نصائح للحجاج والعمار

صلاح بن محمد البدير

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: الحج
عناصر الخطبة
1/وجوب تقديس الحرم وتعظيمه وتنزيهه عن الخصومات والنزاعات 2/ضرورة تفقُّه الحاج في أداء الشعائر 3/نصائح للحجاج والعُمَّار 4/يوم عرفة عيد لأهل الموقف عظيم

اقتباس

وليس الحجُّ مَوضِعًا للخصومات والمنازَعات والمجادَلات، ولا مكانًا للتجمهرات والمظاهرات والمسيرات، ولا موقعا للشعارات والحزبيات والعصبيات، والحجُّ أَجَلُّ وأسمى وأعلى مِن أن يكون مسرحا للخلافات الحزبية والمذهبية، وموطنا للنزاعات الطائفية والسياسية...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله حمدا يُوافي نِعَمَه وعطاياه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحقٍّ سواه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، ونبيه وصفيه ونَجِيُّه ووليه ورضيه ومجتباه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً دائمةً ما انفلق صبح وأشرق ضياء.

 

أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله بالسعي إلى مراضيه واجتناب معاصيه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].

 

أيها المسلمون: لقد هبَّ النسيمُ الرقيقُ العليلُ نقيًّا زكيًّا، مُضمَّخًا بعَبَق شعائر الحجِّ ومشاعره، وعلائمه ومعالمه وفروضه، وحَرَم اللهِ الآمِن الذي أوسَعَه كرامةً وبهاءً وجَمَالًا، وعظمةً وقداسةً وجلالًا، وهذه أفاويج الحجيج تَؤُمُّ البيتَ العتيقَ وتلبِّي من كل فج عميق، وتَفِدُ من كل طرف سحيق، تغمرهم سيولُ الأفراح، وتغشاهم فيوض الانشراح، وهذه وفود الله التي أقبلت على ربها مسارعةً، وبسطت أَكُفَّ الذل ضارعةً، ففاضت عباراتهم وارتفعت دعواتهم.

 

إليكَ إلهي قد أتيتُ مُلَبِّيًا *** فَبَارِكْ إلهي حَجَّتِي ودعائي

قَصَدْتُكَ مُضْطَرًّا وجِئْتُكَ بَاكِيًا *** وحاشاكَ ربي أن تَرُدَّ بُكَائِيا

أتيتُ بلا زاد وجُودُكَ مَطْمَعِي *** وما خابَ مَن يَهْفُو لجُودِكَ سَاعِيًا

 

أيها المسلمون: قدِّسُوا الحرمَ، وعظِّمُوا حُرمَتَه، وراعُوا مكانته، وصُونوا هيبته، والتزِمُوا بالأنظمة والتعليمات، واحذروا ما يعكِّر صفوَ الحجِّ، أو يخالف مقاصدَه، أو ينافي أهدافَه، وليس الحجُّ مَوضِعًا للخصومات والمنازَعات والمجادَلات، ولا مكانًا للتجمهرات والمظاهرات والمسيرات، ولا موقعا للشعارات والحزبيات والعصبيات، والحجُّ أَجَلُّ وأسمى وأعلى مِن أن يكون مسرحا للخلافات الحزبية والمذهبية، وموطنا للنزاعات الطائفية والسياسية.

 

أيها الحجاج والعُمَّارُ: تعلَّموا فقهَ الحج وشروط إجزائه، وصفة أدائه قبل أن تتلبسوا بالإحرام، وتقصدوا البيت الحرام، وكم من حاجّ رَكِبَ من الأمر أجسمه وأعظمه حتى بلغ الديار المقدسة ثم شَرَعَ في أداء نُسُكه فإذا هو لا يُدرك أحكامَه، ولا يُحسن إتمامَه، فعاد إلى وطنه وقد تَرَكَ رُكنًا أو أسقط شرطًا، أو أهمل فَرْضًا، أو ارتكب محظورًا أو أتى محظورا.

 

معاشر الحجاج والعُمَّار والزُّوَّار: عقيدة الإسلام جمعتكم، وفريضة الحج نَظَمَتْكُم، وأواصر الدين وحدتكم، فتراحموا وتعاطفوا وتعاونوا، ولا تدافعوا ولا تزاحموا ولا تقاتلوا، ارحموا الضعيف وأرشِدوا الضالَّ، وساعدوا العاجز المحتاج، وعليكم بالرفق والتمهل والترسل ولِينِ الجانبِ والمسامَحَة وترك المزاحمة، وتَجَلْبَبُوا السَّكِينَةَ، واستشعِروا الخشيةَ، والزَمُوا الوقارَ والملاطَفَةَ، وإياكم والجدال والمراء والملاحاة، واحذروا المنازعة والتلاسن والخصام واللغوَ من الكلام.

 

واجتنِبوا قول الخنا والفحش واللغو والهَجْر والسباب، والتنابذ بالألقاب وصونوا حجكم عن أرجاس الشرك وأنجاس البدع والمحدَثات، واجتَنِبوا اللغو وارموا الجِمَارَ بالحصى الصغار على قدر الباقلاء أو النواة أو الأنملة، وإياكم ومجاوزة حد الشرع، وتأسَّوْا بالحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في نسككم وأعمال حجكم، وأكثِروا من التوبة والاستغفار، وأظهِروا التذللَ والانكسارَ، والندامة والاحتقار، والحاجة والاضطرار؛ فإنكم في مساقط الرحمة ومَواطِن القبول، ومظنَّات الإجابة والمغفرة والعتق من النار، تَذَكَّروا جلالةَ المكان، وشرف الزمان، وتذَكَّروا قولَ الحبيب المحبوب -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَجَّ فلم يَرفُثْ ولم يَفسُقْ رَجَعَ كما ولدتْه أُمُّه، والحَجَّةُ المبرورةُ ليس لها ثوابٌ إلا الجَنَّةُ" تلقَّى اللهُ دعاءكم بالإجابة، واستغفارَكم بالرضا، وحجَّكم بالقبول، وجعل سعيكم مشكورا، وذنبكم مغفورا، وحجكم مبرورا.

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو كان للأوابين غفورا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله آوَى مَن إلى لُطفه أَوَى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، داوَى بإنعامه مَنْ يَئِسَ من أسقامه الدوا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة تبقى وسلاما يَتْرَى.

 

أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا اللهَ وراقِبوه وأطِيعوه ولا تَعْصُوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].

 

أيها المسلمون: يوم عرفة يوم شريف منيف كريم، وعيد لأهل الموقف عظيم، يوم تُعتق فيه الرقابُ، يوم تُسمع فيه الدعواتُ وتُجاب، يوم كَثُرَ فيه خيرُ ربِّنا وفاض، وما مِن يوم أكثر من أن يُعتق اللهُ فيه عبدًا من النار مِن يومِ عرفةَ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكةَ فيقول: ما أراد هؤلاء؟ وأفضلُ الدعاءِ بركةً وأجْزَلُه إثابةً، وأعجَلُه إجابةً دعاءُ يوم عرفة، فاجتهِدوا فيه بالتضرع والثناء والدعاء.

 

ويستحب صيام يوم عرفة لغير الحاجِّ، وصيامُه يكفِّر السنةَ الماضيةَ والباقيةَ، ويُستحب التكبيرُ عقب الصلوات المفروضات من فجر يوم عرفة إلى آخِر أيام التشريق، والمسبوق ببعض الصلاة يكبِّر إذا فَرَغَ من قضاء ما فاته، ويكبِّر الحُجَّاجُ ابتداءً من ظُهر يومِ النَّحْرِ.

 

أيها المسلمون: كَبِّروا في الأرجاء والأنحاء، كَبِّروا في البنيان والخلاء، كَبِّروا في العمران والفضاء، كَبِّروا في الصباح والمساء، كَبِّروا حتى يبلغ تكبيرُكم عَنانَ السماءِ.

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله ولله الحمد.

 

وصَلُّوا وسلِّمُوا على أحمد الهادي شفيع الورى طُرًّا، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الآلِ والأصحاب، وعنا معهم يا كريم يا وهاب.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودَمِّر أعداءَ الدِّينِ، واجعل بلاد المسلمين آمنةً مطمئنةً مستقرةً يا رب العالمين.

 

اللهم وَفِّقْ إمامَنا ووليَّ أَمْرِنا خادمَ الحرمين الشريفين لِمَا تُحِبُّ وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين يا رب العالمين.

 

اللهم انصر جنودنا المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم احفظ رجال أمننا واجزهم خيرَ الجزاء وأوفاه يا رب العالمين، اللهم اشْفِ مرضانا، اللهم اشْفِ مرضانا، اللهم اشْفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحم موتانا وفُكَّ أسرانا وانصرنا على مَنْ عادانا، اللهم تَقَبَّلْ مِنَ الحجاج حجهم وسعيهم، اللهم تقبل من الحجاج حجهم وسعيهم، اللهم اجعل حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا، وذنبهم مغفورا، اللهم تَقَبَّلْ مَسَاعِيَهم وزَكِّها، وارفع درجاتِهم وأَعْلِها وبلِّغْهُم من الآمالِ منتهاها، ومن الخيرات أقصاها، اللهم اجْعَلْ دعاءنا مسموعًا، ونداءَنا مرفوعًا. يا كريمُ يا عظيمُ يا رحيمُ.

المرفقات

نصائح للحجاج والعمار

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات