نصائح وتوصيات

أحمد طالب بن حميد

2021-12-03 - 1443/04/28 2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/نصائح وتوصيات للفوز بالرحمات 2/على المسلم جهاد الدنيا والحذر من الاغترار بها

اقتباس

طوبى لمن شغلَه عيبُه عن عيوب الناس، وأنفَق الفضلَ من ماله، وأمسَك الفضلَ من قوله، ورَحِمَ أهلَ الذِّلة والمسكَنة، وخالَط أهلَ الفقهِ والحكمةِ، طوبى لمن أطاع ربَّه، وهذَّب نفسَه، وحسَّن خَلِيقته، وأصلَح سريرتَه...

الخطبة الأولى:  

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيُّه من خَلقِه وخليلُه، بلَّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصَح الأمةَ، وجاهَد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقينُ، فصلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، وعلى آل بيته الطيبينَ الطاهرينَ، وعلى أزواجه أُمَّهات المؤمنينَ، وعلى صحابته الغُرِّ الميامينِ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، واعلموا أن عبدًا لن يستكمل الإيمان حتى يتوكَّل على الله، ويُفوِّض الأمرَ إليه، ويُسلِّم الأمورَ له، ويرضى بقضائه ويصبر على بلائه، ومَنْ أحبَّ لله، وأبغَض لله، وأعطى لله، ومنَع لله، فقد استكمل الإيمانَ؛ (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[الْأَنْفَالِ: 1-4].

 

واعلموا أنكم بين أمر تبيَّن رشدُه فاتبِعوه، وأمر تبيَّن غيُّه فاجتنِبوه، وأمر مُشتبَه فاستبرِئوا لدينكم وأعراضكم منه، وأمر اختُلف فيه فردُّوه إلى عالِمِه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[النِّسَاءِ: 59]، (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)[آلِ عِمْرَانَ: 109]، ولْتَعلَمُوا أنه لن يُدرِك أحدُكم رزقَ اللهِ بمحضِ كدِّه، ولن ينجو أحد من الخلق بفضل عمله، وإنما هي أسباب نتعرض بها لرحمة الكريم الوهاب؛ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[الْمُلْكِ: 15]، فطوبى لمن شغلَه عيبُه عن عيوب الناس، وأنفَق الفضلَ من ماله، وأمسَك الفضلَ من قوله، ورَحِمَ أهلَ الذِّلة والمسكَنة، وخالَط أهلَ الفقهِ والحكمةِ، طوبى لمن أطاع ربَّه، وهذَّب نفسَه، وحسَّن خَلِيقته، وأصلَح سريرتَه، طوبى لمن أبدَى خيرَه وعزَل شرَّه، طوبى لمن عَمِلَ بعِلْمِه، ووسعَتْه السُّنَّةُ فلم يتعدَّها إلى البدعة، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب، واعلموا أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، ولا يحملنَّكم استعجالُ الرزق أن تطلبوه بمعصية الله؛ فإن خير الله وفضله لا ينال إلا بطاعة الله، ألا وإن لكل امرئ رزقا هو آتيه، فمَنْ رَضِيَ به بُورِكَ له فيه فَوَسِعَهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ فَلَمْ يَسَعْهُ، وَإِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ صَاحِبَهُ كَمَا يَطْلُبُه أَجَلُهُ، وما أوتي أحد رزقا وفضلا وعطاء خيرا من القرآن، والعلم والإيمان؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يُونُسَ: 57-58].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفِروه؛ إنه كان للأوابين غفورًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وليُّ المتقين، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، أرسلَه رحمةً للعالَمينَ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أيها المسلمون: هذه العاجلة قد شرعت أبوابَها، ومدَّت أسبابَها، وامتدَّت إليها أعناقُ أهلِها؛ (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 6]، فخير الناس من جاهدها فكان من السالمين، أو جاهد فيها فكان من الغانمين، أو جاهَد بها فكان من المكرمين، وأما من جاهد لها فهو من الخاسرين؛ (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 69]، فأحكِمُوا أسبابَها بأيديكم، ولا تُسكِنُوا حُبَّها قلوبَكم، فما سكن حب الدنيا قلب عبد إلا التاط منها بثلاث: "شغل لا ينفد عناؤه، وفقر لا يدرك غناه، وأمل لا يدرك منتهاه"؛ فالدنيا والآخرة طالبتان ومطلوبتان، فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستوفي رزقه، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يأخذ الموت بعنقه؛ ألا وإن السعيد السعيد، من اختار باقية يدوم نعيمها، على فانية لا ينفد شقاؤها، وقدم لما يقدم عليه ممَّا هو الآنَ في يديه، أن يخلفه لمن يسعد بإنفاقه، وقد شقي هو بجمعه واحتكاره، قال الله -عز وجل-: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[الْجُمُعَةِ: 10-11].

 

أيها المؤمنون: إن الله -تبارك وتعالى- قد أمرنا بأمر عظيم، فقال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، فاللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على آل إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدينَ، الأئمة المهديينَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَّ الشركَ والمشركينَ، ودمِّر أعداءكَ أعداءَ الدينِ، واجعل هذا البلدَ آمِنًا مطمئِنًّا سخاءً رخاءً، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنا، واجعَلْ ولايةَ المسلمين فيمَنْ خافَكَ واتقاكَ واتَّبَعَ رضاكَ يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهم وفِّق إمامَنا لهداكَ، واجعَلْ عملَه في رضاكَ، وارزقه البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، التي تدلُّه على الخير وتُعِينه عليه يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم ووليَّ عهده وإخوانَهم على الخير يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهم إنا عبيدُكَ بنو عبيدِكَ بنو إمائِكَ، نواصينا بيدِكَ، ماضٍ فينا حُكمُكَ، عدلٌ فينا قضاؤُكَ، نسألُكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ، سميتَ به نفسَكَ، أو أنزلتَه في كتابِكَ، أو علمتَه أحدًا من خَلقِكَ، أو استأثرتَ به في عِلمِ الغيبِ عندَكَ، أن تجعل القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلوبنا، ونورَ صدورنا، وجلاءَ أحزاننا، وذَهابَ همومنا وغمومنا، اللهم ذكِّرْنا منه ما نُسِّينا، اللهم عَلِّمْنا منه ما جَهِلْنا، اللهم ارزقنا تلاوتَه آناءَ الليلِ وأطرافَ النهارِ على الوجه الذي يُرضِيكَ عنَّا، اللهم اجعلنا من أهل القرآن، الذين هم أهلُكَ وخاصتُكَ، اللهم انفَعْنا وارفَعْنا بالقرآن العظيم، واجعَلْه لنا إمامًا وهاديًا إلى جناتك جنات النعيم.

 

اللهم اغفر لنا ذنوبَنا وإسرافنا في أمرنا، وثبِّت أقدامَنا وانصرنا على القوم الكافرين.

 

اللهم (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها، أولها وآخرها، علانيتها وسرها.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات

نصائح وتوصيات.doc

نصائح وتوصيات.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
07-12-2021

جزاكم الله خير الجزاء وجعله ربي في موازين حسناتكم