نظرات نفسية في الصيام (9) ‘الصــوم التــــزام‘

ادارة الموقع

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

 

 

 

 

  لا يكون البقاء بلا طعام أو شراب أو شهوة من الفجر إلى الغروب، لا يكون صوماً ما لم ترافقه نية الصيام، وفي صوم الفريضة اشترط الفقهاء أن تسبق النية بداية الصوم، أي أن تكون قبل طلوع الفجر، إذ الأعمال بالنيات، ثم إن النية تجعل الصيام التزاماً يلتزم به المؤمن فيمتنع عن الطعام والشراب والشهوة من تلقاء نفسه ولا يحتـاج إلى رقيب عليه يتأكد من صيامه.

 
   والقدرة على الالتزام والمحافظة على هذا الالتزام من علامات نضج الشخصية لدى الإنسان، كما إن الالتزام المتمثل بنية الصيام يجعل الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة ابتغاء مرضاة الله أهون على النفس مما لو كان البقاء دون أكل وشرب ناتجاً عن مانع من خارج النفس، كأن يمنعك شخص من الوصول إلى الطعام والشراب مثلاً، إذ في هذه الحالة يكون الجوع والعطش أشد، وهذا ما بينته الاختبارات النفسية حيث وجدت أن "الالتزام يغير الدافــع"، وهي عبارة من علم النفس تعبر عن نتيجة لدراسات عديدة، في إحداها حضر الأشخاص الذين ستتم عليهم التجربة دون أن يأكلوا أو يشربوا لعدة ساعات قبل مجيئهم وذلك بناء على ما طلبه الباحثون منهم، ثم بعد وصولهم طلب الباحثون من بعضهم أن يبقى دون طعام أو شراب فترة أخرى -دون أي مقابل مالي أو غير مالي- وقبل هؤلاء أن يلتزموا بذلك، فكان صومهم عن الطعام والشراب لساعات أخرى التزاماً منهم وقراراً اتخذوه بحرية وإن كان استجابة لطلب من الباحثين، لكن كان لهم الحرية في أن يرفضوا ولا يلزموا أنفسهم بذلك.. أما بـاقي الأشخاص المجرب عليهم فلم يطلب منهم الالتزام بالبقاء دون طعام وشراب إنما تركهم الباحثون دون طعام وشراب وجعلوا الأمر يبدو لهم وكأنه غير مقصود. وفي نهاية التجربة أجريت على الجميع اختبارات نفسية لمعرفة شدة الجوع والعطش لديهم، فوجد أن الذين التزموا بالامتناع عن الطعام والشارب التزاماً كـانوا أقل جوعاً وأقل عطشاً من الذين تمت مماطلتهم بحيث صاموا الساعات نفسها لكن دون التزام منهم بذلك، كما تمت معايرة "الحموض الدسمة الحرة" في دمائهم جميعاً، وهي مواد تزداد في الدم كلما اشتد الجوع عند الإنسان، فوجد أنها كانت أقل ازدياداً عند الذين التزموا بالصيام التزاماً.. وهكذا كان للالتزام بالصوم أثـر حتى على رد فعل أجسامهم الفيزيولوجي نتيجة بقائهم دون طعام أو شراب الساعات الطويلة.

 
   وفي دراسة أخرى: درس العلماء أثر الالتزام على العطش، فوجدوا أن العطش عند من التزم من تلقاء نفسه بالامتناع عن الماء كان أقل حتى في الاختبارات النفسية التي تكشف مدى انشغال النفس اللاشعوري بالعطش وبالرغبة في الماء.

 
   إن الصوم صبر، والصبر في جوهره التزام ورضا بالحال التي يضعنا الله فيها، وبالصبر تهون المعاناة وتقل، لأن الرضا حتى بالمصائب يشبه الالتزام بها، كالذي منع نفسه من الطعام والشراب لأنه يريد الصيام لله تعالى، والذي ابتلاه الله بالفقر والمرض أو بفقد عزيز فصبر، فإنه امتنع عما حرمه الله منه امتناعاً عن رضاً وتسليم، وهو امتناع يشبه امتناع الصائم وإن كان الفرق بينهما في أن رفض المصاب وسخطه لا يغير من الواقع شيئاً بينما للصائم الحرية في أن يتم صومه احتساباً أو أن يقع في معصية الله فيفطر دون عذر، والامتناع الراضي يكون أقل إيلاماً للنفس مما لو تلقى المصيبة بتذمـر وسخط وغضب.

   وهكذا يكون في صيامنـا كل عام في رمضان تدريباً لنا على الالتزام وزيادة لنا في النضج النفسي.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات