها في طاعة الله؟!

وكيف لو استخدمها في معصية الله، يا ويلها من نفس كفورة!!

ألا تخشى أن يسلبها الله نعمة العافية لتعود لربها؟!

 

ما أحلم الله على خلقه!!

يبادرهم بالنعم، ويقابلونه بالجحود، يتحبب إليهم وهو غني  عنهم، فانظر لمن رزقه الله السمع والبصر، كيف يسمع به ما حرم الله، ويبصر به ما حرم الله، ألا يخشى من سلبها، ألا يرى إلى الصم البكم، كيف يعيشون!

 

وانظر إلى من رزقه الله نعمة المشي بالأقدام، ونعمة الكلام، ونعمة الكلى السليمة والكبدَ السليمة، والقلب السليم، كيف نجرؤ على استعمالها في معاصي الله، اللهم حلمك وعفوك!!

 

لذا -أيها الأحبة- فإن نعمة الصحة مِنَّة جليلة، وعطية كريمة، تجب رعايتها باستخدامها في طاعة الله جل وعلا، فقد أخرج الترمذي (في جامعه 2346) من حديث عبيد الله بن مِحْصَن الأنصاري –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ له الدُّنْيَا". وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-. 

 

يقول المناوي –رحمه الله-: "يعني مَن جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجه، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها، بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصية، ولا يفتر عن ذكره" (فيض القدير: 6/68).

 

وليعلم كل من رُزق نعمة الصحة ووُفِّق إليها، أنه مغبوط عليها وذلك لقيمتها وأهميتها، أخرج البخاري (6049) في صحيحه من حديث عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ من الناس؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ".

 

يقول ابن الجوزي –رحمه الله-:" اعلم أنه قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا للعبادة لاشتغاله بأسباب المعاش، وقد يكون متفرغًا من الأشغال ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا للعبد ثم غلب عليه الكسل عن نيل الفضائل فذاك الغبن، كيف والدنيا سوق الرباح، والعمر أقصر، والعوائق أكثر". (كشف المشكل:  2/437).

 

اللهم احفظ علينا صحتنا، واشف كل مريض ومبتلى، أقول قولي....

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد فيا أيها المؤمنون: إن مما ينبغي أن نعلمه أن بالشكر والإيمان تدوم وتكثر النعم،وبالجحود والعصيان تَحل وتزداد النقم، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7].

 

يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-: "لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمر، وله عليه فيه نهي، وله فيه نعمة، وله به منفعة ولذة، فإن قام لله في ذلك العضو بأمره واجتنب فيه نهيه، فقد أدى شكر نعمته عليه فيه، وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به، وإن عطل أمر الله ونهيه فيه عطله الله من انتفاعه بذلك العضو، وجعله من أكبر أسباب ألمه ومضرته" (الفوائد: ص 193).

 

لأننا سنُسأل عنها! يوم الدين عند الوقوف بين يدي رب العالمين!، أخرج الترمذي (3358) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ أَوَّلَ ما يُسْأَلُ عنه يوم الْقِيَامَةِ -يَعْنِي الْعَبْدَ- من النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ له: أَلَمْ نُصِحَّ لك جِسْمَكَ، وَنُرْوِيَكَ من الْمَاءِ الْبَارِدِ؟" وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.

 

يقول المناوي –رحمه الله-: "(أَلَمْ نُصِحَّ لك جِسْمَكَ) أي: جسدك وصحته أعظم النعم بعد الإيمان (وَنُرْوِيَكَ من الْمَاءِ الْبَارِدِ) الذي هو من ضرورة بقائك ولولاه لفنيت بل العالم بأسره، ولهذا كان جديرا بالسؤال عنه والامتنان به" (فيض القدير:  2/204).

 

فيا من رزقكم الرحمن نعمة الصحة والعافية في الأبدان! استثمروها واغتنموها في طاعة المنان، قبل فوات الأوان كما أمركم بذلك رسول العزيز العلام -عليه أفضل الصلاة والسلام-؛ أخرج الحاكم (في مستدركه 4/341) عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل وهو يعظه: "اغْتَنِم خمسًا قبل خمسٍ: شَبَابكَ قَبل هَرمِكَ، وصِحَتَكَ قبل سَقَمِكَ، وغِنَاكَ قبل فَقْرِكَ، وفراغَكَ قبل شُغلِكَ، وَحياتَكَ قبل موتِكَ". 

 

واعلموا أن الجزاء من جنس العمل! فمن حفظ جوارحه واستغل صحته فيما يرضي ربه جل جلاله، رجع عليه نفع ذلك يوم يقف أمام خالقه، بل إن الله -جل وعلا- من كرمه سيحفظ له قوته عند كبره وتقدم سنه.

 

يقول الإمام ابن رجب –رحمه الله-: "ومن حفظ الله في صباه وقوته، حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتَّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله، وكان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله فوثب يومًا وثبة شديدة فعُوتِب في ذلك فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، وعكس هذا أن بعض السلف رأى شيخا يسأل الناس فقال: إن هذا ضعيف ضيَّع الله في صغره فضيَّعه الله في كبره". (جامع العلوم والحكم: ص 186).

 

فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلنا وإياكم ممن يغتنم صحته ووقته فيما يعود عليه بالنفع في الدارين، وأن يمتعنا وإياكم بالصحة والعافية في كل وقت وحين، وأن يشفي جميع مرضى المسلمين، فهو سبحانه ولي ذلك وأرحم الراحمين.

 

اللهم اغفر للمسلمين...

 

 

 

المرفقات

الصحة في الأبدان

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات