عناصر الخطبة
1/ تحريم الظلم 2/ سوء عاقبة الظالمين 3/ حلف المطيبين ونصرة المظلوم 4/ نصرة النبي صلى الله عليه وسلم للمظلومين 5/ حقوق الأخوة الإسلامية والرابطة الإيمانية 6/ صور من نصرة المظلوميناقتباس
كان الناس في الجاهلية قبل مبعث نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يحذر بعضهم بعضًا من الظلم بل يأمر بعضهم بعضًا بنصرة المظلوم.. ومن نظر في حال الناس اليوم وجد أن الظلم قد انتشر بينهم، ولن نتحدث عن الظلم ولا عن آثاره ولا عن سوء عاقبته.. إنما سنتحدث ماذا قدمنا نحن للمظلومين، عندما ترى مظلومًا في ماله أو مظلومًا في عرضه أو مظلومًا في وظيفته أو ملكًا يظلم شعبه أو حاكمًا يظلم من تحته، من الذي يجب علينا نحن أن نتصرف ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جَلَّ عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله تعالى به من الضلالة، وبصَّر به من الجهالة، وجمع به بعد الشتات، وأمَّن به بعد الخوف، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين، ما اتصلت عين بنظر، ووعت أذن بخبر، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أيها الأخوة المسلمون: روى الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يقول الله تعالى: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا»، حرم الله تعالى الظلم على نفسه العظيمة جل وعلا وحرّمه الله تعالى بين الخلق أجمعين، بل بعث الله تعالى الرسل لغايات عظيمة من أعظمها أن يعبد الناس ربهم جل في علاه وأن يتركوا عبادة الأوثان والأصنام.. ومن أعظمها أن يرفع الله تعالى الظلم عن العباد (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 4].
ولقد كان الناس في الجاهلية قبل مبعث نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يحذر بعضهم بعضًا من الظلم بل يأمر بعضهم بعضًا بنصرة المظلوم..
ومن نظر في حال الناس اليوم وجد أن الظلم قد انتشر بينهم، ولن نتحدث عن الظلم ولا عن آثاره ولا عن سوء عاقبته.. إنما سنتحدث ماذا قدمنا نحن للمظلومين، عندما ترى مظلومًا في ماله أو مظلومًا في عرضه أو مظلومًا في وظيفته أو ملكًا يظلم شعبه أو حاكمًا يظلم من تحته، من الذي يجب علينا نحن أن نتصرف في مثل هذه المواقف؟
كانوا في الجاهلية الجهل -مع عبادتهم للأصنام وتقربهم إلى الأوثان- كانوا يتنادون بنصرة المظلومين..
ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه مدح حزب الفضول حزب المطيبين، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «شهدت مع عمومتي حلف المطيبين، فما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت إلى مثلها في الإسلام لأجبت».
وهذا الحلف أن رجل أقبل إلى مكة فأقبل ببضاعة أخذها منه العاص بن وائل وكان رجلاً متسلطًا في مكة له ظهوره وقوته وله هيبته بينهم، فأخذ منه هذه البضاعة فلم يردها إلى صاحبها فجعل هذا الرجل الضعيف يطوف بين الناس مطالبًا بمن ينصره في مظلمته بمن يستخرج له ماله من ذلك الرجل العظيم..
فاجتمع نفر من قريش وجعلوا بينهم طيبًا وغمسوا أيديهم فيها ثم أخرجوها فسموا لذلك بالمطيبين، ثم تعاهدوا على نصرة كل مظلوم يرد إلى مكة وقاموا مع هذا الرجل الضعيف حتى استخرجوا له ماله..
وكان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قد حضر مع عمامته هذا الحلف وهو غلام وكان يفرح به عليه الصلاة والسلام ويقول: «لو دُعيت إلى مثله» يعني حتى في الإسلام «لأجبت».
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على نصرة المظلوم، على الوقوف معه، على البذل لرفع المظلمة عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» قالوا: يا رسول الله ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالما؟ قال: «أن ترده عن الظلم».
فأمر عليه الصلاة والسلام إذا رأيت مظلوما ألا تسكت، إذا رأيت من يُظلم في ماله، أو يقدح عليه في عرضه، أو ولد يُظلم من أبيه، أو أب يُظلم من أولاده، أو زميل له موظف، إلى غير ذلك من الأنواع والأصناف لا يجوز لك أن تسكت ما دمت قادرًا على أن تنصره..
جلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه يومًا وكان بينه وبين قريش عهدا وكان بين خزاعة وبكر وهما قبيلتان قريبتان من مكة كان بينهما عهدٌ، ففي ليلة ظلماء غدت وغزت بكر خزاعة ونقضوا العهد وأقبلوا إلى خزاعة وقتلوهم وسلبوا منهم أموالهم..
فانطلق رجل منهم اسمه عمرو بن سالم انطلق حتى أقبل إلى المدينة ووقف بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقبل وهو مكلوم مظلوم مما أصابهم من هتك لنسائهم وسلب لبناتهم وأخذ لأموالهم، وقف بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام وقال:
يا رب إني ناشد محمدًا *** حلف أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتم ولدا وكنا والدا *** ثم أسلمنا ولم ننزع يدا
إن قريشا أخلفوك الموعدا *** وقتلونا ركعا سجدا
فانصر هداك الله نصرًا أبدا *** وادع عباد الله يأتوك مددا
في فيلق كالبحر يجري مزبدا *** فيهم رسول الله قد تلبدا
وجعل ينشد القصيد والأشعار يستثير في رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرته للمظلوم ووقفته معه، فلما انتهى من كلامه قام النبي عليه الصلاة والسلام فقال: «نُصرت يا عمرو بن سالم.. نُصرت يا عمرو بن سالم.. نُصرت يا عمرو بن سالم»، ثم أمر صلى الله عليه وسلم بتجهيز الجيش فكان بعد ذلك فتح مكة..
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرى مظلومًا يستطيع أن ينصره أو يقف معه ثم يتقاعس أو يتقاعد صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
إن انتشار الظلم اليوم مؤذن بخراب الحال عند البشر، الظلم السياسي، الظلم في الأموال، الظلم في الأعراض، الظلم في الأنظمة، أنواع من الظلم تقع بين الناس لبعضهم اليوم.. إن انتشار هذا الاستبداد والتسلط من القوي على الضعيف، ومن القادر على العاجز، وإن سكوت الناس الذين يستطيعون أن يصنعوا شيئًا، إن سكوتهم عن رفع هذه المظالم عن المظلومين وإن سكوتك عن نصرة المظلوم بأن تراه يُظلم وأنك تعرف أنك تستطيع أن تقف معه في مظلمته .. أن تقف معه بمالك، أن تقف معه بجاهك، أن تقف معه ولو بلسانك، أن تقف معه بالشهادة معه عند قاضٍ أو عند حاكم، أن تقف في كل موطن تستطيع أن تنصره به، فأنت مطالب بذلك (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) [الأنفال: 72].
قال عليه الصلاة والسلام كما عند ابن عمر في الحديث المتفق عليه قال بأبي هو وأمي: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه» لا يسلمه يعني لا يخذله ويتقاعس عن نصرته إذا وقع عليه ظلم..
هو لا يظلمه ابتداءً وأيضًا إذا وقع ظلم على أخيك لا يجوز أن تخذله ولا يجوز أن تسلمه، وقال صلى الله عليه وسلم: «ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته»، إذا نصرت المظلوم ووقفت معه نصرك الله تعالى في موطن تحب فيه أن تنصر..
وقال صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديث المتفق عليه عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه قال بأبي هو وأمي: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الأخوة الإسلامية ليست كلامًا فقط يُلقى هكذا باللسان..كلا، بل لا بد أن يكون لها عمل يتحمل الإنسان تبعاته، قد تنصر مظلومًا أو تقف معه أو تتكلم لنصرته أو تتكلم مع من يرفع الظلم عنه فيصيبك تبعات من ذلك..هذا هو مقتضى الأخوة الإسلامية.
الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما كان ناصرًا للمظلومين، وكان لا يسكت أيضًا عن مظلمة تنزل عليه، فاعتدى والي المدينة على أرض له، فحاول أن يستخرجها منه فامتنع عنه، فأقبل الحسين بسيفه وقال لهذا الوالي: «والله إن لم تعطني أرضي لأقفن بسيفي هذا في المسجد ثم لأدعون الناس إلى حلف كحلف الفضول»، مثل ما تحالفت قريش مع بعضهم البعض في الفضول، لما تحالف المطيبون مثل ما تحالفوا على نصرة كل مظلوم لأدعون الآن على ألا يبقى مظلومًا في المدينة..
قال: "والله إن لم تعطني أرضي لأقفن بسيفي هذا في المسجد ثم لأدعون الناس إلى حلف كحلف الفضول"، فقال عبد الله بن الزبير: "والله لئن دعا الحسين إلى ذلك لأغدون أيضًا بسيفي ولأدعون بحلف كحلفه".
ثم بلغ ذلك المسور بن مخرمة فقال: "والله لأخرجن أيضًا بسيفي لأدعون بحلف كحلفهما ".
فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عثمان قال: "والله لأغدون بسيفي حتى أدعوا بحلف كحلف الفضول مثل ما دعوا إليه".
فلما رأى ذلك والي المدينة أعاد إلى كل ذي حق حقه..
إن ما نرى اليوم من تظالم بعض الناس لبعض وغفلة عدد من الناس عما توعد الله به الظالمين في الآخرة مهما وعظته وذكّرته وتلوت عليه الآيات وخوّفته من عذاب الله جل وعلا ومن دقة الحساب يوم القيامة وحدثته بحديث المفلس «الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وصدقة لكنه يأتي وقد ظلم هذا، وشتم هذا، وأكل مال هذا وهتك عرض هذا».. هو رجل ظالم ظلم في أموال الناس وأعراضهم وجعل الظلم يتنوع منه على كل أحد، قال: «فيؤخذ لهذا من حسناته، ولهذا من حسناته حتى إذا فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أُخذ من سيئاتهم فطرحت عليه»..
بعض الناس مهما تورد عليه من هذه النصوص لا يلتفت إليك حتى ربما تحتاج إلى أن ترفع أمره إلى قاضٍ أو حاكم لأجل أن يستخرج حقوق المظلومين منه.
أيها المسلمون: الواجب علينا لإخواننا المظلومين سواء كانت مظالم صغيرة أو كانت مظالم كبيرة كما يقع لإخواننا اليوم في عدد من البلدان في سوريا وفي غيرها.. الواجب علينا أن ننصرهم بما نستطيع:
أولا: النصرة الإعلامية: ألا يفتحوا قنواتنا فيرون في قناة قتلاً وتجريحًا واغتصابًا لهم ودعوى إلى نصرتهم، ثم يفتحون قناة أخرى وإذا بها مسابقة لاختيار أحسن مطرب !!
عيب.. هذا عار علينا أن يكون إخواننا يطالبون بتحقيق التوحيد وتطبيق الشريعة في بلادهم ثم يفتحون قنوات فلا يرون منهم التفاتًا إليهم.. أين النصرة؟! أين الشعور بمشاعرهم؟!! أين الشعور بمرض المريض وحاجة المحتاج وضعف الضعيف وقهر المقهور؟!!
النصرة الإعلامية أن نقف معهم بما نستطيع من وسائل الإعلام سواء في القنوات الفضائية أو من خلال صفحات الإنترنت أو من غير ذلك بما نستطيع عليه..
ألا تغيب قضيتهم عنا ولا يغيب صورهم عن أنظارنا، وأن نتكلم عنهم ولا نكل ولا نمل حتى يرفع الله تعالى عنهم هذه المظلمة ونكون على الأقل قد أعذرنا إلى ربنا (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف: 164] نكون قد فعلنا ما نستطيع كشعب عادي، لا أملك سلاحًا ولا أملك وزارة ولا قرارًا... لكن أكون قد صنعت ما أستطيع وربي يحاسبنا بمقدار ما أعطاني من قدرات، بمقدار ما بين يدي من قدرات لعلى نصرة المظلوم إن قصرت في هذه القدرات وإن كانت قليلة حاسبني الله عنها. أما غيرها مما هو أعظم مما هو ليس في يدي فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها..
ومن ذلك نصرة إخواننا نصرة فكرية بأن نثير قضيتهم، بأن ندافع عنهم، بأن نقنع من لا يقتنع بأنهم على حق، ولا أعني فقط إخواننا السوريين في سوريا..إنما أعني أن يرفع الظلم عن كل أحد..أن يكون الإنسان بلسانه متكلما برفع الظلم عن المظلومين.
وكذلك أيها الأحباب: نصرة المظلوم بالدعاء كما كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يدعو دائما للمسلمين المستضعفين، يمر عليه الصلاة والسلام ببلال وهو يعذب مظلوم لأنه دخل في الإسلام يعذب بعذاب شديد ولا يملك صلوات ربي وسلامه عليه أن يرفع عنه المظلمة فهو لا يملك جيشا..
فكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يتوقف عن الدعاء وعن تصبيره، يمر بآل ياسر فلا يكل لسانه ولا يمل عن الدعاء لهم وتصبيرهم..
يمر بخباب وحتى بعد ما هاجر صلوات ربي وسلامه عليه إلى المدينة جعل يدعو «اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد...» يدعو لهم ولا يكل لسانه عن الدعاء لهم..
هذا نوع من النصرة إذا دعونا للمظلوم حتى لو لم يكن دعاء في قنوات أو في خطبة جمعة أن ترفع يديك إذا ظلم فلان معك في بيتك أو في شركتك أو مؤسستك أو في أي مكان أن ترفع يديك وتقول: "اللهم إنك تعلم أني عاجز عن نصرته، وأن الضرر سيصيبني معه ولا احتمل يا رب فانصره وارفع عنه" .
إذا بذلت هذا الدعاء أُجرت وأُثبت فعلاً، هذه الأخوة الإسلامية التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستشعرها.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيذنا من الظلم وأهله.. نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الظلم وأهله، وأسأل الله تعالى أن نكون ممن ينصرون المظلومين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه غنه هو الغفور الرحيم..
الخطبة الثانية:
الحمد على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين..
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم