نصرة أهل غزة

علي عبد الرحمن الحذيفي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ فضل المسلمين 2/ أثر المسلمين على البشرية 3/ أسباب تسلط الكافرين علينا 4/ محاباة المؤسسات الدولية في تطبيق القانون لصالح اليهود 5/ معاناة الفلسطينيين لعقود طويلة 6/ غزة أنموذجاً في المعاناة 7/ من لوازم و مقتضيات الدفاع عن الحق 8/ وجوب الدعم المادي والمعنوي لأبناء غزة 9/ السعودية أنموذجاً في الدعم المادي

اقتباس

ولكننا نبين للعالم أن المؤسسات الدولية التي تصنع القرار لم تعد تفرق بين الظالم والمظلوم، وما ندري هل أصابتها الشيخوخة أو تبلد الإحساس وفقدانه؟ والعدوان على غزة شاهد عيان. وإذا عجز المسلمون عن حل مشاكلهم بأنفسهم بالحق فأعداؤهم لن يقدموا لهم خيراً، والأحداث تثبت يومًا بعد يوم أنه يكل للمسلمين بمكيالين ويعاملون مع غيرهم بمعاملتين من غير حياءٍ ولا خوف ..

 

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، أحمد ربي وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصيكم بتقوى الله في السر والعلانية، فاتقوا الله.. فتقوى الله فوزٌ بكل مرغوب ونجاةٌ من كل شرٍّ وكرب، يصلح الله بها الآخرة: ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) [الطلاق: 4].

أيها الناس: إن أثر المسلمين على البشرية أحسن الأثر، وإن فضل هؤلاء المسلمين على الإنسانية فضلٌ كبير نفع الله به الإنسانية في الدنيا والآخرة..

وإن المسلمين قدموا للناس منذ بعث الله -تعالى- نبي الرحمة سيد البشر نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- قدموا لها من العلوم النافعة والعدل والسلم والرحمة والأخلاق الفاضلة ما لم تقدم أمةٌ من الأمم قبلها، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وارث الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- أمره الله -تعالى- أن يقتدي بهم؛ فدينه هو الحق المحفوظ لم يغير ولم يبدل والأمم قبله غيروا وبدلوا ما جاءت به الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فضلَّ المغيرون والمبدلون وأضلوا فصاروا على غير شيء من الحق..

وأما من كان متمسكًا قبل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بتعاليم نبيه المبعوث إليه في زمانه مؤمنًا بما جاء بعده من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فهو من المسلمين.. قال تعالى: ( وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ) [يونس: 84]، وقال تعالى عن سحرة فرعون الذين آمنوا بموسى -صلى الله عليه وسلم-: ( وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ) [الأعراف: 126]، وقال تعالى عن الذين آمنوا بعيسى -صلى الله عليه وسلم-: ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) [آل عمران: 52]..

ومن آمن بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- من أهل الكتاب فله أجران.. قال الله -تعالى-: ( وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) [القصص: 52 – 54]..

ومن لم يؤمن بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر بالله العظيم.. قال الله -تعالى-: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) [التغابن: 10]، وقال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) [البينة: 6]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- " والذي نفسي بيده.. لا يسمع بي يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار " رواه مسلم.

ومع حسن أثر المسلمين على البشرية ومع كثرة الخيرات وازدهار الحياة التي أجراها الله على أيديهم للناس فقد كادهم أعداء الإسلام بأنواع المكائد كلها، فما أحسن أثر المسلمين على الناس.. وما أقبح أثر الناس عليهم !.

وتعرض المسلمون في القرون الأخيرة لأبشع أنواع الاضطهاد والظلم في بلدان كثيرة، واحتل بعض أعداء الإسلام بعض الأقطار الإسلامية، وكان موقف المسلمين في هذه القرون المتأخرة موقف الدفاع عن دينهم وأعراضهم وديارهم وأموالهم؛ فنجحوا مرات في رفع الظلم والاضطهاد الواقع عليهم وأخفقوا بعض المرات.. والعاقبة للمتقين.

ولذلك التسلط من أعداء الإسلام أسبابٌ من المسلمين وأسبابٌ من أعدائهم، ومردُّ الأسباب من المسلمين: تقصيرهم في تطبيق دينهم، وكثرة ظهور البدع، وتفرقهم واختلاف آرائهم.

 

ومرد الأسباب من أعداء الإسلام: اتفاقهم على حرب الإسلام، وحقدهم الأسود الذي لا يزول، وسعيهم في تفريق المسلمين بكل الوسائل، ونشرهم كل ما يضاد الإسلام في العقيدة والأخلاق والعادات وغيرها.

وقد شاهدنا أحداثًا قريبة وظلمًا وقع على المسلمين مع صمت العالم الذي يصنع القرار وحرمان المظلومين من حماية القانون الدولي، وتخلي المؤسسات الدولية عن المدافعة عن حقوق المسلمين المظلومين في دينهم وأوطانهم وأموالهم.

وإننا نحن المسلمين لا نطمع أن ينصرنا أحد غير الله -تعالى- أو يحل مشاكلنا أعداء الإسلام وإنما رب العالمين.. والذي ينصرنا إن استقمنا على دينه.. قال الله -تعالى-: ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) [الحج: 40].

ولكننا نبين للعالم أن المؤسسات الدولية التي تصنع القرار لم تعد تفرق بين الظالم والمظلوم، وما ندري هل أصابتها الشيخوخة أو تبلد الإحساس وفقدانه؟ والعدوان على غزة شاهد عيان.

وإذا عجز المسلمون عن حل مشاكلهم بأنفسهم بالحق فأعداؤهم لن يقدموا لهم خيراً، والأحداث تثبت يومًا بعد يوم أنه يكل للمسلمين بمكيالين ويعاملون مع غيرهم بمعاملتين من غير حياءٍ ولا خوف..

 

ولا خير في الحياة إذا كان القوي يأكل الضعيف، وقد أصبحت الأمور واضحة لكل أحدٍ من المسلمين، ولا يقدر أعداء الإسلام أن يخفوها أو يغيروها بخداع الإعلام.

والقضية التي خدع فيها المسلمون (قضية فلسطين).. وهي قضية إسلامية مصيرية، كما ظلموا في قضايا أخرى معروفة للعالم كله..

والفلسطينيون لقوا بلاءً وتشريداً وتقتيلاً ومظالم على يد الصهاينة الغاصبين، والفلسطينيون يسعون إلى حفظ كرامتهم والحصول على حقوقهم المسلوبة ورفع الظلم والعدوان عنهم ورعاية مصالح شعبهم الذي توالت عليه النكبات والمصائب، ومن حقهم إقامة دولة فلسطينية لهم عاصمتها القدس في أرضهم ترعى مصالحهم.

 

وقد عانى الشعب الفلسطيني طيلة عقود، وتعرضوا لمجازر رهيبة تشير إلى حرب إبادة في غياب العدل والرحمة والإحسان وكرم الأخلاق، وفي ظل التسلط والتجبر والإرهاب والقسوة والمطامع الدنيئة.

 

وهذه غزة المحاصرة -التي اصطلت بنار الحرب براً وبحراً وجوّا- يصرخ فيها الأطفال والنساء والشيوخ والمظلومون لنجدتهم ورفع الظلم عنهم وفك حصارهم وإطفاء نار حرب الصهاينة المعتدين أعداء الله وأعداء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وأعداء البشرية..

 

والمجتمع الدولي لن يعفيه التاريخ من السكوت عن السكوت على هذا العدوان الآثم، وإن الفلسطينيين في غزة في موقف دفاع عن أنفسهم وفي خندق رباط يدافعون عن الضعفاء، والدفاع عن الحق مهمة شاقة وشريفة يوفق الله لها من يشاء من عباده ويجزيه أحسن الثواب في الدنيا والآخرة، والدفاع عن الحق يوجب الاعتصام بكتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- كما يوجب الاجتماع والإتلاف، وعدم الفرقة والاختلاف..قال الله -تعالى-:( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ) [آل عمران: 103]، ويقول -تعالى-:( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [الأنفال: 46].

 

كما يوجب الدفاع عن الحق التمسك بهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونبذ البدع كلها..قال الله -تعالى-:( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) [النور: 54]، ( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) [الإسراء: 9]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها " وقال -صلى الله عليه وسلم-: " وجعل الصغار والذلة على من خالف أمري "، وكل مبتدع مخذول كتب الله عليه الذلة؛ لمعاندته لله -تعالى- قال الله - عز وجل -:( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) [المجادلة: 20 – 21]، فليحذر كل مسلم من البدع كلها؛ لكي لا يدخل على دينه وأمته شراً عظيماً.

كما يوجب الدفاع عن الحق هجر المعاصي والقيام بالفرائض؛ فإن الله يتولى من هجر المعاصي وأدى الواجبات ويعينه ويحفظه ويوفقه قال الله -تعالى-:( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ) [الحج: 38]، وقال -تعالى-:( إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ) النحل – 128، وقال - عز وجل -:( وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) النساء – 141، وقال الله -تعالى-: ( ومَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) [النور: 52].

وليس أضر على المسلم من المعاصي وتضييع الواجبات.

كما يوجب الدفاع عن الحق الصبر الدائم.. قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [البقرة: – 153]، وقال تعالى: ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [الزمر: 10]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا ".

كما يوجب الدفاع عن الحق النزاهة عن الأهواء والتجرد عن الحظوظ النفسية والتجرد عن المصالح الفردية لأن إتباع الأهواء مهلكه وفشل وخسران.. قال تعالى: ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [القصص: 50]، وقال تعالى: ( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) [ص: – 26]، وإيثار حظوظ النفس والمصالح الشخصية على الحق يضيع الدنيا والآخرة.. قال تعالى:( فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ) [النازعات: 37- 39].

ومدح الله المؤثرين على أنفسهم وكتب لهم أحسن الثواب فقال تعالى: ( والَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [الحشر: – 9].

كما يوجب الدفاع عن الحق التوكل على الله مع عمل الأسباب المشروعة المقدور عليها.. قال تعالى: ( وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) [المائدة: – 23]، وقال تعالى: ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) [الطلاق: 3]، وقال عز وجل: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) [يوسف: 67].

وإذا علم المسلم أن الأجل بيد الله وأن الرزق وخزائن السموات والأرض بيد الله عظم توكله على ربه وتعلق قلبه به..

وما شرعت العبادات إلا لتعظيم الله واعتماد القلب عليه.. قال الله – تعالى -: ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً ) [آل عمران: – 145]، وقال تعالى: ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ) [سبأ: 24]، وقال عز وجل: ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) [الحجر: 21]، وقال عز وجل: ( وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) [المنافقون: 7].

أيها المسلمون: إن إخوانكم في غزة وفي فلسطين بحاجة إلى الغذاء والكساء والدواء والمأوى والمال والنصرة؛ فقد هاجمهم عدو شرس بأسلحة متطورة وهم لا يملكون إلا أسلحةً بدائيةً محدودة يدافعون بها عن أنفسهم، وقد استشهد الكثير -منهم نساء وأطفال ورجال وشيوخ- في المساجد والبيوت وفي كل بقعة من فلسطين وهم يدافعون عن المسجد الأقصى أن يهدم؛ فلا تتخلوا عنهم.

وإن ما تقوم به المملكة من تضامن مع غزة وما تقدمه من مساعدات نافعة خيرية وما تبذله لإخواننا في فلسطين من عطاءٍ يذكر ويشكر له..

كما يذكر لخادم الحرمين الشريفين نداؤه لشعبه لإغاثة إخوانهم في غزة والوقوف مع هذه المعاناة والشدة، وبذل المساعي الخيرة الجادة لإيقاف هذا النزيف وصد شبح الحرب عن هذا الشعب الفلسطيني الأعزل..

وجزاه الله أحسن الثواب على ما يقوم به من منافع للمسلمين واهتمامٍ بشئونهم ونصرةٍ لقضاياهم؛ فاستجاب لخادم الحرمين الشريفين الملك / عبد الله بن عبد العزيز إخوانه وأسرته وشعبه.. كما عرف عنهم في مثل هذه الأمور من الاهتمام بأمور المسلمين ومد يد العون لهم، وجزاهم الله على ذلك الجزاء لأوفى في الدارين.

أيها المسلمون في كل مكان: ادعوا للشهداء في غزة وفي فلسطين، وأن يخذل الله الصهاينة المعتدين وأن ينصر الإسلام والمسلمين، ويحفظ دماء إخواننا في غزة وفي فلسطين وأعراضهم وأموالهم، وأن يصلح حالهم وينصرهم على اليهود الحاقدين المعتدين.

 

أيها المسلم في كل مكان: إن إخواننا في غزة في كربٍ وشدة ينتظرون من كل مسلم نصرتهم بمد يد العون لهم، واعلم أن كل ما يقدمه المسلم لإخوانه فإن الواجب الإسلامي أعظم من ذلك، وفي الحديث: " المسلم أخو المسلم.. لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه ولا يحقره "، قال الله – تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ) [محمد: 7 – 11].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم..
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله العزيز الحليم.. الحمد لله الحكيم العليم، أحمد ربي وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله الهادي إلى صراط مستقيم.. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الذين اختارهم الله لنصرة هذا الدين القويم.

أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

عباد الله: لقد جرت سنة الله بخلقه أن هذه الحياة الدنيا لا يصفو فيها خيرٌ ولا يدوم فيها شر، بل يبتلي الله فيها خلقه بما يشاء.. قال تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) الأنبياء – 35، وقال تعالى: ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) [العنكبوت: 1 – 3]..

وكل ما يقضي الله على عبده المؤمن فهو خيرٌ إن شكر على السراء وصبر على الضراء كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " عجبًا لأمر المؤمن.. إن أمره كله خير؛ إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له " رواه مسلم.

عباد الله: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [الأحزاب: - 56]، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: " من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا "؛ فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللهم وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وسلم تسليماً كثيرا..

اللهم وارض عن الصحابة أجمعين وعن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارض عنا بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك يارب العالمين، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق، اللهم ألف بين قلوبهم واهدهم سبل السلام، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم فقهنا وإياهم في الدين وثبتنا والمسلمين على صراطك المستقيم يارب العالمين.

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين من المسلمين، اللهم واقض الدين عن المدينين، اللهم واشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم أعذنا وأعذ ذريتنا من إبليس وذريته وجنوده وشياطينه يارب العالمين، اللهم أعذ المسلمين من الشيطان الرجيم وذريته وجنوده وشياطينه إنك على كل شيء قدير.

اللهم يارب العالمين انصر إخواننا المظلومين المستضعفين ممن ظلمهم من أعدائك من أعداء الدين يارب العالمين.

اللهم إن أهل غزة وإخواننا المستضعفين في فلسطين.. اللهم إنهم جياع فأطعمهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم مشردون فآوهم، اللهم إنهم حفاةٌ فاحملهم، اللهم إنهم فقراء فأغنهم، اللهم إنهم خائفون فآمن روعاتهم.

اللهم إنهم مظلمون فانتصر لهم يارب العالمين، اللهم انصرهم على اليهود الغاصبين المعتدين، اللهم لا تسلط دولة اليهود على المسلمين أبدًا يارب العالمين، اللهم وأبطل كيدهم ومكرهم، اللهم وأعذنا من شرورهم ومن شر كل عدو للإسلام والمسلمين يارب العالمين، ندرء بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.

اللهم هيئ المسجد الأقصى لعبادتك يارب العلمين لتعبد فيه ويذكر فيه اسمك يارب العالمين إلى يوم الدين، اللهم وطهره من رجز المعتدين يارب العالمين.

ربنا لا تؤاخذنا بذنوبنا، ( رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) [البقرة: – 286].

 

اللهم وفق ولي أمرنا إمامنا لما تحب وترضى.. اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك، وانصر به دينك وأعل به كلمتك واجمع به كلمة المسلمين يا رب العالمين، اللهم وفق نائبه لما تحب وترضى ولما فيه الخير للإسلام يارب العالمين، وارزقه الصحة إنك على كل شيء قدير..

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين، اللهم يارب العالمين اجعل ولاة أمور المسلمين عملهم خيرًا لشعوبهم وأوطانهم.

اللهم أطفأ هذه الحرب الظالمة التي شنها اليهود على غزة يا أرحم الراحمين ويا رب العالمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت نسألك أن تغيثنا، اللهم أعذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، اللهم وأعذنا من شر كل ذي شر يارب العالمين.

عباد الله: ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) [النحل: - 90] ( وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) [النحل: – 91]..

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، والله يعلم ما تصنعون.
 

 

 

 

 

 

المرفقات

أهل غزة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات