نصائح لصلاح الدنيا والدين

يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

2022-01-21 - 1443/06/18 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/الأوضاع الصعبة لأبناء فلسطين والمسجد الأقصى 2/المطالبة بإطلاق سراح المعتقلَين 3/الوصية بالتوبة وترك المعاصي والآثام 4/نصائح لنساء المسلمين 5/على المسلم أن يتذكر دائما أنه مسؤول عن كل أفعاله 6/التحذير من فتن الدنيا

اقتباس

وتذكروا -يا عبادَ اللهِ- أن العزة والكرامة والنصر لا تأتي بالنوم والكسل، وإنما تأتي بالعمل الصالح، ومحبة الناس، ومرضاة الله، فما الذي نشاهده اليوم في مجتمعاتنا، أعمال كالسراب، وقلوب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الكريم بآلائه، العظيم بكبريائه، القادر فلا يمانع، القاهر فلا ينازع، العزيز فلا يُضام، والمنيع فلا يُرام، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، الأولُ بلا ابتداء، الآخِرُ بلا انتهاء، المتعالي في سلطانه، البادئ بإحسانه، العائدُ بامتنانه، اللهم إنَّا أمسينا في نعمة منكَ وعافية وسَتْر، فأتمَّ علينا نعمتَكَ وعافيتَكَ وسترَكَ في الدنيا والآخرة، ووفِّقْنا لشكركَ، اللهم بنورِكَ اهتدينا، وبفضلك استغنينا، وبنعمتك أصبحنا وأمسينا.

 

ونشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، وصفوتُه وخليلُه، حليةُ الأولياء، وتاج العارفين، إمام المتقين، وأمان الخائفين، وخاتم الأنبياء والمرسَلين، أقام أحكام الدين، ورفَع لواءَ المسلمين، ودافَع عن أرضهم وأعراضهم ومقدَّساتهم، بالحق والعدل والقوة والشجاعة، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وارض اللهم عن آل بيته الكرام، الذين اصطفاهم لوراثة كتابه، وحَبَاهم بالنصيب الأوفى من ثوابه، اللهم اجْمَعْنا بهم في مستقر رحمتك يا أرحمَ الراحمينَ، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعينَ، سيَّما أبي بكر الماضي على سُنَّتِه، والفاروقِ المقتصِّ لأثره، وعثمانَ الذي لم يزل سراجُه زاهرًا، وضوؤه لامعًا، ونورُه ساطعًا، وعليّ -رضي الله عنه- وكرَّم اللهُ وجهَه، صاحب العقل والقلب والعلم والأذن الواعية، والعهود الوافية، كان يقول: "كانت العلماء والحكماء والأتقياء يتكاتَبون بثلاث ليس لهن رابعة: مَنْ أَحْسَنَ سَرِيرَتَهُ أَحْسَنَ اللَّهُ عَلَانِيَتهُ، وَمَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، أَحْسَنَ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ الدُّنْيَا". اللهم ارضَ عن سائر الصحابة أجمعينَ، مِنَ السابقينَ الأولينَ، مِنَ المهاجرينَ والأنصار، والذين تبوؤوا الدارَ والإيمانَ، وعن أهل بدر وأُحُد وأصحاب البيعة والرضوان، وارضَ عنَّا معهم يا صاحبَ الجودِ والإحسانِ.

 

أما بعدُ، فيا عبادَ اللهِ: اتقوا اللهَ تبارَك وتعالى-؛ فإن تقوى الله غُنم، وإن أكيسَ الناسِ مَنْ دان نفسَه وَعَمِلَ لما بعدَ الموت، واكتسَب من نور الله نورًا لظلمة القبر، وليخشَ عبدٌ أن يَحشره اللهُ أعمى وقد كان بصيرًا، واعلموا أن مَنْ كان الله معَه لم يَخَفْ شيئًا، ومَنْ كان الله عليه فمن يرجو سواه؟! فأنتم يا أهلنا في أرضنا المقدَّسة؛ ألستُم أنتم أصحابَ هذه الأرض الطيبة؟ التي ارتوَتْ بدمائكم الطاهرة، فإيَّاكم ثم إيَّاكم والتفريطَ بذرة تراب منها، إيَّاكم والتقصيرَ والضَّعْفَ، فقصورُ الهمم توجب العدم، لا تَخْشَوْا إلَّا اللهَ، فهو نعم المولى ونعم النصيرُ، ويا أيها المؤمن، نور الله عليك في الدنيا والآخرة: اصبر على الخير وفعله، اصبر بالرباط في الأرض المقدسة، وفي هذه الرحاب الطاهرة، روض نفسك على العبادة والذكر والتدبر والتلاوة والعمل بالقرآن، إذا قرأت: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[الْإِخْلَاصِ: 1]، فقل أنت: "الله الأحد الصمد"، إذا قرأت: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)[الْفَلَقِ: 1]، فقلت أنت: "أعوذ برب الفلق"، وإذا قرأت: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)[النَّاسِ: 1]، فقل أنت: "أعوذ برب الناس".

 

عبادَ اللهِ: الأوضاع والأحوال مؤلمة، وليس لها من دون الله كاشفة؛ أنتم ترون بأُمّ أعينكم كيف تُهدَم بيوتُنا، ويُشرَّد أصحابها في العراء من الرجال والأطفال والنساء، وبلا رحمة ولا شفقة ولا هوادة، في الشيخ جرَّاح وبيت حانينا وسلوان وغيرها من أرضنا المقدَّسة، حُرماتنا تُنتهَك حتى في مقدساتنا، في المسجد الأقصى، اقتحامات يومية، وتعطيل لعمل دائرة الأوقاف من صيانة هذا المسجد ورعايته، وعرقلة العاملين فيه، وتشديد الخناق على المصلين، والإبعاد للرجال والنساء، أليس هذا هو الظلم بعينه؟! أحوال القدس وأهلها صعبة للغاية، مخالَفات وغرامات وضرائب يعجز عنها الإنسان، كل هذه الإجراءات وغيرها لن تؤدي إلى أي استقرار منشود، انظروا بأُمّ أعينكم إلى أَسْرَانا، لقد تحمَّلوا ما لم تتحمله الجبال الرواسي، وهم صابرون على الظلم والأذى، ونحن من هنا نطالب بإطلاق سراحهم، وحفظ كرامتهم، وبخاصة الأسير ناصر أبو حميد، الذي يعيش في غيبوبة تامة، وهو مريض ويعاني من أشد الألم، اللهم أطلق سراحهم، واكتب الشفاء العاجل لمرضاهم، وأعِدْهُم إلينا سالمينَ، وهناك أهلنا محاصَرون منذ زمن طويل، يعيشون الألم، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يفك الحصار عنهم.

 

وتذكروا -يا عباد الله- أن العزة والكرامة والنصر لا تأتي بالنوم والكسل، وإنما تأتي بالعمل الصالح، ومحبة الناس، ومرضاة الله، فما الذي نشاهده اليوم في مجتمعاتنا، أعمال كالسراب، وقلوب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب.

 

يا أيها المسلم: ما أكمَلَك لو بادرتَ التوبةَ، ما أجمَلَك لو بادرتَ بالإحسان، ما أقواكَ لو خالفتَ هواكَ واتبعتَ مولاكَ، وسرتَ في هداك، وتمسكتَ بتقواك، وتشبَّهتَ بأهل الفَلَاح والصلاح والنجاح، المؤمن -يا عباد الله- وَرِع عن المحارم، لين الجانب، قريب المعروف، سريع الرضا، إن صحبته تسلم، وإن شاركته تغنم، وإن سمعتَ منه تتعلم، كثير الوقار، مكرِم للجار، مُطيع للواحد القهَّار، قلبه بمعرفة الله زاهر، ولسانه بذكره هادر، وبدنه لطاعته ساهر، أب لليتيم، رحيم بالأرملة، لا يظلم ولا يأثم ولا يتكلَّف، لا يحسد ولا يطعن ولا يلعن، يحافظ على أهل بيته، ويرعى أحوالهم، ويقف عند حدود الله، ونحن بحاجة لتأديب أولادنا وبناتنا وأُسَرنا، كفاكم أيها الرجال، كفاكم ظلمًا وفسادًا، كفاكم من الحَلِف والطلاق التعسفي القائم على الظلم والأذى، أصلِحوا أنفسَكم يصطلح أولادكم ونساؤكم، راقبوا أنفسكم تفلحوا.

 

وأنتِ أيتها المسلمةُ: أقيمي الصلاة واهجري المعاصي واذكري الله كثيرا؛ فإنه أحب الأعمال إلى الله، اذكري الله عند الخطيئة يذكركِ عند المغفرة، وأطيعي زوجك يكفك شر الدنيا والآخرة، وبري والديك يكثر خير بيتك، عليك بذكر الله آناء الله وأطراف النهار وغض البصر، وخفض الصوت، والتوقف عن الأعمال التي لا ترضي المولى -تبارك وتعالى-، فيا أيتها النساء: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الْأَحْزَابِ: 33]، وتعلمنَ من المؤمنات المحصَنات الغافلات، كانت السيدة حفصة بنت سيرين تُسرج سراجَها من الليل ثم تقوم وتصلي في مصلاها، فربما انطفأ السراج ويضيء لها البيت حتى تصبح، كانت تتعامل مع الله فسخَّر الله لها كلَّ شيء، كانت تقول لزوجها: "قم يا رجلُ، فقد ذهب الليلُ، وبينَ يديكَ طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت أمامَنا، وبقينا نحن".

 

فيا أيتها المسلمات المؤمنات: لا تكنَّ أعجزَ من هذا الدِّيكِ الذي يُصوِّت بالأسحار وأنتنَ نائماتٌ على فراشكنَّ، ورَد عن الصحابية الجليلة أم المؤمنين أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نظر ذاتَ ليلة إلى السماء فقال: "سبحان الله! ماذا أنزل الليلة من الفتن، أو ماذا أنزل من الخزائن، أوقظن صواحب الحُجَر، فلربَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ يومَ القيامةِ".

 

عبادَ اللهِ: ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ كل ودود ودود، إذا غضبَتْ أو أُغضِبَتْ أو أُسيئ إليها أو غضب زوجُها قالت: "هذه يدي في يدك، لا أكتحل بغمض حتى ترضى".

 

عبادَ اللهِ: إن القلوب أوعية، بعضها أوعى من بعض، فإذا دعوتُم اللهَ فادعوه بقلوب صادقة سليمة، واسألوه الرضا والرضوان، والفوز بالجِنان، فيا فوز المستغفِرين استغفِروا الله.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الملك المنَّان الجواد، المقدَّس عن الأمثال والأنداد، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أنجَز لعباده الصالحين وعدَ الاستخلاف، وقهَر بأهل التوحيد أهل الشرك والخلاف، -سبحانه- ما أوسع عطاه، وما أعظم علاه، وما أجلَّ ما أبدعَه مما أظهَره وأخفاه، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، نبي الرحمة، ومعلِّم الحكمة، أخرَج الأمةَ من الظُّلْمة، فشرَح اللهُ صدورَهم بأنوار الهداية، فجعلهم أدلة العبادة، وأمَنة البلاد.

 

ونسأله -تبارك وتعالى- أن يرزقنا العلم النافع، وأن يوفقنا للعمل الصالح، ويقينا في الدين والبدن، أعراض السوء الرديئة، والأمراض الخبيثة الوبيئة، فنحن ممن آمن به وأسلم، وفوض إليه الأمر وسلم، وخضع لعزه القاهر، ودان واستسلم.

 

أما بعدُ، فيا عبادَ اللهِ: تذكروا أنكم مسؤولون وسوف تُحاسَبون، ماذا قدمتُم وماذا فعلتُم؟ ومن أين اكتسبتم؟ ستقفون بين يدي من لا تخفى عليه خافية، (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غَافِرٍ: 19]، فأنت أيها المسؤول، أيها الحاكم، إن الله جعلك مسؤولا في البلاد، ورقيبا على العباد، يأمن بك الخائف، ويلجأ إليك الضعيف، فأقم العدل، وانشُرِ القسطَ بين الناس، وإياَّك ثم إيَّاك ومعاداةَ مَنْ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، إياك ومعاداة الأولياء من أبناء هذه الأمة، نحن نحب الحاكم الذي يعمل لمصلحة المسلمين ويخشى الله، ونعادي من يسفك الدماء، ويجور في القضاء، ويحكم بالهوى، الإمام العادل لا ترد دعوته، أتدرون لماذا يا عباد الله؟ لأنه يقسم بالسوية، ولا يفتنه الملك، ولا تشغله النعمة، إذا تلكم فكلامه يجلو القلوب من العمى، كما يجلو الزيت صدا الطست.

 

فاتقوا الله -يا عباد الله-، إن العمر قصير، إياكم والصفات الشيطانية، اتصِفوا بالصفات النورانية، أوقِفوا عقاراتكم خشيةَ الضياع، فالحافظ هو الله، نحن نعيش اليوم في أشراط الساعة، ومن أشراطها أن يكون الولد غيظًا، والمطر قيظًا، وتفيض الأشرار فيضًا، وتغيض الأخيار غيضًا، ويُصدَّق الكاذبُ، ويُكذَّب الصادقُ، ويُؤتمن الخائنُ، ويُخوَّن الأمين، ويسود كلَّ قبيلة منافقوها، وكلَّ سوق فُجَّارها، وتُزخرَف المحاريبُ، وتخرب القلوب، ويكتفي الرجالُ بالرجال والنساءُ بالنساء، ويخرب عمران الدنيا، ويعمر خرابها، وتظهر الفتنة، وأكل الربا، والمعازف، وشرب الخمر، وتكثر الشرط، والغمَّازون واللمَّازون والهمَّازن، كيف أنتم يا عباد الله إذا مَرَجَ الدينُ؟ وظهرت الرغبة، واختلفت الإخوان، وحرق الإنسان، وسفكت الدماء، وظهرت الزينة؟ كيف سيكون الحال إذا فشا ولد الزنا؟ ابتعِدوا عن الشهوات والشبهات، والسهر فيما يُغضب اللهَ، لا تزال أمتي بخير ما لم يفشُ فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولدُ الزنا فيُوشك أن يعمَّهم الله -عز وجل- بعقاب.

 

العجب كل العجب مَنْ يدُه في سلة الأفاعي كيف يُنكر اللسعَ؟ ومن حامَ حول الحمى يُوشِكُ أن يقع فيه، إذا أراد اللهُ أن ينقل العبد من ذل المعصية إلى عز الطاعة آنسَه بالوحدة، وأغناه بالقناعة، وبصَّرَه عيوبَ نفسه، فمن أُعطِيَ ذلك فقد أُعطِيَ خيرَ الدنيا والآخرة.

 

اللهم إنَّا نسألكَ النجاةَ يوم الحساب، والمغفرةَ يوم العقاب، والرحمة يوم العذاب، والرضا يوم الثواب، والنور يوم الظلمة، والري يوم العطش، والفرَج يوم الكرب، وقرَّة عين لا تنفد، ومرافقة النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، اللهم إنَّا نسألك الأمن والأمان من فتنة الزمان، ونعوذ بك من جفاء الإخوان وشر الشيطان، وظُلم السلطان، ارحمنا برحمتك يا رحيم يا رحمن.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

 

المرفقات

نصائح لصلاح الدنيا والدين.doc

نصائح لصلاح الدنيا والدين.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات