نظام التوحيد

الشيخ زيد الشريف

2021-08-13 - 1443/01/05 2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/العقيدة الإسلامية أصول وثوابت ومحكمات 2/شمولية الإيمان وحقيقته 3/كيفية الإيمان بالقضاء والقدر 4/ثمرات الإيمان بقضاء الله وقدره.

اقتباس

نحن نتحدّث عن الإيمان في شموليته، إلا أننا نريد أن نتطرق إلى جزء من أجزاء الإيمان، وهو "أن تؤمن بالقدر خيره وشره"؛ فهذا ركنٌ من أركان الإسلام دلت عليه الكثير من النصوص والآثار المحكمة الواضحة البينة, يقول ابن عباس: "الإيمان بالقدر نظام التوحيد"؛ فالإيمان بهذه الجزئية المحكمة هو إيمان عميق بتحقيقه يتمّم الإنسان توحيده في ربوبية الله..

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي زيَّن قلوب أوليائه بأنوار الوفاق، وسقى أسرار أحبائه شرابًا لذيذ المذاق، وألزم قلوب الخائفين الوجَل والإشفاق، فلا يعلم الإنسان في أي الدواوين كُتب ولا في أيِّ الفريقين يُساق، فإن سامح فبفضله، وإن عاقب فبعدلِه، ولا اعتراض على الملك الخلاق.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، إلهٌ عزَّ مَن اعتز به فلا يُضام، وذلَّ مَن تكبر عن أمره ولقي الآثام.

 

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، خاتم أنبيائه، وسيد أصفيائه، المخصوص بالمقام المحمود، في اليوم المشهود، الذي جُمع فيه الأنبياء تحت لوائه.

 

أما بعد: إن العقيدة الإسلامية في جُلّها أصول وثوابت ومحكمات، وكثير منها يعود إلى أصل الإيمان والتوحيد، والإيمان المحكم: هو الباعث إلى عبادة الله، فلا يتصور في الوجود عبادة صحيحة من دون إيمان، فإنَّ العبادة لا تستقيم من غير إيمان، والإيمان لا يستقيم من غير عبادة، بل إن الإيمان هو العبادة، والله يقول: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات:65]؛ فالغاية العظمى هو تحقيق عبادة الله، ولن نستطيع أن نحقّق هذه العبادة من غير إيمان.

 

عباد الله: نحن نتحدّث عن الإيمان في شموليته، إلا أننا نريد أن نتطرق إلى جزء من أجزاء الإيمان، وهو "أن تؤمن بالقدر خيره وشره"؛ فهذا ركنٌ من أركان الإسلام دلت عليه الكثير من النصوص والآثار المحكمة الواضحة البينة, يقول ابن عباس: "الإيمان بالقدر نظام التوحيد"؛ فالإيمان بهذه الجزئية المحكمة هو إيمان عميق بتحقيقه يتمّم الإنسان توحيده في ربوبية الله -تعالى-.

 

قال شيخ الإسلام: "والمقصود هنا أنه لا بد من الإيمان بالقضاء والقدر؛ فإن الإيمان بالقضاء والقدر من تمام التوحيد، كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه هو نظام التوحيد، فمن وحَّد الله وآمن بالقدر تم توحيده، ومَن وحَّد الله وكذَّب بالقَدَر نقض تكذيبه توحيده".

 

وفي حديث أمير المؤمنين حينما دخل جبريل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسأله عن الإيمان؛ فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره".

 

وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخل الجنة عاقّ ولا مدمن خمر، ولا مكذّب بالقدر"، وهذا الحديث صحيح ورجاله ثقات.

 

وعن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لو أن الله عذَّب أهل سماوته وأهل أرضه لعذَّبهم، وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل جبل أحد ذهبًا أو مثل أُحُد تنفقه في سبيل الله ما قُبِلَ منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وإنك إن متَّ على غير هذا دخلت النار"(رواه أبو داود وابن ماجه).

 

عباد الله: فإذا تقرر ما سبق فينبغي أن يعرف العبد كيفية الإيمان بالقضاء والقدر، فالإيمان بهذا الركن العظيم من أركان الإيمان أن تؤمن أولاً بعلم الله؛ فالله -سبحانه وتعالى- عليم وليس لعلمه بداية، بل علمه -عز وجل- أزلي، وعلمه شامل لجميع الأحوال من الطاعات والمعاصي والأرزاق، فهو يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، قال -تعالى-: (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[البقرة:32]، (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)[الأنعام:96]، (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك:14].

 

وفي حديث لقيط بن عامر أنه قال يا رسول الله ما عندك من علم الغيب؟ فقال: "ضَنَّ ربك بمفاتيح خمسٍ من الغيب"، فقلت: ما هن؟ قال: "عِلْم المنية، قد علم منية أحدكم ولا تعلمونه، وعلم المنيّ حتى يكون في الرحم قد علمه ولا تعلمونه، وعلم ما في غد، ما أنت طاعم ولا تعلمه، وعلم يوم الساعة، وعلم يوم الغيث يشرق عليكم مشفقين فيظل يضحك قد علم أن غوثكم إلى خير"، قال لقيط: لن نعدم خيرًا من رب يضحك.

 

  هو العليم أحاط علمًا بالذي  *** في الكون من سر ومن إعلان

   وبكل شيء علمه سبحانه  *** قاصي الأمور لديه قبل الداني

   لا جهل يسبق علمه كلا ولا *** ينسى كما الإنسان ذو نسيان

 

ومن الإيمان بالقضاء والقدر: أن تؤمن بأن الله كتب كل شيء قضاه وقدره، قال -تعالى- (أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)[الحج:70].

 

ومن الإيمان بالقضاء والقدر: أن تؤمن بمشيئة الله، وهي أن تؤمن أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن ما في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله -سبحانه وتعالى-، يقول -تعالى-: (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا)[السجدة:13]، (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ)[البقرة:253]، (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)[الإنسان:30].

 

فالله أراد كل شيء من خير وشر، وكل ذلك وفق حكمة ربانية وتدبير إلهي عظيم، وأنه لم يُقدِّر شرًّا محضًا ولا خيرًا محضًا في هذه الدنيا؛ فما من شر إلا وفيه خير، وما من  خير إلا بد من كدر يشوبه، ومع ذلك فإن إرادة الله الشرعية وأمره ونهيه لم يكن إلا لكل خير وكل محبوب وكل حسن.

 

ومن الإيمان بالقضاء والقدر الإيمان: بأن الله خلق أفعال العباد، وأنه أعطاهم القدرة والإرادة، ولذا فإن العبد يعمل الطاعة وهو مختار لها وكذا المعصية.

 

وهذا تمام عدله -سبحانه وتعالى- أن خلق العبد وخلق أفعالهم وجعل لهم حرية وإرادة، فلا حرية مطلقة للعبد، ومشيئته وإرادته وفق مراد الله ومشيئته، ومن هنا فتح باب الاستعانة بالله -تعالى-، فالعبد إن أراد الخير استعان بالله، وإن أراد الهروب من الشر استعان بالله، لأنه يعلم أنه قليل الحيلة وأنه خُلق ضعيفًا.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي خلق فسوى وقدَّر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليّ الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى، والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى.

 

إن للإيمان بقضاء الله وقدره ثمرات جليلة منها:

أن هذا الإيمان يورث العبد شكر الله -تعالى-؛ فهو يعلم أن الله بيده المقادير؛ فإن أعطي منها شكر.

 

ومن ثمراته الصبر؛ فإنه يعلم أن الله بيده المقادير فإن لم يعطى منها صبر قال -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[الحديد:22-23]، وقال -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[التغابن:11]، قال علقمة: "هو الرجل تصيبه المصيبة من عند الله فيرضى ويسلم". فكلما عظم الإيمان بالقضاء والقدر زاد صبر المسلم ورضاه.

 

 ومن أعظم ثمرات هذا الإيمان: أنه يورث اليقين، وهذا اليقين متعلق برجاء رحمة الله؛ فإن العبد موقن بأن الله سيجعل لمن اتقاه مخرجًا، وأن الله كتب النصر لعباده، فلا ييأس بل يوقن بقضاء الله السابق من نصرة المؤمنين وتغيُّر حالهم إلى أفضل الأحوال، ويوقن العبد برحمة الله فلا ييأس ولا يقنط.

 

ومن ثمراته أيضًا: أنه يورث الطمأنينة فيستشعر العبد عدل الله وعلمه وحكمته؛ فلا شك أنه سيطمئن ويوقن، ومن هنا كان الإيمان بقضاء الله وقدره من أسباب السعادة.

 

عباد الله: هذه إشارة سريعة لأصل من أصول الدين لا غنى للعبد عنه، فهو أحد أركان الدين ومقوماته ومحكماته، ألا فليتق الله العبد، وليحاسب نفسه في إيمانه وعقيدته، وأن يحذر أن يزيغ عنها، وأن يعلم أن التمسك به من أعظم أسباب الهداية.

 

المرفقات

نظام التوحيد.doc

نظام التوحيد.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات