عناصر الخطبة
1/الفرحة الغامرة باستقبال خير الشهور 2/من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان 3/الحث على اغتنام شهر رمضان المباركاقتباس
إنَّ مِنْ أعظمِ نِعَمِ اللهِ -عز وجل- على عباده المؤمنين، أن منَّ عليهم قبل أيام قلائل ببلوغ موسم من مواسم الخيرات، هو شهر رمضان ذو الرحمات والبركات، شهر يفرح فيه الصائمون، ويَربَح فيه عندَ الله العاملون، شهر فرائضه مضاعَفة على فرائض غيره من الأجور...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الكريم المنَّان، واسع الفضل والإحسان، فرَض صيامَ شهر رمضان على عباده المؤمنين، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولي المتقين، وعباده الصالحين، أكرم أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا كثيرًا بشهر رمضان، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، خير من صلى وصام، وطاف بالبيت الحرام، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه نجوم الْهُدَى ومصابيح الظلام.
أما بعدُ: فأوصيكم بتقوى الله -عز وجل- وطاعته، فإنَّه معكم بعلمه في كل زمان ومكان، واعلموا أن قليل العمل مع تقوى الله -عز وجل- كثيرٌ، وكثيرُه مع غير تقوى الله قليلٌ، وتمسَّكوا بأركان الدين وشُعَب الإيمان، فلا نجاةَ ولا فلاحَ لكم في المحيا والممات إلا بتقوى الله -عز وجل- والإيمان به، واغتنِمُوا مدةَ هذه الحياة قبل فواتها، وسارعوا إلى الطاعات فإنكم في أشرف أوقاتها، فالإنسان في هذه الحياة الدنيا لن يُعمَّر، ولن يبقى، فهو موجود من العدم، وصائرٌ إلى العدم، وإن الساعات التي تمر بالإنسان في هذه الدنيا كأنها لحظات، لحظة تتلوها لحظة، وهكذا إلى أن يصل الإنسان إلى آخر نهايته، وهذا أمر يشعر به كل واحد منا، ولنتذكر إخوانًا لنا كانوا في العام الماضي ينتظرون شهرَ رمضان، شهر الخير والبركة، انتهت آجالهم، وانقطعت أعمالهم، وصاروا إلى صقع من الأرض ليس معهم إلا أعمالهم، وما تركوا لأنفسهم من بعدهم إلا صدقة جارية، أو علمًا ينتفع به، أو ولدًا صالحًا يدعو لهم، ونحن صائرون إلى ما صاروا إليه.
وهكذا استدار الزمان وعاد شهر رمضان هذا العام، عاد بعد أن نسينا كثيرًا، وبعد أن سبَحْنا في شؤون دنيانا سَبَحَانًا طويلًا؛ فقد عاد رمضان وقُدِّرَ لنا أن نعود معه لنشهد أيامه الغرَّاء ونحيي لياليه الزهراء.
أيها المسلمون: إنَّ مِنْ أعظمِ نِعَمِ اللهِ -عز وجل- على عباده المؤمنين، أن منَّ عليهم قبل أيام قلائل ببلوغ موسم من مواسم الخيرات، هو شهر رمضان ذو الرحمات والبركات، شهر يفرح فيه الصائمون، ويَربَح فيه عندَ الله العاملون، شهر فرائضه مضاعَفة على فرائض غيره من الأجور، ونوافله كفرائض غيره من الشهور، شهر الجود والصدقات، شهر تقال فيه العثرات، وتُكفَّر فيه السيئاتُ، فرَض اللهُ علينا صيامَه، وسنَّ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قيامَه؛ كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه ويقول لهم: "أتاكم شهر رمضان شهر بركة، ينزل الله به الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ويباهي الله بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله" عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد إلى الطبراني، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين"(رواه البخاري ومسلم).
وقد كان من هديه -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان -وهو أكملُ الهدي- الإكثارُ من أنواع العبادات، فقد كان أجود الناس في الخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه الصدقة، والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر، والاعتكاف، وحث -عليه الصلاة والسلام- على العمرة إلى البيت الحرام في رمضان، قال -صلى الله عليه وسلم- لامرأة من الأنصار: "مَا مَنَعَكِ أَنْ تحجي مَعَنَا. قَالَتْ: كَانَ لَنَا نَاضِحٌ فَرَكِبَهُ أَبُو فُلَانٍ وَابْنُهُ، لِزَوْجِهَا وَابْنِهَا، وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ، فَإِنَّ عُمْرَةً في رَمَضَانَ حَجَّةٌ"(مُتفَق عليه).
وكان -عليه الصلاة والسلام- يخصُّ شهرَ رمضان من العبادة ما لا يخص غيرَه به من الشهور، فاحمدوا اللهَ -عز وجل- على نعمة بلوغه، واشكروه بالجد والاجتهاد وعمارة أوقاته بأنواع الطاعات، فأقبلوا -رحمكم الله- بحفظه من الزلل والآثام، فهذه أزمنة الفضائل، فأين المغتنمون؟! وهذه مواسم التجارات الرابحة، فأين الطالبون؟! قال -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ، وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، مَرَّتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ -عز وجل- فَرِحَ بِصِيَامِهِ".
أعانني الله وإيَّاكم على صيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا، وغفر لنا جميع الزلات، وستر علينا كل الخطيئات، وسامحنا يوم السؤال والمناقشات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي غمَر قلوبَ عباده بإنعامه، وعمر قلوبهم بأنوار الدين وأحكامه، وتعهدهم بما شرع لهم بلطيف حكمته وأحكامه، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له في ذاته وصفاته وفعله، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أرسله إلى الناس كافَّة، ليظهره على الدين كله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المعتصِمِينَ بحبله.
أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، والمسارَعة إلى مغفرة من الله -عز وجل-، وجنة عرضها السماوات والأرض، أُعدت للمتقينَ.
واعلموا -رحمكم الله- أن شهركم قد أخذ في النقص، فزيدوا أنتم في العمل، فكأنكم به وقد انصرف، فكل شهر فعسى أن يكون منه خلف، وأمَّا شهر رمضان فمن أين لكم منه خلف؟!
فالسعيد من تدبَّر أمرَه، وأخذ حذره، وانتهز الفرصة قبل فواتها، واغتنم فضل ربه بالجود والكرم والإحسان، فأكثروا من قراءة القرآن وإطعام الطعام والتصدق على الفقراء والأيتام، وصونوا جوارحكم فيه عن المعاصي والذنوب والآثام.
وأكثِرُوا من الصلاة والسلام على سيد الأنام، وبدر التمام؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على سيد الخلق أجمعين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، أمناء دعوته وقادة ألويته، ومن ترحم عليهم ودعا لهم، ولم يكن في قلبه غل لهم أجمعين، فإنهم ممن عناه الله -عز وجل- بقوله: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارض عَنَّا وعنهم يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ فارج الهم، كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمن الدنيا والآخرة، تعطيهما من تشاء، وتمنعهما عمن تشاء، ارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك، يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من الفقر والقلة والذلة، ونعوذ بك من أن نظلم أو أن نظلم، اللهمَّ اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ يا من لا تضره المعصيةُ، ولا تنفعه الطاعةُ، ارحمنا وتفضَّلْ على أيدٍ امتدَّتْ إليكَ بالتذلل والضراعة، تسألك عتق رقابها من النار ذات الهول والفظاعة، اللهمَّ إنَّا نسألك أن تجعلنا في هذا الشهر المبارك من المعتَقين من النار، الناجين من جار البوار، المخلدين في جنتك دار القرار، إنك رحيم غفار يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ إنَّا نسألك في هذا الشهر المبارك بوجهك العظيم، وكتابك الحكيم ألا تدع لنا في ساعتنا هذه ذنبًا إلا غفرته، ولا عيبًا إلا سترته، ولا هما إلا فرجته، ولا ضرًّا إلا كشفته، ولا خللًا إلا سددته، ولا إيمانًا إلا أثبته، ولا قلبًا إلا شرحته، ولا ضالًّا إلا هديته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا ميتًا إلا رحمته، ولا مسؤولًا في القبر إلَّا ألهمته، ولا خائفًا من عقابك إلا أمنته.
اللهمَّ اغفر لنا ما قدمناه وما أخرناه، وما أحصيناه ونسيناه، وعلمته وجهلناه، اللهمَّ لا تدع لنا أملًا إلا بلغتنا إيَّاه، ولا سؤالًا إلا سوغته، ولا خيرًا إلا أعطيتنا إيَّاه، ولا شرًّا إلا كفيتناه، يا خير من عول عليه عبده ورجاه يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالعز والتمكين والنصر المبين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين، الأمير محمد بن سلمان، اللهمَّ احفظهما في صحة كاملة، وعافية شاملة، واجزهما عن الحرمين الشريفين ومقدسات الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأوفاه، اللهمَّ وفق جميع قادة المسلمين، واهدهم لما فيه الخير لدينهم وأوطانهم، اللهمَّ احفظ جنودنا، واحم حدودنا وثغورنا، واحفظ رجال أمننا يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراء إليكَ، أنزِلْ علينا الغيثَ ولا تجعَلْنا من القانطينَ، اللهمَّ اسقِنا وأغِثْنا، اللهمَّ إنَّا نستغفركَ إنَّكَ كنتَ غفَّارًا، فأرسِلِ السماءَ علينا مدرارًا، اللهمَّ إنَّا خلق من خلقك، فلا تمنع عَنَّا بذنوبنا فضلك؛ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم