نصائح للراعي والرعية

حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: بناء المجتمع
عناصر الخطبة
1/ تفرق الصف من أعظم محن المسلمين 2/ الضمانات وأسباب الوقاية من شُرور الفتن 3/ البعد عن منهج الإسلام سبب كل الشرور 4/ العمل بالإسلام وتحكيم القرآن طوق النجاة 5/ ضرورة تقوية روابط الأخوة في الله 6/ دور الحكام والمسؤولين 7/ ابن الخطاب يعلم الحكام العدل وطهارة اليد 8/ دور الرعية وواجبهم تجاه حكامهم

اقتباس

ألا وإن أعظمَ الفتن وأشدّها خطرًا وأكبرها ضررًا: هذه الفتنُ التي تقعُ في كثيرٍ من مُجتمعات المُسلمين اليوم؛ من اختلافِ الكلمة، وتفرُّق الصفِّ، وانتِشار الأحقاد والبَغضاء بسبب التكالُبِ على هذه الدنيا، حتى وقعَ بذلك شرٌّ مُستطيرٌ، وضررٌ كبيرٌ على البلاد وعلى العباد، ضررٌ نالَ الأمنَ والأمانَ، وأصابَ الأنفُسَ والأعراضَ والأموال. فتنٌ سبَّبَت إزهاقَ الأرواح، وانتِهاكَ الأعراض، وسلبَ الأموال، حتى...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله الذي بطاعته تحصُل الخيراتُ وتقعُ البركات، وبمعصيته تحلُّ الكوارِثُ والمثُلات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرض والسماوات، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه سيدُ الأنبياء وأفضلُ المخلوقات، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المُسلمون: أُوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-؛ فهي سببُ الخيرات، وبها تحصُلُ البركات، ويحصُلُ بعد العُسر يُسرًا، وبعد الضِّيق سَعَة: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4].

أيها المسلمون: تُحيطُ بالمسلمين فتنٌ عظيمةٌ ومحَنٌ جسيمةٌ، يقول -صلى الله عليه وسلم- في مثل ذلك: "يتقَارَبُ الزمان، ويقِلُّ العمل، ويُلقَى الشُّحُّ، وتظهر الفتن".

ألا وإن أعظمَ الفتن وأشدّها خطرًا وأكبرها ضررًا: هذه الفتنُ التي تقعُ في كثيرٍ من مُجتمعات المُسلمين اليوم؛ من اختلافِ الكلمة، وتفرُّق الصفِّ، وانتِشار الأحقاد والبَغضاء بسبب التكالُبِ على هذه الدنيا، حتى وقعَ بذلك شرٌّ مُستطيرٌ، وضررٌ كبيرٌ على البلاد وعلى العباد، ضررٌ نالَ الأمنَ والأمانَ، وأصابَ الأنفُسَ والأعراضَ والأموال.

فتنٌ سبَّبَت إزهاقَ الأرواح، وانتِهاكَ الأعراض، وسلبَ الأموال، حتى آلَ بالمُسلمين -للأسف- أن رفعَ بعضُهم على بعضٍ السِّلاحَ، وتعدَّى بعضُهم على عِرضِ أخيه ومالِه، وصدقَ عليهم قولُه -جل وعلا-: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) [الحشر: 2].

وصدقَ عليهم قولُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناهِيًا: "لا ترجِعوا بعدي كُفَّارًا يضرِبُ بعضُكم رقابَ بعضٍ".

ألا وإن أعظمَ الضمانات وأسباب الوقاية من شُرور الفتن: تكون في التمسُّك بالثوابِت والأُسس، والحِرص على المبادئ والأصول التي جاءَ بها الشرعُ المُطهَّر. بذلك وحده يحصُلُ الضمانُ الأعظمُ لتوقِّي أخطار الفتن، وتحصُل الحصَانةُ الوحيدة لدفع الشُّرور والأخطار.

إن من تلك الأُسس: أن نعلمَ علمَ اليقين أن سببَ كل شرٍّ، وأصلَ كل بلِيَّةٍ تقعُ بالمُسلمين: البُعد عن منهَج الإسلام، التهاوُن في طاعة الرحمن، الانحِرافُ عن تطبيق أحكام الإسلام.

ألم يقُل لنا ربُّنا -جل وعلا-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63]؟! (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)، أي: أمر الله وأمر رسولِه، (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

إن تقوَى الله -جل وعلا-، والعمل بالإسلام وبتحكيم القُرآن هو طَوقُ النَّجاة، وسفينةُ الإنقاذ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 2، 3].

القيامُ بمُقتضى توحيد الخالِقِ، والإيمان والعمل بتطبيق شريعة ربِّ العالمين سببُ الأمن والأمان: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].

في وصيَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- للأمة، تلك الوصية المُتجدِّدة بتجدُّد الزمان والأحداث، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "احفَظ الله يحفَظك".

فاحفَظ الله -أيها المسلم-، أيتها الأمة المسلمة: احفَظي الإسلام، احفَظي أحكامَ القرآن، احفَظي سُنَّة سيد ولد عدنان -عليه أفضل الصلاة والسلام-؛ يتمُّ لكِ الحِفظُ والعنايةُ والرِّعايةُ من الرحمن.

إن من العارِ على الأمة اليوم: أن تضِلَّ عما أرشدَها إليه سيدُ البشرية، والعالَمُ يتفرَّج على المُسلمين وهم في شرِّ حالٍ، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس: إني تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتُم به فلن تضِلُّوا أبدًا: كتابَ الله وسُنَّتي". إسنادُه صحيح.

كم هي المُؤتمرات؟! وكم هي المُجتمعات بين المُسلمين وبين قادَتهم؟! ولكن العين تضِلُّ عن هذه الإرشادات التي يحصُلُ بها الصلاحُ لهذه الأمة.

آنَ لنا حُكَّامًا ومحكومين إذا أردنا رُشدَنا، وسلامةَ أمنِنا، وصلاحَ أمرنا أن نأخُذ بقوَّةٍ وبصدقٍ وإخلاصٍ تلك الوصية التي أوصانا بها نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم-، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ، وستَرَون بعدي اختِلافًا شديدًا؛ فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم والأمور المُحدثات؛ فإن كل بدعةٍ ضلالة". الحديثُ صحيحٌ عند أهل العلم.

معاشر المسلمين: من الأُسس التي يجبُ الحِفاظُ عليها خاصَّةً عند حدوث الفتن: أن نُقوِّي رابِطةَ الأُخُوَّة الإيمانية بيننا، وأن نعلمَ أن أوثقَ عُرى الإيمان الحبُّ في الله، كيف وقد تعلَّقَت قلوبُ كثيرٍ منا بالدنيا وبحبِّها؟!

في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أمتَكم هذه عافِيَتها في أوِّلِها، وسيُصيبُ آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تُنكِرونَها، وتجِيءُ فتنٌ فيُرقِّقُ بعضُها بعضًا، وتجِيءُ الفتنةُ فيقول المُؤمنُ: هذه مُهلِكَتي، ثم تنكشِف، ثم تجيءُ الفتنةُ فيقول: هذه هذه، فمن أحبَّ أن يُزحزحَ عن النار ويُدخَل النار فلتأتِه منِيَّتُه وهو يُؤمنُ بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يُحبُّ أن يُؤتَى إليه".

إن هذا الحديثَ من أعلام النبُوَّة، كيف والأمة منذ عقودٍ وهي تمرُّ بفتنٍ تخرجُ من أحدها ثم تدخلُ في الأخرى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إخوة الإسلام: من الأصول التي يجبُ التمسُّك بها ومُراعاتُها، أصلٌ عظيمٌ يجبُ على حُكَّامنا في كل مكانٍ، يجبُ على رعيَّتنا في كل مكانٍ أن يعُوا هذا الكلامَ من القرآن ومن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يحفَظوه على حقوق الحاكمِ والمحكوم التي جاء بها الإسلام لصلاح هذه الأمة، ولصلاح البلاد والعباد، التي متى حُفِظَت من الجانِبَيْن عمَّ الأمنُ واستَتبَّ، ووقعَ الرخاءُ والاستقرارُ والازدِهار، بالتهاوُن في القيامِ بهذه الحقوق من الحاكمِ أو من المحكوم تحصُل الشُّرور، وتقعُ الأخطار. والتاريخُ أكبر شاهدٍ.

فعلى كل حاكمٍ في كل بلدٍ أن يقوم بواجبِ الأمانة والمسؤولية بإخلاصٍ وصدقٍ ومُراقبةٍ لله -سبحانه-، أن يستذكِر دائمًا قولَه -جل وعلا- لنبيِّه داود: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [ص: 26].

على كل حاكمٍ -من ملكٍ، أو أميرٍ، أو قائدٍ- أن يستذكِرَ قلبًا وقالَبًا قولَه -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذرٍّ في الإمارة: "إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خِزيٌ وندامةٌ، إلا من أخذَها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها". رواه مسلم.

أوَتعلمون أنكم مُخلَّدون؟! كلا إن هذه الحياة فانيةٌ على الحاكمِ والمحكوم.

على كل حاكمٍ أن يكون شِعارُه دائمًا قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "ما من راعٍ يسترعِيه الله رعيَّةً يموتُ يوم يموتُ وهو غاشٌّ لرعيَّته إلا حرَّم الله عليه رائحةَ الجنةِ". رواه مسلم.

فاختَر -أيها الحاكم المسلم- مكانَك من جنَّةٍ أو من نارٍ على ما أخبرَك به سيِّدُك محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-.

إن على الحُكَّام جميعًا أن يسيروا في الرعيَّة في بلاد المُسلمين بقاعدة العدل بمبدأ الإنصاف، أن يحذَروا من الظلم أو بتمكينِه في بُلدانهم بشتَّى صُوره ومُختلَف أشكاله، قد لا يقعُ الظلمُ من ذواتِهم، وإنما يقعُ من بِطانَتهم أو ممن ولَّوه على المُسلمين، فيكونُ المسؤولُ حينئذٍ الحاكمَ؛ فإن الله -جل وعلا- قال: "إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسِي وجعلتُه بينَكم مُحرَّمًا".

فبالعدلِ يأمنُ الحاكمُ ويأمنُ المحكومُ، وبالظلم يعمُّ الشرُّ على الجميع، وينتشرُ الفسادُ، وتحلُّ بالقلوب البغضاءُ والأحقاد، وما هذه الثوراتُ التي حصَلَت في بلاد المُسلمين إلا صادقُ بُرهانٍ لهذا الكلام الذي عليه نورُ النبُوَّة.

على الحاكم أن يحرِصَ على تفقُّد أحوال رعيَّته، وأن لا يشغلَه شاغلٌ عن ذلك حتى لا يندَم ولات حين مندَم، وأن لا يحتجِبَ دون حاجاتهم وخلاَّتهم، وإلا فمتى حصلَ ذلك منه انفصَمت العُرَى، وحلَّ الفسادُ العريضُ بين الحاكم والمحكوم.

صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من ولاَّه الله شيئًا من أمور المسلمين فاحتجَبَ دون حاجَتهم وخلَّتهم وفقرِهم احتجَبَ الله دونَ حاجته وخلَّته وفقرِه يوم القيامة".

على الحاكم أن يتَّقِي اللهَ -جل وعلا-، وأن يترُك الهوَى والعصبيَّةَ جانِبًا، وأن يستعمِلَ أهلَ التقوى والورَع، وذوي الطاعة والبرِّ على أمور المسلمين ممن يتَّصِفون بالقوة الأمانة الذين يُحبِّبون الناسَ للخير، يجمَعون القلوبَ ولا يُفرِّقون، يُصلِحون في البلاد ولا يُفسِدون، وإلا فمتى بُلِيَ الحاكمُ ببِطانةِ سُوءٍ دبَّ الخطر، واستحكمَ الشرُّ.

والتاريخُ أكبر مُعتبَر، وحوادِثُه أعظمُ مُزدَجَر، ومن لم تزجُرُه قوارِعُ الحوادث؛ فمتى يزدجِر؟!

روى الحاكم وغيرُه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قلَّد عملاً على عصابةٍ وهو يجِدُ في تلك العِصابة من هو أرضَى منه؛ فقد خانَ اللهَ وخانَ رسولَه وخانَ المؤمنين".

فاحذَر -أيها الحاكم- في كل بلدٍ من بلاد المُسلمين أن تُؤثِّرَ على دينِك، وأن تُفسِدَه بدنُيا غيرِك.

على الحاكم أن يعلمَ أن الدنيا لها سيطرةٌ على كثيرٍ من النفوس في كل زمنٍ، وأن الشُّرور في المُجتمعات ما وقعَت إلا بسببِ التكالُبِ على الدنيا ومناصبِها وحُظوظِها وزخارِفِها.

فعلى من بُلِيَ بالولاية أن يكون على حذَرٍ من الاستِثارِ بهذه الدنيا، ومن الأثَرة على رعيَّته، ففي صحيح البخاري قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن رجالاً يتخوَّضون في مالِ الله بغير حقٍّ، فلهم النارُ يوم القيامة".

ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في التطبيق العمليِّ: "إني واللهِ لا أُعطِي ولا أمنعُ أحدًا، إنما أنا قاسمٌ أضعُ حيثُ أُمِرت". رواه البخاري.

ولهذا أنتجَت مدرستُه أبا بكرٍ وعمرَ الفاروق وغيرَهما من الصحابة، في سيرة عمر -رضي الله عنه- أنه قيل له: يا أمير المؤمنين: لو وسَّعتَ على نفسِك في النفقة من مالِ الله.

وهذا هو عُمرُ الذي قد قتَّر على نفسِه، وقدَّم رعيَّتَه على نفسِه، يقول: "أتدري ما مثَلي ومثَلَ هؤلاء؟! كمثَل قومٍ كانوا في سفَرٍ فجمعُوا منهم مالاً، وسلَّمَه إلى واحدٍ منهم يُنفِقُ عليهم؛ فهل يحِلُّ لذلك الرجل أن يستأثِرَ عنهم من أموالِهم؟".

إن على الحاكم أن يجتهِد أشدَّ الاجتِهاد في حِفظ الضرورات الخمس: الدين، والنفوس، والعقول، والأعراض، والأموال، وإن أعظمَها: دينُ الناس؛ وذلك أن يقوم الحاكمُ بالاجتهاد بنشر وسائل الدعوة إلى الله، وإلى سُنَّة نبيِّه محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وأن يُمكِّنَ الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المُنكَر في البلاد التي يحكمُها، وأن يُحكِّمَ شرعَ الله في كل شأنٍ، وأن ينبُذَ كلَّ نظامٍ يُخالِفُ شرعَ الله، وأن يأخُذَ على يدِ المُفسِدين والمُبتدِعين، وأن لا يسمحَ لكائنٍ أن ينشُرَ فسادًا أو يجُرَّه على المُسلمين في دينِهم أو دُنياهم.

فالله -جل وعلا- يقول: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) [الأعراف: 56].

عباد الله: وعلى الرعيَّة وعلى المُجتمع أن يقومَ بحقُوقِه للراعِي، والتي من أهمِّها: طاعةُ الحاكم في غير معصِيَة الله -جل وعلا-، الحِفاظُ على السمع والطاعة ما لم يُؤمَروا بمعصيةٍ، وأن يبذُلوا المُناصَحَة وفقَ الأصول الشرعيَّة سرًّا لا علَنًا بالرِّفقِ واللِّينِ واللُّطفِ.

على الرعيَّة: الدعاءُ للحاكم بالتوفيقِ والصلاحِ والسدادِ.

عليهم: إعظام حقِّ السلطان، والحِفاظُ على إكرامِه وتبجِيله، ففي المسند بسندٍ صحيحٍ قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أكرمَ سُلطانَ الله -تبارَك وتعالى- في الدنيا أكرمَه الله يوم القيامة، ومن أهانَ سُلطانَ الله -تبارك وتعالى- في الدنيا أهانَه الله يوم القيامة".

وعلى الرعيَّة: الصبر على جَور الحاكمِ إن جارَ أو ظلَمَ؛ ففي صحيح البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم ستَرَون بعدي أثرَةً وأمورًا تُنكِرونَها". قالوا: فما تأمُرنا يا رسول الله؟! قال: "أدُّوا إليهم حقَّهم، وسلُوا اللهَ حقَّكم".

كما على الرعيَّة: الحَذَرُ أشدَّ الحَذَر من الخروج على الحاكمِ المُسلِم ما لم يرَوا كفرًا بُواحًا، وفقَ شروطٍ يُقرِّرُها علماءُ الأمة لا الدهماءُ والعامَّةُ، في الصحيحين أن عُبادة بن الصامِت -رضي الله عنه- قال: بايَعنا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في منشَطنا ومكرَهنا، وعُسرِنا ويُسرِنا، وأثرَةٍ علينا، وأن لا نُنازِعَ الأمرَ أهلَه، "إلا أن ترَوا كُفرًا بُواحًا عندكم فيه من الله بُرهان".

عباد الله: من أعظم الفتن: تشبُّهُ المُسلمين بالكفَّار والمُشرِكين، خاصَّةً فيما يُخالِفُ ثوابِتَ الإسلام، ويُضادُّ أحكامَه وتوجيهاتِه، فهذا مما جرَّ على المُسلمين شرًّا وَبيلاً، وضررًا عظيمًا، ولذا حذَّر المُصطفى -صلى الله عليه وسلم- من ذلك فقال: "من تشبَّه بقومٍ فهو منهم".

أيها المسلمون: من الأُسس الواجبِ على المُجتمع حُكَّامًا ومحكومين أن يرعَوها وقتَ الفتن: أن يحرِصَ الجميعُ على التحلِّي بكل ما يجمعُ ولا يُفرِّق، أن يُحبِّبوا بين الناس ولا يُبغِّضُوا، أن يتحلَّى المُجتمعُ بالصبر الذي يمنعُ من القيام بأعمالٍ لا تُعلَمُ عاقِبَتُها؛ فإن انعِدامَه يُشعِلُ أسبابَ الفتن، ويُوقِدُ عواملَ الشُّرور والفساد.

فالفتنةُ -كما يقولُ العلماءُ-: إما من ترك الحقِّ، وإما من تركِ الصبر. (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 1- 3].

على الراعي والرعيَّة: الاتِّصافُ بالحِلمِ والأنَاة وعدم التعجُّل؛ فبذلك تُدرَكُ الأمورُ حقيقةً، وتُوزَنُ بالميزان الأرشَد، والعجَلَةُ والتسرُّعُ في التصرُّفات والأفعال كثيرٌ ما لا تُحمَلُ عُقبَاها.

كما أن على الجميع مُراعاة الرِّفقِ في جميع التصرُّفات؛ ففي قواعد السُّنَّة المُحمديَّة: "ما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلا زانَه، ولا نُزِع من شيءٍ إلا شانَه، والرِّفقُ كلُّه خيرٌ".

فيا أيها المسلمون: حافِظوا على هذا النظامِ العظيمِ الذي تصلُحُ به أحوالُكم، وتزكُو به بُلدانُكم.

أقول هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه الداعِي إلى رِضوانه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: حقِّقُوا تقوَى الله -جل وعلا- تسعَدوا دُنيا وأُخرى.

عباد الله: إن المُسلمين متى استقاموا على التوحيد وأقاموا الإيمانَ الحقَّ بجميع حُقوقه ولوازِمِه ومُقتضياتِه، وعمِلوا بشريعة الإسلام، وطبَّقوا في حياتهم سيرةَ سيد ولد عدنان -عليه أفضل الصلاة والسلام-؛ جعلَ الله لهم من كلِّ همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا، ورزقَهم من حيثُ لا يحتسِبون، ووقاهُم الشُّرورَ والآثامَ.

يقول الله -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج: 38].

عباد الله: إن من أفضل الأعمال: الصلاةَ والسلامَ على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبِنا وقُدوتِنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الآل والصحابةِ أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم احفَظ المسلمين من الشُّرور والآثام، اللهم احفَظ المسلمين من شُرور الفتن، اللهم اجمع بين كلمتِهم، اللهم وحِّد صفَّهم، اللهم فرِّج همَّهم، اللهم نفِّس كُرُباتِهم، اللهم انصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم، اللهم انصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم، اللهم انصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم.
 

 

 

 

المرفقات

للراعي والرعية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات