عناصر الخطبة
1/ الحملات المسيئة للنبي التي بدأتها صحيفة دنمركية 2/ جهود المسلمين هناك في التصدي لتلك الحملات 3/ استجابات المسلمين لنداءات النصرة 4/ دروس وعبر من تلك الحملات وتداعياتهااقتباس
لكننا نقول للكفار عامة، وللمعسكر الغربي خاصة: لم تعد حرب الأفكار اليوم مجدية بالقدر الذي عرفتموه عنا، فقد صحا المسلمون، ووعَوا من سُباتهم، وتعلموا كيف يتصدون لمكركم، وبرز من المسلمين متخصصون في كافة العلوم، بل أسلموا عددا من العلوم الإنسانية، أو أوجدوا منهجا لنقد من لم تؤسلم بعد، فيتعين عليكم إذاً -أيها الكفار- أن ترجعوا ثانية إلى خياركم الأول الذي مارستموه ضدنا أيام ..
أما بعد: المتابع لأخبار الحملة الظالمة على خاتم الرسل وسيد الأنبياء -صلى الله عليه وسلم-، وأوقدت نار شرارها صحيفة دنمركية بإظهاره -صلى الله عليه وسلم- في رسوم ساخرة، ثم ردود الفعل من قبل المسلمين هناك، ومحاولاتهم في التصدي لهذه الهجمة، وسعيهم مع الجهات المعنية بالأمر هناك في محاولات مسؤولة لكف شرهم، إلا أن تلك الجهود لم تصل إلى نتيجة تذكر، بل تمادى الكفار في طغيانهم، واستمروا ينشرون الصور، ويكتبون المقالات المتطاولة على النبي الأكرم -صلى الله عليه وسلم-، تحت ذريعة حرية التعبير التي تكفلها لهم النظم والقوانين الغربية.
وجد العاملون على الدعوة والقائمون على منابر الإصلاح من المسلمين هناك أنفسهم مضطرين للاستعانة بإخوانهم من المسلمين في دول العالم الإسلامي، لعل ضغوطاً تنتج فتدفع وتجبر دولة الدنمرك الظالمة على الحد من حملة السخرية بالنبي الخاتم -صلى الله عليه وسلم-.
فاستجابت الشعوب الإسلامية بعواطفها لنداءات النصرة، وهذا -وإن لم يكن كافياً- إلا أنه ينطوي على معان سامية من الخيرية في هذه الأمة المباركة، وهو دلالة ومؤشر على أن الخيار الحقيقي للشعوب الإسلامية هو الإسلام؛ بل تبين أن الكثير من المسلمين لديهم الاستعداد في بذل أرواحهم رخيصة فداءً لهذا الدين، وحماية جناب سيد المرسلين، فالحمد لله رب العالمين.
وأسفرت تلك الحملة وتداعياتها التي لم تخب حتى الآن عن حقائق، واستلهمت منها دروساً وعبراً، منها:
الأول: تنادت معسكرات الغرب ممثلة في بعض الصحف وتصريحات بعض المسؤولين هناك لنصرة وتأييد ما قامت به الصحيفة الدنمركية، وجاءت تلك التأييدات على أشكال مختلفة وأنماط متعددة من إعادة الصور، ونشرها في صحف أخرى؛ حتى يضيع الدم هدراً بين القبائل، وزيادة في إهانة المسلمين، وحرباً نفسية لإحباطهم، ودعماً لموقف الدنمرك، فلا تبقى وحدها أمام ردود الأفعال التي أخذت تتنامى في العالم الإسلامي، وأخذت طابعا عملياً.
ثم توجت تأييدات الغرب للدولة الظالمة بما صدر عن الاتحاد الأوروبي من أنه سيقاطع الدول التي تقاطع المنتجات الدنمركية، وهكذا يتقدمون خطوتين أو خطوات، فإذا واجهوا تصدياً إسلامياً رجعوا خطوة؛ كمثل قولهم: وجوب احترام الأديان السماوية، أما أن يرغموا الصحيفة على الاعتذار فهذا يتعارض مع حرية الصحافة، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال:73].
الثاني: مما نستلهمه من تلك الحملة أن أمريكا تهدد وتتوعد بين فترة وأخرى بشن حرب لا هوادة فيها على الإرهاب، وتلك شنشنة نعرفها من أخزم، إذ لم يسجل لأمريكا حتى الآن تعريف للإرهاب الذي تشن عليه حربها، إلا أن المشاهَد أن المستهدفين فيها دول إسلامية، وتجمعات إسلامية، وبعض من رموز العلم والدعوة والإصلاح من المسلمين، مما يؤكد أنها حرب صليبية؛ لكن بإخراج جديد، وهذه الحملة الظالمة على نبينا -صلى الله عليه وسلم- هي حلقة في سلسلة هذه الحرب التي يصفونها بأنها ستطول وبأسلحة غير تقليدية، كما أكد ذلك وزير دفاعها في أكثر من مناسبة.
الثالث: ما صرح به منسق السياسة في دول الاتحاد الأوروبي أثناء زيارته مؤخراً لبعض الدول العربية، ومنها المملكة، في تأكيده على أهمية احترام الأديان؛ ولعل هذا التصريح وما شابهه مما ورد على ألسنة بعض الساسة الغربيين محاولة وسعي لترسيخ إقرار الديانات الأخرى في كل بلد إسلامي، وتسهيل أنشطتها وإقامة دور عبادة كل دين أينما وجد معتنقوه.
ويقوِّي هذا الرأي أنهم الآن في صدد محاولة استصدار قانون في الأمم المتحدة بهذا الشأن. وهم غالباً يحسنون اغتنام الفرص، والاستفادة من الأحداث، وتوظيفها في مصلحتهم قدر المستطاع.
الرابع: من العبر والدروس -لعله تبين لمن كان غافلا- عداوة الكفار, وبغضهم للمسلمين, وكراهيتهم للنبي الأمين -صلى الله عليه وسلم- ودين رب العالمين.
خامسا: كشفت الحملة القناع عن بعض من المسلمين, فأظهرت مرض قلوبهم (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) [المائدة:52].
يقولون -مثلا-: لا جدوى من المقاطعة, ولا فائدة في الاحتجاجات, ووصفوا تلك المظاهر وما شابهها بالتخلف، أو أنها أخذت أكبر من حجمها، وإذا سالته ماذا قدمت أنت؟ أخذ يلف ويدور.
وهو يقول كل هذا تخذيلا للمسلمين، وتثبيطا لهمم الغيورين، وغيظا مما رأى من بعض مظاهر وحدة المسلمين، أو أنه فعل ذلك طمعا في تسجيل موقف عند الغرب ليحسب من رموز الإصلاح والتغيير! (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة:52].
السادس: لا ننكر، ولا نتجاهل ما لقيت دولة الدنمرك الظالمة جراء مقاطعة المسلمين لمنتجاتها من ألم، ولعلهم لم يحسبوا أن الأمر سيصل إلى هذه الدرجة لطول ما ألف الغرب وجرب في المسلمين أنهم يثورون عاطفيا، ولوقت محدود.
لكننا نقول للكفار عامة، وللمعسكر الغربي خاصة: لم تعد حرب الأفكار اليوم مجدية بالقدر الذي عرفتموه عنا، فقد صحا المسلمون، ووعَوا من سُباتهم، وتعلموا كيف يتصدون لمكركم، وبرز من المسلمين متخصصون في كافة العلوم، بل أسلموا عددا من العلوم الإنسانية، أو أوجدوا منهجا لنقد من لم تؤسلم بعد، فيتعين عليكم إذا -أيها الكفار- أن ترجعوا ثانية إلى خياركم الأول الذي مارستموه ضدنا أيام التتار والحروب الصليبية الأولى في القرن الخامس والسادس والسابع الهجري، وهو الحرب.
لكن؛ لتتذكروا مالقيتم من شباب عُزَّلٍ أذاقوكم الأمَرَّيْن في فلسطين وأفغانستان والشيشان والعراق، وإننا لننتظر المزيد، وطموحاتنا -نحن المسلمين- لا تقف عند هذا الحد فقط.
اللهم ابرم لهذه الأمه امر رشد...
اقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شي وجعل امته خير أمة أخرجت للناس، ووسطا بين الأمم، شرح صدره ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعله فاتحا خاتما، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فمن الدروس والعبر والفوائد التي نستلهمها من العدوان الذي وقع على الرسول -صلى الله عليه وسلم-: عواطف المسلمين، وحبهم لهذا الدين، ورفضهم الأديان الأخرى، والأفكار المنحرفة، والايدلوجيات الجاهلية، يؤكد على أهمية استغلال هذا العامل في الدعوة إلى الله تعالى، وتناوله بلغة محببة للنفوس، يحس المتلقي لها بدفء المشاعر، وصدق القول، والرحمة بالخلق، فتنساب تلك المعاني في مسالك فطرته، لتولد استجابة لنداء الحق؛ عملا للطاعات، وإقلاعا عن المعاصي والمخالفات.
والثامن: تبين أن الشعوب الإسلامية، وبمعزل عن حكوماتها تملك إمكانيات ضخمة في نصرة هذا الدين، والدعوة إليه، والوقوف ضد أعدائه، وفي الوقت نفسه تأكد زيف الدعوى التي يطلقها العاجزون من إلقاء اللوم والتبعة دائماً على الحكومات فقط، فالشعوب تبين أن بيدها الكثير لو نهضت أو استنهضت، وأحسن توجيهها.
التاسع وأخيراً: شكرا جزيلاً لكل من أسهم ويسهم في نصرة هذا الدين، والذب عن سيد المرسلين، وقد رأينا من ذلك مظاهر تسر المؤمنين، وتغيظ الكافرين والمنافقين، ومنها المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الدنمرك، وعقد الندوات، وإقامة المحاضرات، وكتابة الرسائل والكتب وبعدة لغات، تصد ذلك الهجوم، وتبرز شيئاً من سيرة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
ومن المظاهر الحسنة المشاهدة أيضاً وتدل على محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في نفوس الناس ما يفعله كثير من الشباب في وضع لافتات في سياراتهم تحمل عبارات المحبة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وتحديهم لخصومه ومبغضيه، وبعضهم وضعها في محلاتهم التجارية أو في الإعلانات، واللوحات المدرسية، وفي البيوت، وبعض أجهزة الإعلام، وغيرها، وليس ذلك كثيراً في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي قال عنه ربه جل وعز: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128].
هذا وصلوا وسلموا على أكرم نبي وأعظم هاد، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم