عناصر الخطبة
1/ أمة الإسلام جسد واحد 2/ دوام بذل الخير للغير مقياس إيمان 3/ سبق المؤمن للخير 4/ خلل في بنيان المجتمع 5/ كل راع مسؤول عن رعيته 6/ استشراء الفساد الإداري في مؤسسات الدولةاقتباس
وَإِنَّ مَا أَصَابَ الأُمَّةَ مِن مَصَائِبَ وَمَا حَلَّ بها مِن كَوَارِثَ، لَمِن خَيرِ مَا يَشهَدُ عَلَى ذَلِكَ، فَكَم مِن مُصِيبَةٍ نَزَلَت بِقَومٍ مِنَ المُسلِمِينَ، فَتَسَابَقَ النَّاسُ في أَوَّلِهَا لِتَخفِيفِهَا عَلَيهِم، وَهُرِعُوا في بِدَايَتِهَا لِنَجدَتِهِم وَإِغَاثَتِهِم، ثم مَا لَبِثُوا أَن نَسُوهُم سَرِيعًا وَتَرَكُوهُم في مُصِيبَتِهِم، يَتَجَرَّعُونَ شِدَّةَ أَلَمِهَا، وَمَرَارَةَ نِسيَانِ إِخوَانِهِم لَهُم وَغَفلَتِهِم عَنهُم.
الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ:
فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: أُمَّةُ الإِسلامِ جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَمُجتَمَعُ المُسلِمِينَ بُنيَانُ مَرصُوصُ، وَكُلُّ أَلَمٍ في عُضوٍ أَو خَلَلٌ في لَبِنَةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ أَلَمٌ لِذَلِكُمُ الجَسَدِ، وَضَعفٌ في تَمَاسُكِ البِنَاءِ، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "تَرَى المُؤمِنِينَ في تَرَاحُمِهِم وَتَوَادِّهِم وَتَعَاطُفِهِم كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشتَكَى عُضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا". ثُمَّ شَبَّكَ بَينَ أَصَابِعِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَيَسمَعُ كُلٌّ مِنَّا هَذَينِ الحَدِيثَينِ وَأَمثَالَهُمَا، مِمَّا فِيهِ بَيَانُ شِدَّةِ تَرَابُطِ أَفرَادِ الأُمَّةِ، وَإِيضَاحُ قُوَّةِ العَلائِقِ الجَامِعَةِ بَينَهُم، فَيَذهَبُ ظَنُّهُ أَوَّلَ مَا يَذهَبُ إِلى حَالِ المَصَائِبِ وَالشَّدَائِدِ وَالكُرُوبِ، وَيَتَذَكَّرُ الحَوَادِثَ المُوجِعَةَ وَالنَّكَبَاتِ الفَاجِعَةَ، وَيَنسَى أَو يَتَنَاسَى وَقَد يَجهَلُ أَنَّ ذَلِكَ التَّرَابُطَ الشَّدِيدَ وَتِلكَ العَلائِقَ المُحكَمَةَ، مَا لم تَكُنْ عَلَى أَشُدِّهَا في حَالِ السَّعَةِ وَالرَّخَاءِ، وَتُرَى كَمَا يَنبَغِي في أَزمِنَةِ الطُّمَأنِينَةِ وَالنَّعمَاءِ، فَإِنَّمَا هِيَ في الشَّدَائِدِ استِجَابَاتٌ مُؤَقَّتَةٌ، وَرُدُودُ أَفعَالٍ سَرِيعَةٌ، مَا تَلبَثُ أَن تَضعُفَ مَعَ الأَيَّامِ وَتَتَلاشَى، ثم تَضمَحِلُّ وَتَزُولُ.
وَإِنَّ مَا أَصَابَ الأُمَّةَ مِن مَصَائِبَ وَمَا حَلَّ بها مِن كَوَارِثَ، لَمِن خَيرِ مَا يَشهَدُ عَلَى ذَلِكَ، فَكَم مِن مُصِيبَةٍ نَزَلَت بِقَومٍ مِنَ المُسلِمِينَ، فَتَسَابَقَ النَّاسُ في أَوَّلِهَا لِتَخفِيفِهَا عَلَيهِم، وَهُرِعُوا في بِدَايَتِهَا لِنَجدَتِهِم وَإِغَاثَتِهِم، ثم مَا لَبِثُوا أَن نَسُوهُم سَرِيعًا وَتَرَكُوهُم في مُصِيبَتِهِم، يَتَجَرَّعُونَ شِدَّةَ أَلَمِهَا، وَمَرَارَةَ نِسيَانِ إِخوَانِهِم لَهُم وَغَفلَتِهِم عَنهُم.
وَلَو أَنَّ المُسلِمِينَ كَانُوا في حَالِ الرَّخَاءِ مُتَمَاسِكِينَ، وَعَلَى الخَيرِ وَالبِرِّ مُتَعَاوِنِينَ، وَمِن أَنفُسِهِم مُعطِينَ، وَلِمَا في أَيدِيهِم بَاذِلِينَ، لَمَا رَأَيتَ مِنهُم تَأَخُّرًا بَعدَ تَقَدُّمٍ، وَلَمَا آنَستَ مِنهُم إِحجَامًا بَعدَ إِقدَامٍ، وَلَمَا ضَعُفُوا بَعدَ قُوَّةٍ وَلا ارتَخَوا بَعدَ عَزِيمَةٍ.
نَعَم -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- إِنَّ دَوَامَ المُؤمِنِ عَلَى بَذلِ الخَيرِ لإِخوَانِهِ، وَسَعيَهُ فِيمَا يَنفَعُهُم في الرَّخَاءِ، مِقيَاسٌ يَتَبَيَّنُ بِهِ إِيمَانُهُ، وَمِرآةٌ تُجَلِّي تَأَصُّلَ الخَيرِ في قَلبِهِ، وَإِلاَّ فَإِنَّ المَصَائِبَ وَالشَّدَائِدَ وَالمِحَنَ، لا خِيَارَ لأَحَدٍ عَندَ نُزُولِهَا، في بَذلِ أَقصَى مَا يَستَطِيعُ لِتَخلِيصِ إِخوَانِهِ مِنهَا.
نَعَم -إِخوَةَ الإِيمَانِ- إِنَّ المُؤمِنَ الصَّادِقَ الإِيمَانِ، سَبَّاقٌ إِلى الخَيرِ دَائِمًا، بَاذِلٌ لِلمَعرُوفِ في كُلِّ وَقتٍ، يَشعُرُ بِإِخوَانِهِ في كُلِّ لَحظَةٍ مِن لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ، وَيَظهَرُ حُبُّهُ لَهُم في كُلِّ تَصَرُّفٍ مِن تَصَرُّفَاتِهِ، يَسُرُّهُ مَا يَسُرُّهُم، وَيَسُوؤُهُ مَا يَسُوؤُهُم، يَفرَحُ إِذَا فَرِحُوا، وَيَحزَنُ إِن حَزِنُوا، وَيَسعَى جُهدَهُ لِنَفعِهِم وَإِيصَالِ الخَيرِ إِلَيهِم وَإِدخَالِ السُّرُورِ عَلَيهِم، وَيَبذُلُ مَا يَستَطِيعُ لِدَفعِ الضُّرِّ عَنهُم وَتَفرِيجِ كُرُوبِهِم وَقَضَاءِ حَاجَاتِهِم، وَيُحِبُّ لَهُم مَا يُحِبُّهُ لِنَفسِهِ، وَهُوَ في كُلِّ هَذَا يَنطَلِقُ مِمَّا جَاءَ بِهِ الدِّينُ مِن وُجُوبِ النُّصحِ لِلمُسلِمِينَ وَحُرمَةِ غِشِّهِم وَخِدَاعِهِم، مُوقِنًا أَنَّ كَمَالَ الإِيمَانِ في النُّصحِ، وَأَنَّ إِحسَانَ الرَّبِّ إِلى عَبدِهِ مَقرُونٌ بِإِحسَانِهِ إِلى خَلقِهِ، وَأَنَّ الغِشَّ نَقصٌ لِحَظِّ صَاحِبِهِ مِنَ الدِّينِ، وَحِرمَانٌ لَهُ مِن ثَوَابِ الآخِرَةِ، فَعَن جَرِيرِ بنِ عَبدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: بَايَعتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصحِ لِكُلِّ مُسلِمٍ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ، وَرَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَلَفظُهُ: "لا يَبلُغُ العَبدُ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتى يُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ". وَعِندَ مُسلِمٍ قَالَ: "فَمَن أَحَبَّ مِنكُم أَن يُزَحزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، وَلْيَأتِ إِلى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَن يُؤتَى إِلَيهِ".
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "مَن غَشَّنَا فَلَيسَ مِنَّا". رَوَاهُ مُسلِمٌ.
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ، لا يَظلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ، وَمَن كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ في المُجتَمَعِ اليَومَ خَلَلاً في البُنيَانِ وَآلامًا في الجَسَدِ، تَزدَادُ يَومًا بَعدَ يَومٍ، وَتَتَضَاعَفُ آثَارُهَا حِينًا بَعدَ حِينٍ، لَقَد غُلِّبَتِ المَصَالِحُ الخَاصَّةُ، وَظَهَرَتِ الأُحَادِيَّةُ الفَردِيَّةُ، وَسَادَتِ النَّفعِيَّةُ وَالمُدَاهَنَةُ، وَغَابَت مُرَاعَاةُ المَصَالِحِ العَامَّةِ، وَاستُهِينَ بِحُقُوقِ الآخَرِينَ وَاستُخِفَّ بِمَصَالِحِهِم، يُرَى هَذَا في كَثِيرٍ مِنَ المُؤَسَّسَاتِ عَامَّةً وَخَاصَّةً، وَالَّتي بَدَلاً مِن أَن تَكُونَ مَقَاصِدَ لِلمُستَفِيدِينَ وَمَلاذًا لَلمُحتَاجِينَ، صَارَت شَبَكَاتٍ لِتَبَادُلِ المَصَالِحِ الشَّخصِيَّةِ، وَمَسَارَاتٍ يَتَعَاوَرُ أَهلُهَا المُجَامَلَةَ فِيمَا بَينَهُم، بَل غَدَا بَعضُهَا سِتَارًا لِلتَّخَوُّضِ في الأَموَالِ العَامَّةِ وَتَنَاوُلِ السُّحتِ وَالرَّشَاوَى، وَنَسِيَ كَثِيرُونَ أَو تَنَاسَوا أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يُوَلاَّهُ المَرءُ مِن أَمرِ العَامَّةِ، فَإِنَّمَا هُوَ تَكلِيفٌ لَهُ لا تَشرِيفٌ، وَأَمَانَةٌ يُقَلَّدُهَا وَثِقَلٌ يَحمِلُهُ عَلَى ظَهرِهِ، وَمَسؤُولِيَّةٌ تُلقَى عَلَى عَاتِقِهِ، وَلَيسَ مَكسَبًا يُغتَنَمُ، وَلا مِضمَارًا لإِبرَازِ الذَّاتِ وَنَيلِ المَدحِ.
لَقَد نَسِيَ كَثِيرُونَ أَنَّ مِن وَاجِبِ كُلِّ رَاعٍ وَمَسؤُولٍ وَصَاحِبِ أَمَانَةٍ، أَن يَرعَاهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، وَيَعدِلَ فِيهَا وَيَنصَحَ، وَيَأخُذَ لِلضَّعِيفِ حَقَّهُ مِنَ القَوِيِّ، وَيَردَعَ القَوِيَّ عَمَّا لَيسَ لَهُ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "أَلا كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً فَلَم يُحِطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلاَّ لم يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةَ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "مَا مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "إِنَّ المُقسِطِينَ عِندَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِن نُورٍ عَن يَمِينِ الرَّحمَنِ -وَكِلتَا يَدَيهِ يَمِينٌ-، الَّذِينَ يَعدِلُونَ في حُكمِهِم وَأَهلِيهِم وَمَا وَلُوا". رَوَاهُ مُسلِمٌ.
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللهِ بِغَيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "مَنِ استَعمَلنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقنَاهُ رَزقًا، فَمَا أَخَذَ بَعدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ". رَوَاهُ أُبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وَعَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- الرَّاشِيَ وَالمُرتَشِيَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
إِنَّهُ لا يُتَصَوَّرُ -يَا عِبَادَ اللهِ- أَن تُنشَأَ المُؤَسَّسَاتُ لِخِدمَةِ النَّاسِ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِم، وَتُسَنَّ لها الأَنظِمَةُ وَتُوَفَّرَ لها الأَموَالُ مُرَاعَاةً لِمَصَالِحِهِم، ثم تُصبِحَ سَرَادِيبَ مُظلِمَةً، وَمَجَاهِلَ مُوحِشَةً، تَحكُمُهَا الأَهواءُ الشَّخصِيَّةُ، وَتُسَيِّرُهَا الرَّغَبَاتُ النَّفسِيَّةُ، وَيَظهَرُ فِيهَا التَّسَاهُلُ وَالتَّلاعُبُ وَتَعطِيلُ المَصَالِحِ العَامَّةِ، وَيَستَشرِي فِيهَا الفَسَادُ الإِدَارِيُّ وَالمَاليُّ وَالمُحَابَاةُ وَالمُدَاهَنَةُ، أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ مُعَلِّمٌ في مَدرَسَتِهِ وَطُلاَّبِهِ، وَطَبِيبٌ في مُستَشفَاهُ ومُرَاجِعِيهِ، وَرَجُلُ أَمنٍ في مَركَزِهِ وَالمُحتَمِينَ بِهِ، وَلْيَتَّقِ اللهَ كُلُّ مَسؤُولٍ فِيمَا يَخُصُّهُ وَيُنَاطُ بِهِ، فَالأُمَّةُ جَسَدٌ يَحتَاجُ أَعضَاؤُهُ إِلى التَّعلِيمِ وَالتَّطبِيبِ، وَحِفظِ الدِّينِ وَالأَمنِ وَالأَروَاحِ، وَصِيَانَةِ العُقُولِ وَالأَعرَاضِ وَالأَموَالِ، وَتَسوِيَةِ الطُّرُقِ وَتَنظِيمِ الأَسوَاقِ، وَتَوفِيرِ الضَّرُورَاتِ وَسَدِّ الحَاجَاتِ، وَكُلُّ تَسَاهُلٍ مِن مَسؤُولٍ أَو مُوَظَّفٍ، أَو انحِرَافٍ مِن رَجُلِ أَمنٍ أَو مُعَلِّمٍ أَو طَبِيبٍ، أَو مُدَاهَنَةٍ مِن مُدِيرٍ عَلا شَأنُهُ أَو نَزَلَ، فَإِنَّمَا هُوَ ثُلمَةٌ في البِنَاءِ، وَفَتٌّ في العَضُدِ، بَل وَطَعنٌ في جَسَدِ المُجتَمَعِ، سَيَجِدُ صَاحِبُهُ جَزَاءَهُ طَالَ الزَّمَانُ أَو قَصُرَ.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- (وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لَا يُظلَمُونَ)، (إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهلِهَا وَإِذَا حَكَمتُم بَينَ النَّاسِ أَن تَحكُمُوا بِالعَدلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا).
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى، وَاحذَرُوا مَا يُسخِطُ رَبَّكُم -جَلَّ وَعَلا- وَاعلَمُوا أَنَّ المُجتَمَعَ سَفِينَةٌ وَالحَيَاةَ بَحرٌ مُتَلاطِمُ الأَموَاجِ، وَأَنَّهُ مَا لم يَتَعَاوَنْ كُلُّ مَن في السَّفِينَةِ عَلَى حِفظِهَا مِنَ الخُرُوقِ، فَستَغرَقُ يَومًا مَا، وَفي هَذَا هَلاكُ الجَمِيعِ صَالحِهِم وَطَالِحِهِم، وَخَسَارَتِهِم لأَروَاحِهِم وَفَقدِهِم لِمُكتَسَبَاتِهِم، أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ الجَمِيعُ فِيمَا وَلُوا، وَلا يَحقِرَنَّ أَحَدٌ ثَغرَهُ الَّذِي هُوَ عَلَيهِ، أَو يَظُنَّ أَنْ لا أَثَرَ لانحِرَافِهِ عَنِ المَسَارِ الصَّحِيحِ وَمُجَانَبَتِهِ طَرِيقَ الصَّوَابِ، أَو تَسَاهُلِهِ في الأَمَانَةِ الَّتي وُلِّيَهَا، فَإِذَا غَابَ المُعَلِّمُ عَن طُلاَّبِهِ وَرَجُلُ الأَمنُ عَن مَوقِعِهِ، وَقَصَّرَ الطَّبِيبُ فَأَعطَاهُمَا إِجَازَةً مَرَضِيَّةً مُزَوَّرَةً، وَتَسَاهَلَ المُدِيرُونَ فَقَبِلُوا هَذَا الخِدَاعَ وَرَضُوا بِذَلِكَ الكَذِبِ، وَسَكَتَ الآخَرُونَ فَلَم يَنصَحُوا لَهُم، فَقُلْ عَلَى الأُمَّةِ السَّلامُ في مُستَقبَلِ أَجيَالِهَا وَأَمنِهَا، وَوَيلٌ لِلمُعَلِّمِ المُضِيعِ وَرَجُلِ الأَمنِ المُتَسَاهِلِ، وَتَبًّا لِذَاكَ الطَّبِيبِ المُتَوَاطِئِ عَلَى الخِيَانَةِ، وَلأُولَئِكَ المُدِيرِينَ الرَّاضِينَ بها، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ مُسؤُولٍ عَن طَرِيقٍ لِلمُسلِمِينَ لم يُسَوِّهِ، أَو مُرَاقِبًا لِلأَسوَاقِ تَسَاهَلَ في مُرَاقَبَتِهِ، أَو مَن ائتُمِنَ على خِدمَةٍ لإِخوَانِهِ فَمَنَعَهُم إِيَّاهَا ظُلمًا وَهَضمًا وَعُدوَانًا، أَوِ استِخفَافًا وَتَسَاهُلاً.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَلْيُعطِ كُلٌّ مِنكُمُ الحَقَّ مِن نَفسِهِ، وَلْيَبذُلْ جُهدَهُ في أَدَاءِ وَاجِبِهِ، وَلْيُؤدِّ الأَمَانَةَ إِلى مَنِ ائتَمَنَهُ وَلا يَخُنْ مَن خَانَهُ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم